غرفة إندكس للتغطية الحية ووحدة حوض النيل وووحدة الشئون الإيرانية
تتزايد مؤشرات الاهتمام الإيراني بالسودان لتظهر بصورة أكثر حذراً وبراغماتية، من دون أن ترقى إلى مستوى النفوذ المباشر أو الواسع، فإيران التي كانت قد خسرت حضورها العلني في الخرطوم بعد الهجوم على السفارة السعودية لدى طهران والقنصلية لدى مشهد عام 2016، عادت لوصل ما انقطع عبر قنوات سياسية وعسكرية محدودة، مستفيدة من حاجة القوات المسلحة السودانية إلى الدعم التقني والعسكري في ظل تراجع المساندة الدولية.
تجلت هذه العودة أولاً في استئناف العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين أواخر عام 2023 بعد توقيع الاتفاق السعودي – الإيراني، ثم في توقيع تفاهمات تتعلق بالتعاون الدفاعي وتبادل الخبرات العسكرية، وعلى رغم أن هذه الخطوات لا تشير إلى اختراق عميق، فإنها تمثل عودة تدريجية لطهران إلى ساحة ترى فيها امتداداً جغرافياً مهماً نحو البحر الأحمر وشرق أفريقيا، وتشير بعض التقارير إلى أن إيران زودت القوات المسلحة بمنظومات مسيرات وصواريخ قصيرة المدى، مما يعكس تعاوناً تقنياً محدوداً أكثر من كونه تحالفاً استراتيجياً واسعاً.
اعرف أكثر
محمد علام يسطر: هل يهرب نتنياهو من مأزق حماس لحرب إيران؟
من جهة أخرى فإن هذا الانفتاح الإيراني يعد محاولة لتأمين موقع مراقبة في البحر الأحمر أكثر من كونه مشروعاً توسعياً، فالموقع السوداني يتيح لطهران نافذة محدودة، لكنها مهمة في معادلة الممرات البحرية الحيوية، ومع ذلك تبقى حدود النفوذ الإيراني محكومة بالواقع الميداني السوداني، وبحسابات توازن القوى بين الفاعلين المحليين والإقليميين، وعليه، فإن التحرك الإيراني في السودان حتى الآن يبدو أقرب إلى اختبار نفوذ، يهدف إلى إعادة التموضع في بيئة مضطربة، أكثر من كونه مشروعاً لفرض الهيمنة أو إعادة تشكيل المعادلات الإقليمية في البحر الأحمر، وعموما هذه الأجواء تستغلها إسرائيل كحجة للتواجد في السودان، وتشعل المواجهة مع إيران.

يقع السودان، بحكم موقعه الجغرافي والتاريخي، في قلب منطقة القرن الأفريقي، وهي مساحة جيوسياسية ذات طبيعة مركبة، تختلف في بنيتها السياسية والأمنية عن العالم العربي أو فضاءات آسيا الوسطى والقوقاز، هذه الخصوصية جعلت الدبلوماسية الإيرانية في القرن الأفريقي منخفضة، تتسم بالحذر والتدرج والاختراق الهادئ، خلافاً لنمطها الأيديولوجي في المشرق العربي أو لبراغماتيتها الاقتصادية الصلبة في آسيا الوسطى، فهنا، على شاطئ البحر الأحمر وممراته، لا تبحث طهران عن حلفاء عقائديين، بل عن موطئ قدم وظيفي في فضاء مفتوح للتنافس بين القوى الكبرى والإقليمية.
اعرف أكثر
دعوة لاحتلال مصر منطقة السد الإثيوبي بعد غرق السودان وأجزاء منها
وتتحرك طهران في هذا السياق ضمن حسابات دقيقة، فهي لا تسعى إلى مواجهة مكشوفة مع القوى الإقليمية، بقدر ما تعمل على استثمار الانقسام الداخلي في السودان لتعزيز حضورها الرمزي والسياسي، كما أنها تدرك أن البيئة السودانية الحالية، بما تتسم به من هشاشة أمنية وتعدد مراكز القوى، لا تتيح مجالاً لنفوذ خارجي متماسك أو مستدام.

من منظور العلاقات الدولية، يمكن توصيف هذا السلوك بأنه تعبير عن “الدبلوماسية محدودة النطاق”، وهي صيغة تستند إلى مبادئ المدرسة الواقعية البنيوية، حيث تتعامل الدولة مع بيئات هشة وغير مستقرة بوصفها مساحات نفوذ موقتة لا مناطق استقطاب دائمة، فإيران، التي تدرك أن ميزان القوى في القرن الأفريقي هش ومتقلب، تميل إلى ممارسة نوع من الوجود المرن، دعم محدود، وشراكات جزئية، وتوظيف الأزمات، من دون انغماس مباشر.
