
ساعات مريرة في غاية التعقد، تلك التى تمر على الباقي من الأمة العربية، مع العروض الصادمة التى حاصرنا بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لصالح المخططات الصهيونية في الشرق الأوسط تحت عنوان “ريفيرا غزة”، ليتخلص من خلالها من حوالى مليونى فلسطينى بقطاع غزة، تتولى مسئوليتهم عدة بلدان في مقدمتها مصر والأردن وفق الخطة الأمريكي بتهليل إسرائيلى.
تقييم الموقف العام
وفيما يلى، ما من المفترض أن تقدمه كل مراكز الدراسات الاستراتيجية في مصر والعالمين العربي والحليف، من سيناريوهات للمواجهة بعد تقييم الموقف من زوايا مختلفة، لتكون الصورة واضحة أمام القيادة السياسة قبل واحد من أعقد الاجتماعات في تاريخ الأمم المصرية والفلسطينية والعربية، بين ترامب والرئيس عبد الفتاح السيسي والملك عبدالله.
الرفض المصري المنوع
بداية، قامت القاهرة بكل وسائل الرفض والمواجهة للخطة الأمريكية، بعد طرق ومن عدة جهات وبجميع المستويات، بشكل مباشر وغير مباشر، من خلال الرئيس السيسي ومجلس النواب ورئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزارة الخارجية وحتى بشكل جماعى من خلال الجامعة العربية، وسط حديث بعقد قمة عربية طارئة قبل اجتماع واشنطن الثلاثي المرتقب.
وتعى واشنطن جيدا أن القاهرة لا يمكن أن تتورط فيما يخطط له ترامب، مهما كان الترغيب والترهيب، الذي يروج له في مختلف الدوائر ووسائل الإعلام، بين إغراءات كبيرة جدا، تصل لإسقاط الديون التى تشل الاقتصاد المصري ، ودفع مبالغ ضخمة جدا تصل لربع تريليون دولار، بخلاف استثمارات مباشرة وغير مباشرة، وحل أزمة السد الإثيوبي.
الترهيب والترغيب
أو في المقابل، مع الرفض، تفرض عقوبات منوعة، منها فرض رسوم جمركية تعجيزية مع تضييقات سياسية واقتصادية وعسكرية مباشرة وغير مباشرة ووقف المساعدات الأمريكية لمصر والأردن، والقوس سيظل مفتوحا ولن يغلق.
بخلاف الاستفزازات الإسرائيلية التى تروج خلال الأيام التى تلت الإعلان عن الخطة بإثارة الفتنة بين القاهرة وواشنطن حول تحركات عسكرية مزعومة مبالغ فيها بسيناء ضد إسرائيل، انتهاكا لاتفاقية السلام وفق المزاعم الإسرائيلية، والتى طلبت فيها البنتاجون إيضاحات وفق ترويجات الإعلام الإسرائيلي.
الخطة الإسرائيلية البديلة
ومن المفروض أن تكون هذه الإشارة في نهاية التقييم، لكن لأهميتها مع تأثيرها في الصورة العامة والسيناريوهات المقبلة، قدمتها في هذه الجزئية، فهناك تصور كبير بتل أبيب وواشنطن حول أن القاهرة لن تتنازل مهما كان الضغوط عليها، لأن القيادة تستمد قوتها وموقفها من الشعب والجيش، الرافضان لأى تنازل، والمستعدان لأي سيناريوهات، رغم التحديات المعقدة.
وبالتالى هناك خطة بديلة لإسرائيل يقودها في العلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، تعتمد على تمرير الفلسطينيين، الذين تصفهم الخطة بالمهاجرين الراغبين طواعية في الهجرة، عبر ميناء أسدود ومطار رامون، بعد إجراءات أمنية مشددة وفق الترويج، بهدف شرعنة دعوة ترامب من ناحية بحديث الهجرة الطواعية، بالإضافة لتجهيز حل بديل للرفض المصري. لاستيعاب المهاجرين أو المهجرين الفلسطينيين من ناحيتها في سيناء أو مصر عامة، بشكب دائم تحت شعار مؤقت.
