جاءنا الآن
الرئيسية » جاءنا الآن » التسريبات الكارثية:الإمبراطورية الإسرائيلية..وسرقة بقايا السلاح الكيماوى السورى..والاستسلام لا التطبيع

التسريبات الكارثية:الإمبراطورية الإسرائيلية..وسرقة بقايا السلاح الكيماوى السورى..والاستسلام لا التطبيع

“الجولان والحلم الإسرائيلي: هل يبني الاحتلال إمبراطورية استعمارية جديدة؟”

دراسة أمريكية: إسرائيل لن تترك المجال الجوي السوري أمام إيران أو حزب الله أو تجدد داعش

معهد واشنطن: استمرار الوجود الأمريكي الحالي على حدود سوريا مع الأردن والعراق

بدء حملة أمريكية إسرائيلية للاستيلاء على الأسلحة الكيميائية المتبقية في سوريا

إطلاق حملة مماثلة في لبنان بعد التقارير عن وجود هذه الأسلحة في يد حزب الله

استئناف العملية العسكرية الإسرائيلية 2007 لتدمير ومعالجة بقايا المفاعل النووي السوري

استئناف التطبيع عبر عملية “الجار الطيب” التي بدأت في 2012 ومنعها بشار الأسد

 

 

 

وحدة الشئون التركية/خلود عدنان

رسالة وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين، عضو مجلس الأمن الإسرائيلي الحادة للفصائل السورية، “سنضرب دون تردد أي شخص يحاول تجديد نقل الأسلحة من إيران عبر سوريا إلى حزب الله في لبنان”.

وحذرت الحكام الجدد في سوريا من قبول أي محاولات لدخول الجهاديين إلى جنوب سوريا.

ويبقى مستقبل سوريا غير مؤكد، مع احتمال نشوب صراع على السلطة بين الفصائل المختلفة في جميع أنحاء البلاد، أو ظهور قوة موحدة، من المحتمل أن تقودها هيئة تحرير الشام.

ومن المرجح أن تظل سوريا ضعيفة ومنشغلة بالصراعات الداخلية في المستقبل المنظور، كما أن هشاشة البلاد أمام التدخل الأجنبي ستزيد من تعقيد جهود التعافي والاستقرار.

عودة الإسلام السياسي

وحسبما يرى مركز “كارنيجي” توفر هذه التغيرات فرصة للإسلام السياسي لاستعادة دور مركزي في المشهد السياسي السوري، في حين تحاول هيئة تحرير الشام أن تروج على المستويين القيادي والشعبي لمشروع يستند إلى الإسلام السياسي كبديل لنظام الحكم في سوريا.

ومع وجود تركيا وقطر كداعمين رئيسيين، من المتوقع أن يستعيد المشروع الإسلامي الذي تم تهميشه في السنوات الأخيرة، تأثيره من جديد.

وعلى صعيد العلاقات الإسرائيلية-السورية، فإن انهيار محور المقاومة في سوريا يمثل انتصارًا كبيرًا للإسرائيليين، حيث تم كسر ما يسمى بـ”حلقة النار” التي كانت تحيط بإسرائيل وتم قطع خطوط إمداد حزب الله بالأسلحة من إيران والعراق.

إقليميًا، يمثل هذا نهاية حقبة كان فيها النفوذ الإيراني في دمشق هو السائد، وانهيار الهيمنة الإيرانية في بلاد الشام، التي توسعت بشكل كبير خلال ما يسمى بـ”الربيع العربي”.

وقد استغلت طهران الاضطرابات الإقليمية لتوسيع نفوذها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وإقامة ممر إلى البحر المتوسط يمتد عبر العراق وسوريا ولبنان، ولكن إعلان إسرائيل الحرب على إيران وحلفائها في 7 أكتوبر 2023، وهزيمة حماس وحزب الله في لبنان وتهميشه، إلى جانب سقوط الأسد، كلها إشارات على انتهاء هذا المشروع مؤقتًا وبداية الهيمنة الإسرائيلية الأمريكية لبلاد الشام.

“مستقبل محور المقاومة في سوريا” …

وحسب أحدث دراسات معهد واشنطن، فإن سقوط نظام الأسد بالنسبة لإسرائيل يمثل ضربة قاسية لإيران و”محور المقاومة” في المنطقة، مع العديد من الفوائد المحتملة للمصالح الإسرائيلية، بالإضافة إلى قطع حلقة حيوية في القوس الاستراتيجي الذي يربط طهران ببغداد ودمشق وبيروت أو “الهلال الشيعي”.

الأمر الذي يؤدي أيضًا إلى قطع الطريق اللوجيستي إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، مما يخلق تراجعًا كبيرًا لطموحات حزب الله في إعادة التسلح وفصل الخلفية الصناعية الاستراتيجية لإيران عن مختلف الجبهات على حدود إسرائيل.

مصير القواعد الروسية 

في هذه الأثناء، تسعى روسيا للحفاظ على قواعدها في سوريا مع تقليص وجودها العسكري هناك، مما قد يزيد من حرية الحركة الإسرائيلية في المنطقة.

وأضافت الدراسة التي شارك بها أساف أوريون، الخبير العسكري والاستراتيجي، أن الوضع الجديد يأتي أيضًا مع استغلال كيان الاحتلال لما يعتبره مجموعة من التهديدات الناشئة، فقد يتقدم الإرهابيون الجهاديون — سواء من بقايا داعش أو قوات هيئة تحرير الشام والجيش السوري الحر “الحاكم الفعلي الآن” التي أطاحت بالأسد أو غيرها من الفاعلين — بالقرب من المجتمعات الإسرائيلية في منطقة الجولان.

ويتمثل السيناريو المحتمل بأن تدعي تل أبيب أنها مهددة بتوجيه ترسانة النظام التي تمتلكها حالياً نظام الجولاني ضد إسرائيل، كما ستزعم أنها تمثل تهديدًا للاستقرار في الأردن المجاور، وهو ركيزة حيوية في هيكل الأمن الوطني الإسرائيلي، وهى ساعة الصفر التي ستنطلق فيها القوات الإسرائيلية، حسب “معهد واشنطن”.

وبالنسبة لإيران، قد تسعى إلى توسيع نفوذها الإقليمي لتعويض خسائرها، على الرغم من أن القوات الإيرانية ووكلاءها قد فروا من سوريا، إلا أن طهران على اتصال ببعض الفصائل المتمردة المنتصرة وتبحث عن طرق جديدة للتسلل والشراكة مع تركيا المتحكم في تحركات نظام الجولاني.

ورداً على ذلك، تدعي إسرائيل أن أهدافها الرئيسية في سوريا واضحة: وهى منع الأسلحة الاستراتيجية من الوقوع في أيدي المتطرفين؛ تعزيز استقرار الأردن؛ منع إعادة إنشاء خطوط الإمداد الإيرانية ووكلائها إلى حزب الله والحوثيين؛ وأخيرًا، ضمان أن تحافظ إسرائيل على حرية العمل الكافية في المنطقة من الشام إلى إيران بشكل أحادي إذا لزم الأمر، ولكن يفضل التعاون مع الآخرين “الولايات المتحدة الأمريكية”.

“التسلسل الزمني للتناقض بين التصريحات الإعلامية والتحركات الفعلية على الأرض” …

ورغم أن الحكومة السورية الناشئة لم تقدم على أى فعل لتحرير أراضي الجولان، إلا أن الكيان الإسرائيلي اتخذ بالفعل إجراءات لتحقيق أهدافه، أولاً، بدأ في تعزيز دفاعاته في هضبة الجولان مباشرة بعد سقوط الأسد.

ثم شن عملية “سهم باشان”، والتي شملت مئات الضربات التي دمرت معظم ترسانة سوريا، مع التركيز على القواعد العسكرية، والدفاعات الجوية، والصواريخ الباليستية، ومستودعات الأسلحة، والطائرات العسكرية، والأصول البحرية، ومرافق الإنتاج والتطوير المختلفة.

في الجزء البري من العملية، استولى جيش الاحتلال على منطقة الفصل في سوريا، في انتهاك لاتفاق الفصل الذي وقع في عام 1974 والذي أنهى رسميًا حرب العرب-إسرائيل في العام السابق.

كما استولى على نقطة جبل الشيخ السورية، التي تطل على نقاط إسرائيلية استراتيجية، بعد تحذير الجيش السوري الحر من الاقتراب من هذه المنطقة العازلة، قام الجيش الإسرائيلي بترتيب موعد لتسليم الأسلحة من قبل المجتمعات السورية المحلية، التي نفذت ذلك بهدوء.

