عرض:محمد صبحي الغنيمى
بعدما توحدت كل قوى الصهيونية في إسرائيل والعالم بكل أنواعها، وراء مواجهة حلم الدولة الفلسطينية بكل قوة، ومع تواصل إسرائيل حربها الدموية على قطاع غزة.. محققة أكثر من ٣٠ ألف شهيد فلسطينى وأكثر من ٧٠ ألف مصاب وتشريد حوالى ٢،٣ مليون غزاوى ، حتى الآن.. كان من المهم الوقوف وراء أسرار تكوين الصهيونية وأهدافها، حتى يعرف الاجيال الجديدة حقيقة الموقف.
كتاب «الصهيونية.. الغرب والمقدس والسياسة» للمؤلف عبدالكريم الحسنى، الذى يتحدث عن الصراع بين العرب واليهود، يكشف كواليس تكوين الحركة الأكثر تعقد ودموية وأكاذيب حول العالم.
رؤية الكاتب تتلخص في أن النزاع نشأ بين العرب واليهود بسبب الصدام التاريخى بين الحركتين القوميتين اللتين تأصلت جذور الكره بين أتباعهما، منذ أن ارتبط أغنياء يهود أوروبا بالمشاريع الإمبريالية الرأسمالية للحركة الصهيونية بما توفر لها من روافد الدعم من الحضارة الغربية، والفكر العلمانى الذى أدى إلى إنشاء الدولة القومية فى أوروبا.
بخلاف التفسير البروتستانتى الحرفى للعهد القديم، الذى وجدته الصهيونية كرافد آخر يضمن تحالف قطاع كبير من المسيحية مع فكرة الوطن القومى لليهود، حتى قبل وجود الحركة الصهيونية نفسها رسميًا على المسرح الأوروبى، فاتفق جميع هؤلاء على ترحيل اليهود إلى فلسطين، وصار الهدف إخراج اليهود المكروهين من أوروبا وجعل فلسطين وطنًا قوميًا لهم.
من ناحية أخرى، كانت هناك حركة القومية العربية التى تضرب فى عمق منطقة تلونت بالتراث العربى الإسلامى على مدى أكثر من ألف وخمسمائة عام، خضعت فيها فلسطين وغيرها للحكم الإسلامى، كما أن سكانها من العرب الكنعانيين وغيرهم كانوا دائما موجودين فيها قبل قدوم العبرانيين من بلاد الرافدين وقبل وصول قوم موسى من مصر.
الصهيونية من طرف كانت تسعى لإقامة دولة لليهود لكى يستطيعوا- لأول مرة- أن يقرروا مصيرهم منذ ما يزيد على ألفى عام، فاستغلت مصالح الغرب الاستعمارى الذى كان يسعى إلى زيادة نفوذه واندفعت غير عابئة بما قد يحدث لسكان فلسطين من العرب بعد أن انهارت دولتهم الإسلامية بانتهاء دولة بنى العباس على يد الأتراك العثمانيين، ثم ضعف الخلافة العثمانية، ثم زوالها على يد الغرب الاستعمارى الذى وجد من الصهيونية حقيقة طبيعية بسبب التقاء المصالح وضمان التبعية الصهيونية.
لهذا تشجع الصهاينة وكونوا دولتهم وفقا للنموذج الأوروبى، وبه ضمنوا المساندة الغربية الدائمة على حساب العرب.
لا شك أن إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين وطرد أهلها عام ١٩٤٨م يعتبر صدمة قوية زلزلت الوجود العربى، وأصابت الثقافة العربية القومية بصدمة عنيفة، لم تفق منها حتى الآن، وسيبقى بلا مبالغة زلزال إنشاء إسرائيل يهاتف كل الأجيال العربية والإسلامية مهما تباعدت مواقف الأنظمة والزعماء، ومهما دامت محاولة تجاهل ما حدث فى فلسطين من قبل البعض. سواء عن عمد أو بتفضيل المصالح الشخصية والإقليمية على المصالح القومية والدينية.
إن اغتصاب فلسطين صراع يكون العرب فيه أو لا يكونون، إنها قضية أمة مهما ساءت العلاقات بين الأنظمة العربية، وستظل فلسطين قضية العرب المركزية الأولى، بل وستبقى قضية المسلمين بطريقة أو بأخرى حتى قيام الساعة، فإن سقطت بعد الأمانى أو الأحلام فى زمن من الأزمان، ستظل القدس عاصمة فلسطين وعاصمة المسلمين، وعاصمة السماء.
إن الصراع العربى- الصهيونى سيظل وسيبقى صراعا حتى وإن قال عنه البعض إنه قد تراجع إلى أن أضحى صراعا فلسطينيا إسرائيليا أو راح يسقط إلى درك أسفل لكى يصبح صراعا فلسطينيا- فلسطينيا بسبب سوء إدارة الأنظمة العربية لهذا الصراع، هذا بسبب خلافات هذه الأنظمة.
بالإضافة إلى تفضيلها الحصول على الأمان بالانصياع إلى سماع نصائح الدول الأجنبية، التى تعتمد عليها هذه الأنظمة لاستمرار وجودها، فمهما وصلت التسميات أو تسرب بعض اليأس لأسباب كثيرة لحظية أو لمدة طويلة، فإن الصراع العربى- الصهيونى باق جمرا متوهجا وإن غطته طبقة ناعمة من الرماد الخفيف، وسيظل بركانا غاضبا على استعداد أن يثور ويقذف الحمم فى أى زمن قادم، وقد رأينا أن النار لم تخمد منذ أن صار لليهود دولة فى فلسطين.