لندن/عبد المنعم همت
يبرز التوظيف السياسي للدين كأداة إستراتيجية أساسية في السياسات السودانية، ويلعب الإخوان الإرهابيين على ذلك ليعودوا للمشهد من جديد على أطلال السودان المدمر. يعكس هذا التوظيف كيف يمكن أن يُستخدم الدين لتأصيل السلطة السياسية وتعزيز الإستراتيجيات الحكومية. التوظيف السياسي للدين يتجلى في عدة أبعاد، من بينها كيفية تبرير السياسات العسكرية، تعزيز شرعية الحكومة، وإدارة الصراعات الداخلية والخارجية.
يُعتبر الدين من العناصر المركزية في الفكر السياسي السودانى، التي تنتمي قياداتها إلى خلفية متأسلمة ترتبط بالإخوان. في هذا السياق، يُستخدم الدين ليس فقط أداة لتحفيز الدعم الشعبي ولكن أيضاً وسيلة لتبرير السياسات والممارسات الحكومية التي قد تكون مثيرة للجدل. هذا التوظيف السياسي للدين يمكن أن يُفهم كآلية لتعزيز الاستقرار الداخلي من خلال تحقيق توافق بين الحكومة والأفراد الذين يشاركونها نفس الأيديولوجية.
أحد الجوانب الرئيسية للتوظيف السياسي للدين في المشهد السودانى هو استخدام الدين لتبرير السياسات العسكرية. يُنظر إلى الصراعات الداخلية والخارجية من خلال عدسة دينية، حيث يُصاغ الصراع كجزء من “جهاد” أو معركة أيديولوجية. هذا الاستخدام للدين يقدم تبريراً للأعمال العسكرية، ويعزز من شرعية الحكومة في مواجهة المعارضة. من خلال هذا التوظيف، تسعى الحكومة إلى تحويل الصراع إلى قضية دينية، مما يزيد من صعوبة معارضتها ويحشد التأييد حول سياساتها.
تعزيز شرعية الحكم
إضافة إلى ذلك، يُستخدم الدين أداة لتعزيز شرعية الحكم. من خلال الإشارة إلى المبادئ الإسلامية وتعزيز الالتزام بالدين، تسعى الحكومة إلى تأصيل سلطتها بشكل يتماشى مع القيم الدينية للشعب السوداني. في هذا الإطار، يُعتبر تأييد رجال الدين والمشايخ جزءاً من الإستراتيجية السياسية للحكومة، حيث يُعزز هذا التأييد من الصورة العامة للحكومة حامية للقيم الدينية، ما يساعد في تعزيز الاستقرار السياسي وتخفيف الضغوط الداخلية.
الدين والصراعات الداخلية
في سياق الصراعات الداخلية، يُستخدم الدين أيضاً لتوجيه الخطاب السياسي والحشد. وتُسهم الخطابات الدينية في تعبئة القواعد الشعبية ضد المعارضين، حيث يُصوّر هؤلاء المعارضون أعداء للدين والأمة. هذا الاستخدام للدين يعزز من الهوية الجماعية حول قضايا معينة ويزيد من الاستقطاب الداخلي، مما قد يصعّب من إمكانية التوصل إلى تسويات سياسية سلمية.
كيف يديرون صراعاتهم بالدين
إضافة إلى ذلك، يلعب الدين دوراً في إدارة الصراعات الخارجية. من خلال الإشارة إلى الأبعاد الدينية للصراعات مع دول أو قوى خارجية، يمكن للحكومة أن تُعزز من موقفها الداخلي، وتدعم إستراتيجياتها الدبلوماسية والعسكرية. الدين هنا يُستخدم كوسيلة لتبرير السياسات الخارجية ولتأكيد موقف السودان كقوة تتبنى قيمًا إسلامية في مواجهتها للتحديات الدولية.
فتوى جواز قصف المدنيين
ومن الأمثلة البارزة على التوظيف السياسي للدين هو الفتوى الصادرة عن فقيه السلطة عبدالحي، الذي أفتى بجواز قصف المدنيين بالطيران، إذا لجأت قوات الدعم السريع إلى استخدام الأماكن السكنية كملاذات. وتعتبر هذه الفتوى تجسيداً واضحاً لكيفية استخدام الدين لتبرير سياسات عسكرية قد تكون غير مقبولة من الناحية الإنسانية، من خلال اعتبار المدنيين الذين يحتمون بالأماكن السكنية جزءًا من الصراع، فيُقدم الدين كتبرير لاستخدام القوة العسكرية ضد هؤلاء المدنيين، مما يعزز من صعوبة معارضة هذه السياسات ويزيد من تعقيد جهود السلام.
زيادة الاستقطاب الاجتماعى
ومع ذلك، فإن التوظيف السياسي للدين لا يخلو من المخاطر. ويمكن أن يؤدي استخدام الدين كأداة سياسية إلى زيادة الاستقطاب الاجتماعي، وتعميق الصراعات الداخلية، وتعزيز الفجوات بين مختلف الجماعات. ففي سياق السودان، حيث يتواجد تعدد ديني وإثني، قد يسهم هذا التوظيف في تفاقم التوترات بين الجماعات المختلفة ويزيد من تعقيد جهود تحقيق الاستقرار والسلام.
الحوار بين أطراف الصراع حتى لا يعود الإخوان
لحل هذه التحديات، من الضروري أن يتبنى المجتمع الدولي والمحلي نهجاً يشمل الحوار والتفاهم بين مختلف الأطراف. قد يتطلب ذلك تعزيز الجهود الرامية إلى توحيد المعارضة المدنية والعسكرية، والعمل على تقليل الاستقطاب وتعزيز التسامح الديني والثقافي. فمن خلال دعم مبادرات السلام والتفاهم المشترك، يمكن تقليل تأثير التوظيف السياسي للدين وتعزيز الاستقرار في السودان.
التوظيف السياسي للدين أداة معقدة
يُعد التوظيف السياسي للدين في المشهد السودانى أداة فعالة ولكن معقدة. من خلال فهم كيفية استخدام الدين لتبرير السياسات وتعزيز السلطة، ويمكننا إدراك أبعاد الصراع بشكل أعمق وتحديد إستراتيجيات أكثر فعالية لتحقيق الاستقرار والسلام في السودان والعمل الجاد لهزيمة الإسلام السياسي في السودان.