وفي البداية كانت التصريحات الإسرائيلية حذرة ونافية لرغبتهم في إنشاء وضع دائم على هذه الحدود، ثم جاءت تصريحات نتانياهو في 8 ديسمبر، ليؤكد أنه أمر الجيش الإسرائيلي بالاستيلاء على منطقة الفصل على حدود إسرائيل بعد انهيار اتفاق الفصل لعام 1974،

ولكنه أوضح أنها خطوة مؤقتة، ومن ثم أعلن أن هضبة الجولان ستظل جزءًا من إسرائيل “إلى الأبد”، وأن حكومته قد وافقت الآن على خطة لزيادة عدد السكان الإسرائيليين هناك.

وأبسط ما يكشف أكاذيب وتناقض نتانياهو هو أن تل أبيب لم تحرك ساكناً عندما استولت المعارضة السورية على الجولان من نظام الأسد في عام 2013، وظل اتفاق الفصل ساريًا بدعم من كل من القدس ودمشق.

وبصوت خافت جاءت إدانات الأمم المتحدة وأطراف أخرى لانتهاك إسرائيل للسيادة السورية، كما جاء تصريح ضعيف من أبو محمد الجولاني رئيس “هيئة تحرير الشام” إن سوريا ستلتزم باتفاق الفصل لعام 1974، ودعا المجتمع الدولي لضمان أن تقوم إسرائيل بذلك أيضًا.

وقال بوضوح أنه لن يدخل في أى صراعات جديدة مراعاة لظروف سوريا المدمرة، داعياً إسرائيل لوقف ضرباتها في سوريا وسحب قواتها من الأراضي التي احتلتها بعد سقوط الأسد.

“المخطط الإسرائيلي لما بعد الجولان”…

ويوضح معهد واشنطن، أنه من المحتمل أنه كلما طال الوجود الإسرائيلي على الأراضي السورية كلما تم النظر إليه على أنه استيلاء غير قانوني على الأرض، لذا ستبدأ إسرائيل في إيجاد الأسباب والحجج الملحة لضمان استمرارها غير المحدد بنطاق زمني أو جغرافي في الداخل السوري.

لذا الفترة المقبلة سنرى تل أبيب تتبنى استراتيجية دفاعية تبدأ بتوضيح أن اتفاق الفصل لعام 1974 لا يزال صالحًا كأساس للأمن المشترك في الجولان، والتأكيد على أن وجود الجيش الإسرائيلي في سوريا هو مجرد وضع مؤقت، مع مراعاة اتفاق الهدنة الأخير في لبنان.

ولكنها لن تترك المجال الجوي السوري بحجة منع عودة إيران، وإعادة تسلح حزب الله، أو تجدد داعش.

وسيظل من المهم لإسرائيل استمرار الوجود الأمريكي الحالي على حدود سوريا مع الأردن والعراق، وهو صغير (حوالي 900 جندي في المجموع) ولكنه فعال جدًا في دعم الكيان الصهيوني.

وحسب الدراسة الأمريكية، تطالب إسرائيل واشنطن بالتمهيد لحملة أمريكية إسرائيلية بهدف الاستيلاء على الأسلحة الكيميائية المتبقية في سوريا وتدميرها، بالتزامن مع إطلاق حملة مماثلة في لبنان بعد التقارير عن وجود هذه الأسلحة في يد حزب الله.

المفاعل النووى السورى 

ولن تمر هذه الحملة مرور الكرام، فهناك خطط أخرى تذكرت بها إسرائيل أن عليها المضي قدمًا في معالجة أي بقايا (مثل المواد، التصاميم، الخطط) المرتبطة بالمفاعل النووي السوري الذي دمرته إسرائيل في عام 2007.

وستتمكن دولة الاحتلال بهذه الخطوات بضمان نفوذ الاستخبارات الإسرائيلية لجميع الجهات الفاعلة في سوريا، بما فيها الفصائل الكردية والدروز والسنة العرب في مناطق مختلفة من البلاد.

وإذا لم تتكرر أخطاء العملية العسكرية في غزة، وهو ما نفاه الجولاني وتركيا حيث أكدا عدم شن أى هجمات مثل التي شنتها حماس في 7 اكتوبر، لتبدأ عملية التطبيع المجتمعي واستئناف ما يسمى بعملية “الجار الطيب” التي بدأت في 2012 لكنها توقفت عندما أعاد نظام الأسد السيطرة المحلية في منتصف 2018.

وربما تتخذ العمليات العسكرية الإسرائيلية منحى أكثر عمقاً لأن أحد بنود خطتها في الداخل السوري تشمل القضاء على الصناعات السورية واللبنانية التي تصنع وتسمح بتهريب الكبتاجون والمواد المخدرة الأخرى، حسبما تدعي دولة الاحتلال.

حشود على الحدود: سيناريو توسيع الحرب في سوريا

ومن ضمن مكاسب سقوط الأسد لكل من إسرائيل وتركيا هو إصلاح العلاقات بينهما جزئيًا لأن أنقرة مستعدة لتصبح لاعبًا رئيسيًا في تحديد مستقبل سوريا.

تاريخ الاحتلال الإسرائيلي للجولان”…

تم الاستيلاء على مرتفعات الجولان من قبل القوات الإسرائيلية خلال حرب الأيام الستة في عام 1967، وهي صراع قصير بين إسرائيل وجيرانها العرب. فرّ السكان السوريون العرب من المنطقة خلال النزاع، قبل أن تُرسم خط الهدنة وتُوضع المنطقة تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية. بدأ المستوطنون في دخول الجولان مباشرة بعد ذلك.

عقب 14 عامًا من الإدارة العسكرية، وقعت إسرائيل وسوريا هدنة في عام 1974، وتم نشر قوة مراقبة تابعة للأمم المتحدة على خط وقف إطلاق النار منذ ذلك الحين. في عام 1981، أعلنت إسرائيل ضم الجولان بشكل أحادي.

في ديسمبر من نفس العام، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 497، الذي اعتبر مرتفعات الجولان لا تزال أراضي محتلة واعتبر ضمها “باطلًا ولا تأثير قانوني دولي له”.

وبعد أكثر من أربعة عقود، يعتبر المجتمع الدولي بأسره – باستثناء الولايات المتحدة وإسرائيل – أن مرتفعات الجولان هي أراضٍ سورية تحت الاحتلال الإسرائيلي. في عام 2019، اعترفت الولايات المتحدة بمرتفعات الجولان كأراضٍ إسرائيلية ذات سيادة خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب، لتصبح الدولة الوحيدة التي فعلت ذلك.

“لماذا تعتبر إسرائيل مرتفعات الجولان مهمة جدًا؟”….

يعيش حوالي 23,000 شخص من الطائفة الدرزية، الذين يعتبرون أنفسهم عربًا ولم يفروا من الأرض خلال حرب 1967، جنبًا إلى جنب مع 30 مستوطنة إسرائيلية في مرتفعات الجولان.

في عام 2021، تعهدت إسرائيل بمضاعفة عدد المستوطنين اليهود في مرتفعات الجولان خلال خمس سنوات، حيث وافقت على بناء 7,300 وحدة سكنية في المنطقة لاستيعاب 23,000 مستوطن إضافي، جنبًا إلى جنب مع حوالي 30 مستوطنة إسرائيلية في الجولان.

ولذلك قال رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك نفتالي بينيت لمجلس وزرائه: “من البديهي أن تكون مرتفعات الجولان إسرائيلية”.

وفي السنوات الأخيرة، قامت إسرائيل بتنفيذ خطة تهدف إلى مضاعفة عدد المستوطنين اليهود في المنطقة بحلول عام 2026.

ووافقت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع على خطة نتنياهو بقيمة 11 مليون دولار (حوالي 8.7 مليون جنيه إسترليني) لزيادة عدد سكان مرتفعات الجولان، وهذه الأموال ستُستثمر في التعليم والطاقة المتجددة، وإنشاء قرية طلابية، وخطة لاستيعاب السكان الجدد.

وتعتبر المنطقة ذات أهمية استراتيجية عسكرية، حيث كانت سوريا تسيطر على الجولان بين عامي 1948 و1967، وكانت تستخدمها كنقطة مراقبة لقصف شمال إسرائيل، حيث توفر قمة المرتفعات منظرًا يمتد إلى دمشق وتطل على معظم جنوب سوريا، مما يسمح لإسرائيل بمراقبة التحركات السورية، ويجعل الهجمات العسكرية من سوريا ضد إسرائيل أمرًا صعبًا.

