ما يجرى حاليًا من وحشية فى العدوان الصهيوني الذى يمارس مع أهل غزة على مرأى ومسمع من العالم أجمع، يجعلنا نتساءل !!! كيف يمكن لإنسان أن يفتك بأخيه الإنسان بهذه الوحشية التي يتعرض لها الغزيون؟ وما هي الجريمة التي ارتكبها هذا العدد الهائل من الأطفال حتى صاروا جثثا هامدة أشبه بصغار الطير حين يفترسها نسر جامح فيقطع أوصالها أمام آبائها وأمهاتها وهذا ما يحدث لأطفال غزه على مدى ثمانية عشر شهرًا وسط مزابح لا تبقى ولا تزر وليد أو شابا أو شيخا أو امرأة أو رجل .
ويبرر الصهاينة تلك الأعمال الوحشية استنادًا على أسس دينية عقدية يسيرون عليها في حياتهم السياسية والعسكرية، توظفها الصهيونية من مصادرهم الدينية المعروفة في العهد القديم والتلمود، والعهد القديم هو كتابهم المقدس الذى دونه “عزرا الكاتب” بعد ألف عام من نزول التوراة على موسى عليه السلام.
فدائمًا ما يستلهم اليهود قصصًا توراتية يستعين بها الجنود لشرعنة القتل والتدمير وإبادة غيرهم من الشعوب، ويعتبرون تلك القصص مسوغًا دينيًّا تبريريًّا لإبادة أعدائهم، بهدف احتلال واستيطان أراضي الأغيار، ومن أهم تلك القصص قصة دخول “يشوع بن نون” مدينة “أريحا” حيث يبين الأصحاح السادس من سفر يشوع ” أنه قام بإبادة كل ما في بلدة أريحا من رجل أو امرأة، طفل أو شيخ، حتى البقر والغنم والحمير”.
وقد طبق الإسرائيليون هذا العمل فى دير ياسين، وفي صبرا وشاتيلا، وفي قانا وغيرها من المذابح، والآن يديرون الإبادة والتدمير في غزة، على غرار ما فعله يشوع بن نون عند دخوله أرض كنعان.
وهكذا يستلهمون من نصوص العهد القديم ما يفيد استحلال قتل الأطفال والرضع، فجاء في الأصحاح الخامس عشر من سفر صموئيل الأول “الآن اذهب واضرب عماليق، وحرموا كل ما له ، ولا تعف عنهم ، بل اقتل رجلاً وامرأة ، طفلاً ورضيعًا ، بقرًا وغنمًا، جملاً وحمارًا) ويقصد بالعماليق الفلسطينيين، وعلى نفس النسق يطالعنا التلمود والحاخامات والفقهاء اليهود في شروحهم للنصوص بجواز قتل الأطفال الرضع الذين يتصادف وجودهم ساحة الحرب، ويبررون قتلهم أنهم حينما يكبرون سيحذون حذو آبائهم في القتال، حتى لا يرثوا الأرض ويتعلموا من آبائهم فعل الفظائع.
ويؤكد هذا الشأن الشاعر الصهيونى ” أفريم سيدوم” متوعدًا النساء والأطفال وقت الحرب الإسرائيلية على لبنان فيقول:
كل النساء في صيدا وصور، كل الأمهات ، كل الحوامل
كل المسنين والأرامل، ها نحن قادمون لنعاقبكم
لنقتصَّ منكم، أطفال صيدا وصور
إني ألعنكم، أتهمكم، ستنامون محطمي العظام
في الحقول في الطرقات، لا تسألوا لماذا
فإنه العقاب، والآن حان عقابكم
إن استحلال دماء الرضع لهو من أشد وأقسى أنواع العدوانية في الحروب، إذ يتجرد المعتدون من جميع القيم الإنسانية التي تحث عليها الأديان.
