تقرير إسماعيل على بتصرف من وحدة الشئون النيلية
حوالى سنة كاملة على الحرب السودانية ، دون تقدم او إنجاز حقيقى للجيش السودانى ، فقط بعض المساحات المستعادة من أم درمان، بعد تدخلات إيرانية أو غيرها، فلماذا وصل الجيش السودانى، إلى الحال، هل بسبب تخريب الإخوان له طيلة أكثر نن ثلاثين عاما فقط، أم بسبب التدخلات الأجنبية الداعمة لخصومه المنوعين، قلبليا ودينيا وأيديولوچيا؟!
عرف الجيش السوداني، الذي أنشأ في 1925، بخبرته القتالية الطويلة التي اكتسبها من خلال مشاركته في الحرب العالمية الثانية، وما خاضه من معارك بسبب التمرد والحروب الأهلية سواء في الجنوب أو إقليم دارفور في الفترة ما بعد الاستقلال (1956).
كما يعد الجيش السوداني من أقوى وأكبر الجيوش في منطقة القرن الأفريقي بحجم قوات يراوح عددها بين 100 و150 ألف جندي، وتتكون بنيته التحتية من قوة عسكرية كبيرة تتمثل في مصانع للمدرعات والآليات الثقيلة ومصانع للأسلحة والذخائر وموارد بشرية تشمل أفراداً مدربين في عدة مجالات ذات صلة بالنشاط العسكري والحربي.
لكن تطاول أمد الحرب التي يخوضها الجيش السوداني مع قوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي أثار تساؤلات عدة عن سبب عدم حسمه هذه الحرب بالسرعة المطلوبة، فما واقع وحال الجيش الذي شارف على إكمال 100 عام على تأسيسه؟
عقيدة قتالية
يقول عضو تجمع قدامى المحاربين السودانيين اللواء معتصم العجب، “في الحقيقة أن الجيش السوداني الحديث اتبع منذ تكوين نواته الأولى قبل عام 1955 نظام انضباط عسكري صارم قائم على العقيدة القتالية، وعرف بشراسة القتال وقوة التحمل خلال المعارك التي خاضها بخاصة الحرب الأهلية في جنوب السودان خلال الفترة من 1955 إلى 2005، وكذلك الحرب العالمية الثانية حين شارك عدد من الجنود السودانيين في معارك بالمكسيك عندما كان السودان محتلاً من قبل بريطانيا”.
وبحسب اللواء العجب، فإن وحدات من الجيش السوداني تمكنت من دحر القوات الإيطالية التي حاولت احتلال مدينة كسلا في شرق البلاد، وأبلت تلك الوحدات بلاء حسناً رغم مشاركة الطيران الحربي التابع لروما في القتال”.
وأضاف “استمر الجيش في نفس النهج بخاصة في مسألة الاختيار للالتحاق بالكلية الحربية الذي كان مفتوحاً لكل السودانيين شريطة اجتياز الشروط المطلوبة، لكن تغيرت الحال عندما استلم تنظيم (الإخوان) الحكم في سنة 1989.
إذ أصبح الاختيار لهذه الكلية يتطلب تذكية من التنظيم الحاكم وذلك ابتداءً من الدفعة 40، فضلاً عن خلقه أجساماً موازية للجيش ككتائب الدفاع الشعبي التي جرى تكوينها مطلع تسعينيات القرن الماضي وزج بها في حرب الجنوب، ثم تشكيل ميليشيات الجنجويد في 2003 لتقاتل نيابة عن الجيش خلال حرب دارفور ليتم الاعتراف بها رسمياً باسم قوات (الدعم السريع) في سنة 2013 بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)”.
وتابع العجب “كما سُرح بعد توقيع اتفاق نيفاشا عام 2005 مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون قرنق عدد كبير من الجنود والضباط على أساس الحفاظ على نسبة الجيش.
وفي التقدير أن كل هذه الأحداث والأفعال أدت إلى هدم منظومة الضبط والربط في القوات المسلحة، فضلاً عن خرق القوانين العسكرية التي لا يعلو عليها، فتكسير القوات المسلحة هو السلم لاعتلاء كرسي السلطة”.
وأردف “في رأيي أيضاً أن الانقلابات العسكرية التي حدثت في البلاد أضرت بالجيش كثيراً ومنها هذه الحالة التي نعيشها الآن، لأن الانقلاب يؤدي إلى إحالة عدد كبير من الضباط للمعاش وهذا ما حدث خلال نظام الرئيس السابق عمر البشير الذي أحال آلاف الضباط والجنود للمعاش لعدم انتمائهم لتنظيمه الإخوانى ، الذي أصبح مسيطراً على مفاصل الدولة خصوصاً المؤسسة العسكرية”.
ونبه إلى أن تلك الإحالات حينها “شملت مجموعات كبيرة من العسكريين لمجرد الصداقات أو الشكوك أو الوشايات وغيرها، فتجريف الكفاءات البشرية أحدث هزة كبيرة داخل الجيش وأضعفه تماماً، لذلك فإن ما يجري من قتال وانقسام وضعف داخل الجيش ليس مستغرباً”.
عدم الجاهزية التى أدت لاعتقال القيادات
وواصل عضو تجمع قدامى المحاربين السودانيين حديثه بقوله “أما في ما يختص بوضع الجيش في هذه الحرب، فإن القوات المسلحة بكامل أجهزتها لم يكن لديها فكرة عن هذه الحرب ولم يكن هناك استعداد بشكل كامل داخل الجيش والدليل على ذلك اعتقال قوات (الدعم السريع) في الساعات الأولى لوقوع الحرب عدداً كبيراً من الضباط الذين كانوا في طريقهم للعمل، فعدم الاستعداد تمخض عنه أشياء كثيرة أثرت على إدارة الجيش للعمليات”.
ومضى في توضيحه، “يعني ذلك أن الوحدات العسكرية لم تكن على أكمل وجه من الجاهزية، وهذا يؤكد أن قرار الحرب تم بتخطيط من خارج القوات المسلحة، لذلك لم تتمكن الوحدات المنتشرة في مدن وولايات البلاد المختلفة من مساندة القوات التي تحارب في العاصمة”.
إمداد وتسليح
ونوه بأن إدارة العمليات بشكل فعال يتطلب بالدرجة الأولى إمداداً مستمراً للوحدات من ناحية القوة البشرية والتسليح والمؤن، كذلك من المشكلات التي واجهت الجيش السوداني في هذه الحرب أن معظم قواته لم تكن مسلحة بصورة جيدة لذلك حصلت خسائر في صفوفه وانسحابه من بعض المدن.
وأكد أن الجيش له تاريخ ناصع في إخماد أي حركة تمرد تحدث منها على سبيل المثال ما حدث في منطقة الاستوائية بجنوب السودان عام 1955 الذي يعتبر بداية الحرب الأهلية في السودان، حيث أخمد بواسطة قوات من الجيش جاءت من كل أنحاء البلاد بعد تجميعها في ملكال خلال 24 ساعة بقرار من هيئة العمليات.
وزاد العجب “لكن نجد أن ميزات (الدعم السريع) الاندفاع في الهجوم وعدم انتظار انتهاء المعركة حتى ينتصر فيتجه نحو الانسحاب والعودة مرة أخرى كما يحدث في حرب العصابات، وقد أحدث له ذلك استنزافاً كبيراً في قواته وآلياته من جراء القصف المتواصل من طيران الجيش ومدفعيته الثقيلة، لكن مشكلة الجيش أنه لا يمتلك قوات كبيرة من المشاة لكي تنتشر في المساحات الواسعة التي يوجد فيها (الدعم السريع) لحسم المعركة”.
استهداف وتسييس
في السياق، قال المتخصص في الشؤون العسكرية، اللواء كمال إسماعيل أحمد “في حقيقة الأمر لعب الجيش السوداني أدواراً إقليمية ودولية مشرفة طوال مسيرته الممتدة لنحو 100 عام.
كما ترك سمعة طيبة من الناحية القتالية والسلوكية خلال مشاركاته في عديد من الحروب الخارجية والمحلية، وهذا يأتي انطلاقاً من التزامه بالعقيدة القتالية والانضباط التام بدستور المؤسسة العسكرية، لكن استهدف هذا الجيش بصورة كبيرة من قبل نظام المؤتمر الوطني الذي جاء للحكم بواسطة انقلاب عسكري في 30 يونيو (حزيران) 1989″.
واستشهد بحديث “عراب النظام” آنذاك حسن الترابي الذي قال فيه، “إننا لا نريد الجيش المرتزقة بل نريد الجيش الجهادي”، وبالفعل تم في مطلع عام 1990 إحالة أكثر من 500 ضابط للمعاش يعتبرون من أفضل ضباط المؤسسة العسكرية، وتواصلت عملية إحالة الضباط خلال فترة حكم هذا النظام التي امتدت إلى ثلاثة عقود ليصل عدد الضباط المحالين للصالح العام للآلاف.
كما أنشأ النظام نفسه قوات موازية للجيش باسم قوات الدفاع الشعبي وكتائب الظل والجنجويد (الدعم السريع) وكتيبة البراء، مما أثر على تركيبة الجيش وكفاءته القتالية”
أخونا الكلية الحربية
وواصل أحمد بقوله “كذلك تحكم النظام السابق في عملية الاختيار لدخول الكلية الحربية لتكون حكراً على عناصره الذين ينتمون له ويأتمرون بأوامره، وكان ذلك ابتداء من الدفعة 40، وهي المحطة الفاصلة التي أبعدت الجيش السوداني عن المهنية وعدم الالتزام بقواعد ولوائح المؤسسة العسكرية، ونقطة بداية تسييس الجيش ليكون تابعاً للمؤسسة الحزبية من حيث الولاء”.
ومضى المتخصص في الشؤون العسكرية بالقول “تسييس الجيش أضر به ضرراً بالغاً وأصابه في مقتل، وظهر هذا الخلل من خلال أدائه في الحرب الحالية مع قوات (الدعم السريع) وما عاناه من سوء إدارته للعمليات، فضلاً عن اختلال عمليات التدريب، وإصلاح كل ذلك يستوجب بناء جيش مهني قومي واحد بعقيدة قتالية جديدة بعيداً من السياسة حتى يتطلع هذا الجيش بواجبه الأساس في حماية الوطن والشعب والدستور في دولة مدنية ديمقراطية”.
النشأة والقدرات
ترجع نشأة الجيش السوداني إلى ما قبل مملكة كوش 732 قبل الميلاد التي تنسب إلى كوش بن حام واتخذت هذا الاسم إبان تتويج كاشتا أول ملوك الأسرة الـ25 النوبية، لكن تأسست نواته الحديثة قبل عام 1955 وعرف آنذاك بقوة دفاع السودان وكانت تتكون من عدد من الجنود السودانيين تحت إمرة الجيش البريطاني المحتل.
وبعد استقلال البلاد عن الحكم الثنائي الإنجليزي المصري بعام واحد تكون جيش وطني جديد بجميع فرقه ابتداء بالمشاة ثم البحرية والجوية وعرف باسم الجيش السوداني.
في 1959 دخل الجيش مجال الصناعة العسكرية والحربية بتأسيس مجمع الشجرة الصناعي المعروف بمصنع الذخيرة حالياً الذي ينتج مجموعة متنوعة من ذخائر الأسلحة الصغيرة، لتلبية حاجات الجيش والقوات النظامية الأخرى، والذي أصبح جزءاً من هيئة التصنيع الحربي التي تأسست عام 1993.
وعرفت لاحقاً بمنظومة الصناعات الدفاعية والتي تضم داخلها عدداً من المصانع والصناعات والاستثمارات العسكرية وغير العسكرية، وتنتج مجموعة كبيرة من الأدوات الدفاعية، بما في ذلك الأسلحة والذخائر والمدرعات والدبابات والطائرات والمدفعية، إلى جانب صناعات ذات طابع مدني، مثل صناعة السيارات والجرارات والأجهزة الكهربائية ومواد البناء وغيرها.
منظومة التصنيع العسكري معطلة
لكن أصبحت هذه المنظومة شبه معطلة منذ اندلاع الحرب، إذ تقع معظم مواقعها في المناطق التي تنتشر فيها قوات “الدعم السريع”، ما عدا مجمع الصافات غربي أم درمان، الذي يسيطر عليه الجيش، ولا يعرف ما هي أوضاع المصانع والورش التابعة لهيئة التصنيع الحربي بعد العمليات القتالية العنيفة التي دارت داخلها أو حولها،
ومن المؤكد أن الحرب التي دخلت شهرها الـ11 أثرت بشكل أو آخر على قدرات السودان العسكرية التي كانت تؤهله ليكون القوة الرابعة في أفريقيا.