كما أن الجولان يحتوي على أراضٍ خصبة وهو مصدر حيوي للمياه في منطقة جافة، حيث تُعد واحدة من أكبر منابع المياه في المنطقة، مما يعزز أهمية السيطرة عليها لضمان الأمن المائي.

يُضاف إلى ذلك، أن الأراضي الزراعية الخصبة في الجولان تجعلها منطقة استراتيجية لإسرائيل من حيث الإنتاج الزراعي.

هل تبني إسرائيل حقًا إمبراطورية في الشرق الأوسط؟

بينما تستعد قوات الدفاع الإسرائيلية للبقاء في مرتفعات الجولان السورية لفترة غير محددة، ومع اصطفاف المستوطنين للدخول إلى غزة ولبنان، يصبح من الصعب رفض الحديث عن بناء إسرائيل لـ “إمبراطورية”.

وتتساءل صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، في إحدى مقالاتها حول ما الذي حاولت إسرائيل فعله بتحركاتها خلال عام 2024، فما صدره الإعلام الغربي والعربي جعل الأمر يبدو وكأن هذا الكيان يبني إمبراطورية تشبه الإمبراطورية الإسلامية التوسعية في العصور الوسطى، وكأنها مستعدة لغزو الشرق الأوسط بأكمله.

وتوضح الصحيفة أن هذا الحديث هو نوع من البارانويا أو على الأقل رؤية مبالغ فيها لإسرائيل كدولة توسعية عدوانية، صحيح أن حرب إسرائيل في غزة على مدار عام 2024 كانت بالفعل وحشية، وهناك إسرائيليون تمنوا وقف إطلاق النار، خاصة وقد صرحت بالفعل العناصر المتطرفة في الائتلاف الإسرائيلي الحاكم أن لديها رؤى جامحة حول احتلال غزة.

ومع ذلك، لم يكن لدى إسرائيل خطة فعلية للغزو الإقليمي في دول أخرى، فعلى سبيل المثال، حتى الحلم الليكودي بـ”ضفتي النهر” تلاشى في القرن الماضي، ومنذ التسعينيات، كان الصهاينة من اليسار راضين بدولة إسرائيل الحديثة داخل حدود الخط الأخضر، مع بعض التعديلات.

وأشارت “هآرتس” إلى أن نتانياهو لم يكن لديه ذريعة للتدخل في دولاً أخرى، لولا القرار الغبي لحزب الله بالانضمام إلى حروب الشرق الأوسط، مما ألهم الحوثيين في اليمن، ما أدى إلى اتساع بؤرة الصراع، حيث قرر رئيس الوزراء آنذاك ايهود باراك بمغادرة لبنان في عام 2000 يحظى بشعبية كبيرة في استطلاعات الرأي في ذلك الوقت.

ورغم سنوات من المراجعات التاريخية في إسرائيل التي تدعي أن هذا كان قرارًا سيئًا، لم يكن هناك أحد ينادي بإعادة احتلال لبنان.

وقد دفع هذا النزاع الكيان الصهيوني إلى استعادة طموح “الإمبراطورية”، فبعد شهور من التصعيد مع حزب الله، صعّدت إسرائيل النزاع إلى حرب شاملة في سبتمبر، وكانت اغتيالات حسن نصر الله وموجة الانفجارات مجرد تمهيد لغزو جوي وبري شامل، يهدف إلى إزالة التهديد العسكري لحزب الله للأبد.

ولكن ما هي القيمة الأمنية المضافة من إعلان لبنان “جزءًا من الأرض الموعودة”، كما فعلت حركة سياسية إسرائيلية جديدة تُدعى “استيقظوا للشمال” في يونيو؟، فهو أمر ليس له أى صلة بصالح الشعب الإسرائيلي وإنما هى مجرد تحقيق لنزاعات استعمارية تنسب للائتلاف الحاكم، على حد قول الصحيفة.

في الوقت نفسه، انهار نظام الرئيس السوري بشار الأسد وفرّ إلى روسيا، وفي استجابة لذلك، تحركت إسرائيل على الفور إلى المنطقة المنزوعة السلاح في الجولان السوري للمرة الأولى منذ شروط وقف إطلاق النار عام 1974.

وأكد قادة كيان الاحتلال أن هذا ليس مجرد توغل مؤقت: فقد ألغى نتانياهو جلسة محاكمته يوم الثلاثاء لزيارة الجانب السوري من جبل حرمون، وأكد أن إسرائيل ستبقى في الأراضي السورية – التي وصفها بـ”مكان مهم جدًا” – في الوقت الحالي.

وقد يكون من الصادم للإسرائيليين أن بلادهم قد تغزو أو تحتل أراضي سيادية جديدة لدول أخرى لأول مرة منذ غزو لبنان قبل 42 عامًا، وهى الكؤقة الأمثل لجعل خطط إسرائيل بشأن غزة أقل إثارة للصدمة وما يتضمنه ذلك من التهجير الجماعي القسري والتدمير شبه الكامل للشمال، وتشريد المستوطنون الذين خيموا على الحدود انتظارًا للمكاسب، ستبدو جميعها أخبارًا قديمة.

ووفقاً لـ “هآرتس” ففي الوقت نفسه، هناك دراما أخرى تجري في أروقة محكمة تل أبيب، أثناء إدلاء نتنياهو بشهادته وحضوره بنفسه، وما يحمله ذلك من معاني عديدة، فكيف يمكن للدولة نفسها التي تقمع وتدمر الفلسطينيين، وتغزو أراضي أجنبية دون عقاب، أن تحاكم في الوقت ذاته قائدًا حاليًا – وكأنها منبع الديمقراطية؟.

الإجابة الدقيقة هي أن هذا ليس صراعًا متكافئًا بين قوى الإمبريالية والديمقراطية، فإذا انتصرت الديمقراطية في تل أبيب، فلن تتمكن من الاستمرار كقوة احتلال وغزو في الوقت ذاته، ستنهار خططها الاستعمارية، وهو ما تأمل به المعارضة الإسرائيلية كى تغير إسرائيل مسارها بسرعة، قبل أن يخسر الجانب الأضعف “الديموقراطية”.

“كيف أثرت تحركات نتانياهو داخلياً؟”…

على مدار العام الماضي، انتقل نتنياهو من الفشل الأمني الأكبر في تاريخ الدولة الإسرائيلية في 7 أكتوبر 2023 ليصبح نسخة أكثر جرأة وعدوانية من نفسه رجلاً على استعداد لتجاهل حلفائه التقليديين، بما في ذلك العديد من اليهود الأمريكيين، وتجاهل الانتقادات الدولية، والتخلي عن تاريخه المشكك في الحرب لصالح خوض حرب إقليمية شاملة، لقد تضررت حماس وحزب الله وسوريا بشكل كبير، والآن، يقف نتنياهو كالرجل الوحيد المتبقي، وهو أمر لم يكن يتوقعه الكثيرون قبل عام.

وقد رأينا الآلاف من المحتجين الإسرائيليين يهرولون إلى الشوارع احتجاجًا على إقالة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لوزير دفاعه السابق يوآف غالانت، حيث أغلقوا طريقًا رئيسيًا في تل أبيب مشعلين النيران وهم يهتفون: “بيبي خائن!”

ولم تكن الاحتجاجات تتعلق فقط بجلانت، أو حتى بنوع الحرب التي خاضها كوزير دفاع، بل كانت تتعلق بنتنياهو نفسه، الرجل الذي وضع بوضوح بقاءه السياسي فوق مصلحة وطنه مرة تلو الأخرى.

نجاح نتنياهو

نجح نتنياهو في الصمود أمام الجهود الفاشلة للإدارة الأمريكية لإنهاء الحرب في غزة، وإعادة الرهائن إلى ديارهم، والحد من إراقة الدماء في غزة، ومع اقتراب دونالد ترامب من العودة إلى البيت الأبيض، يبدو أن رهانات نتنياهو قد آتت ثمارها. حتى أن خوضه أخيرًا في محاكمة فساد الشهر الجاري لم يقلل من قوته السياسية فسيخرج إلى التوغل في الداخل السوري برعاية أمريكية.

ويبدو استغلال نتنياهو الماكر والمتقن لرغبة الإسرائيليين العميقة في الوحدة بعد 7 أكتوبر، أحد أسباب بقائه في السلطة، ولكن السبب الأقوى هو معارضته المتفرقة، التي أصبحت لا وجود لها تقريبًا، إذ أن الغالبية العظمى من كارهي نتانياهو كزعيم لا يعارضون الحرب نفسها سواء في سوريا أو غزة، هم يريدون إزاحته من السلطة لكنهم لا يملكون رؤية بديلة متماسكة.

وعلى خلاف ما حدث في 7 أكتوبر، يحرص نتانياهو على التحرك في سوريا بشكل مدروس وممهد لعدم وجود أى مقاومة ولتوفر العناصر اللازمة لتبرير تحركاته للإسرائيليين أنفسهم وللإعلام الذي اعترف بجرائمه الدموية في غزة، حيث كان نتنياهو يتهم وسائل الإعلام الأخرى بأنها منحازة ضده، رغم أنه يحاكم في قضيتين بتهمة الحصول على تغطية إعلامية مؤاتية، كما اتخذت حكومته خطوات لخصخصة وإغلاق الأقسام التلفزيونية والإذاعية في هيئة البث العامة.

آلة السم وآلة العسل

وفي الداخل الإسرائيلي أطلق على جهود الدعاية الموالية لنتانياهو اسم “آلة السم” من قبل المعارضة الإسرائيلية — من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني.

ولكن، كما كتبت صحيفة “هآرتس”، كانت هناك في الوقت نفسه “آلة العسل” تعمل في الخلفية، حيث مبادرات وعرائض منسقة في إسرائيل بهدف الترويج لأفكار “الوحدة” و”المصالحة” ومنع “الانقسام” داخل المجتمع، خاصة بعد الانقسام السياسي الذي حدث قبل 7 أكتوبر وأظهر الفشل العميق لنتنياهو في حماية الحدود.

إلى هذا المشهد السياسي الممزق يعود ترامب، ولم يكن نتنياهو وترامب دائمًا على علاقة جيدة، فلا يوجد ما هو أكثر رعبًا بالنسبة لنتنياهو من السلوك غير المتوقع، ففي فترة حكمه السابقة، أحرج ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الكاميرات بتصريح عفوي بأنه يفضل حل الدولتين، وفاجأ نتنياهو برفض خطته لضم أجزاء من الضفة الغربية، وهو ما وعد به ناخبيه.

ولكن على مستوى سياسي، يتناسب الرجلان تمامًا، فقد ذهب ترامب إلى أبعد مما فعله أي رئيس أمريكي آخر في دعم رؤية نتنياهو اليمينية المتطرفة لإسرائيل، واعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، متجاهلاً كل الأعراف والمواثيق الدولية.

ويرى البعض أن هذا التعاون بين ترامب ونتنياهو قد يؤدي إلى المزيد من التصعيد في المنطقة. في هذا السياق، قد يكون من الأفضل لإسرائيل أن تتوجه نحو حكومة معارضة حقيقية، تكون قادرة على تقديم حلول عملية ومستدامة للقضية الفلسطينية ولتحديات السياسة الداخلية.

الرؤية الأساسية لكل من قادوا المعارضة لنتنياهو، سواء من اليسار أو من بعض أطياف اليمين، هي أن حكومته فشلت في معالجة العديد من القضايا الكبرى، خاصة في مجالي الأمن والسياسة الخارجية. بعض منتقديه يركزون على طريقة إدارة الحروب.

بينما يرى آخرون أن نتنياهو أصبح رمزًا لتحول عميق في السياسة الإسرائيلية، حيث ازداد تأثير اليمين المتطرف والأحزاب الدينية في الحكومة، مما أثر سلبًا على الديمقراطية الإسرائيلية وزاد من التوترات الداخلية.

ختاماً، ما يمكن استنتاجه هو أن استمرارية حكم نتنياهو، في ظل التحالفات مع الأحزاب اليمينية المتطرفة، يمكن أن يكون له تأثير ضار على مستقبل إسرائيل، ويزيد من التوترات داخلياً وخارجياً، وللتوصل إلى سلام مستدام، تحتاج إسرائيل إلى معارضة قوية وقادرة على قيادة البلاد نحو سياسات أكثر توازنًا، وفق الدراسة، رغم اختلافا في تقديراتها.

عن الكاتب

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *