جاءنا الآن
الرئيسية » جاءنا الآن » أحمد جلال عيسي يسطر: الدعم في مصر..تاريخ من التحديات والفرص

أحمد جلال عيسي يسطر: الدعم في مصر..تاريخ من التحديات والفرص

 

       … زيادة مخصصات الدعم بين الضرورة و الإصلاح الاقتصادي

      …  التاريخ التطوري لمنظومة الدعم في مصر بعد الحرب العالمية الثانية

      … التفريق بين الفلسفة و الواقع في منظومة الدعم المباشر و غير المباشر

أحمد جلال عيسي

      لا شك ان زيادة رقم الدعم في موازنة العام المالي القادم ليصل الي 650 مليار جنية , بنسبة تقترب من 49 % من اجمالي الموازنة , لهو أمر يحتاج الي دراسة .

فمعني أن نصف الموازنة ينفق علي الدعم و برامج الحماية الاجتماعية, يوكد أن هناك خلل ما في تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي , و لكن في نفس السياق لا يجب أن نغفل الظروف و المتغيرات الدولية و الاضطرابات الجيوسياسية , التي أثرت علي حركة التجارة العالمية , و أدت إلي ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الطاقة و السلع الغذائية .   

بداية تطبيق منظومة الدعم وتطوره

      بداية تطبيق منظومة الدعم كانت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية , لحماية الفقراء وتخفيف العبء عن محدودي الدخل بدعم السلع والخدمات الأساسية وتوفيرها بأسعار مناسبة، مما يساعد على الارتقاء بمستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة وتحقيق التكافل الاجتماعي والاستقرار السياسي .

ففي عام 1952 كان الدعم حوالي %7.3 من إجمالي قيمة الإنفاق العام , وبلغ نصيب الفرد من الدعم حوالي سبعين قرش فقط ، أما في عام 1980 زادت مخصصات الدولة لبند الدعم حيث أصبح الدعم يمثل  %15.6 من إجمالي الإنفاق العام المخصص لهذا العام ومن ثم ارتفعت نسبته من الناتج المحلي الإجمالي ليبلغ %10.1 ,  وارتفع أيضا نصيب الفرد ليبلغ 37.5 جنية، أما في عام 1990 انخفضت نسبة مخصصات الدعم لتمثل حوالي %8.7 من إجمالي الإنفاق العام , و شهد الدعم انخفاضا في عام 2001  ، حيث سجل وقتها ادني مستوياته مسجلا 4,1 % فقط من الإنفاق العام الإجمالي

أما في عام 2011 بلغ حجم الدعم من الإنفاق العام 26% , بينما في عام 2015 بلغ الدعم 138.72 مليار جنية أي بنسبة %13 من إجمالي الإنفاق العام وهذا بالطبع مع بداية برنامج الإصلاح الاقتصادي في تلك الفترة .

كيف وصل الدعم لهذا الرقم؟

     هناك العديد من الأسئلة التي تطرح نفسها، فكيف وصل حجم الدعم لهذا المستوى من الارتفاع؟ , و ما هي فلسفة سياسات الدعم ؟  ،  و ما هي الخطوات التي اتخذتها الدولة في سبيل إصلاح منظومة الدعم ؟ و هل سيستمر نزيف الموازنة لخدمة الدعم؟

 للإجابة علي هذه الأسئلة يجب أولا التفريق بين نوعين من الدعم , دعم مباشر متمثل في تحمل الدولة لفروق أسعار السلع الغذائية  , و فروق أسعار البترول , و توجيه دعم نقدي للأسر الأكثر احتياجا من معاش تكافلي , و نوع أخر و هو الدعم غير المباشر و الذي يأتي في صورة دعم الأنشطة الإنتاجية والتصديرية ,  لتحفيز القطاع الخاص على الإنتاج وتلبية احتياجات الأسواق المحلية وتصدير الفوائض للخارج .

الدعم في مصر: تاريخ من التحديات والفرص

     فبرنامج الإصلاح الاقتصادي و خطة الحكومة المقدمة للبرلمان منذ عام 2015، و التي علي أساسها وافق البنك الدولي علي حزمة القروض المقدمة لمصر , كانت تستهدف في الأساس التوسع في الدعم غير المباشر , و استبدال الدعم العيني بالنقدي , و تقديم الخدمات بأسعارها الحقيقية ,   مع التوسع في شبكة الحماية الاجتماعية الأكثر استهدافًا للفئات الأولى بالرعاية والأكثر احتياجًا، على نحو يتكامل مع جهود الارتقاء بمستوى المعيشة .

الدعم المباشر ودعم الأنشطة التجارية 

     و بمقارنة بسيطة نجد أن الانفاق علي الدعم المباشر, أضعاف ما ينفق علي دعم الأنشطة الإنتاجية , فعلي سبيل المثال لا الحصر فتكلفة دعم السلع الغذائية وحدها في موازنة العام المالي القادم , 135 مليار جنية بزيادة 5% عن العام المالي الحالي و هي نسبة زيادة مقبولة ,  و لكن غير المقبول , و الذي وصفة الدكتور معيط وزير المالية بالجريمة , هو دعم المواد البترولية ب154 و نصف مليار جنيه , مقارنة ب119 مليار جنية في الموازنة الحالية بزيادة 30% , بعد ان وصلنا في عام ٢٠٢١ الي صفر دعم فلم يكن هناك دعم للمواد البترولية، سوى الدعم المقدم لأسطوانات البوتاجاز الذي لم يتجاوز وقتها 18 مليار جنية فقط .

