قسم التحقيقات
مرت ثماني سنوات على قرار الحكومة المصرية تحرير سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي (التعويم) وخفض قيمة العملة للمرة الأولى من ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، وهو ما تلاه من خفوض أخرى لينزلق الجنيه المصري أمام الدولار من 8.8 جنيه في مطلع عام 2016، حتى أصبح على مشارف الـ50 جنيهاً مقابل الدولار الأميركي في الوقت الحالي.
إذ زادت قيمة الأخير مقابل الأول بنحو 470 في المئة تقريباً، وهو ما تآكلت معه القدرة الشرائية للجنيه المصري بفعل التضخم والغلاء المستشري بعدما طاول كل شيء تقريباً.
لعل أبناء الطبقة المتوسطة في مصر هم الأكثر تضرراً، بعد أن تلقت طبقتهم موجات التعويم المتتالية بصورة لم تحدث من قبل، فعلى رغم أن أبناء تلك الطبقة تحملوا قرارات إصلاح اقتصادي منذ منتصف سبعينيات وحتى تسعينيات القرن الماضي تشبه إلى حد كبير الإصلاحات الاقتصادية الحالية، فإن السرعة التي انزلق بها أبناء الطبقة المتوسطة في الوقت الحالي، لم تحدث من قبل ففي بضع سنوات تغيرت أنماط الإنفاق والاستهلاك والتوجهات الاقتصادية.
“كل شيء تغير منذ هذا التاريخ الأسعار انفجرت واستشرى الغلاء الذي طاول كل شيء من أسعار السلع الأساسية، التي لا يمكن الاستغناء عنها وحتى أسعار السلع الفاخرة وأسعار السلع المعمرة حتى أسعار المرافق لم يعد هناك شيء كالسابق”.
وقال موظف ، أعتقد من وجهة نظري أن الحالة الاجتماعية ومستويات الإنفاق لشريحة كبيرة من المصريين لم تتأثر فحسب، بل أستطيع أن أقول إنها تبدلت وتغيرت بالكامل”، مضيفاً “يكفي أن أذكر لك راتبي قبل نوفمبر 2016 على رغم ضآلته، لكن كان يكفي حتى أيام قليلة قبل الحصول على راتب الشهر الجديد،بينما الوضع غير الآن”.
وأوضح، “مرتبي تضاعف خلال السنوات الثماني، وهذا أمر جيد”، مستدركاً “لكنه لم يعد يكفي حتى ينتصف الشهر، مما يدفعني إلى الاقتراض من الأصدقاء والأهل ثم السداد ثم الاقتراض ثم السداد، فعلى رغم الزيادات التي طرأت على المرتبات منذ 2016 إلى أن الغلاء والتضخم التهما تلك الزيادات، وكان آخرها زيادة أسعار البنزين والوقود الذي أصبح ارتفع ثلاث مرات في 10 أشهر فحسب، وهكذا تمر الأيام”.
بينما يقول هاني عبدالحميد الذي يعمل في إحدى شركات القطاع الخاص إن “الغلاء قبل 10 سنوات كان يحدث علي فترات زمنية بعيدة، وكان ذلك يجعلنا نتحمل النفقات على أمل زيادة جديدة سنوية في المرتب”.
ويستدرك “الآن لا نلاحق الغلاء فبعض السلع ومنها الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها كالألبان مثلاً ترتفع أسعارها بصورة شبه يومية ومرتبي الشهري لا يكفي لسد حاجات أبنائي وزوجتي مما اضطرني إلى العمل فترة مسائية على “توكتوك” (مركبة نقل شعبية داخلية) حتى أستطيع مكافحة الغلاء
وحول زيادة الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص يقول هاني، “الحكومة لا تنظر إلا إلى موظفيها، بينما أصحاب العمل في القطاع الخاص لا يطبق معظم الزيادات التي تنفذها الدولة ولا يمكن لنا أن اعترض وإلا سيكون الثمن هو ترك الوظيفة”.
تحركات الحد الأدنى للأجور في مصر
الحد الأدنى للأجور في مصر شهد تحركات متدرجة منذ عام 2016، إذ قفز بأكثر من 300 في المئة في غضون 8 سنوات، إذ ارتفع من 1400 جنيه (28.4 دولار) عام التعويم 2016 إلى ألفي جنيه (40.57 دولار) عام 2019، قبل أن يرتفع إلى 2400 جنيه (49 دولار) عام 2021 مع تطبيقه على القطاع الخاص في بداية هذا العام، ثم زاد الحد الأدنى للأجور إلى 2700 جنيه (55 دولاراً) في منتصف 2022 قبل أن يصل إلى 6 آلاف جنيه (122 دولاراً) حالياً.
ولكن الحد الحالي لا يطبق على غالبية العاملين بالقطاع الخاص على رغم المحاولات الحثيثة من قبل الدولة ممثلة في المجلس القومي للأجور التابع إلى وزارة التخطيط المصرية، فإن أصحاب الأعمال يقابلون تلك الدعوات بالتأجيل تارة، والرفض تارة أخرى، بحجة أن شركاتهم ومؤسساتهم وأعمالهم تحقق خسائر في ارتفاع كلف التشغيل وأعباء الصناعة.
وعن أعباء أبناء الطبقة المتوسطة يقول المتخصص في شؤون الاقتصاد الدكتور هاني توفيق، “الطبقة المتوسطة انهارت بصورة غير متوقعة في ظل الغلاء المستشري وارتفاع أعباء الحياة وزيادة الضرائب بأنواعها كافة مع ثبات الدخل أو حتى ارتفاعه بمعدل أقل بكثير عن معدل ارتفاع الأسعار التي طاولت كل شيء تقريباً”.
ويضيف، “أبناء الطبقة المتوسطة في أواخر السبعينيات وحتى في الثمانينيات والتسعينيات كان لديهم القدرة على الإنفاق واستبدال سيارات جديدة بسياراتهم المتقادمة، كذلك كان لديهم القدرة على الإنفاق على تعليم الأبناء وإدخالهم مدارس أجنبية، بل كان لديهم القدرة على الادخار بعد تلك النفقات، وهو ما يفسر توسع تأسيس شركات توظيف الأموال في تلك الفترة، على رغم أن الدولة كانت تقوم بإصلاحات اقتصادية في الفترة نفسها”.
وفسر توفيق ذلك بأن القيمة الشرائية للجنيه المصري آنذاك كانت أكبر على رغم تراجع قيمة الرواتب والأجور، بينما القيمة الشرائية للجنيه حالياً تراجعت بصورة غير مسبوقة، مستدركاً “أبناء الطبقة المتوسطة هم الأكثر تضرراً مما حدث، ووصل الأمر إلى أن سلعاً كانت بالنسبة لهم أساسية أصبحت الآن سلع رفاهية”، معتبراً أن انهيار الطبقة المتوسطة ليس في صالح المجتمع والاقتصاد المصري بالكامل، مطالباً الدولة بالتدخل الفوري لمساندة أبناء الطبقة المتوسطة بأدوات وتسهيلات مالية وفرص عمل والضغط على شركات قطاع الخاص وزيادة الرواتب والأجور.
ليس للطبقة المتوسطة تعريف واحد، فمن هذه التعريفات ما يرى أن الطبقة المتوسطة هم من يبلغ دخلهم ما بين 11 و110 دولارات في اليوم، وقد يكون هذا التعريف صحيحاً لبعض الدول وغير ذلك لبقيتها، فمن المستحيل أن يعد من دخله 15 دولاراً من الطبقة المتوسطة في دول مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة.
