كتب السير توماس سيسل راب Thomas Cecil Rapp، الدبلوماسي ورئيس المكتب البريطاني لسياسات الشرق الأوسط في القاهرة في الخمسينات، يقول:
“يتم تربية جيل الشباب في إسرائيل في بيئة تنزع إلى العسكرة، وبالتالي سيشكل ذلك تهديد دائم لهدوء الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي سيبعد إسرائيل عن أسلوب الحياة الديمقراطي نحو شمولية اليمين أو اليسار”.
وقد كتب الأكاديمي الإسرائيلي إيلان بابه Ilan Pappé، في كتابه “خارج الإطار: النضال من أجل الحُرية الأكاديمية في إسرائيل” الصادر في 2010، فصلاً كاملاً عن تلك الظاهرة في إسرائيل، منحه عنواناً مميزاً ومُناسباً هو “عسكرة العقل الصهيوني”، يتكلم فيه حول مدى تأثير الجيش الإسرائيلي على الفكر الصهيوني، في أغلب شؤونه ، حتى أصبحت “العسكرة” جزءً أصيلاً من شخصية المجتمع الإسرائيلي ومُجرياته.
وقال بابه بأن دكتور الإجتماع السياسي بجامعة حيفا يوري بن إليعزر Uri Ben-Eliezer، قد وصف إسرائيل في كتابه “صناعة العسكرة الإسرائيلية The Making of Israeli Militarism”، بكونها “أمة بالسلاح Nation-in-Arms”. وكان يعني بأن “الهوية الجمعية لليهود في فلسطين، تم بناءها إعتماداً على عسكرة المجتمع؛ فالقيادة الصهيونية إستخدمت الجيش كعامل أساسي للتنمية والتكامل. فمن خلال الآداء السنوي لواجب التجنيد الإحتياطي، والإشتراك في المناورات الموسمية الجماعية، أصبح جيش إسرائيل هو مكون الدولة القومية اليهودية”.
ووفقاً لبابه، فإن “الأنشطة المدنية للحكومة [الإسرائيلية]، تم عسكرتها منذ السنوات المبكرة جداً للدولة ولا تزال كذلك حتى اليوم. فالجيش هو العامل المُهيمن في الإقتصاد والسياسة والإدارة والثقافة”.
وأحد المجالات التي تم عسكرتها كانت المستوطنات. “فحتى العام 1948، كانت تلك المُهمة في أيدي الوكالة اليهودية، [التي مثلت] الحكومة الأم للمجتمع الصهيوني في حقبة الإنتداب [البريطاني على فلسطين]. وبعد حرب 1948، كان الإستيطان يعني إحتلال القُرى المهجورة، التي طُرد منها الفلسطينيين. ولقد أوكلت تلك المهمة، إلى جيش الدفاع الإسرائيلي. وكان لدي الجيش، ولا يزال، وحدة خاصة لتنفيذ تلك الضرورة الصهيونية الأساسية”.
ولقد جُند الإعلام منذ وقت مُبكر لصالح الأمة بالسلاح، فلقد صنع الإعلام أبطالاً من الوحوش الإسرائيليين الذين تعمدوا قتل المدنيين العُزل من الشعب الفلسطيني. فأصبح إسحق رابين وبنيامين نتانياهو وإيهود باراك وإريل شارون أبطالاً، في الثقافة الإسرائيلية.
ولا يُمكن لمصري أن يفهم شيئ كهذا. فنحن أبناء الوادي، نعرف البطل من كونه قام بعمل مميز ضد مجموعة كبيرة من المسلحين، ولكن الشعب الإسرائيلي في أغلبه، يرى في الوحوش الذين قتلوا الأطفال والنساء والشيوخ وحتى الصبية والرجال العُزل: أبطالاً. ومن الواضح أنهم لا يستطيعون أن يقاتلوا رجلاً لرجل كما هو ظاهر في غزة اليوم، فما بالنا بقوات الصاعقة المصرية، الذين يقاتلون دون هيبة للموت، بل إنهم يهاجمون بصدور عارية من أجل الإستشهاد في سبيل تراب الوطن؟!
عن أي بطولة يتكلمون؟ إن ما يقولونه ويصفونه بكونه بطولة، هو جزء من “الهُراء الإعلامي” الذي نشرته “هوليود”، خدمةً للصهيونية المستبيحة لأرض وروح الغير، والتي كونت لوبي قوي ومُسيطر في الولايات المتحدة، لصالح إسرائيل، وبإغتراف المال من دافع الضرائب الأمريكي، لصالح أهداف الغي والقهر والإستعمار!!
فلينظر المتشدقون بالديمقراطية في إسرائيل إلى ضرورة مُراجعة الجيش الإسرائيلي، لما يُكتب في صحافة إسرائيل ومجلاتها. والطبيعي أن هذا القدر من الوحشية تجاه حرية الرأي، يواكبه التبرير غير الأخلاقي في إستباحة أرواح البشر من خلال الآلة العسكرية، سواءً كان في الماضي أو في الحاضر، ويصفق له الغرب الذي يُصر على تصدير قيمه المزيفة إلينا.
ولا يستطيع أي إنسان اليوم أن يُشكك، في أن تلك القيم سقطت تماماً، سواءً في حرب روسيا تجاه أوكرانيا أو في حرب إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غزة، قبل أن تسقط فيما قبل وبدون تركيز أكبر من قبل العالم، في أكثر من مكان آخر، من يوغوسلافيا إلى العراق على سبيل المثال لا الحصر.
ولم يعُد هناك مجال اليوم، لتُكلمنا أي دولة عن تصدير تلك القيم إلينا، إلا لو أرادت أن نرسل إليها صور أيديها الملوثة بدماء الأبرياء في فلسطين أو في العراق، أو حتى في غيرهما من مناطق، ساهم الغرب في إراقة الدم فيها منذ جرائمه أيام الحربين العالميتين، التي لوثت فيها أوروبا القيم الإنسانية، ثم خاطبت المجتمع الدولي عن أهدفها في الحرية والديمقراطية، في إطار ما يمكن أن يوصف بالكوميديا الغارقة في السواد!!
واليوم، نرى كيف أصبح المُتطرفين اليهود هم أسياد إسرائيل، مُعبرين علناً عن آراء يُشجعها قادة الجيش أيضاً، وتُظهر عداء ينفي أي سلام حتى على الورق. إن الكلام عن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو الأردن، هو كلام غير مقبول بالمرة. ولو أن أحداً قاله فيما يخص اليهود في أي بقعة من العالم، ستقوم الدنيا ولن تقعد، ولكنها قيم الغرب ذا الكيل بمكيالين، والتي أورثها للصهاينة الإسرائيليين، حيث الشعب الصهيوني، مُهاجر من الغرب إلى فلسطين.
إن تحكُم العسكريين في إسرائيل، يفوق الوصف، ويكفي أن كل رؤساء وزراء إسرائيل وأهم المسؤولين فيها حتى اليوم، جاءوا وسيأتوا من المؤسسة العسكرية، وبهم يُحكم كل مجال في البلاد وتُرسم السياسات، وكل مواطن في البلاد، يخدم في الجيش من سن 18 إلى 40 سنة، لتُصبح “البندقية” مُرافق أساسي له في حياته،
والأمن والتأمين جزء أصيل من شخصيته، بحيث يُبرر أي شيئ في ضوء الأمن الزائد، والذي لم يمنع إنتهاك حدوده أكثر من مرة، لأن “أي شيئ أكثر من حده، ينقلب إلى ضده”.
لقد سقطت نظريات الأمن الإسرائيلي من قبل أقل الميليشيات قدرة، وإسرائيل العسكرية تفكر في حرب على نطاق أوسع فيما هو قادم قريباً، رغم عدم قُدرة أهم الألوية لديها على صد مجموعة من الأفراد الأقل تدريبا من كل قواتها. إلا أن الغطرسة يُمكنها أن تفعل أكثر من ذلك، فنحن على علم بما يمكن أن يفعله حُكم “المُتاجرين بالدين” بأي أمة، وعن تجربة عام من حكم إخوان الشيطان.
اللهم أحفظ مصر وأنصر جيشها العظيم،
وهون على أشقاءنا في غزة،
ألا لعنة الله على إسرائيل وحماس،
والله أكبر والعزة لمصر