فكيف نسمح بإنفاق ربع حجم الدعم ,علي البنزين و السولار الذي يستفاد منه بشكل مباشر أصحاب السيارات و القادرين .

 و في المقابل نجد أن الدعم غير المباشر للأنشطة الإنتاجية يقتصر علي , تخصيص 17,5 مليار جنيه بالموازنة الجديدة لمبادرة دعم سعر الفائدة في التسهيلات الائتمانية لأصحاب الأنشطة الإنتاجية الصناعية والزراعية , حيث تتشارك الدولة أعباء التمويل مع المستثمرين ضمن استراتيجية تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار، كما تم تخصيص 23 مليار جنيه لدعم وتنشيط الصادرات .

الدعم في مصر: تاريخ من التحديات والفرص

   استهدفت الحكومة تطبيق نظرية الدعم التبادلي داخل كل قطاعات الدولة ، بمعنى أن ينتهي الدعم بعد فترة زمنية معينة , بحيث يصبح القطاع لا يحمل الدولة أية أعباء مالية , مثل قطاع الكهرباء ولكن داخل الشرائح هناك شريحة تدعم شريحة أخرى، إلا أن المجمل أن الدولة لا تتحمل أعباء أو أن تتحمل مبالغ زهيدة، وقد حققت الحكومة نجاحا في هذا البرنامج حتى عام  ٢٠٢١, و بعد ذلك وضعت الحكومة خطة لتنتهى بالكامل من تقديم الدعم الخاص بالكهرباء بحلول عام ٢٠٢٣ / ٢٠٢٤.

سعر الدولار وتأثيره على فاتورة الدعم 

وذلك بشرط أن يبقى الدولار بنفس سعره في ذلك الوقت (حوالي ١٦ جنيها)، حيث قامت وزارة الكهرباء في تلك الفترة بوضع خطة تم إعلانها ونشرها في الجريدة الرسمية تضمنت الزيادات التي ستحدث كل عام وصولا إلى انتهاء الدعم نهائي في العام الحالي ، ولكن ما حدث أن الدولة المصرية مثلها مثل بقية دول العالم واجهت أزمات عالمية طاحنة لم يشهدها العالم من قبل، بدأت بجائحة كورونا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، وأزمة التضخم العالمية الكبيرة التي تسببت في زيادة أسعار جميع السلع والمنتجات، مما تسبب في ضغوط على الاقتصاد المصري أدت بدورها إلى انخفاض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار على النحو الذى نشهده اليوم .

    إصلاح منظومة الدعم سيؤدي إلى آثار إيجابية علي عجز الموازنة العامة، وبالتالي تحسن قيمه الجنيه المصري في سوق الصرف الأجنبي , بعد التشوه الذي حدث في هذه المنظومة سواء من حيث تزايد حجم الإنفاق علي الدعم , أو من حيث عدم وصول الدعم إلي مستحقيه ,  و يؤثر الدعم بشكل كبير علي الواردات ومن ثم علي عجز الميزان التجاري ,  حيث أن اغلب السلع المدعمة تقوم مصر باستيرادها من الخارج  , ومن ثم فإن محاولات إصلاح منظومة الدعم و تخفيض مخصصات الدعم سيكون لها تأثير كبير علي تخفيض عجز الميزان التجاري .

الدعم في مصر: تاريخ من التحديات والفرص

الحقيقة الصادمة وسر الخلل في منظومة الدعم في مصر

و الحقيقة الصادمة في تحليل تطور نظام الدعم في مصر، خاصة منظومة الدعم التمويني ، يتضح لنا أن هناك زيادة في معدلات الفقر، خلال الفترة من 1999 حتى عام 2021 ,أي خلال عقدين كاملين، ولم تسهم زيادة الإنفاق على الدعم في تحسين مستوى المعيشة، بل زادت نسبة الفقراء.

الأمر الذي يعكس خللاً في هيكل الدعم نفسه من حيث التوزيع، وآلية ضبط قاعدة بيانات المستفيدين، و استمرت هذة الزيادة حتي عام 2019،حيث  شهدت للمرة الأولى، انخفاضًا في معدلات الفقر، نتيجة للنجاح النسبي الذي حققه برنامج الإصلاح الاقتصادي ، مع تطبيق منظومة الدعم التمويني الجديدة، وارتفع مستوى هذه البرامج خلال عام 2018، مع بداية تطبيق الدعم النقدي المتمثل في برنامج “تكافل و كرامة”.

فالعبرة ليست بزيادة الإنفاق على منظومة الدعم بمختلف أنواعها للحد من الفقر، وإنما بحسن إدارة المنظومة نفسها؛ فزيادة الإنفاق على الدعم لم تسهم في خفض معدلات الفقر، وإنما حدث الانخفاض عقب إعادة برمجة منظومة الدعم، وذلك بإنشاء منظومة للدعم النقدي المشروط، بالتوازي مع إعادة هيكلة منظومة الدعم السلعي، وتحويلها لمنظومة دعم شبه نقدي .

الحوار الوطنى للخروج من الأزمة

و في النهاية فان اقتراح الدكتور مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء بالاستعانة بالحوار الوطني الذي يضم كافة أطياف المجتمع في  ملف الدعم و التحول للدعم النقدي , هو الحل الأمثل للخروج من تلك الأزمة , فلابد من عرض كل هذه البيانات و الأرقام علي مائدة حوار , و الوصول لحلول جريئة غير تقليدية , فلا يمكن ان تستمر الدولة في أنفاق نص ميزانيتها علي برامج دعم لا يشعر بها المواطن , و لم تنتشله من الفقر او حتي حسنت من معيشته.

عن الكاتب

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *