تسبب النزاع المستمر بين الجيش السوداني وميليشيا “الدعم السريع” منذ أكثر من 20 شهراً أضراراً جسيمة برعاة الماشية في السودان، حيث تكبدوا خسائر كبيرة بسبب نفوق الإبل والأبقار نتيجة القصف العشوائي.
توقفت عمليات التصدير وحركة الأسواق في الولايات المختلفة، وتعرضت المئات من مواشي الضأن والماعز للسرقة، كما فقد العديد من الرعاة حياتهم أثناء محاولاتهم مقاومة اللصوص والمجموعات المسلحة.
يمثل الرعاة رموزاً للغنى والمكانة الاجتماعية في بادية كردفان ودارفور والجزيرة، ويستفيد منهم حوالي 26 مليون سوداني بحسب بيانات البنك الدولي.
والسودان يعد من أكبر مصدري الماشية في أفريقيا، حيث تشكل المهن المرتبطة بهذا القطاع، مثل التربية والرعي، أساساً لكثير من المواطنين، لكن النزاع المسلح عطل القطاع وعرضه للانهيار.
الخسائر والأضرار
يقول السوداني بخيت الفايق، وهو راعي لقطيع من الماعز والأبقار في شمال كردفان، إن “الحرب تسببت في أضرار جسيمة برعاة الماشية في ولايات كردفان الثلاث.
تحولت المنطقة إلى ساحة للقتال، مما أدى إلى الاقتتال القبلي وفرض قيود على تنقلهم في مناطق الرعي خوفاً من السلب والنهب ومن القتل جراء انتشار الجماعات المسلحة”.
وأضاف أن “أقارب له تعرضوا لخسائر فادحة بعد أن سُرِق قطيع مكون من 200 ناقة و130 جملاً بواسطة مسلحين في منطقة أم روابة بشمال كردفان.
قُتل ثلاثة رعاة وأصيب آخرون بجروح خطيرة نتيجة مقاومتهم للصوص، كما تم نهب 300 رأس من الماعز خلال نوفمبر 2024”.
وأوضح الفايق أن المسلحين ارتكبوا انتهاكات واسعة شملت القتل والاختطاف ونهب الممتلكات، بما في ذلك الماشية. وقد خسر السكان أكثر من 750 رأساً من الماعز و180 من الضأن و90 من الأبقار المُنتجة للحليب، بالإضافة إلى مقتل عدد كبير من الرعاة.
توقف الصادرات
من ناحية أخرى، قال حافظ كاكوم، الذي يرعى الأبقار في منطقة رهيد البردي، إن اندلاع النزاع في دارفور أدى إلى تدمير أحد أهم أركان الاقتصاد السوداني، خصوصا في ولاية جنوب دارفور، التي كانت تعتبر مركزاً لتجارة الماشية والثروة الحيوانية.
كانت تمتلك أكبر سوق تورد الخرطوم بمختلف أنواع الماشية، ولكن الحرب توقفت هذه الحركة. وبسبب الانخفاض في التصدير وزيادة النهب، يعاني السكان الذين يعتمدون على رعي الحيوانات من ظروف اقتصادية صعبة.
أشار كاكوم إلى أن الهجوم الجوي والمدفعي أسفر عن موت الإبل والأبقار والماعز بسبب النيران العشوائية في ولايات دارفور الخمس، وتعرضت المراعي الطبيعية للضرر. وأدى الصراع إلى صعوبة التنقل عبر الطرق التقليدية.
وأضاف أن “الحرب أوقفت حركة تجارة الصادرات وأدت إلى تقييد البيع والشراء داخل الإقليم بشكل كبير، مما أسفر عن خسائر كبيرة في قطاع التجارة.
بالإضافة إلى ذلك، الولاية تعاني من انتشار الأمراض، مما يزيد من انتقال العدوى بين المواشي، خصوصاً في ظل عدم توفر وسائل مكافحة في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.”
أزمة المراعي
قال أحد رعاة المواشي في مدينة الفولة غرب السودان، ويدعى سعد خليفة، إن “تصاعد الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في ولايتي دارفور وكردفان حرمان مربي المواشي من التنقل في المراعي خلال فصل الخريف وموسم الأمطار، بسبب المخاطر على الطرق نتيجة انتشار الجماعات المسلحة”.
وتوقع خليفة حدوث كارثة للثروة الحيوانية في البلاد نتيجة نقص المراعي وشح المياه في الوقت الحالي، بسبب غياب الأمن وصعوبة التنقل، مما أدى إلى خسائر كبيرة للمربين.
وأكد أن “همنا الوحيد هو العثور على منطقة بها بعض الكلأ، لنمكث فيها لبضعة أيام بانتظار البحث عن أماكن بديلة، إلا أن محاولاتنا تفشل بسبب عدم توافر المراعي الكافية في بعض المناطق الآمنة”.
تداعيات الحرب
وفي السياق ذاته، أوضح المتخصص في الشأن الاقتصادي الطاهر مجذوب أن “الرعاة يمثلون رموزاً للثراء والمكانة الاجتماعية في بوادي كردفان ودارفور، وكذلك في ولايتي الجزيرة والنيل الأزرق ومناطق البطانة.
ويشكلون دعامة للاقتصاد السوداني بمتوسط سنوي يصل إلى مليار دولار من عائدات صادرات المواشي والأبقار إلى الخارج”.
وأشار مجذوب إلى أن “سكان ولايات غرب البلاد يعتمدون على الثروة الحيوانية في معيشتهم من خلال البيع والتصدير، وقد أغلقت الحرب أمامهم طرق الوصول إلى السوق الداخلية والخارجية.
كما أن العديد من الرعاة تخلو عن هذا النشاط بسبب استمرار الصراع المسلح”.
وأضاف أن “الرعاة في ولايات كردفان الثلاث وأقاليم دارفور الخمسة تكبدوا خسائر كبيرة نتيجة سلب ونهب مئات الآلاف من قطعان الحيوانات ونفوق أخرى.
بالإضافة إلى استهداف ‘سوق المويلح’ غرب مدينة أم درمان، مما أدى إلى فشل الكثير من المربين في توصيل المواشي إلى الخرطوم أو المعابر الحدودية والموانئ البحرية وسط استمرار القتال”.
وعدّ المتخصص في الشأن الاقتصادي أن “الاقتتال القبلي ساهم في تفاقم مشاكل رعاة الماشية بشكل كبير، خاصة بعد تعرض المئات للقتل والاختطاف ونهب الإبل والأبقار. إذ تستغرق رحلة تنقلاتهم بحثاً عن الكلأ والماء أكثر من ثلاثة أشهر.
تعبر الحيوانات عبر مراعي ألفتها منذ القدم. وعلى مدى decades من التنقل المتكرر كل عام، تشكلت علاقات اجتماعية واقتصادية بين المجتمعات المحلية والرعاة، لكن تصاعد القتال القبلي أدى إلى أزمة في المراعي”.
الثروة الحيوانية
تعتبر الثروة الحيوانية في السودان من أهم مصادر النقد الأجنبي، حيث تبلغ عائدات صادرات المواشي والأبقار إلى الخارج حوالي مليار دولار سنوياً، وفقاً لإحصاءات حكومية.
ويُعد السودان من أغنى البلدان العربية والأفريقية بثروته الحيوانية، إذ يُقدّر عدد الحيوانات بنحو 103 ملايين رأس، منها 30 مليون بقرة و37 مليون رأس غنم، بالإضافة إلى 33 مليون رأس ماعز و3 ملايين رأس من الإبل