
عندما يتدخل رجل الدين في أمور ليست لها علاقة بالدين ، وعندما يسيئ رجل الأمن – في الحرم المكي – إلى مكان عمله، وهو أطهر بقاع الأرض ، ويتجاوز في حق ضيوف الرحمن ، إذن فهناك مشكلة تتعلق باستيعاب كل فرد لمهام عمله ومتطلبات وظيفته وطبيعة مكان عمله.
شهدنا حدثين تقريباً متزامنين يعكسان حالة اللا منطق بل واللا معقول ، الحدث الأول رجل أمن داخل الحرم المكي الشريف يجذب سيدة من يدها أو ملابسها بشكل لا يقبله الدين ولا القانون ولا الإنسانية ولا يليق بالبقعة الطاهرة.
ثم يتشاحن ويتهجم على رجل ( بملابس الإحرام ) بشكل لا يقبله عقل ولا منطق ولا ضمير ولا عقيدة.
انتشر الفيديو الخاص بالواقعة المستفزة، ولاقى من التعليقات سيل من الهجوم والانتقاد ، ثم رأينا خبراً مقتضباً بأن السلطات تحقق في الموضوع.
وبدلاً من أن نجد كلمة من مفتي المملكة – أو أي رجل دين – يستنكر فيها ما حدث في بيت الله الحرام لأحد المحرمين من ضيوف الرحمن ، نجد أن فتوى تصدر من مفتي عام المملكة حول حرمة زيارة الآثار الفرعونيّة ( نعم تحديداً الفرعونية ) من أجل التنزه أو تعظيم أصحابها أو الاعتقاد بأنهم أصحاب حضارة.
ولم نسمع من فضيلة المفتي من قبل فتواه حول الغناء والعري والخمور والرياضات العنيفة وغيرها أم أن كل هذا حضارة مقبولة يجوز تعظيم أصحابها .
عجباً ما نرى ، أن ينفي رجل دين الحضارة عن أصحابها، والذي يشهد العالم أجمع على أنها اكبر حضارة في تاريخ الإنسانية ، أن يترك فضيلته التعليق على ما حدث في بيت الله الحرام ليفتي (لأغراض سياسية) حول الآثار والحضارات.

فضيلته ترك الاعتداء على أحد المعتمرين في البيت الحرام ليضع بصمته حول افتتاح المتحف المصري الكبير ، هكذا تختلط السياسة بالدين ، وهكذا يتخفى بعض الساسة خلف رجال الدين باطلاً وزوراً.
وفي الوقت ذاته يعيث رجل الأمن تعدياً وتهجماً وكأنه هو صاحب البيت متجاهلاً أن من دخل البيت فهو آمن ، متناسياً أنه مجرد خادم لضيوف الرحمن.
فإذا ثقلت عليك الأمانة فلا حرج أن تتركها لمن يستطيع تحملها ويعرف قدرها ويمكنه أداءها بدون تلوث سياسي ، لمن يعي معنى رسالة خدمة البيت وضيوفه ، فإن توليتم المسئولية فلتكونوا على قدر جلالها ، وأن لونتموها سياسياً وجهلتم قدر المكان والمكانة فلتنزاحوا قليلاً ويأتي من يقدر جلال المهمة.
اعرف أكثر
شهيرة النجار تسطر: جواهر الشيخة موزة الفرعونية المليارية بمناسبة افتتاح المتحف المصري الكبير
إن التشاحن الجاري على وسائل التواصل الاجتماعي بين شعبين شقيقين يشير إلى توتر في العلاقات ، وما كان لنا إن قول ذلك لولا مشاركة مسئولين في هذا التشاحن.
ولكن يبدو أن التوتر تخطى مرحلة التشاحن الإلكتروني إلى مرحلة الضرب الديني فيما ينجزه الطرف الآخر ، بل وصلنا إلى مرحلة استغلال المشاعر المقدسة لبث الغل تجاه ضيوف الرحمن في بيته الحرام متجاهلين أمر الله.
إن محاولة النيل من الحضارة العريقة لن ينتقص منها ولن يخدشها حتى لو الكلام من شخصية دينية ، كما أن التشاحن والتهجم على ضيوف الرحمن من المصريين لن يبعدنا عن مشاعرنا المقدسة بل غير هو من سيبتعد إذا مضى في هذا النهج .
ولنذكر من تناسى .. أن الحضارة ليست بالاستعارة ..
*الكاتب، مستشار إعلامى متخصص كبير
