- أول موضوع نشر باسمى كان على صفحة كاملة..ومركز الدراسات بالمؤسسة ظن أنى خبير من الخارج!
- وزير الحربية ورئيس الأركان وافقا على التقاط صور خاصة للأهرام مع الناجين من سقوط الطائرة الليبية وقالا: «عشان خاطر هيكل »!
- « القسم «الخارجى» فى الأهرام «مدرسة».. وكنت أذهب يوميا للجورنال فى السابعة صباحا
- كان على أن أبقى «سهران» حتى الثالثة فجرا فى الجورنال لحراسة «أخبار الخداع» قبل حرب أكتوبر
- هيكل قال لأعضاء الديسك: إذا اختلفت أنا ومحمد عبدالمنعم على معلومة عسكرية.. خذوا برأيه!
كاتبنا اليوم هو جزء لا يتجزأ من انتصار أكتوبر. هو جندى مجهول شارك فى خطة الخداع المحكمة التى تبناها الرئيس السادات لتمويه العدو، من خلال صفحات جريدة الأهرام..
ربما يكون قد ابتعد عن العمل الصحفى منذ خمسة عشر عاما، لكن من يتصفح أرشيفه «الضخم»، بشكل عابر دون تدقيق، سيتأكد على الفور أنه أسس «مدرسة» صحفية مختلفة فى تناول ملفات الحروب والأسلحة وكل ما يتعلق بالشئون العسكرية. مدرسة تقوم على طرح أسئلة تشغل القارئ العادى غير المتخصص، وتقدم الإجابات الشارحة بشكل مبسط سهل «الهضم»، رغم تضمنها تفاصيل فنية دقيقة، مستعينا فى ذلك بالصور والرسوم.
بمطالعة ما سطره الكاتب الصحفى محمد عبدالمنعم؛ المسئول عن الملف العسكرى لجريدة الأهرام على مدى 30 عاما بدأت فى عام 1968، حتى انتقاله لرئاسة مجلس إدارة وتحرير مؤسسة روز اليوسف فى 1998، يتبين حدسه العالى تجاه موضوعات وليدة فى ذلك الوقت، فأصبحت الآن – وما زالت – حديث الساعة، بداية من الحروب البيولوجية، مرورا بالصراع المتصاعد بين القوتين العظميين فى العالم؛ الصين والولايات المتحدة الأمريكية، والمخاوف الدولية من اللجوء للقوة النووية فى تسوية الصراعات والنزاعات، وليس انتهاء بالجدل الدائر حول دور القوات المسلحة فى المشاركة بإمكانياتها المختلفة فى التنمية المحلية بمختلف مجالاتها.
التحقت بالكلية الجوية، لكن بعد تخرجك فيها التحقت بآداب القاهرة قسم اللغة الانجليزية. ما السبب؟
بعد الثانوية العامة، تم قبولى فى الكليتين، فالتحقت بالكلية الجوية، وتخرجت كضابط عمليات، لأنى لم أكمل «كورس» الطيران، فى الوقت نفسه كنت مهتما جدا بالأدب الغربى، فانتسبت لكلية الآداب بجامعة القاهرة، وحصلت على الليسانس فى عام 1967.
وهل كنت تخطط للعمل فى الصحافة بعدها؟
على الإطلاق..الأمر كله حدث بالمصادفة، فبعدما أنهيت خدمتى فى القوات المسلحة، عرض على صديقى محمد حقى، وكان يرأس القسم الخارجى فى الأهرام، أن أعمل معه، ففرحت. وقام باختبارى الأستاذ أحمد عادل – رئيس قسم الترجمة – إذ طلب منى ترجمة برقية باللغة الإنجليزية موضوعها يدور عن رحلة للفضاء، وكان هناك خلاف على ترجمة بعض المصطلحات لأنها كانت جديدة آنذاك، بحكم أن غزو الفضاء كان أمرا مستحدثا، لكن نظرا لدراستى علم الطيران واللغة الإنجليزية معا، تمكنت من ترجمة البرقية، واستنتاج المعانى الغامضة، وأخبرنى لاحقا أحمد عادل بأنه أراد تعجيزى، لكنه انبهر بقدراتى، وقال عنى لمدير التحرير على حمدى الجمال: «ده ما يتسابش»!