وقد يرى بعضهم أن الطبقة المتوسطة هم من يستطيعون تحمل الصدمات الاقتصادية من دون التعرض للإفلاس أو المعونات الحكومية، لذلك، فإن تعريف الطبقة المتوسطة متفاوت بين الدول، بحسب وضعها الاقتصادي والرفاه المعيشي.
وعلى رغم الزيادة الكبيرة في قيمة الحد الأدنى للأجور بأكثر من 300 في المئة في مصر، فإنه في المقابل كانت نسبة زيادة أسعار السلع والخدمات وأسعار الوقود ضعف زيادة الحد الأدنى للأجور أو أكثر في بعض السلع والخدمات تقريباً، فأسعار الوقود في مصر تحركت في غضون 10 سنوات بأكثر من 700 في المئة في الأقل
وبحسب بيانات أعدتها “اندبندنت عربية” فقد تحركت أسعار المحروقات بنسب تراوح ما بين 760 في المئة و172 في المئة خلال الفترة من 2014 وحتى 2024، إذ زاد سعر ليتر بنزين 80 من مستوى 1.60 جنيه (0.032 دولار) إلى نحو 13.75 جنيه (0.283 دولار) ليسجل سعر الليتر متوسط زيادة سنوية 76 في المئة.
بينما ذاد سعر ليتر بنزين 92 بنحو747 في المئة بمتوسط زيادة سنوية خلال الـ10 سنوات الأخيرة بلغ 74.7 في المئة، إذ رفع سعر الليتر من مستوى 1.80 جنيه (0.037 دولار) إلى نحو 15.25 جنيه (0.309 دولار).
وأيضاً ارتفع سعر ليتر بنزين 95 بـ172 في المئة بمتوسط زيادة سنوية تبلغ 17.2 في المئة، إذ رفع سعر الليتر من مستوى 6.25 جنيه (0.128 دولار) إلى مستوى 17 جنيهاً (0.35 دولار).
وقبل نهاية الشهر الماضي أعلنت الحكومة المصرية تحريك أسعار المنتجات البترولية وتشمل البنزين بأنواعه والسولار والكيروسين والمازوت وغاز تموين السيارات، لتكون الزيادة الثالثة خلال العام الحالي.
وتحرك سعر ليتر بنزين 80 من 12.25 جنيه (0.252 دولار) إلى 13.75 جنيه (0.283 دولار)، وزاد سعر ليتر بنزين 92 من 13.75 جنيه (0.283 دولار) إلى 15.25 جنيه (0.314 دولار).
وارتفع سعر ليتر بنزين 95 من 15 جنيهاً (0.309 دولار) إلى 17 جنيهاً (0.35 دولار)، وكذلك ارتفع سعر ليتر السولار من 11.5 جنيه (0.237 دولار) إلى 13.50 جنيه (0.278 دولار)، وزاد سعر ليتر الكيروسين من 11.5 جنيه (0.237 دولار) إلى 13.50 جنيه (0.278 دولار).
وبالنسبة إلى المازوت فقد سعر عند 9500 جنيه (196 دولاراً) للطن لباقي الصناعات، فيما تقرر تثبيت المازوت المورد للكهرباء والصناعات الغذائية.
وبرر رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي القرارات في مؤتمر صحافي في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، قائلاً “الحكومة مضطرة لتحريك أسعار الوقود تدريجاً حتى نهاية 2025″، لافتاً إلى أنه لمدة 6 أشهر مقبلة لن يتم تحريك أسعار الوقود.
وأضاف مدبولي أن “الدولة تحاول التيسير على المواطن وتتحمل العبء الأكبر، لكنه أكد أنه سيتم مراعاة الفئات محدودة ومتوسطة الدخل”.
وعلى رغم الزيادة الكبيرة في أسعار المحروقات، فكلفة الحصول على الوقود ليست هي الثقب الأسود الوحيد الذي أبتلع الزيادات التي طرأت على مرتبات وأجور ومعاشات المصريين، فكلفة الحصول على الخدمات والمرافق تضاعفت هي الأخرى وعلى رأسها كلفة الحصول علي الكهرباء بعد تقليص الدولة دعم الكهرباء لترتفع الأسعار في غضون 8 سنوات بأكثر من 1000 في المئة.
لا يفوتك
متى تعلن زيادة خدمات المحمول الجديدة؟!
“صور”: الداخلية تلقي القبض على مشرفة الحضانة ضاربة الطفلة
وفقاً لبيانات دعم الكهرباء التي تظهرها الموازنة العامة للدولة، إذ أوضحت أن دعم الكهرباء في موازنة العام المالي الحالي 2024-2025، يبلغ نحو 2.5 مليار جنيه (51 مليون دولار)، بالمقارنة مع نحو 23.60 مليار جنيه (480 مليون دولار بأسعار الصرف الحالية) في موازنة 2014-2015.
في أكتوبر الماضي أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة في مصر ارتفاع متوسط الأجر الشهري للعاملين في كل من القطاع العام والأعمال العام والقطاع الخاص بنسبة زيادة 16.8 في المئة بعام 2023.
وأوضح الجهاز أن متوسط الأجر الشهري للعاملين في كل من القطاع العام والأعمال العام والقطاع الخاص بلغ 5005 جنيهات (101.5 دولار) في 2023، مقابل 4284 جنيهاً (87 دولاراً) عام 2022، لافتاً إلى أن متوسط الأجر الشهري في القطاع العام والأعمال العام بلغ 12401 جنيه (251 دولاراً)، مقابل 4675 جنيهاً (95 دولاراً) للقطاع الخاص.
ولفت إلى أن متوسط عدد ساعات العمل الشهرية للعاملين في القطاع العام والأعمال العام بلغ 185 ساعة، فيما بلغت عدد ساعات العاملين في القطاع الخاص 206 ساعة
في أغسطس (آب) الماضي رفعت وزارة النقل المصرية أسعار تذاكر المترو بنسب تراوحت ما بين 25 إلى 33 في المئة سنوياً، لتكون الزيادة السادسة في فترة لا تتجاوز 6 سنوات ونصف العام، بإجمال 1900 في المئة، مقارنة بما كانت عليه سعر التذكرة قبل عام 2017.
ووفقاً للتعريفة الجديدة ارتفع سعر التذكرة التي تشمل 9 محطات بنسبة 33 في المئة إلى 8 جنيهات (0.16 دولار)، بدلاً من 6 جنيهات (0.12 دولار)، أما سعر تلك التي تغطي 16 محطة فزاد 25 في المئة إلى 10 جنيهات (0.20 دولار) بدلاً من 8 جنيهات في السابق، ونفس النسبة بسعر التذكرة التي تشمل 23 لتكون بـ15 جنيهاً (0.30 دولار)، وزاد سعر تذكرة لأكثر من 23 محطة إلى 20 جنيهاً (0.40 دولار
بدأت رحلة زيادة تذاكر مترو أنفاق القاهرة الذي يعد أكثر وسائل المواصلات اعتمادية لدى جموع المصريين، في منتصف مارس (آذار) 2017، عندما قررت الوزارة مضاعفة السعر ليكون جنيهين، بدلاً جنيه واحد لجميع محطات المترو، عقب أول تحرير لسعر صرف الجنيه في أواخر عام 2016.
أما الغاز الطبيعي فارتفعت أسعار الغاز الطبيعي المورد للقطاعين المنزلي والتجاري بواقع 1650 في المئة للشريحة الأولى على مدار 5 سنوات.
وبدأت الحكومة تطبيق أولى مراحل زيادة أسعار الغاز ضمن برنامجها لترشيد دعم الطاقة خلال عام 2014، وأصدرت 5 قرارات في هذا الشأن، آخرها منذ أيام قليلة.
وقفزت أسعار الغاز ضمن الشريحة الأولى التي لا يتجاوز استهلاكها حاجز الـ30 متراً مكعباً، من 10 قروش خلال عام 2014 إلى 40 قرشاً، ثم إلى 75 قرشاً خلال عام 2016، ثم ارتفعت للمرة الثالثة إلى 100 قرش خلال العام الماضي، وأخيراً رفعتها الحكومة العام الحالي لـ1.75 جنيه.
عالمياً، زاد حجم الطبقة المتوسطة في العقد الأخير بصورة واضحة ففي عام 2009، وصل عدد الطبقة المتوسطة إلى 1.8 مليار نسمة، تركز معظمهم في أوروبا بأكثر من 650 مليون نسمة، وآسيا بأكثر من 500 مليون نسمة، وأميركا الشمالية 340 مليون نسمة.
3.6 مليار نسمة أبناء الطبقة المتوسطة عالمياً
أما عام 2018 فقد وصل عدد هذه الطبقة إلى أكثر من 3.6 مليار نسمة، أي إن الرقم تضاعف في 10 سنوات، ويتوقع أن يصل إلى 5.3 مليار بحلول عام 2030.
هذا النمو ارتبط ارتباطاً وثيقاً بنمو الاقتصاد العالمي، لا سيما في الدول الآسيوية، إذ يأتي أكثر من 90 في المئة من المنضمين الجدد لهذه الطبقة من هذه الدول، وأوضحت إحصائية حديثة أن خمسة أشخاص في الثانية الواحدة ينضمون إلى الطبقة المتوسطة.
عودة إلى مصر، قسَّم تقرير صادر عن مؤسسة “فيتش سوليوشنز” الأسر المصرية بحسب الدخل المتاح للاستهلاك سنوياً إلى أربع طبقات رئيسة، فالأولى هي التي ينخفض دخلها السنوي عن 5 آلاف دولار، بينما الطبقة الثانية التي يزيد على 5 آلاف دولار، والطبقة الثالثة هي التي يزيد دخلها على نحو 10 آلاف دولار، ثم الطبقة العليا التي يزيد دخلها على 50 ألف دولار.
ويشير التقرير الصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى أن الأسر التي يزيد دخلها على 5 آلاف دولار هم الركيزة الأساسية للطبقة الوسطى، إذ تمثل ما يراوح ما بين 33.5 إلى 39 في المئة من إجمال عدد الأسر في الفترة بين 2020و2022، بينما كانت الطبقة الأعلى، أي التي يزيد دخلها على 10 آلاف دولار تراوح ما بين 4.5 و5.5 في المئة فحسب من الأسر، والطبقة الأغنى قطعاً التي يزيد دخلها على 50 ألف دولار توجد ضمن التقرير بنسب بسيطة.
انزلاق أبناء الطبقة الوسطى
وبحسب التقرير انزلق أبناء الطبقة الوسطى بالحسابات الدولارية نفسها لتتقلص نسبة من يتجاوز دخلهم 5 آلاف دولار إلى 12.1 في المئة في 2023، وتراجعت نسبة الأسر التي يتجاوز دخلها 10 آلاف دولار إلى 1.2 في المئة مقابل 4.5 في المئة 2022.
ويؤكد تقرير “فيتش سوليوشنز” أن حجم ما تنفقه الأسر المصرية، مقوماً بالدولار، انخفض خلال الفترة الأخيرة، من 337.7 مليار دولار في 2021 إلى 262.3 مليار دولار في 2023.
وعن الطبقة المتوسطة في دول العالم يقول المتخصص في الإدارة المالية الدكتور عبدالله الردادي إن “للطبقة الوسطى أهمية اقتصادية كبيرة، فغالبية الطلب تأتي من الاستهلاك المنزلي الذي تشكل الطبقة المتوسطة أكثر من نصفه، ذلك أن المنتجات التي تستهلكها الطبقة المتوسطة هي تلك التي تشكل جزءاً كبيراً من الإنتاج”.
ويضيف الردادي في مقال صحفي أن “الفقراء لا يستهلكون الكثير، أما الأغنياء فالمنتجات التي يستهلكونها لا تنتج بكميات كبيرة، ولا تشكل وزناً عالياً للسواد الأعظم من الشركات”، مشيراً إلى أن “منتجات عدة، مثل الأغذية والإلكترونيات والسيارات والمواصلات العامة وأدوات البناء، تعتمد على الطلب من الطبقة المتوسطة، بل إن كثيراً من الدراسات تقارن نمو الطبقة المتوسطة بعدد السيارات”، لافتاً إلى أنه “على سبيل المثال، يذكر أن ملكية السيارات في غانا ارتفعت بنسبة 80 في المئة منذ عام 2006، ومنذ ذلك العام حتى الآن، ارتفع الناتج القومي للفرد في غينيا لأكثر من الضعف”.
وترتكز المنتجات المصرفية للأفراد على الطلب من الطبقة المتوسطة بصورة كبيرة، فلا حاجة إلى الأغنياء للقروض الشخصية والعقارية، ولا قدرة للفقراء على الحصول على هذه القروض.
ولذلك، فإن زيادة الطبقة المتوسطة تسهم في زيادة نشاط القطاع المصرفي بصورة كبيرة، وتصمم هذه المنتجات لكل دولة بناءً على حالة وطلب الطبقة المتوسطة فيها.
المحرك الرئيس للاقتصادات المحلية
لذلك فإن ارتفاع حجم الطبقة المتوسطة يحفز النمو الاقتصادي، فالدراسات تشير إلى أن زيادة حجم هذه الطبقة ساعد كوريا الجنوبية في النمو، بينما لم تتمكن البرازيل من النمو بصورة تجارية كوريا بسبب انخفاض حجم هذه الطبقة.
وللطبقة المتوسطة قيم تساعد في نمو الاقتصاد، منها حرص هذه الطبقة على التعليم، كون التعليم عنصراً أساساً في كسب العيش لديها، ولذلك يلاحظ أن التعليم والطبقة المتوسطة مرتبطان بصورة إيجابية فيما بينهما، وهذه القيم تحث الطبقة المتوسطة على الادخار، وهو ما تسعى كثير من الحكومات إليه، لما فيه من آثار اجتماعية واقتصادية إيجابية.
ويقول الردادي، “تشير الدراسات إلى أن معظم المبتكرين ورواد الأعمال يأتون من الطبقة المتوسطة، وذلك بسبب امتلاكهم التعليم الكافي، والمحفز الاقتصادي للابتكار وإنشاء الشركات، ووجود هذه الطبقة يساعد في رفع مستوى الحوكمة لدى الدول، فعادة ما تطالب هذه الطبقة برفع مستوى الخدمات العامة، مثل التعليم والصحة والمواصلات، وهو ما يحفز الحكومات للارتقاء بهذه الخدمات، بالتالي رفع مستوى الرفاه المعيشي فيها”.
وحول تأثير وقوة الطبقة المتوسطة يوضح الردادي أن “التأثير الإيجابي للطبقة يتزايد مع تزايد حجمها، وهي طبقة تحرك الاقتصاد المحلي بصورة فعالة، من خلال الطلب والاستهلاك المستمرين”.
وأشار إلى أن الحرص على زيادتها أمر جوهري لتحفيز نمو الاقتصاد المحلي، وترتبط بها مواضيع عدة، مثل العدالة في توزيع الثروات، ومراقبة الفجوة بين الأثرياء والفقراء، والمساواة في الفرص بين طبقات المجتمع المختلفة، ومتابعة مستويات الادخار على المستوى الوطني، كل هذه العوامل تؤثر بصورة فعالة في حجم الطبقة المتوسطة التي تعد اليوم المحرك الرئيس للاقتصادات المحلية.