كان أول مقال كتبته في موقع “اليوم السابع”، في ابريل 2009، بعنوان “تلخيص مشكلة وطن في تيه المعاني”. وقد ناقشت فيه فكرة أننا نُعبر عن الكثير للغاية من الأفعال والمُصطلحات، بحيث تصدر بغير معناها الحقيقي، مثل أن نرى في التدين الظاهري تدين حقيقي، أو أن نحكم على الشهادة التعليمية فقط وكأنها تُعبر عن تعلم فعلي، دونما المحتوى الذهني، الذي يمكن أن يكون دون المستوى. وهكذا، أصبحت العناوين “خادعة”، ولا تُعبر عن المحتوى الحقيقي. وهذا يجوز أيضاً اليوم، على مُصطلح “المقاومة”.
فلا يُمكن أن ننكر، أن المقاومة للمُحتل من أجل التحرر الوطني، هي عملُ سامي ونبيل، لا يُمكن أن يقف أمامه أحد أو يُعارضه، إلا إن كان خائناً للحق والعدل. والعمل المقاوم، هو عمل: يقوم على الرغبة في التغيير للأفضل، بالخطاب السياسي الفكري أو العمل المُسلح. وهو عمل مشروع على مستوى العالم.
وعندما نتكلم عن المقاومة الحقة، ونقل بلد من وضع سيئ إلى وضع أفضل، لا يمكننا أن ننسى، المقاومة الشعبية في السويس يوم 24 أكتوبر 1973، ضد العدوان الإسرائيلي، الذي لم يتمكن من دخول المدينة بسبب تلك المقاومة، في أواخر أيام الحرب.
كما أننا لا يمكن أن ننسى عمليات “حرب الإستنزاف” في أعقاب هزيمة حرب يونيو 1967. ولقد كان الهدف من “حرب الألف يوم” كما أسماها البعض، لإستمرارها نحو 3 سنوات، هو “تكبيد إسرائيل أكبر قدر من الخسائر في الأفراد والمُعدات لإقناعها بأنه لابد من دفع ثمن غالياً للبقاء في سيناء”، وكانت تلك الحرب هي المقدمة الأهم لحرب أكتوبر المجيدة.
وهناك العشرات من حركات المقاومة، التي أذاقت المحتل لبلادها الويل، وفي النهاية حققت النصر وطرد المحتل وتحرير أرضها. وفي كل تلك الحركات، كان التحول من الإحتلال إلى الإستقلال، هو الهدف، وليس العكس.
أما القتال من أجل القتال وتقديم الشعوب بالآلاف ، “قُرباناً” للعدو، فلا يقوم به إلا “مُتعاوناً” مع أي عدو.
وها هي ذي حماس وحزب الله، يُطلق عليهم “حركات مقاومة”، رُغم أن أفعالهم تدل على العكس. حيث رأينا حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، في لقاء تلفزيوني في أعقاب حرب 12 يوليو – 14 أغسطس 2006، بين حزبه وإسرائيل، بسبب خطفه لجنديين إسرائيليين، لتسأله المذيعة وتقول:
“لو سألناك سؤال سماحة السيد، شوي يعود إلى 12 تموز (يوليو): هل كنت ستفعل ما فعلت، لو كُنت شايف قدامك ردة الفعل الإسرائيلية؛ مليون نازح لبناني؛ دمار بهذا الحجم؛ خسائر إقتصادية؛ خسائر شُهداء، .. يعني بالألف وأكتر؛ جرحى كذلك الأمر، … كارثة كبيرة كانت على لُبنان!”
فيرد حسن قائلاً:
” .. بتسأليني طيب لو كنت 11 تموز، بتحتمل ولو 1 %، أنه عملية الأسر بتوصل لحرب كالتي حصلت، بتروح بتعمل عملية أسر؟ بقولك لأ! قطعاً لأ! لأسباب إنسانية وأخلاقية وإجتماعية وأمنية وعسكرية وسياسية. لا ما بقبل ولا حزب الله بيقبل ولا الأسرى اللي بالسجون الإسرائيلية بيقبلوا ولا أهالي الأسرى بيقبلوا. يعني هذا قطعي”!!
إن رد الأمين العام لحزب الله التابع لإيران، يدل على عدم تحمل المسئولية والإستهانة بأرواح البشر وعدم تقدير المواقف، وفي النهاية ما الذي جناه، إلا ما عبرت عنه المذيعة من مأساة؟! وهنا يكمن السؤال: هل كان وضع لبنان أفضل بعد حرب يوليو – أغسطس 2006 بين حزب الله وإسرائيل؟ وفقا لإجابة حسن، فإن الوضع كان أسوأ، وهو ما يُشير إلى أن ما قام به، ليس “عمل مقاوم”، ولكن “عمل أرعن”، عابث بأرواح البشر ومُمتلكاتهم!!
ولقد قامت حماس فيما سبق بعمليات إعتداء على مصر، أبرزها تفجير معبر رفح، في العام 2008 وقتل جندي مصري وقتها؛ ثم كانت ضمن أهم الفاعلين في إقتحام السجون في نكسة يناير 2011، ثم في قتل المتظاهرين بقنصهم من فوق عمارات ميدان التحرير؛ ثم في قتل جنود مصر الصائمين في أغسطس 2012. فهل تلك عمليات مقاومة، وهل تتوافق مع الإسلام، الذي إتخذوا منه عنواناً متضارباً مع ما يفعلون، ليُساهموا في تشويه مُريديه أمام العالم؟!
وعلينا أن نسأل، فيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية الدائرة على غزة الآن:
هل وضع غزة، أفضل اليوم، من وضعها قبل يوم 7 أكتوبر 2023، عندما بدأت حماس عمليتها التي أطلقت عليها مُسمى “طوفان الأقصى” للتشدق بالدين ودغدغة مشاعر ملايين المسلمين؟!
هل من الدين، أن تمنح حماس إسرائيل “الذريعة”، لأن تُدمر غزة، خاصةً وأن أي قارئ لسياسة المنطقة، ومع معرفته بالهدف الإسرائيلي المُعلن في “تهويد” إسرائيل، وطرد سكانها من الفلسطينيين العرب، وإشارة نتانياهو للرئيس مبارك فيما سبق نكسة يناير، برغبة إسرائيل في تهجير فلسطيني غزة إلى سيناء، ورفض الرئيس مبارك لذلك قطعياً، مُعبراً عن موقف مصري مؤسسي راسخ وثابت، يُردده اليوم الرئيس السيسي أيضاَ، ومعبراً عن أن القضية الفلسطينية لن يتم تفكيكها أبداً؟
هل من الطبيعي أن تمر حماس بحروب سابقة مع إسرائيل، ومنذ العام 2008، حيث يتم تدمير غزة فيها، ويستشهد فيها آلاف الفلسطينيين – وبالذات من النساء والأطفال، ثم تُقدم هي على حرب جديدة الآن؟! فما هو الهدف الحمساوي من تلك الحرب، وما الذي إختلف عن الحروب السابقة وهل الصواريخ الحمساوية التي تقذفها على إسرائيل، حمت مواطني غزة من فلسطينيين أم تضخم عدد الشًهداء بشكل غير مسبوق، زلزل وجدان العالم ومشاعره، بينما حماس تطمح في المزيد من إسالة الدماء الفلسطينية البريئة، في معية العدو الإسرائيلي؟!
ألا يرى أفراد حماس التشدد الذي تتصف به حكومة إسرائيل اليوم؟ ألم يتوقعوا ردة الفعل تلك والوحشية في القتل وإنعدام الرحمة تجاه الفلسطينيين في غزة؟!
وبينما يتشدق رجل يستهين بالأرواح التي تستشهد مثل حسن نصر الشيطان، بتلك الحرب معتبراً إياها “بطولة مُبررة”، مثلما تفعل ربيبته إيران، التي تتشدق بإستهداف العرب منذ ثورة الملالي في 1979، وعدم إستهداف إسرائيل أو أمريكا، إلا نادراً؛
أقول: بينما يفعل نصر الله ذلك؛ يطالب مواطني غزة، من ناحية أُخرى، بالوقف الفوري لتلك الحرب؛ …
.. وهو ما يُظهر “الفجوة الرهيبة”، ما بين مطالب فلسطيني غزة، الذين يعيشون الواقع المُزري في القطاع، وتلك الجماعات التي تحيا “كالطُفيليات”، على دماء الفلسطينيين واللبنانيين وتتكسب من مصائبهم، بأن تزيد تطرف إسرائيل ضدهم، لأن “التطرف يميناً، يزيد التطرف يساراً”، وهي قاعدة فكرية، يعيها أي شخص يجيد القراءة.
فتلك الحركات المتمسحة في الدين، والتابعة لنظام المُرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، تعتبر الهزائم وقتل آلاف الآلاف من الشهداء “العرب” الفلسطينيين العُزل: من “أُمهات المعارك”؛ فقط لأنهم أطلقوا بعض الصواريخ ومنحو متشددي إسرائيل الذرائع، لضرب وهتك المدنيين الفلسطينيين.
فإن كان الهدف من أي حرب، هو هدف “تكتيكي”، يُراد من وراءه إثبات القدرة على قتل البعض لدي العدو، دونما الهدف “الإستراتيجي” المُتمثل في النصر الحقيقي على الأرض: ستصير الحروب عمل لا قيمة له، لا يهم فيه النصر، بقدر ما يهم فيه قتل بعض الأفراد ولو بالمئات، مع الهزيمة والدمار المؤكدين في النهاية!!
فهل هذا يُعقل، وهل هذا هو تعريف “المقاومة”؟!
إن الوضع في غزة، هو وضع مأساوي، يؤكد عليه أغلبية البشر اليوم في العالم كله، واقفين ضد إسرائيل وحكومتها وداعميها من دول كُبرى، ولكن لا يجب أن ننسى على الإطلاق، أن حماس هي من عاون إسرائيل ومنحها الذريعة للقيام بكل هذا ولا تزال، بعد أن كانت غزة “آمنة مطمئنة”، وحماس هي التي ضربت هذا الإطمئنان، من أجل “غايات دنيوية نفعية”، ما أنزل الله بها من سُلطان.
لا أيها السيدات والسادة،
تلك ليست حركات مقاومة، ولكن حركات متعاونة مع العدو، تمنحه اليد العليا بوضوح، مستهدفة دولاً عربية أُخرى أيضاً، أهمها مصر والأردن، برغبة لتفكيك القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين إليهما،
ألا لعنة الله على المُتعاونين مع المُحتل ومصاصي دماء الأبرياء في أي مكان،
ودُعاءنا مُخلصاً بالنصر للإنسان الفلسطيني تحت نير الإحتلال،
والله أكبر والعزة لمصر، في نُصرة الحق دوماً وأبداً
*المقالات .. مساحة أراء تعبر عن كتابها