جاءنا الآن
الرئيسية » جاءنا الآن » محمد موافي..روائى كبير ضل طريقه في الإعلام..فنجح في الاثنين!

محمد موافي..روائى كبير ضل طريقه في الإعلام..فنجح في الاثنين!

حوار صبري الموجى

عرفته مميزا مختلفا، ولا يمكن أن يمر عليك دون أن يؤثر فيك، لا تستطيع وصفه، هل هو روائي أم إعلامى؟!، لكن نجح في كل شيء بمواهبه المنوعة، فهو قاص وروائي ضل طريقه للإذاعة والإعلام، لكنه فطن لذلك في وقت، فعاد، وتميز كعادته في كل مكتسباته وملكاته، إنه الصديق العزيز الإعلامى والروائي والقاص الكبير محمد موافي..ونهديه إعادة نشر حواره مع بوابة الأهرام الذى أجراه باحترافية الزمبل صبري الموجى، لحين اللقاء القريب به، لاقتناص أمور أخرى منه، ولنا لقاء.. والآن إلى الحوار …….

صوتٌ إذاعى رخيم يجذب السامعين، وروائى تُدهشك رقة قلمه وأنت تقرأ رواياته .. امتاز بلغة رصينة استمدها من القرآن، الذى حفظه منذ نعومة أظفاره، وعيون الشعر العربي، والمتون الشهيرة، ومن الآداب الأجنبية المترجمة .. يرى أن الرواية الجيدة تكتُبنا، ولا نكتبها، وأنَّ الجماد يشعر وينطق ويحس بشرط أن تكون لدينا مستقبلات تفهم رسائله. لم يقل كونه كاتبا عنه مذيعا، فأخرج للمكتبة روايات جادة نالت إعجاب النقاد، والقراء، حتى وصلت روايته الأخيرة «آيات عاشق» للقائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية  ( كتارا) .. مع الروائى محمد موافى يدور هذا الحوار .
من يقترب من منجز موافى الإبداعى يحارُ فى تصنيفه .. ما الصفة الأقرب لقلبك: الإعلامى أم القاص أم الروائي؟
الزمن سوف يُجيب عن ذلك، ورهانى عليه، وأنا أكتب، والإعلام مهنةٌ ووظيفة قررت التقليل منها قدر الإمكان للتفرغ للعمل الروائي، لكنَّ الإعلام يبقى مفتاحًا مهمًا للكتابة، خاصة الخبرة الإذاعية فى بداية عملي، فقد استفدتُ استفادة كبيرة من الكتابة الدرامية الإذاعية، فأنت تُخاطب حاسة السمع بقلمك، وتستهدف الخيال .. الكتابة الإذاعية تمنح مساحة لبراعة الوصف ووقع الكلمات، فأنا أكتب الرواية وبعد الانتهاء منها أراجع وقع الكلمات، أتوقف عن الوصف، هذه أمور تساعد الكاتب الروائى فى إبداع الصراعات الداخلية لأبطال الرواية.
وعملى الإعلامى جعلنى قريبًا من قامات أدبية عربية ومصرية لم يكن لى أن ألتقى بها لولا العمل الإذاعى والتليفزيوني.
وأؤكد أن سرَّ الإعلام الناجح هو التحرير والاختزال، ما يمكن قوله فى أربع كلمات، لا ينبغى كتابتُه فى خمس أو ست كلمات. هذا أفادنى كثيرًا، لكنَّ الرواية هى معشوقتى الأولي، الكتابة هى خلاصى وملجأى بلا اختيار منى منذ أيام المراهقة.
وشخصيًا أحب تعريفى بالروائى أكثر من الإعلامى مع أنى عملتُ فى أكثر من قناة عربية بارزة جدا، لكنْ الإعلام الآن مهنة من لا مهنة له، فلاعب الكرة والمحاسب فى البنك، والمضارب فى البورصة والصحفى ورجل الأعمال والممثل والممثلة والمطرب والمطربة، والمنخنقة والموقوذة والمُتردية والنطيحة، كلُّهم يضعفون أمام ضوء الكاميرا، ولا يعلمون أنهم وجبة شهية لوحش عنيف اسمه الشهرة الزائفة.
لذلك أنا روائى وأتمنى أن أبقى روائيًا.
فى «يونس ومريم» و«حكاية فخراني» نلمح شغفا صوفيا، وتجسيدا لمقامات التربية والسلوك .. سر شغفك بهذا اللون من الكتابة؟
أنا أكتب حكاية، قد يتصادف أن خلاص بطل الرواية فى التصوف ورحلة الروح، وعليه تكون التجربة الصوفية هى الأقرب، ويبقى ما تركه لنا المتصوفة الأوائل من إبداع لغوى وشعرى على قمة الأدب العربى .. وبالمناسبة أنا لا أكتفى بالكتابة من منطلق التصوف بمعنى القراءة فى سير المتصوفة، بل عشتُها كحياة كاملة قبل كتابة (حكاية فخراني).. لأنَّ هذا اللون من الكتابة – إن صح التصنيف – تعرضَ لكثيرٍ من احتراف السرقة، فيمكن أن أقدم لك عشرات من الروايات ودواوين الشعر الحديثة المعاصرة، كلها سطو مسلح، وسرقة فجة لكتابات صوفية قديمة. بعضهم أصدر كتابا عن (العشق) والمفاجأة أنه إعادة تدوير وسرقة وقص ولزق من ابن عربى والنِّفّرى وابن الفارض والحلاج وغيرهم.
لكن أحدث تجاربى وهى رواية (آيات عاشق) لم تكن تجربة صوفية على الإطلاق، بل هى إبحار بين المعاصرة وعصر الجاهلية فى الجزيرة العربية، فلم تكن أبدا صوفية، ووصلت للقائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية (كتارا).
الكاتب المبدع الحقيقى هو النظيف من السرقة، وهو الذى لا يمكن حشره فى خانة لون من الكتابة محدد، فاللون الكتابى تفرضه الحكاية، والرواية المُبدعة هى التى تكتبنا وليست تلك التى نريد كتابتها.
إصرار يونس بشخوصه الثلاثة على التوبة والخلاص والتغيير .. هل يُعدُ إسقاطا يُعبر عن سخطك من ضجيج العالم وآثامه؟
يونس بحث عن الخلاص، الغاية الكبري، سواء يونس الضبع المعاصر الذى يخدع النساء، أو يونس ابن القهوجى القديم القاتل المجرم .. كلنا داخله آثام، وكلنا يريدُ الخلاص.. وهذا بعكس (هرم بن عبدالله الظفاري) بطل (آيات عاشق) الذى اضطرته الظروف للرحيل، الظروف غيّرته ولم يستطع هو تغيير الظروف..
فالكتابة المبدعة بقدر ما هى كتابة (إسقاطية) فهى كتابة مباشرة.. ما لا نستطيع قوله فلا أقل من أن نحاول تمريره بنعومة.. الكاتب يقتله السكوت، ويحيا بالكلام.
مفرداتك الرصينة المتناغمة .. اعتبرها البعضُ كنزا وفخا .. مدى تأييدك ورفضك لذلك .. ومما استمد موافى لغته الرصينة؟
هى كنزى الذى أعتزُ به، وهى فخٌ منصوب لمن أراد المنافسة.. لغةُ الكاتب هى الكاتب، كما قال محمود درويش: «أنا لغتي».
من يعرفنى سيقول لك إننى كثيرا أتكلم كما أكتب، وأكون سعيدًا حين يفهمنى من أكلمه.. اللغة حولنا فى كل مكان وبكل المستويات، مهمة الكاتب فى إثبات فصاحة كلام الناس الذى يظنه البعض عاميًّا.. أنا أهتم بالكلمة، المفردة التى لا يمكن تبديلها بأخرى قد تؤدى معنيً قريبًا، فـ(نَظَرَ) غير (شاف وأبصر وحدّق وتأمّل) وهكذا..
هناك سرٌ فى الكتابة تعلمتُه مُبكرًا، سرٌ يختبئ فى الأشياء البسيطة حولنا، فى إكساب الحواس وظائف حواس أخري، فقد تبصر العين رائحة، وتشم الأنف لونًا، ألا تجد أن الخوف له لونٌ أصفر والجلسة بجوار الحبيب لها رائحة خضراء؟!
كلنا يكتب، لكن يبقى التطوير أو التجديد فى اللغة فيصلًا. هذا الفيصل هو رهانى على المستقبل.
أنا عُجنتُ بهذه اللغة، كنتُ محظوظا بأبٍ ثم أخٍ أكبر حرصا على تحفيظى القرآن الكريم، ثم المتون الشهيرة، والمعلّقات وعيون الشعر العربي، ودراستى للغة الإنجليزية أضافت كثيرًا للغتى العربية.
لا يكاد يوم يمر دون أن أقرأ شعرًا عربيًا أو إنجليزيًا، ولا يمر عام دون أن أعيد قراءة الحرافيش وأولاد حارتنا لعمنا نجيب محفوظ، وأقف مندهشًا أمام تجديده اللغوى ووصفه الأقرب للشعر.. اللغة إحساسٌ وتذوق وقبل ذلك مَلَكة، حين يقول الشاعر العربى القديم:
فإن أهلِك فقد أبقيتُ بعــدي
قصائد تعجب المُتمثلينـــــا
لذيذات المقاطع محكمـــاتٍ
لو أنْ الشِعر يُلبَس لارتُدينا

يجب أن تتوقف وتسأل إن كان يتحدث عن قصائده أم عن (فطيرة) لذيذة، أم أنه (ترزي) أزياء، هذه هى الكتابة المبدعة، إكسابُ الكلمات صفاتٍ مدهشة غير متوقعة .

«سفر الشتات، وآيات عاشق، يونس ومريم ، وغيرها» .. روايات مُحكمة ورغما عن هذا غَضت عنها الجوائزُ الطرف .. فما تفسيرك ؟
«آيات عاشق» كما ذكرتُ وصلت للقائمة القصيرة لجائزة (كتارا)، أما الحديث بشكل عام عن الجوائز، فأعتقد أنَّ لها حسابات أخري، آخرها الإبداع الحقيقي، فهناك (الشللية) وهناك الواسطة والمواءمات السياسية.. هناك لجان تحكيم تكاد تكون لجنة واحدة كبيرة، تتوزع فى كل كواليس الجوائز، تمنح الأصدقاء، و(المحاسيب) وتمنع الجائزة عمن لا تستلطفه، وأنا رجلٌ يفر من قعدات المثقفين والشللية فراره من غبار أبريل.
الأمر الأكثر أهمية فيما تمثلُه الجوائز هو الجائزة المالية الضخمة، وأعتقد أن أى كاتب لو انتظر أموالًا مما يكتب، فلن يكتب شيئًا ذا قيمة. الكتابة مهنة لا شريك لها، ولا تنتظر منها راتبًا، وأنا أحمد الله أنى فى سَعة من العيش تجعلنى أسير قدر المستطاع على مبدأ «من تَركَ مَلك»
فى ظل غزارة الإنتاج الروائى فى الآونة الأخيرة، دعنا نسأل: ما الذى يمكن أن يميز روائيا عن آخر؟
أولا لكل شيخ طريقة، وأنا أرى أن رواية بلا حكاية، أفضل منها ثرثرات (الفيسبوك)، وكلُّ رواية بلا فكرة فلسفية مجرد كلمات مرصوصة، وأكبر معلِّم للروائى هو الروائى نفسه، ففى كتاب (رسائل إلى روائى شاب) للعبقرى اللاتينى (ماريو بارغاس يوسا) عبارة تختصر كل شيء فى الكتابة، وهى أنه «لا يمكن لأحد أن يُعلم أحداً الإبداع، وأقصى ما يمكن تعليمه هو القراءة والكتابة. وما تبقى يُعلِّمه المرء لنفسه بنفسه، وهو يتعثر، ويسقط وينهض دون توقف» .

يمكن أن يعلمك أحدهم قواعد متقدمة فى القراءة والكتابة، يمكن أن يُرشدك لكتبٍ مهمة، وروايات رائعة، ومراجع لا غنى عنها، يمكن أن يضع أصابعك على الكيبورد، لكن يبقى النقر مرهونا بما يُمليه خيالك على أصابعك، يمكن لامرأة عابرة أن تحكى لك حكايتها الملحمية، لكنك أنت من يملأ فراغات الحكاية، ويغسل ثيابها بالخيال. أنت من يمنح حياتها ألوانًا، أو يصبغها بالأبيض أو الأسود 
ختاما.. ماهى آخر أعمالك.. وهل لموافى مشروع ثقافى يرنو لتحقيقه؟
هذه الأيام أراجع رواية جديدة، وهى تجربة جديدة بالكامل، لا علاقة لها بكل ما كتبتُ سابقًا، والمشروع الثقافى يظهر وتتضح معالمه بعد رحيل الكاتب، وعند رحيلى أرجو أن أترك إرثًا وأثرًا أبعد من حياتى القصيرة

الحوار نشر لأول مرة في بوابة الأهرام، وهو إهداء خاص من إندكس للروائي والإعلامى المحبوب محمد موافي، مع دوام النجاح

عن الكاتب

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *