جاءنا الآن
الرئيسية » جاءنا الآن » أمين قمورية يسطر: كيف يواجه المصريون الخطر المحدق في سيناء؟!

أمين قمورية يسطر: كيف يواجه المصريون الخطر المحدق في سيناء؟!

النازحون من شمال القطاع ووسطه وجنوبه باتوا يتجمّعون على مسافة كيلومتر واحد من سيناء. إذا ما استمرّ الضغط الإسرائيلي واضطرّت مصر إلى فتح الحدود لاستقبالهم تكون قد كسرت خطّاً أحمر ودخلت في المحظور، وإذا ما تصدّت للمنكوبين الغزّيين الباحثين عن قطرة ماء وأمل بالنجاة تكون الشقيق الظالم الذي شارك في صنع مأساتهم.

سياسة تطويع مصر

مصر مجدّداً في عين العاصفة. العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين يكمل زنّار النار والفوضى حولها. تشعر القاهرة بأنّ ثمة سياسة ممنهجة بغرض تطويعها ودفعها إلى القبول بما لا يمكن أن تقبل به أبداً. إنّه التحدي الأصعب أمامها.

إسرائيل لا تخفي طمعها بأرض غزة وبحرها الغنيّ باحتياطات الغاز والنفط. تريدها “نظيفة” من سكّانها “المشاكسين”، وتعمل على تفعيل قناة بن غوريون الواصلة بين البحرين الأحمر والأبيض لمنافسة قناة السويس المصرية وتعزيز مكانة الممرّ الهندي الأوروبي في السباق الدولي على طرق التجارة.

على الرغم من معاهدة كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية، ظلّ مشروع نقل الفلسطينيين من غزة إلى سيناء قائماً، على أن يعوّض عن مصر بقطعة أرض في المقابل في صحراء رفح. وبالفعل قدّم بنيامين نتانياهو هذا الاقتراح للرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي ردّ على الفور قائلاً: “لا أنا ولا من هو أتخن منّي يقدر على التخلّي عن سيناء”.

غزّة للفلسطينيين ولا يقبل أيّ فلسطيني بنكبة جديدة أو باستعارة وطن بديل. وكانت سيناء للمصريين وستظلّ كذلك. لقد دفعت مصر والمصريون أثماناً باهظة دماً وتضحيات لتحرير بوّابتها الشرقية والحفاظ عليها.

العطش والسيادة المنقوصة

سيناء مسألة أمن قومي مصري. الدرس الأوّل الذي يتعلّمه الطلاب في الكلّيات العسكرية المصرية هو أنّ هناك خطرين يهدّدان بلدهم، أحدهما يأتي من الشمال الشرقي، أي من إسرائيل، والآخر يأتي من الجنوب، أي من منابع النيل. مصر قادرة على تحمّل العطش، لكنّها لا تحتمل المسّ بسيادتها وأرضها وكرامتها وأمنها القومي.

تداركاً لأيّ خطر قد يمسّها أو لأية نيّات مبيّتة لها، أبقى الجيش المصري نخبة وحداته المقاتلة في شبه الجزيرة بعد كبحه خطر الجماعات الأصولية المسلّحة التي كانت تنوي إقامة “الخلافة الإسلامية” في “ولاية سيناء”. وأحكم السيطرة عليها تجنّباً لمفاجآت غير مستحبّة من الجيران، وجهّز ميناء العريش لاستقبال سفنه الحربية تحسّباً لمجهول يبدو أنّ أوانه قد اقترب. 

أنفقت الدولة المصرية الكثير على البنية التحتية في سيناء وأقامت المشاريع المنتجة جذباً للسكّان وتثبيتاً لهم. نفّذت عملية إعمار هائلة لتحويل الصحراء الجرداء إلى مناطق عمرانية لحضّ سكان وادي النيل والدلتا على الانتقال إليها. ربطت شبه الجزيرة بالوادي عبر سلسلة من الأنفاق أسفل ممرّ قناة السويس لتسهيل الحركة منها وإليها. كلّ ذلك من أجل دحض الدعاية الإسرائيلية التي تتحدّث عن خلوّها من البشر تسهيلاً لطرح مخطّط التهجير.

منذ حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، لم تصل العلاقة المصرية الإسرائيلية إلى ما وصلت إليه اليوم من توتّر. الاختبار السياسي والعسكري والاستراتيجي هو الأخطر، وقد يغيّر كلّ المعادلات في الإقليم، إذ يُراد التصفية النهائية للقضية الفلسطينية وعلى حساب مصر. التحدّي الإسرائيلي بفرض التهجير قد بلغ نقطة الذروة، ويأتي هذا التطوّر الخطير مع أنباء وتقارير متلاحقة عن ضغوط غير مشروعة تتعرّض لها مصر من عواصم غربية للقبول باستقبال نازحين “لأسباب إنسانية ولفترة مؤقّتة”. لكنّ القاهرة ما انفكّت ترفض هذا الأمر، وترفض معه الإيحاءات بحوافز مقابل الاستجابة لهذا المطلب الخبيث، الذي يتّسق مع أهداف الحرب الإسرائيلية.

الكأس المر!

مصر بحكومتها وجيشها وشعبها والأحزاب والمؤسّسات استنفرت في وجه التهجير وجعلته خطّاً أحمر لا يمكن التهاون فيه، وحشدت كلّ قدراتها الإعلامية والسياسية والدبلوماسية وقوّتها الناعمة في مواجهة التحدّي. وراهنت على وقف للنار يجنّبها تجرّع الكأس المرّ. لكنّ الإصرار الأميركي على إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لممارسة قراراتها العدوانية والانتقامية، بات يطرح السؤال: هل من الحكمة ترك الأمور تنزلق إلى حافة الهاوية؟ ولماذا لا تُفعّل مصر قدراتها العسكرية والسياسية الكبيرة للتحذير من مواصلة العدوان على غزة ووصول الحرب إلى بوّاباتها؟ وهل يجوز ترك منكوبي غزّة بين خيارين، إمّا الموت وقوفاً أو الإذلال على معبر رفح؟

 مع اشتداد الخناق يتغيّر الخطاب المصري ويرتفع تدريجاً نحو التصعيد والتهديد بقطع العلاقات وإعادة النظر في اتفاقات كامب ديفيد والتلويح باللجوء إلى القوة. ربّما التصريح الأخير لوزير الدفاع الفريق أول محمد زكي هو الأكثر وضوحاً في هذا الشأن، إذ شدّد على أنّ “القضية الفلسطينية تواجه منحنى شديد الخطورة والحساسية وتصعيداً عسكرياً غير محسوب لفرض واقع على الأرض هدفه تصفية القضية الفلسطينية”، مؤكّداً أنّ “السلام لا بدّ له من قوة تحميه وتضمن استمراره، فالعالم اليوم ليس فيه مكان للضعفاء”.

حقيقة القضية الفلسطينية بالنسبة لمصر 

لا تنظر مصر إلى القضيّة الفلسطينية باعتبارها دائرة من دوائر سياساتها الخارجية فحسب، بل قضيّة تدخل في حسابات أمنها القومي. وإذا كان يحلو للبعض القول إنّ الوضع الاقتصادي المتأزّم في مصر وتراكم الديون على الدولة كفيلان بتراخي الاعتراضات المصرية على هذه المخطّطات والتغاضي عن إقامة وطن بديل للفلسطينيين في سيناء، فإنّ المسألة هنا ليست مسألة أموال أو اقتصاد، فماذا ينفع المال والاقتصاد القوي في ظلّ سيادة منقوصة وفقدان شرعية الحاكم؟
الأهمّ من ذلك: من هي السّلطة أو من هو الحاكم الذي يجرؤ على اتّخاذ قرار خطير وبائس كهذا؟ من سيقبل بأن يُنعت بصفة “الخائن الذي باع أرضه”، ومن هو النظام الذي قد تسوّل له نفسه الإقدام على خطوة كهذه، ولا تزال ذكرى ثورة جمال عبد الناصر في وجدان المصريين والعرب، ولا يزال في مصر ضبّاط أحرار تحتضن فلسطين أحلامهم على خطى رئيسهم الراحل.

عن الكاتب

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *