كتبت هذه الخاطرة منذ سنين، مع إقبال عيد الميلاد وقلت
– إنه في بيت لحم وُلِد،
– وإلى مصر انتقل وهو بعد طفل بصحبة أمه العذراء الطاهرة المصطفاة على نساء العالمين وخطيبها يوسف،
– وفي مصر وجد الأمن والأمان وباركها،
– وظهرت المعجزات في كل مكان حلّ فيه،
– وبقي في مصر إلى أن زال الخطر في فلسطين:
– “..إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلًا قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر
وكن هناك حتى أقول لك،
لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه.
فقام وأخذ الصبي ليلًا وانصرف إلى مصر،
وكان هناك إلى وفاة هيرودس لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر
دعوت ابني”
إنجيل متى الإصحاح الثاني 13 – 15.
⬅️ هذه هي العلاقة بين (مصر) وبين (فلسطين)…
– الأولى :
– ملاذ وأمن وأمان ورعاية ونهوض بالرسالة،
حيث كانت (الإسكندرية)
وبقيت وستبقى أحد الكراسي الرسولية الخمسة،
وكانت كنيستها وستبقى رقمًا صحيحًا مهمًا في مسيرة الهداية والمحبة والسلام.
(مصر وفلسطين) حيث المسيرة أقدم من ذلك،
إذ كانت مصر من قبل
– ملاذًا ل(أبي الأنبياء إبراهيم الخليل) وزوجه سارة،
ومن (مصر) كانت (هاجر) التي أنجبت ل(إبراهيم) ابنه (إسماعيل)، الذي تحدث عنه العهد القديم في سفر التكوين،
وأكد أنه سيصبح أمة عظيمة..
وقد أصبح كذلك بعد أجيال متعاقبة من نسله ببعثة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام!..
⬅️ وكانت مصر ملاذًا
– لفرع يعقوب بن إسحق بن إبراهيم- عليهم السلام
– إذ وجدوا الزاد والمأوى أيضًا وأصبح واحد من أبناء يعقوب مسؤولًا عن اقتصاد مصر، وهو (سيدنا يوسف)!
ثم كانت مصر مستقرًا ل(النبي موسى)،
ومهدًا لدعوته وأرضًا تلقى عليها الألواح..
الوحي الإلهي،
ولم يفقد الأمان فيها إلا بعد أن أقدم على قتل أحد المصريين، عندما تحمس لواحد من إخوانه اختلف أو تشاجر مع مصري!
– وبعد موسى وأمه وأخيه وقومه
– كانت مصر في استقبال الأسرة المقدسة،
ثم جاءها أيضًا من المدخل الفلسطيني
آل بيت النبي- صلى الله عليه وآله- ليجدوا فيها الأمن والأمان، بعد أن نكل بهم المنحدرون من أبي سفيان بن حرب وهند بنت عتبة- آكلة كبد حمزة بن عبد المطلب،
شهيد أُحد
وعم الرسول
– أرأيتم كيف هي المحروسة بأهلها وحضارتها وتاريخها
– وأيضًا بالأسر الخمس المقدسة؟!
ويعود الطفل- له المجد- إلى فلسطين،
لتبدأ مسيرة حافلة يمثل هو فيها وتلاميذه والمؤمنون طرفًا
ويمثل الكهنة
والفريسيون اليهود
والسلطة الرومانية
طرفًا آخر..
وكلما مضت دعوته واتسع مجالها ازداد حقد الطرف الآخر،
وهي مسيرة فيها من المعجزات والنبوءات وأيضًا من المنطق المفحم ومن الحسم ما يجعل المرء يتأمل مرة واثنتين وعشرًا بغير توقف، ليعرف أن المعاناة والسعي والصراع كأس يشرب منها كل المؤمنين.. حتى كلمة الله وروح منه!
ولأن الشيء بالشيء يذكر،
وقبل أن أمضي في تأمل المسيرة الطاهرة للسيد المسيح- له المجد- فإنني تأملت حكاية التجسد.
– وأدركت- عبر الشواهد في الإنجيل وفي القرآن وفي السيرة النبوية- أن التجسد أمر وارد،
– فها هو روح الله يتجسد للعذراء لتحمل في ابنها،
– وهذا ما جاء في الإنجيل وفي القرآن الكريم..
– ثم إنه في السيرة النبوية فإن رواية تقول ما معناه أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان جالسًا مع أصحابه ودخل عليهم رجل بهي الطلعة شديد الوسامة وجلس أمامه وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، وأجابه- صلى الله عليه وسلم- وكان الضيف يشبه رجلًا له السمات نفسها اسمه دحية الكلبي،
فلما انصرف
وتساءل الصحابة أجاب الرسول بما معناه أن
– هذا أخوكم جبريل جاء يعلمكم أصول دينكم!
وأعود إلى المسيرة الطاهرة لأقف طويلًا أمام الموعظة على الجبل، التي تحتوي على منظومة متكاملة أخلاقية وتربوية واجتماعية وتشريعية..
ولطالما اقتبست أجزاء من تلك الموعظة في مقالات سابقة، ثم إنني قرأتها كاملة على أسماع طلاب كليات الهندسة والصيدلة وإدارة الأعمال في جامعة هليوبوليس،
عندما دعاني الصديق المرحوم الدكتور إبراهيم أبو العيش، رئيس الجامعة،
لإلقاء محاضرات في الأبعاد الحضارية والثقافية للتكوين المصري،
وحيث كان ذلك إحدى السبل لتحصين الطلاب،
خاصة في الكليات العملية،
من آفة التطرف الطائفي والمذهبي،
وحرصت على أن تكون المحاضرات حول ماذا قدمت مصر للبشرية عبر تاريخها الطويل،
وكيف هي الضفائر المصرية،
وكيف دخلت المسيحية مصر
وماذا عن الإنجيل وعن مسيرة السيد المسيح!!
في المسيرة التي نتحدث عنها
– نكتشف أن السيد المسيح- له المجد- امتلك منطقًا مفحِمًا لأعداء الإيمان والحقيقة،
فذات مرة جاع تلاميذه يوم سبت فأخذوا يقطفون سنابل القمح ويأكلون، وعندئذ حاول الفريسيون الاصطياد فقالوا له: “هو ذا تلاميذك يفعلون ما لا يحل في السبت”!!
وأجاب من فوره:
“أما قرأتم ما فعله داود حين جاع هو والذين معه..
كيف دخل بيت الله وأكل خبز التقدمة الذي لم يحل أكله له ولا للذين معه بل للكهنة فقط،
أوما قرأتم في التوراة
أن الكهنة في السبت في الهيكل يدنسون السبت وهم أبرياء؟ ولكن أقول لكم
إن ها هنا أعظم من الهيكل.
فلو علمتم ما هو..
إني أريد رحمة لا ذبيحة لما حكمتم على الأبرياء،
فإن ابن الإنسان هو رب السبت أيضًا”
متى الإصحاح الثاني عشر 3- 8.
ثم تعالوا نتوقف عند هذه النبوءة التي تتحقق منذ سنين على يد الصهاينة اليهود،
فالمسيح تنبأ بصراخ الحجارة في فلسطين.
عندما خرج الناس يفرحون ويسبحون وهو مقترب من منحدر جبل الزيتون متجهًا إلى أورشليم،
وطلب إليه الفريسيون أن ينهر هؤلاء الفرحين المسبحين،
فأجاب:
“أقول لكم إنه إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ”،
ثم نجد أنفسنا إزاء إعجاز عظيم إذ “وهو يقترب نظر إلى المدينة وبكى عليها قائلًا:
لو علمت أنت أيضًا حتى في يومك هذا ما هو لسلامك.
ولكن الآن قد أخفي عن عينيك فإنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة ويهدمونك وأولادك فيك ولا يتركون فيك حجرًا على حجر لأنك لم تعرفي زمان افتقادك”
لوقا 26ـ40.
تهنئة من القلب لشعب مصر بعيد الميلاد المجيد
وتحية لكنيستنا الوطنية