ويبرر الصهاينة تلك الهمجية البربرية بأن حروبهم مقدسة وأن الرب يحارب عنهم باعتبار أن الحاكم الذى لديه سلطة شرعية وسيادية على شعبه يستمد شرعيته من الإله
وقد ورد في الأصحاح الحادي والعشرين من سفر حزقيال (وقل لأرض إسرائيل : هكذا قال الرب ، هأنذا عليك وأستل سيفي من غمده فأقطع منك الصديق والشرير، فلذلك يخرج سيفي من غمده على كل بشر من الجنوب إلى الشمال ، فيعلم كل بشر أني أنا الرب سللت سيفي من غمده لا يرجع أيضًا)
كما جاء في الأصحاح الثالث من سفر التثنية على لسان الرب: “لا تخافوا منهم لأن الرب إلهكم هو المحارب عنكم” ، وتلك هي تأويلاتهم المزعومة وعقيدتهم فى الحرب.
كذلك أورد سفر التثنية في الأصحاح العشرين كيفية إدارتهم للحرب فجاء فيه: (حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح . فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك ، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك . وإن لم تسالمك ، بل عملت معك حربًا ، فحاصرها . وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف . وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فتغتنمها لنفسك ، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك . هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا ). ففي الفقرة دعوة لاغتصاب جميع المدن وحتى البعيدة عنهم !!
وإذا نظرنا الى عمليات الإقصاء والتهجير من الأراضى التي يغتصبونها في فلسطين فإن الصهيونية تستدعي القصة الواردة في العهد القديم بشأن السيدة هاجر أم إسماعيل عليه السلام، حيث وجدوا فيها القدوة والمثال للخضوع والاستسلام عندما هاجرت الى أرض الحجاز، فاعتبروا أن هذا الأمر هو تنفيذ لمشيئة الرب، وأن على أبنائها أن يحذوا حذوها فيسلموا ويتركوا الأرض لأبناء صهيون، ولأجل ترسيخ وتهيئة أرض الجزيرة العربية لإقامة الفلسطينين.
كشفت صحيفة هاآرتس في عددها المؤرخ 14/10/ 2010م مخططا قدمه “رحبعام زئيفى” هو برنامج سياسى لمستقبل المنطقة شمل رسم خريطة لتثبيت الفلسطينيين في الجزيرة العربية تحت مسمى الدولة الإسماعيلية، وذلك بهدف محو اسم فلسطين من خريطة العالم.
واستمرارًا لشرعية الإبادة والقتل صدر كتاب أحدث ضجة كبيرة على مستوى العالم عنوانه “شريعة المَلِك” والمقصود بالملك “الرب” كتبه حاخام يهودى يدعى يتسحاق شابيرا، ويعمل رئيسا لمدرسة دينية فى نابلس، ويهدف الكتاب الى الحث على قتل الأطفال غير اليهود وحتى الرضع إذا كانوا يشكلون خطرا أو تهديدا لإسرائيل عندما يكبرون.
ويعطى الكتاب حكما مطلقًا بحرية قادة إسرائيل فى مهاجمة السكان المدنيين وقتلهم ومساواتهم بالعسكريين فى الحروب بما فيهم النساء والأطفال، واعتبار أن العنف والقتل يتفق مع كلام الله فى التوراة. وقد حصل هذا الكتاب على تأييد واسع من كبار الحاخامات فى إسرائيل، إذ يبيح استخدام الترويع والقسوة والانتقام لكل من يشكل خطرا على الكيان اليهودى، ويدعو إلى قتل أطفال أي قائد لممارسة الضغط عليه، ويبين المؤلف أن قتل العرب وأطفالهم ونسائهم أمر مطلوب ومرغوب فيه.
وهكذا فإن الدافع لهذه الأهوال إنما هو عقيدتهم في شرعنة القتل والتدمير والتهجير واغتصاب الأرض التي يزعمون أن الرب منحهم إياها، حتى وصلت الأمور إلى هذا الحد من الوحشية التي دفعت أوساطا كبيرة في الغرب من أحلاف الصهيونية إلى معارضتها.
كما أدت إلى تغير مواقف مؤيدي إسرائيل الغربيين القدامى، حيث قاموا بمظاهرات تستنكر أعمالهم الوحشية والمجردة من كل معانى الإنسانية، في الوقت الذي تصر فيه الصهيونية على الاستمرار في تنفيذ الإبادة وقتل الرضع وتهجير البقية الباقية من سكان غزة.
*أستاذ مقارنة الأديان ، جامعة الزقازيق