تحليل وائل سليمان وغرفة إندكس لتغطية الحرب السودانية
سقوط الفاشر عاصمة دارفور الإقليم السودانى الملعون منذ أكثر من ربع قرن من الأزمات والحروب وجرائم الإبادة، يمثل حالة من الارتباك وحتى الرعب في المنطقة كلها، وكأنها لم تكن محاصرة منذ عامين، وبالكاد تقف قوات الجيش السودانى المحاصرة على أرجلها هناك، حتى سقطت تماما.
واعترف رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بالانسحاب الاضطرارى في أول تعليق رسمى على سقوط الفاشر، مؤكدا إن الشعب السوداني والقوات المسلحة سينتصران، مشيرًا إلى أن قرار مغادرة المدينة جاء نتيجة لما تعرضت له من تدمير ممنهج.
شكوك متزايدة
هذا التصريح الرسمي لم يبدد الشكوك المتزايدة حول أداء القيادة العسكرية، بل زاد من حدة الجدل بشأن استراتيجية الجيش في إدارة الحرب، خاصة في ظل تكرار الانسحابات من مواقع استراتيجية دون مقاومة تُذكر، ما يثير مخاوف من انهيارات محتملة في مناطق أخرى.

والسؤال الآن حول المربع القادم هل أكثر سواداً أم يستطيع الجيش السودانى تجميع نفسه من جديد، هناك قلق على مصير كردفان، وارتياح من افتضاح جرائم ميلشيا الدعم السريع، لطت المهم القادم.
تطور عسكرى وتحول استراتيجي
وبالتالى لم يكن سقوط مدينة الفاشر مجرد تطور عسكري في سياق الحرب السودانية المستمرة، بل نقطة تحول استراتيجية كشفت عن هشاشة الوضع الميداني للجيش السوداني، وعمق الأزمة الإنسانية والسياسية التي تعصف بالبلاد.
وبعد حصار خانق دام نحو عامين، انتهى المشهد بكارثة إنسانية مروعة، وسط تقارير عن فظائع ارتُكبت بحق المدنيين وتوثيقات تؤكد ذلك منها ما يتباهى أصحابها بها ومنهم السفاح أبولولو.

السقوط المدوى والتساؤلات المقلقة
وعموما، هذا السقوط المدوّي أثار تساؤلات مقلقة حول أداء القيادة العسكرية، وفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر تعقيدًا بشأن مستقبل السودان ووحدة أراضيها.
ويواجه السودان منعطفًا خطيرًا قد يحدد مصيره لعقود قادمة. فسقوط الفاشر لم يضعف موقف الجيش ميدانيًا فحسب، بل هزّ الثقة في قيادته، وفتح الطريق أمام تمدد عسكري لقوات الدعم السريع قد يؤدي إلى تقسيم البلاد فعليًا.
إعادة صياغة الحرب
كما حذّر بعض الخبراء. وبينما يعيش المدنيون تحت وطأة حرب لا ترحم، وقيادة عسكرية مثيرة للجدل، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون الفاشر بداية لسلسلة من الانهيارات، أم أنها ستشكل صدمة كافية لإعادة صياغة استراتيجية الحرب قبل فوات الأوان؟

فعلى سبيل المثال، عبّر رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية، عثمان ميرغني، عن صدمته من أداء الجيش، مشيرًا إلى أن الانسحاب المفاجئ من الفاشر أدى إلى فوضى عارمة، وترك المدنيين لمصيرهم الدامى.
الفظائع بعيدة عن الإعلام
وأكد أن الفظائع التي ارتُكبت فاقت ما تم تداوله إعلاميًا، مستشهدًا بتقارير الأقمار الصناعية التي رصدت بقع دماء واسعة في المدينة.
كما أشار ميرغنى إلى وجود تشكيك واسع في قيادة الجيش، متهمًا إياها بالسعي إلى تسوية مع قوات الدعم السريع على حساب مناطق أخرى، ما أدى إلى تصدع واضح في الجبهة الموالية للجيش.

نقطة ارتكاز عسكرية وسياسية
بينما اعتبر عادل عبد العاطي، رئيس حملة السودان للمستقبل، سقوط الفاشر نقطة ارتكاز عسكرية وسياسية نظرًا لموقعها الحيوي المطل على إقليم كردفان والشمال.
وأكد أن هذا السقوط يُعد انهزامًا واضحًا للجيش والقوات المشتركة، متوقعًا أن تتجه قوات الدعم السريع نحو مناطق غرب وشمال دارفور، تمهيدًا للسيطرة على مدينة الأبيض، عاصمة شمال كردفان، ومنها إلى ولاية النيل الأبيض.
تسوية محتملة
وحذر عبد العاطي من أن هذا التقدم العسكري قد يُحدث تحولًا جذريًا في موازين القوى، ويمنح قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” أفضلية تفاوضية في أي تسوية محتملة.

وقال الصحفي السودانى المتخصص في الشؤون الأفريقية، عيسى دفع الله، ما حدث في الفاشر جرائم بشعة ارتكبتها قوات الدعم السريع وحلفاؤها، محمّلًا إياهم المسؤولية الكاملة عن الكارثة الإنسانية.
وأشار إلى أن المدنيين، من أطفال ونساء وشيوخ، أصبحوا ضحايا لآلة الجنجويد الإرهابية. كما انتقد قيادة الجيش، مؤكدًا أن الاستهتار وعدم الشفافية الذي تمارسه القيادة العسكرية، وعلى رأسها رئيس مجلس السيادة، أدى إلى تفكك الجبهة الداخلية، ما سمح لقوات الدعم السريع باستغلال الوضع للضغط من أجل فرض شروطها على طاولة المفاوضات.