قوة للسيسي قبل الذهاب لواشنطن
ومن هذا المنطلق، اكتسب الرفض المصري قوة جديدة، قبل ذهاب السيسي لواشنطن، وبالفعل..رغم أن ترامب يحاول الترويج لإصراره، إلا أن المؤشرات تؤكد غير ذلك، حيث بدأ حديثه بالسيطرة الأمريكية على غزة مع نشر قوات أمريكية فيها، وسحبها من الفلسطينيين والإسرائيليين، وسط غضب إسرائيلى وصدمة فلسطينية، إلا أنه استمر قي بند السيطرة وتراجع عن إرسال القوات بعد ضغوط جمهورية وقلق إسرائيلى.
وبالتبعية، فهو يغير مواقفه بالفعل وغير ثابت عليها، ومن الممكن اعتبار خطة كاتس، تراجع ما يبنى عليه، خاصة أنه صعب تنفيذها هى الأخرى، بالذات مع الجدل الذي تثيره بين الجيش قبل الجمهور الإسرائيلي.
الرؤية المصرية والثوابت التاريخية
ومن هذا المنطلق، يجب أن نبنى مواقفنا الثابتة منذ بداية الأزمة، على رؤية مصرية للسلام بثوابته التاريخية مع مرونة في إطار القبول العام، ومن الأمثلة الواضحة في هذا الإطار المبادرة العربية للسلام، المتعمدة على المبادرة السعودية التى قدمها الملك عبدالله رحمه الله في قمة بيروت 2002، والتى تحاول إسرائيل التهرب منها، حتى وصل الأمر بنتنياهو أن عرض على المملكة العربية السعودية إقامة الدولة الفلسطينية في أراضيها.
ويرفض نتنياهو في المقابل كل أشكال الدولة الفلسطينية، المعتادة والمقبولة فلسطينيا وعربيا، وحتى المسوخ من نوعية دولة في الضفة أو غزة، حالما بتحقيق خطة ترامب، التى تشمل أمركة غزة وتهجير الفلسطينيين منها، وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة، والإنهاء على القدس باستمرار الاستيطان، وبالتالى تنتهى القضية الفلسطينية تماما.
اتفاق تام بين الحكومة والمعارضة
وهناك إتفاق تام على ذلك بين معسكرى الحكومة والمعارضة في إسرائيل، بحجة إن تل أبيب ترفض تماما إقامة دولة فلسطينية معادية في قلب إسرائيل، مهما كانت الضغوط أو حتى المغريات، ولن يتركوا أبدا السلطة الأمنية من أيديهم، حتى لا تتكرر أحداث 7 أكتوبر مرة أخرى، والتى هى أخطر من الهولوكوست نفسه، وفق ترويجاتهم.
من ناحية أخرى، كان لوزير الدفاع المقال، يؤآڤ غالانت، تصريحا يكشف حقيقة كل شئ, حيث قال إن حماس كان لديها خيارين إما أن تترك إسرائيل تنهار وحدها على خلفية الأزمة القضائية التى كادت تشعل الحرب الأهلية في إسرائيل، أو تمنحها دفعة معنوية تاريخية من خلال الرد على اقتحامات بن غفير للأقصي بأحداث مثل 7 أكتوبر، وهذا ما كان بالفعل.
علامات الاستفهام حول 7 أكتوبر
وهذا يزيد علامات الاستفهام حول حقيقة 7 أكتوبر، بعد كل النجاحات الإسرائيلية التاريخية، التى يكن يقوى الإسرائيليون على مجرد الحلم بتحقيقها، بدون الغطاء الشرعي، الذي منحته أحداث 7 أكتوبر لها، فإسرائيل حققت إنجازات جيوسياسية لا يمكن تصورها يتباهى بها كل الصهاينة حول العالم، والفضل كله ل7 أكتوبر، وبالتالى من المهم جدا أن نرتب رؤيتنا في المواجهة على هذا الإطار، فاليوم التالى لا يمكن أن يكون فيه حماس، بل السلطة الفلسطينية بشكل متطور بدون أبو مازن، وهناك قبول ما لذلك حتى الآن، حققت فيه مصر نجاحا بنموذج إعادة فتح معبر رفح.
لكن الخطورة في هل تقبل حماس الأمر حتى فيما بعد، لأن المظاهر المسلحة المبالغ فيها، والرسائل الواضحة مع كل دفعة تسليم تؤكد أن حماس لن تتنازل عن السيطرة على غزة بسهولة، بالذات بعد المدد الذي أخذته من وصول أبو محمد الجولانى وحلفاءه الإخوان للحكم في سوريا، وكان هذا واضحا في بداية ضرب إسرائيل لمواقع تابعة لحماس في جنوب سوريا، بدعوى أنها كانت ستضرب إسرائيل منها.
السيناريوهات المختلفة
وبعد الحديث عن الأجواء، نأتى لحديث السيناريوهات:
*السيناريو الجيد :
أن تتخبط الإدارة الأمريكية تحت الضغوط الدولية والعربية والفلسطينية الرافضة لخطة ترامب، وتحاول المناورة بشكل أو آخر، خاصة أن هناك خطط ومبادرات سابقة للرئيس الأمريكي لم تنفذ، ومنها تدمير الناتو وإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية ونزع السلاح النووى من كوريا الشمالية.
لكن نسبة تحقق هذا السيناريو ، تحتاج لجهد كبير، ودعم دولى، وثبات عربي على الموقف، ومن ضمنها توفير الميزانية لإعادة الإعمار.
*السيناريو المتوسط :
أن يصر ترامب على موقفه بدعم من كل القوى الصهيونية، لكن ينشغل بأولويات أخرى، منها تعقد الموقف في الحرب الروسية الأوكرانية أو المشهد الصينى أو حتى المشهد الإيرانى أو السوري، مما يعطله عن تنفيذ خطته في القطاع، رغم تصدرها لأولوية كبيرة عنده.
*السيناريو الأسوء :
أن يمضى الرئيس الأمريكي قدما في خطته، بكل أشكالها، ومنها تمرير المهجرين من إسرائيل، وفرض العقوبات على مصر والأردن وغيرهما من الدول الداعمة لموقفهما، ومن الممكن أن يزيد هذا الأمر المشهد الدولى تعقيدا، ويكون هناك استقطاب عالمى ضد الولايات المتحدة فتكون أوروبا وروسيا والصين والعرب وأغلب الأفارقة والأسيويين وكندا وحتى استراليا في مواجهة أمريكا وإسرائيل وعدد قليل من داعميهما، ومن الممكن أن يتطور السيناريو لحرب إقليمية من الممكن أن تكون بين مصر وإسرائيل، خاصة أنه هناك تأهيل لذلك في إسرائيل خلال الأيام الأخيرة.
خطط توسيع السلام الإبراهيمي
لكن، هذا الأمر سينهى تماما على خطط توسيع السلام الإبراهيمى الذي خطط له زوج ابنته كوشنير، بأبعادها الاقتصادية المهولة، والتى منها تريليون دولار منحة من السعودية لترامب، مثل ال450 مليار دولار في ولايته الأولى، ومن غير المستبعد أن يتنازل عن هذا الحلم، رغم أن ريفيرا غزة، ستحقق له الكثير، ولكن القصة فيها ستطول، ولن يشعر إلا مع نهاية ولايته، وبالتأكيد هو يريد غنائم قريبة، مع ضياع حلم نوبل السلام، الذي يخبله كثيرا، فلن يحصل عليها مجرم حرب، حتى نجح في إخراج عدد من الفلسطينيين من غزة تحت شعار الهجرة الطوعية.
الخلاصة:
الوضع المصري والأردنى ليس سيئا بشكل أو بآخر، وكان الغضب الدولى حتى من المعسكر الأمريكي وبالذات بريطانيا، نقطة تحول، من المهم البناء عليه، خاصة أن هذه النعرات الصهيونية، تمنح حماس وأمثالها قوة في الإقليم وتعيد العنف وعدم الاستقرار من جديد، خاصة أن قوى على شاكلتهم، أصبح لهم دولة كبيرة مثل سوريا.
القوى الصهيونية لن تفوت الفرصة لإشعال حرب في المنطقة تحاول من خلالها تحقيق إنجازات جيوبولوتيكية تاريخية لها، بدعم من ترامب الذي بدأ ولايته بتأكيده أنه لا يريد حرب ويصر على السلام من وجهة نظر، المبنى على الاستسلام أو سلام الأقوياء من وجهة النظر الصهيونية، يأمرون وينفذ العرب.