تحليل معلوماتى من إسلام كمال
وسط أجواء من الترقب والتعقد الإقليمى الاستثنائي على خلفية حرب إبادة غزة وتوابعها، تلقي الرئيس عبد الفتاح السيسي عدة اتصالات هاتفية غير تقليدية عنوانها المباشر التهنئة بالفوز بولاية رئاسية جديدة، لكنها شملت العديد من العناوين الأخرى المهمة للغاية، والتى لم تتضمنها البيانات الرسمية بالطبع.
ومن هذه الاتصالات المهمة، اتصال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي توجه بالتهنئة إلى الرئيس السيسي على الفوز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وإعادة انتخابه رئيساً لمصر.
ثمن الرئيس السيسي من جانبه هذه اللفتة المُقدرة من الرئيس الإيرانى، الذى إلتقاه منذ فترة وجيزة في السعودية على هامش القمة العربية الإسلامية الأخيرة. وقد تطرق الاتصال أيضاً إلى التباحث حول تطورات الأوضاع في قطاع غزة، فضلاً عن متابعة النقاش حول مسار تناول القضايا العالقة بين البلدين، وفق البيان الرئاسي الرسمي المقتضب جدا.
ويأتى هذا التواصل في وقت بالغ الخطورة والتعقد على المنطقة وإقليم البحر الأحمر بالذات وقناة السويس مع الممارسات الحوثية باستهداف السفن الإسرائيلية والمتجهة لها، بدعوى أن هذا لدعم القضية الفلسطينية في مواجهة الحرب الصهيونية في غزة، مؤكدين إنها لا تستهدف قناة السويس، بالعكس داعمة لها وللمصريين، وفق رؤية القيادات الحوثية، التى أكدت على عدم المساس بمسار المضيق الدولى، حتى لا يكونوا تحت طائل القانونى الدولى، وبالتالى الضربات الدولية، ولكن هذا لم يعطل التحركات الأمريكية والبريطانية والفرنسية ضد الهجمات الحوثية على السفن الأجنبية المارة بالمضيق، والأمر مرشح لمزيد من التعقد، مع التهديدات من الجانبين.
وبالتالى فإن هذا التواصل المصري الإيراني يؤكد الرسالة المرجوة من اليعض، والمرفوضة من البعض، إنه يتم التنسيق بين القاهرة وطهران رغم تفاقم المشهد، خاصة أن مصر ترفض الانضمام في التحالف الذى دعت له أمريكا لحماية مسار البحر الأحمر الذى تراجع عنه الكثير من الأساطيل التجارية الشهيرة ، مما يضر بشكل كبير إيرادات قناة السويس ، في وقت تحتاج مصر لكل دولار لتنفيذ إلتزاماتها المالية المتعاظمة، بخلاف مواجهة الشح الدولار البشع الذى يقوض كل محاولات الحل للأزمة الاقتصادية الصعبة التى تواجهها مصر منذ سنوات، وتتعقد دون أى حل مرتقب.
ومن غير المعلن حتى الآن الموقف الإيرانى القادم في هذه الساحة المشتعلة من العالم، لكن طهران تردد كثيرا عبارات مشابهة ما بين الميدان اللبنانى والميدانى السورى والميدانى العراقي والميدان اليمنى، التى تسيطر عليها بأشكال مختلفة، وهى إنها لا ترغب في توسعة الحرب الإقليمية في الشرق الأوسط، ولا دور لها فيما يحدث في هذه الميادين.
وسط كل ذلك تتنامى الاتهامات الغربية والإسرائيلية وبعض العربية الموجهة لإيران في هذا الإطار، خاصة مع اختلاف المواقف في الميادين المذكورة من مواجهة عراقية أمريكية مباشرة في العراق وسوريا، ومن استهداف إسرائيلى قوى لكل ما هو إيرانى وتابع له في سوريا، واقتتال متصاعد بين إسرائيل وذراع إيران “حزب الله” في لبنان، وسط ترتيبات لتعقد أكبر منها تحويل جنوب لبنان لغزة جديدة، أو تحويل شمال فلسطين التاريخية لغزة جديدة، حسب التهديدات المتبادلة من نتنياهو ونصر الله.
فيما يختلف الموقف في المشهد الحوثي بشكل كبير في منظومة المضايق الدولية، التى تسيطر عليها إيران من هرمز لباب المندب، حيث صعد الحوثيون بالمسيرات الانتحارية الموجهة لإسرائيل عبر البحر الأحمر، ثم لاستخدام الصواريخ الباليستية التى زلزلت إيلات بجنوب فلسطين التاريخية، ثم تصاعد الموقف لاستهداف السفن الإسرائيلية، ومنها السفن الأجنبية المتجهة لإيلات أو حيفا او أسدود، ولا أحد يعرف الأمور تتجه إلى أين، لكن عموما الاتصال بين رئيسي والسيسي أمر مهم جدا في العديد من السياقات، وبالتأكيد سيكون ضاغطا على إسرائيل، ولنستخدمها ورقة في التعامل معها في العديد من التطورات، بخلاف الضغوط المنوعة على الخليج وأمريكا بهذه التواصلات، ومن الممكن الاستفادة منها بأشكال مختلفة في كل الملفات، خاصة أن تواصل كهذا يقربنا أكثر وأكثر من روسيا والصين، وستكون لنا أهمية أكبر بالنسبة لأمريكا والخليج، وهذا ما دعونا له من قبل كثيرا.
وسيكون لهذا التواصل تأثير على تطورات المشهد في المنطقة، ومنها جهود وقف إطلاق النار، بالذات مع المكسب المعنوى الذى حققته مصر والعرب في مجلس الأمن بالتصويت على قرار آلية المساعدات الإنسانية المقدمة للفلسطينيين في غزة.
والوصول لهذه الهدنة المرتقبة، رغم التلون في المواقف الإسرائيلية بين لاهثة وراءها ومتراجعة عنها، سيقلل بشكل كبير التوتر في باب المندب، كما حدث مع الهدنة الأولى، في علاقة طردية منطقية، يؤكد معها الحوثيون ومن وراءهم، أنهم لا يريدوا التصعيد للتصعيد، بل لدعم الفلسطينيين في حربهم ضد الاحتلال الصهيوني.
نتابع الموقف عن كثب …..