تتمتع الأهرام بقسم» مميز» للشئون الخارجية. فإلى أى مدى أفادك العمل به فى بداية حياتك الصحفية؟
القسم «الخارجى» فى الأهرام «مدرسة» حقيقية، فيكفى أنك تطلع على أخبار العالم فى كل المجالات، فتكتسب معرفة كبيرة، فضلا عن اتجاهات السياسة الخارجية، ثم تقوم بترجمة تلك الأخبار لتقدمها للقارئ العربى، بصياغة جديدة، كما عليك أن تنتقى ما تترجمه وتحوله إلى أخبار، ولذلك أحببت العمل فى هذا القسم، وبالطبع فإن إجادتى اللغة الإنجليزية أفادتنى كثيرا. واستمررت فيه لمدة عام، وكان القسم يضم أكفاء كثرا مثل الزملاء حسنى جندى، ونوال حسن، وجاكلين خورى،ومترى عبود، وجورج حبيب، وأيمن الأمير، وأحمد أبو شادى، وشوقى مصطفى ومحمد سلماوى.
كيف إذن أصبحت محررا عسكريا؟
القصة بدأت من جلسة بالكافيتريا، وكانت وقتها تدور معارك حرب الاستنزاف، تحديدا فى عام 1968، فسمعت حوارا يدور بين مجموعة من الصحفيين أبرزهم الأستاذ الكبير صلاح هلال – رئيس قسم التحقيقات – يعلقون فيه على بيان للقوات المسلحة، جاء فيه أنه حدثت اشتباكات مع القوات الإسرائيلية، وأن طائرات العدو شوهدت وهى تسقط شرقا، وكان هذا البيان متكررا، وكان يلقى «سخرية» من الجميع، فكانوا يتساءلون فى استنكار: «هل يعقل أنه فى كل مرة تسقط طائرات العدو شرقا فى سيناء، ولا تسقط أى طائرة غرب القناة؟!»، كان التهكم فى ذلك الوقت على أشده. استفزنى الحوار الدائر وتدخلت فى الحديث لأشرح لهم وأنا ما زلت ذلك المحرر «الصغير»، فقلت لهم إن الطائرة عندما تضرب فى الجو، فإنها – إذا لم تنفجر وأصيبت فقط – فإن الطيار «الإسرائيلى» سيتجنب تماما أن يسقط بطائرته فى الأراضى المصرية، فيقوم بتوجيهها ناحية الشرق، وبعد هبوطها تقطع مسافة أرضية حسب الارتفاع الذى هوت منه، وهو ما يفسر سقوط الطائرات دائما فى سيناء، فلا داعى إذن للسخرية، فأنصتوا لكلامى ويبدو أنهم اقتنعوا، وتركتهم وانصرفت لعملى فى القسم الخارجى، لأفاجأ بعدها بالاستاذ صلاح هلال يأتى إلى ويطلب منى أن أكتب ما قلته لتوى، ففعلت وجهزت موضوعا وافيا بعنوان رئيسي: لماذا تسقط طائرات العدو شرقا؟ وكان سؤال يدور فى أذهان الجميع فى ذلك الوقت. وفوجئت أن الموضوع نشر بعدها على صفحة كاملة، وكان أول موضوع ينشر باسمى.
وماذا كان رد الفعل؟
ـ ذهبت للأهرام صباحا كالعادة، ولاحظت «همهمات» الزملاء يشيرون إلى بأنى صاحب التحقيق الذى احتل صفحة كاملة. ثم فوجئت بأن التقرير الذى ينشره مركز الدراسات حول ما ينشره الأهرام يوميا – أسسه الأستاذ هيكل لتقييم مستوى الجورنال برئاسة جلال الدين الحمامصى – قد أشار إلى تحقيقى بأنه من أنجح الموضوعات التى نشرتها الأهرام خلال سنوات طويلة، وجاء فيه نصا: «حسنا أن استعان الأهرام بخبير من خارج الصحافة لكتابة هذا الموضوع». ثم جاء الأستاذ هيكل فى اجتماع الديسك فى الثانية من بعد الظهر يسأل عن صاحب الموضوع ويظن فعلا أنه خبير من خارج الأهرام كما جاء فى تقرير «الحمامصى»، فأشاروا إليّ – وكنت أجلس فى القسم الخارجى، خلف «ترابيزة الديسك»، فنادانى هيكل قائلا: «تعالى يا أستاذ»! بالطبع اندهشت أن الأستاذ هيكل يخاطبنى أنا الشاب الصغير بـ«الأستاذ»، ثم سألني: إنت جبت الكلام ده منين؟! فأخبرته بدراستى فى الكلية الجوية وأنى كنت أعمل فى غرف العمليات العسكرية، فكان رده: «إنت مكانك مش هنا.. إنت هتبقى المحرر العسكرى للأهرام».
ألم يكن غريبا أنه تم تعيينك فى الأهرام دون أن يعرفك هيكل من قبل؟
فى الحقيقة، الفضل فى تعيينى يعود لمحمد حقى، وكان مقتنعا بى، وكان أحد أعمدة الأهرام.
وهل كان عاديا أن تنشر صفحة كاملة لمحرر صغير، وفى شأن عسكرى على هذا القدر من الخطورة دون أن يراها هيكل قبل النشر؟
الفضل هنا يعود لـ«عمود» آخر من أعمدة الأهرام حينها وهو الاستاذ صلاح هلال.
ـ انتقلت بعد ذلك إذن للقسم العسكرى، ولم يكن قسما مستقلا، وإنما تابع لقسم الأخبار برئاسة الاستاذ ممدوح طه.
شاركت فى خطة الخداع الاستراتيجى لإسرائيل فيما قبل حرب أكتوبر. كيف بدأت القصة؟
كان لى هذا الشرف، والحكاية بدأت عندما أخبرنى اللواء حسن الكاتب المسئول عن المحررين العسكريين، أنهم سيمدوننى بأخبار «سأنفرد بها» ولابد أن تنشر فى الأهرام، دون أن يعرف أحد خلفيات تلك الأخبار أو الغرض منها، وأنى سأكون خاضعا لقانون الأحكام العسكرية، وأى هفوة أو خطأ منى من الممكن أن يعرضنى لمشكلة كبيرة. اعترضت فى البداية وقلت إنه لابد أن يعلم رئيس التحرير بهذا الأمر، فطلب منى الكاتب بعد اتصال تليفونى بوزارة الحربية أن أذهب إلى هناك، فالتقيت حينها الفريق أحمد إسماعيل لأبلغه بضرورة أن يعلم أستاذ هيكل بخلفية تلك الأخبار، فقام ودخل إلى غرفة جانبية وأجرى اتصالا بالرئيس السادات، فاستنتجت من الحديث أنه لا مانع أبدا من أن يعلم هيكل. وبالفعل أخبرته، وحينها طلب منى ألا أخبر أى أحد فى الجورنال بهذا الأمر، وأن أسلم الأخبار التى تمدنى به القوات المسلحة للديسك، وأن أبقى «سهران» فى الجورنال لحين صدور الطبعة الثالثة، لأتأكد من أن أحدا لم يرفع الخبر المنشور مع تغيير الطبعات، وإن حدث ذلك على أن اتصل به لأخبره، وبالفعل نفذت طلبه، دون أن يشعر أحد بشيء مما يجرى، ومما سيزلزل المنطقة بأكملها ومن ورائها العالم الخارجى!
وهل حدث أن تم حذف أى من تلك الأخبار ذات مرة؟
بفضل الله، جرت الأمور بسلاسة. وتم نشر كل الأخبار التى أمدونى بها، وكان من أشهرها مثلا خبر سفر ضباط الجيش المصرى لأداء عمرة رمضان، و أخبار تتعلق بسفر السادات فى رحلات استجمام فى الصحراء الغربية، أو تصريحات على لسانه تخص دخول الحرب، وقد أدركت لاحقا حجم تأثير تلك الأخبار على الجانب الإسرائيلى، وأنهم كانوا يتابعونها بدقة بالغة، لدرجة أن مسئوليهم يتذكرون كل خبر وتاريخ نشره، وفى أحد لقاءات اللجنة العسكرية المشتركة المعنية بمحادثات السلام، والتى كنت أغطيها بصفتى محررا عسكريا، سألنى أحد المسئولين الإسرائيليين ولم أكن أعرفه: هل كنت تعلم أنك تنشر أخبارا غير صحيحة؟! فأجبته بالإيجاب، فكان على وشك الإصابة بذبحة صدرية، إذ علمت بعد ذلك أنه الجنرال إيلى زائيرا – رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية خلال حرب أكتوبر- وأنه بسبب تلك الأخبار كان يراهن على عدم نية مصر شن حرب على إسرائيل، فكانت الهزيمة، التى بسببها تمت محاكمته وعزله من منصبه. ثم سألني: لقد نشرت تصريحا للسادات بأن مصر لن تدخل الحرب إلا بعد أن تحصل على طائرات فانتوم إف 4 كتلك التى تمتلكها إسرائيل، فهل حصلتم عليها فعلا؟ فأجبته بالنفى، فاندهش وقال: وكيف دخلتم الحرب إذن؟ فكان ردي: بأننا كنا على استعداد للحرب ولو بـ «السكاكين» حتى نحصل على أرضنا ونسترد كرامتنا وكبرياءنا الوطنى.
وما حكاية ذهابك للأهرام بالبنطلون «الكاكى»؟
فى أول أكتوبر 1973، تم استدعاء كل ضباط الاحتياط، لكن اللواء سامى الشيخ – مدير شئون الضباط – قال لي: «إنت تأخذ بعضك وتمشى دلوقتى – ولو عرفت أن الحرب قامت، إلبس ميرى وتعال». فكنت أرتدى قميصا عاديا على البنطلون الكاكى كنوع من الاستعداد لأى أمر طارئ، وتصادف أن رآنى هيكل، فاستفسر عن السبب، فأخبرته. وأذكر أن اللواء سامى طلب منى حينها أن أستمر فى لقاءاتى بزملائى من المراسلين العسكريين الأجانب، حتى لا يشعروا بأن هناك حالة طوارئ فى البلد، وبالتالى ينقلون فى تقاريرهم ما يشير إلى ذلك، فكنت أسهر معهم حتى لا يكون اختفائى سببا فى إثارة شكوكهم. من المواقف اللافتة أيضا؛ وتدلل على حرص القيادات العسكرية حينها على التكتم الشديد بشأن شن الحرب، والتمويه حتى على المستوى الداخلي؛ فى يوم 3 أكتوبر 1973، طلبت إجراء لقاء صحفى مع الفريق أحمد إسماعيل – وزير الدفاع – وكنت أشعر بأن مصر تستعد لشيء ما، لكن لا أعلم متى سيتم ذلك تحديدا، فحصلت على ميعاد من مدير مكتبه المقدم حمدى الجندى، وكنا أصدقاء بحكم أنه من دفعتى فى الكلية الجوية، وكان الميعاد هو الساعة الثانية ظهر يوم السبت 6 أكتوبر، وذهبت يومها لأجد الوزارة خالية تماما، وما هى إلا دقائق حتى علمت أن الحرب قامت.
وهل فعلا طلب هيكل أن تكون أنت «المرجعية» عندما يحدث خلاف فى الديسك بشأن معلومة عسكرية؟
حدث فعلا، إذ وقع مرة خلاف على نوع الطائرات التى تظهر فى صور وكالات الأنباء الغربية، وتخص الجانب الإسرائيلى، فقال الأستاذ هيكل إنها طائرات فانتوم، فاعترضت وقلت إنها «سكاى هووك»، فسألنى «وكيف عرفت»، فبدأت أشرح الفارق بين النوعين فى شكل الأجنحة ووحدة الذيل، ولم ينتظر حتى أكمل، إذ تأكد أنى أتحدث عن علم، ثم أعلن للحاضرين: «لو اختلفت أنا ومحمد عبدالمنعم فى معلومة عسكرية، خذوا كلامه هو»!
كان إنسانا راقيا وقديرا ومتمكنا، فكان يحترم الكفاءات، ولذلك وصفته الصحافة الأمريكية بأنه «أقوى رئيس تحرير فى العالم»، خاصة بعد تأسيسه المبنى الجديد للأهرام فى نهاية الستينيات، إذ كان صرحا صحفيا فى ذلك الوقت يفوق مثيله فى جميع أنحاء العالم، وكان الصحفيون من مختلف الصحف يأتون لزيارة الأهرام، ويتجولون خارج صالة التحرير، وينظرون إليها بانبهار.
ماذا تعلمت منه؟
تعلمت الإخلاص فى العمل، واحترام المهنة، التى لو أجادها أحد لأصبح فى منزلة تضاهى أعلى الرتب والمناصب. وبجانب أنه صحفى شديد التميز، كان يتمتع بشخصية قوية وقيادية من الدرجة الأولى، تجعل الجميع ينقاد له، ومن النادر أن نجد من يجمع بين الكفاءة الصحفية والإدارة الجيدة. كنت أذهب إلى الأهرام فى السابعة صباحا أنا والأستاذ صلاح هلال -رحمه الله – ففوجئت بأن السويتش يحول لى اتصالا منه، وكان حينها فى أسوان، ليسألنى عن خبر صغير منشور فى الصفحة الأخيرة، وهو فى قمة الغضب من أن ينشر خبر كهذا فى الأهرام، للأسف لا أتذكره الآن، وطلب منى أن أبلغ غضبه لمدير التحرير، ربما لو كان رئيس تحرير آخر لما اهتم واتصل فى السابعة صباحا!.
موقف آخر لا أنساه، يؤكد قيمته التى انعكست على الأهرام، عندما وقع حادث سقوط الطائرة الليبية التى كانت تحمل المذيعة سلوى حجازى، فطلب منى أن أصطحب مصورا على وجه السرعة والذهاب لمستشفى المعادى العسكرى لتغطية زيارة وزير الحربية المشير أحمد إسماعيل ورئيس الأركان سعد الدين الشاذلى للناجين، وعندما وصلت أنا والزميل أنطون ألبير، وجدت الرجلين قد انتهيا من زيارتهما ويهمان بركوب السيارة للمغادرة، فاستوقفتهما، وطلبت منهما أن يصعدا من جديد، لالتقاط الصور لنشرها صباح اليوم التالى فى الأهرام، فما كان منهما إلا أن استجابا وقالا:» عشان خاطر الأستاذ هيكل نطلع تانى!» وهو موقف يبين مجد «الأهرام» وقيمتها.
ألهذا السبب كانت الأهرام واحدة من أكبر عشر صحف على مستوى العالم؟
بالضبط.. فالجورنال تجاوز توزيعه المليون، وله مصداقية كبيرة، ويتمتع بـ «طقم جبار» من المحررين، تم اختياره بعناية، فأحسن محرر علمى كان صلاح جلال، وفى التحقيقات صلاح هلال، وفى الأخبار ممدوح طه، وفى الديسك عبدالحميد سرايا، من ناحية أخرى كان لهيكل علاقات ونفوذ كبير، فانعكس على الجورنال فى شكل أخبار قوية وانفرادات.
من كان أصدقاؤك المقربون؟
طبعا محمد حقى ومحمود كامل وسلامة أحمد سلامة وحمدى فؤاد ومحمود عبدالعزيز وجاكلين خورى وسيلفيا النقادى.
ومن الدور «السادس»، مقر كتيبة أهم الكتاب والمفكرين؟
كان يوسف إدريس من أصدقائى المقربين، ويستحق لقب تشيكوف مصر بحق، فمن يقرأ له ويفهم كتاباته «مخه ينور»، كذلك نجيب محفوظ كنت أحبه ونجلس معا فى كافيه «ريش».
استمررت فى عملك كمحرر للشئون العسكرية إلى ما بعد انتهاء حرب أكتوبر ثم مباحثات السلام فاسترداد طابا، كما كنت تقوم بتحليل الأحداث العسكرية الدولية، وعرض كل ما هو جديد فى الشأن العسكرى وفنون السلاح، هل كان ذلك يتم بتوجيه من أحد؟
فى الحقيقة كانت دراستى العسكرية هى ما أعاننى على عملى، ثم اطلاعى على الصحافة الأجنبية وطريقة عمل المحررين العسكريين فى الغرب، خاصة بعد هزيمة 1967، كان لابد للمحرر العسكرى أن يكون على دراية وفهم لكل التفاصيل العسكرية، لا أن يكون مجرد حامل لبيان تعده الشئون المعنوية وينشره كما هو، ولابد لكى يشرح للقارئ أن يكون ذا علم. وهذا ما حاولت القيام به، فى هذا السياق؛ أذكر أنى نشرت مانشيتا عن إسقاط دفاعنا الجوى طائرة استطلاع بدون طيار، وكان ذلك مفاجاة للجميع، وكنت قد رأيت الحطام وقمت بتصويره.
ترأست تحرير مجلة «الدفاع» وكانت تصدر من خلال مكتب فى مؤسسة الأهرام، كيف بدأت القصة؟
كانت فكرتى، وعرضتها على المشير أبو غزالة – وزير الدفاع آنذاك – ووافق عليها، وطلبت من رئيس التحرير إبراهيم نافع، أن يخصص لنا مكتبا فى الأهرام لإصدار المجلة، وكان رئيس تحريرها فى بداية صدورها اللواء أحمد فخر وكان شخصية عسكرية قديرة ومثقفا كبيرا، بينما كنت مدير التحرير، ثم توليت رئاسة تحريرها مع الفريق فريد متولى، وكان سكرتير التحرير أنور عبداللطيف من الأهرام، ومكثت فيها حتى توليت منصب المسستشار الصحفى للرئيس الراحل مبارك. وكانت تحظى بإقبال كبير من القراء.
انضممت للديسك فى الثمانينيات واستمررت مسئولا عن الملف العسكرى إلى أن انتقلت لرئاسة الجمهورية. كيف جاءت تلك الخطوة؟
ستندهشين إذا أخبرتك بأن الأمر تم دون أى علم مسبق من ناحيتى، إذ فوجئت بالقرار، كانت تجمعنى بالطبع لقاءات بالرئيس مبارك، وكنت أبدى رأيى بصراحة فى كثير من الأمور، فيبدو أنه أدرك أنه بحاجة للاستعانة بصحفى يستشيره فى الأمور المتعلقة بالتعامل مع الإعلام، ويبدو أنه توسم فى القدرة على القيام بهذه المهمة، فأصدر القرار. وبالمناسبة عندما كنت طالبا فى الكلية الجوية كان مبارك أركان حرب وقائد أسراب.
وماذا كان رد فعلك على القرار؟ ورد فعل زملائك؟
ضاحكا: كان على التنفيذ الفورى. بالطبع كان قراره بمثابة تقدير لشخصى أعتز به، أما بالنسبة للزملاء، بطبيعة الحال، هناك من فرح لى، وربما شعر آخرون بـ«الغيرة المهنية».
وعلاقتك بنافع حينها.. هل تأثرت سلبا أم إيجابا؟
كانت دائما علاقة احترام متبادل. الحقيقة علاقتى برؤساء التحرير كانت علاقة احترام، بدءا من هيكل مرورا بأحمد بهاء الدين حتى على حمدى الجمال.
وماذا كانت طبيعة عملك تحديدا فى الرئاسة؟
كنت مسئولا عن صياغة التصريحات الرئاسية بشكل صحفى، لإرسالها لمختلف وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، بحيث تعكس وجهة نظر النظام، وتنظيم المؤتمرات الصحفية للرئيس، حتى اختيار الصور الصحفية بحيث تحمل رسائل معينة.
هل كان هذا المنصب مستحدثا؟
لا.. لكن كانت أول مرة تتم الاستعانة بصحفى.
هل عملك فى الأهرام كان له دور فى اختيارك؟
لولا عملى فى الأهرام لما كنت سأصبح صحفيا ماهرا أو أتمكن من التعامل مع الصحفيين، وبالتالى ما كنت لأقوم بتلك المهمة على أكمل وجه، ووظفت خبرتى لخدمة رئيس الدولة. والحقيقة أن نجاحى كمحرر عسكرى فى الأهرام، كان سببا فى اختيارى أيضا لتقديم برنامج «العالم فى حرب» على القناة الثانية فى مطلع الثمانينيات، وكان يحظى بمشاهدة عالية، حيث كان يعرض أفلاما وثائقية عن الحرب العالمية الثانية، وكنت قبل عرض الفيلم فى كل حلقة، أشرح محتواه، وأفسر مفاهيم غامضة بالنسبة للمدنيين، وبالتالى يتابعون الفيلم بسلاسة ويسر.
إلى أى مدى استفدت من عملك فى مؤسسة الرئاسة؟
استفدت بشكل كبير دون شك. يكفى أنى كنت مطلعا على ما لا يراه أو يعرفه أحد، من جهة أخرى، زرت دولا كثيرة، والتقيت برؤساء وملوك بصفتى عضوا فى الوفد الرسمى المصرى، كما تعاملت مع الصحفيين من مختلف الجنسيات.
ومتى عدت للأهرام؟
بعد خمس سنوات، خيرنى الرئيس ما بين استمرارى فى الرئاسة أو العودة للأهرام.. فاخترت الأخيرة، وعدت مديرا للتحرير ومسئولا عن الشئون العسكرية.
لم يكن هناك بعد قسم منفصل للشئون العسكرية؟
كان يعيننى حينها صحفى شاب لطيف ودمث الخلق، ولديه رغبة فى التعلم هو حسين فتح الله – رحمه الله – وذلك حتى من قبل عملى فى الرئاسة.
ظللت فى الأهرام نحو أربع سنوات قبل أن تتركها لتتولى رئاسة مجلس إدارة وتحرير روز اليوسف، ماذا كانت طبيعة عملك فى تلك الفترة؟
على المستوى العسكرى، كانت هناك فترة هدوء واسترخاء. كنت أكتب مقالا أسبوعيا، وأحيانا أعلق فى عمود «السياسة الخارجية»: عن خبر يلفت انتباهى. كما كنت أحيانا أكتب فى باب «وجهة نظر» عن ظاهرة أو خبر يتعلق بالشأن الداخلى. لم أتوقف عن الكتابة طوال فترة وجودى فى الأهرام.
وكيف استقبلت خبر انتقالك إلى روز اليوسف؟
كان قرارا مفاجئا أيضا لكن لا أنكر أنى سعدت به، فالقمة التى يطمح لها أى صحفى هى أن يتولى منصب رئيس تحرير.. لكن الأهم هو أن يترك بصمة، وأعتقد أنى فعلت ذلك خاصة فيما يتعلق بتطوير المؤسسة وتنمية الموارد، والبناء والترميم والتحديث بشكل يليق بهذه المؤسسة العريقة.
لماذا لم تستمر فى الكتابة فى الأهرام حينذاك؟
لأنى مقتنع بأن «صاحب بالين كداب»!
كانت لك تجربة فى الكتابة فى الأهرام فى عهد رئيس التحرير الأسبق عبدالناصر سلامة لكنها لم تستمر، ما السبب؟
جاءنى عبدالناصر فى المنزل ليطلب منى العودة للكتابة، واستجبت واستمررت سنة فى الكتابة الأسبوعية فى عدد الجمعة، لكن يبدو أن الإدارة التالية لم تكن مرحبة باستمرارى.. ففضلت الانسحاب.
قلت إنك مهتم بالأدب.. ألهذا السبب كتبت قصة «ذئب فى قرص الشمس» فى السبعينيات؟
فى الحقيقة هى قصة مستوحاة من أحداث حقيقية عشتها، تدور حول اثنين من الطيارين المقاتلين، فقد أحدهما بعد أن ضل طريقه فى الجبل، وبعد أيام من البحث عثرنا عليه وقد نهشت الذئاب جثته، كناية عن اسرائيل التى تنهش فى المنطقة، ونشرت القصة فى الأهرام مسلسلة على حلقات فى عدد الجمعة مصحوبة بصور للأبطال الحقيقين، وقد صدرت لاحقا فى كتاب من ثلاث طبعات.
أخيرا.. كيف تنظر للأعوام الثلاثين فى الأهرام؟
أتعجب من القدر، إذ كان من المفترض أن أكون ضابطا، لكن يشاء الله أن أكمل دراستى فى كلية الآداب، وأعمل صحفيا فى الأهرام، وكنت أقضى يومى بالكامل بها. كانت المؤسسة الصحفية الأنسب لشخصيتى التى تسعى دائما للكمال، والأهرام بثقلها وإدارتها وأسلوب العمل بها كانت نموذجا للكمال، وكل شيء فيها كان كما ينبغى أن يكون.