وحدة الشئون الإسرائيلية
قدم المستوطن الإسرائيلي جويل بينو، شقيق قتيل إسرائيلى في حرب أكتوبر 73، شهادة تكشف مدى الانهيار الذي خلفته الحرب فيهم رغم الترويجات المغلوطة حول إنقاذهم أنفسهم في نهاية الحرب وإجبار المصريين والسوريين على وقف القتلل
ويقول بينو في مقاله الفاضح، الذي نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، قبل اثنين وخمسين عامًا، سقطت السماء، وغطت الأرض سحابة سوداء ثقيلة، وبدأ الفشل الذريع يُظهر بوادره، وعمت الفوضى والاضطراب إسرائيل.
نفس الثقافة السياسية الفاسدة، نفس الغطرسة، نفس التهاون، نفس الكبر، ونفس العمى. نفس حرب الجنرالات، نفس المفهوم. نفس الفشل الذريع، نفس إطفاء الأنوار.
وحسب قول الكاتب الإسرائيلي، مرة أخرى، يُطرح هذا السؤال في أكتوبر/تشرين الأول 1973: أين كان الجيش الإسرائيلي القوي حين كانت هناك حاجة إليه؟ نعم، كان أخي، الرقيب أول إليعازر، البالغ من العمر 32 عامًا، من بين من دفعوا ثمن الغطرسة الإسرائيلية، وأُعلن “قتيلا في الجيش الإسرائيلي لا يُعرف مكان دفنه”.

وحسب إفادته، آنذاك والآن، يعمى السياسيون والجنرالات عن الواقع، ثملون بالأوهام في طريقهم إلى التجهيل الكامل، متآمرون وفاسقون، أصحاب السلطة الذين كانوا يستعدون لحرب من نوع مختلف، حرب الانتخابات، التي وقفت على الأبواب وغيّرت حسابات التفويضات المتوقعة، تحت غطاء من الضباب غطى البلاد بأكملها.
وكما يشهد بينو، في بلدٍ مجنون، خالٍ من القيم، فقط، يتوق الآباء، آنذاك والآن، إلى دفن جثمان ابنهم أو ابنتهم، وفقًا للعرف والقانون، في تراب الأرض التي ضحى لها عشاقها بكل ما أوتوا من قوة. عشية رأس السنة العبرية، صرّح وزير الدفاع آنذاك في مقابلة احتفالية على القناة الوحيدة بأن السلام مضمون لنا في قناة السويس لعشر سنوات على الأقل.
وأضاف الشاهد الإسرائيلي الغاضب، نفس الأصوات على أجهزة الراديو، نفس التقارير المُقلقة من مراكز المراقبة، نفس صرخات الاستغاثة والمساعدة، التي لم تُجْدِ نفعًا ولم تُجْدِ إجابة. قبل ثلاثة أيام من اندلاع الحرب، كتب أخي رسالته الأخيرة، التي وصلت بعد سقوطه.
ووفق تساؤله، هل كان يُلمّح أخى الذي قتل بعد ذلك إلى الأجواء المُزرية في القناة؟ ما الذي كان يدور في خلده؟ أتذكر عنوانًا رئيسيًا نشره أحد المراسلين العسكريين آنذاك عشية الحرب، حذّر فيه من تمركز القوات المصرية ووجود عسكري على الجانب المصري، لكن الرقابة العسكرية رفضت 90% من الأخبار، وتركتها فارغةً من أي مضمون أو معنى.

ويشير الشاهد الإسرائيلي، إلى ستة كتل خرسانية تخليداً لذكرى شهداء الكتيبة 68 من لواء القدس، اللواء 16، الذين سيطروا على معاقل القناة في الشمال والوسط، والذين جُنِّدوا للخدمة الاحتياطية قبل أيام قليلة من حرب أكتوبر 73، تروي القصة. أن ستة كتل نُقشت عليها أسماء 76 من شهداء اللواء في الحرب، وأسماء المعاقل، ونداءات الاستغاثة التي أطلقها المقاتلون آنذاك في 7 أكتوبر 1973، والتى لم تختلف عن صرخات المستوطنين في أكتوبر 2023.
ويتابع الكاتب الإسرائيلي، إليكم مجموعة مختارة من محتوياتها: “إنهم قادمون نحونا، هل فهمتم؟”؛ “هيا يا مدفعية”؛ “انتظر الطائرات، كم من الوقت تستغرق الطائرة للوصول؟”؛ “إنهم قادمون نحونا، قوة هائلة، بحاجة إلى قوة جوية”؛ “وقف رجل عجوز مكشوفًا وأطلق النار دون خوف، يعلم أن أحدهم يجب أن يرفع رأسه”؛ “لا يجيبون”؛ إنهم لا يأخذون أسرى، بل قُتل أصدقاء سائق الدبابة على الفور؛ لم أكن لأترك نفسي أقع في الأسر، فالخيار إما حياة أو موت.
ويواصل بينو في مقاله، سننتقل الآن أيضًا إلى المعلومات التي جمعناها من الأسرى المصريين عن مصير أخي إليعازر. أردنا أن نعرف ما حدث في لحظاته الأخيرة، وهو يقف محاربًا عند مدخل مخبأ الحصن، محاولًا منع جحافل المصريين من اختراقه، لكن دون جدوى.

لم يتبقَّ في الحصن سوى ثمانية عشر جنديًا، بعضهم مقاتلون، قُتل معظمهم، وأسر عدد قليل منهم. أدلى أحد المقاتلين العائدين من الأسر بشهادته للمحققين، سمعنا الجنود المصريين يصرخون فينا: “اخرج!”، وبدأوا يشتمون، “لماذا تبقون في الداخل؟ اخرجوا وقاتلوا، وهكذا دواليك”. بعد ذلك، على ما يبدو، قصفوا داخل المخبأ بقنابل البازوكا… على أي حال، لم أسمع صوت مرة أخرى بعد هذا الهجوم”.
في الساعة الثالثة من عصر يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 1973، المشئوم، انهار الحصن.
وفي 4 أبريل/نيسان 1975، أُعيدت جثامين 39 قتيلا من الجيش الإسرائيلي. كنا نأمل أن يكون إليعازر بينهم. وبعد عام وسبعة أشهر من انتهاء تلك الحرب.
سنزور إليعازر، الذي عاش في القدس، هذه المرة في عنوانه الجديد القديم في قبره الرمزى، المنطقة ب، القطعة 2، الصف 6، القبر 10. هناك أيضًا تكمن عدم ثقتي الكاملة، على الأقل، بالسياسيين من جميع الأنواع، ضعفاء، بلهاء، ينشدون ملذات حكم في حالة تدهور مستمر.
وأنهى شهادته حاسا، لقد انطفأت منارة حياتنا.
