أكثر من جريمة وقعت في البلد بسبب الحب ورفض الحب . رجل يحب إمراة ، يتلطف ، ويتودد، ويتقرب بالهدايا والكلمات المنمقة ، وبحاسة الأنثى تدرك المرأة أنه يحبها ، ولكنها لا تجد في نفسها تلك القوة القاهرة تجذبها إليه .نعم ترد على مجاملاته بأدب ولطف ، يتسع نطاق خياله ، يتصور أنها باتت له ، يبني أحلاما ويرى ليالي رومانسية ، بينما هي لا علم لها بكل هذا الطوفان من الأخيلة.هي لا تحبه ، لا تراه ، لو تحبه ستهرول اليه ، لو تحبه ستتنفس أحلامه ، وهو مستغرق في الأخيلة ، واتخذ القرار الحاسم بالاعتراف بحبه ، ليستمتع بلحظة تسبيل العيون وفرك الكفوف واحتضان النظرات ..
ينتظرها وهي خارجة من عملها ، يخطو خلفها ، يوازيها ، يطلب منها أن تشاركه فنجان قهوة لأنه يريد أن يكلمها في موضوع .. هي مدركة ما يرمي إليه ، لذلك اعتذرت بصرامة ، وتركته مبتلا في خجله وخيبة أمله وسط الشارع . في المساء أرسل إليها صورة وجه يبكي ويقول لها :أحبك …
حتى الصباح ظل يترقب ردها ، فلم ترد ، وكاد يفقد صوابه ، فخرج إليها عند مواعيد خروجها من العمل ، واستوقفها وقال لها أريد أن تكوني زوجة لي ..
نظرت إليه طويلا ثم قالت إنها آسفة فهي في علاقة رسمية وشيكة !
لم يفهم رسمية ووشيكة ، لكنه فهم إنها ترفضه ..صعب جدا علي الرجل ذلك الإحساس بالرفض ..هو لا يفهم أنها مسألة قبول ، لا مسألة أنا أنسب واحد لك ، فالمهم أنها تقبلك وأنت تقبلها ..
قصص الرفض تحولت إلى قصص كراهية وانتقام ، فالتطرف في الحب من جانب واحد يخلق داخل المتطرف إحساساً بالامتلاك ، ويجعل ما حول حبيبته سياجا ، ويزرع من حولها ألغاما ، تنفجر فيمن يقترب منها .. ومع استمرار الرفض يزداد مرض التعلق وتصبح الحيازة هدفا في حد ذاته ، بل يهدد من يستحوذ عليها ..
يزداد الموقف سوءا حين تدرك المرأة مدى تعلق الرجل بها ، صحيح أن بعضهن يقدرن هذه المشاعر ، ويحتفظن بصداقة قوية مع رجل يحب ، لكن يحدث أن تستغل امراة هذه المشاعر، وتمارس عليه فنونا من الابتزاز العاطفى ، بل ربما تجعله مسخرة السهرة بين صديقاتها ، ولو علم المحب العاشق أنها تسخر منه وتستهزئ بعواطفه وتفضحه وسط صاحباتها لتحول الى وحش نافر كاسر قاتل ..
ولان حوادث قتل البنات والستات كثرت ، من ذبح نيرة اشرف بالمنصورة ، إلى إطلاق الرصاص علي نورهان داخل جامعة القاهرة ، وحادثة قتل مماثلة وقعت بطريق صلاح سالم ، وجميعها بسبب الحب المرفوض ، فإن الدرس الذي لن تفهمه المرأة أبدا هو أن الرفض بقسوة يولد الكراهية والمقت فالقتل .. كلما رفضته تمسك بها وتطرف في تمسكه ويتعلق بها ، فيراها احتلت شرايين جسده كله، وهو غير راض عما هو فيه ، غير راض عن إهدار كرامته ، غير راض عن ضعفه ، عن تعلقه ، يكره نفسه ويود لو ينتحر ، لكنه قبل ان ينتحر يقرر أن يتخلص من مرضه ، من حبه ، من التى استعصت عليه ، فينحرها ، وينتحر …
لا تحبوا بعمق مالم تتلقوا نفس الدرجة العميقة من الحب .. اعط مشاعرك بحساب ، ولا تفيض بها لمن لا يستحق ..
كيف لكل هذا الحب أن يتحول الى بغضاء وحقد وغل ؟
سؤال لا اجابة له حتى يوم القيامة ..
انها النفس البشرية المعقدة ..