من نايف سالم وغرفة الرصد السوشيالى
تعيش الكويت حالة ترقّب سياسي، مع صدور قرار غير مسبوق من وليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد، “جمّد” بموجبه الحكومة و”كفّ يدها” عن ملفّ التعيينات في جميع أجهزة الدولة، في مؤشّر إلى أنّ أيامها ليست طويلة.
هذا القرار الذي صدر يوم الأربعاء الماضي مُغاير لما يصدر عن الأمير أو نائبه.
ما يعرفه الكويتيون وما هو مشهور أنّ الأمير (أو نائبه / وليّ العهد) يصدر مراسيم أميرية أو أوامر أميرية لا قرارات، لأنّها تعتبر من اختصاص مجلس الوزراء في الإجمال، والوزراء إذا كانت خاصة بوزاراتهم.
عملياً، منذ أواخر 2021 ينوب الشيخ مشعل عن الأمير الشيخ نوّاف الأحمد في الكثير من الصلاحيات الدستورية، بموجب تفويضٍ منحه إيّاه يحقّ له بموجبه اختيار رئيس الوزراء والوزراء وإقالتهم وقبول استقالاتهم وإصدار المراسيم الأميرية وإعلان الأحكام العرفية، وغيرها من الاختصاصات.
تعيش الكويت حالة ترقّب سياسي، مع صدور قرار غير مسبوق من وليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد، “جمّد” بموجبه الحكومة و”كفّ يدها” عن ملفّ التعيينات في جميع أجهزة الدولة، في مؤشّر إلى أنّ أيامها ليست طويلة
تدخّل مباشر
قرأ المراقبون في القرار الصادر عن وليّ العهد تدخُّلاً مباشراً وتوجيهاً إلى الحكومة، بعدما تكاثر الكلام عن صفقات نسجتها مع ثلّة من النواب، تخلّلتها ترضيات ومحسوبيّات وتنفيعات، مقابل عبور رئيسها الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح في الاستجواب الأخير الذي قدّمه النائب مهلهل المضف قبل حوالي أسبوعين، ولم يجد مساندة إلّا من نائبين فقط، أحدهما أيّده كليّاً والثاني جزئيّاً.
هذه الترضيات انعكست على شكل تعيينات في أجهزة الدولة لأشخاص غير مستحقّين، في ما يعرف بالكويت بـ”التعيينات الباراشوتيّة”، أي التي تنزل بالباراشوت، ويتولّى صاحبها منصب مدير في مكتب وزير أو رئيس لهيئة حكومية أو مستشار في هيئة أو موظّف يتقاضى راتباً بلا عمل.
أمام هذا الواقع، أصدر وليّ العهد قراره الذي ينصّ على “وقف قرارات التعيين والترقية والنقل والندب والإعارة في جميع أجهزة الدولة لمدّة 3 أشهر قابلة للتجديد”.
نزل القرار كالصاعقة على الوزارات والجهات الحكومية، لأنّها للوهلة الأولى لم تعرف كيف تتعامل معه وتضعه في أطره القانونية، لا سيّما أنّ مثل هذه القرارات تصدر عن الحكومة لا عن الأمير أو وليّ العهد.
خلال نحو 48 ساعة، استدركت الوزارات الموقف وبدأت بوضع القرار موضع التنفيذ، وسط أنباء عن مراجعة شاملة لكلّ التعيينات التي تمّت في الأشهر القليلة الماضية، ويرى البعض أنّها مرتبطة بشراء ولاءات والتغلغل في مفاصل الدولة.
سابقة خارج الأوامر والمراسيم
اللافت في الأمر أنّ قلّة من النواب علّقت علناً على القرار، الذي اعتبر النائب مهلهل المضف أنّه جاء “كسابقة وخارج الأوامر والمراسيم الأميرية”، ورأى أنّه “يجب على الحكومة التي تمثّل سموّ الأمير التحرّك لمعالجة تلك السابقة ضمن الأطر الدستورية”.
أمّا النائب حمدان العازمي، وهو الوحيد الذي أيّد المضف في استجوابه لرئيس الوزراء، وقدّم استجواباً أيضاً لوزير التجارة، فقال إنّ القرار “مستحقّ خاصة بعد استخدام الحكومة هذا الأمر في الترضيات وشراء الولاءات السياسية”، مشيراً إلى أنّ “البُعد الآخر للقرار هو التأكيد على عدم ثقة” وليّ العهد بالحكومة وقراراتها.
من جهتها، قالت النائبة جنان رمضان بوشهري إنّها تتّفق مع وليّ العهد بشأن سوء ترشيحات بعض الوزراء للمناصب القيادية وانحرافهم عن المسار الذي يحقّق الإصلاح المنشود، إلا أنّ القرار سابقة لم تشهدها الحياة السياسية الكويتية، وهو ما يستوجب على الخبراء الدستوريين المعتبرين بحث الجوانب الدستورية للقرار.
قلّة من النواب علّقت علناً على القرار، الذي اعتبر النائب مهلهل المضف أنّه جاء “كسابقة وخارج الأوامر والمراسيم الأميرية”، ورأى أنّه “يجب على الحكومة التي تمثّل سموّ الأمير التحرّك لمعالجة تلك السابقة ضمن الأطر الدستورية.
“تدخّل جراحيّ”…
في هذا الصدد، قال الخبير الدستوري وأستاذ القانون إبراهيم الحمود إنّ وليّ العهد مارس بعض اختصاصات الأمير الدستورية، بموجب التفويض الممنوح له، وهو الحامي للمصلحة العامّة للدولة. وأوضح أنّ القرار “ليس إدارياً، لكنّه قرار ذو طابع سياسي، وهذا يسمّى في القانون الدستوري عمل من أعمال السيادة، أي الأعمال ذات الدافع السياسي”، جازماً أنّ “هذا القرار لا يخضع لرقابة القضاء باعتباره عملاً من أعمال السيادة”.
كذلك وصف القرار بأنّه بمنزلة “تدخّل جراحي من أجل حماية كينونة الدولة والحفاظ على المؤسسات العامة وصون الوظيفة العامة، وحماية الدستور الذي ينصّ على العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين”.
“مصالح ضيّقة”؟
في موقف يصبّ في السياق نفسه، انتقدت “الحركة التقدّمية الكويتية” التي تمثّل قوى اليسار ما وصفته بـ”تخريب المؤسّسات، وخرق القوانين، وتفشّي الفساد واستغلال النفوذ والتنفيع وشراء الولاءات، واستخدام المال السياسي في الانتخابات، وسوء الإدارة العامة للدولة، وتجاوز الإجراءات المعتمدة والاستثناءات في تعيين قيادات إدارية غير كفوءة، وتعطيل مصالح المواطنين، وانتشار الواسطة والمحسوبية”.
أيضاً وصفت القرار الذي أصدره وليّ العهد بأنّه “قرار استثنائي لا سابق له جمّد الحكومة، التي تمادت في استخدام صلاحيات التعيينات والترقيات الاستثنائية والنقل والندب والإعارة لتحقيق مصالح ضيّقة تخدم أجندات بعض القوى في إطار الصراع على النفوذ والسلطة”. وأكّدت أنّ الحكومة هي “التي تتحمّل أوّلاً وقبل أيّ طرف آخر مسؤولية التعامل مع هذا القرار باعتباره توجيهاً كتابياً من وليّ العهد لتصحّح مسارها، وعليها أن تلتزم بالدستور والقانون ومصلحة الدولة والشعب وتوقف العبث بالتعيينات والترقيات والنقل والندب والإعارة، وأن تعتمد مبدأ تعيين الكفاءات والمستحقّين بدلاً من مبدأ الولاء والطاعة والمصالح الشخصية الضيّقة.
هذا ما يفرض على مجلس الوزراء مسؤولية وضع قرار وليّ العهد في إطار دستوري سليم، وذلك بإصدار قرار من الحكومة ذاتها في هذا الشأن، مثلما يفترض أن يكون، مع إعادة النظر في شأن تجميد التعيينات العاديّة للشباب الكويتي من الجنسين المرشّحين لتولّي الوظائف العامة من ديوان الخدمة المدنية والمنتظرين على طابور التوظيف، وكذلك الترقيات المستحقّة قانونياً وإدارياً، التي لا صلة لها بالتعيينات والاستثناءات والترقيات في المناصب القيادية