ماذا بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية ..داخليا وإقليميا ودوليا؟! .. وحتى نعرف ذلك، علينا مطالعة هذه المقالة البحثية.
شهدت إيران انتخابات رئاسية مبكرة، في 28 يونيو، ثم جولة إعادة في 5 يوليو 2024م فاز فيها الوزير والبرلماني السابق «مسعود بزشكيان» على منافسه سعيد جليلي؛ ليصبح الرئيس التاسع في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
كان المتحدث باسم لجنة الانتخابات «محسن اسلامي» قد أعلن أنه بعد فرز 30 مليونا و573 ألفا و931 صوتا، حصل بزشكيان على 16 مليونا و384 ألفا و403 صوتا، بينما حصل جليلي على 13 مليونا و538 ألفا و179 صوتا، وأن نسبة التصويت بلغت 49.8٪، متجاوزة نسبتها في الجولة الأولى.
وقد كشفت هذه الأرقام المعلنة واتجاهاتها، عدم قدرة كثير من المراقبين على التنبؤ الصحيح بنتائج هذه الانتخابات، خاصة في ظل الإجراءات التي اتخذتها الجهات المعنية لمنع دخول أي من الرموز السياسية المعروفة ساحة المنافسة، وتوفير الدعم والمساندة الكافية للمرشح الأصولي سعيد جليلي، سواء في الجولة الأولى أو جولة الإعادة.
توجهات إيران المحتملة
كما تطرح بدورها تساؤلا أساسيا بشأن ماهية توجهات إيران المحتملة، في ظل هذا الرئيس التكنوقراطي القادم من الهوامش القومية إلى السلطة في مركز الدولة. وتنبثق من هذا التساؤل عدة تساؤلات فرعية أخرى، مفادها:
- من هو مسعود بزشكيان؟
- ما أسباب فوزه برئاسة الجمهورية؟
- ما برنامجه الانتخابي؟
- وما توجهاته المحتملة على المستوى الداخلي والخارجي؟
أولا: من هو مسعود بزشكيان؟
- خلفيته الاجتماعية: ينتمي مسعود بزشكيان لأسرة تركية آذرية متوسطة، وأب تعود أصوله لمدينة «اورميا» مركز محافظة أذربيجان الغربية ذات التنوع الإثني، سواء على المستوى العرقي، أو اللغوي، أو الديني؛ والتي تمثل نموذجا للتعايش والتسامح وقبول الآخر بالمجتمع،
- إذ يعيش الأكراد بوسط هذه المحافظة، بينما يتمركز الأتراك بالمناطق الشمالية والغربية والجنوبية المتاخمة لحدود إيران مع تركيا والعراق. ويعتنق معظم سكانها الإسلام بمذهبه الشيعي والسني، بينما يشكل النصارى من الآشوريين والكلدان والأرمن باقي سكانها، إضافة إلى أقلية يهودية وزرادشتية، وعدد غير معروف من البهائيين. ولهذا كان من الطبيعي أن يكون والده أذريا يتحدث التركية بحكم إنتمائه العرقي، وأمه كردية تتحدث الكردية بحكم إنتمائها القومي.
وقد انتقلت أسرة مسعود بزشكيان للعيش بمدينة «مهاباد» ذات الأغلبية الكردية، والتي تمثل رمزاً وطنياً للقومية الكردية، منذ أن أعلنها «قاضي محمد» جمهورية انفصالية، عام 1945م، وقُضي عليها، في ديسمبر 1946م لتبدأ مرحلة طويلة من الإهمال والتمييز والاضطهاد.
وسط هذه البيئة، ولد «مسعود» في 29 سبتمبر 1954م، وتلقى تعليمه الابتدائي فيها، لينتقل بعدها إلى «أورميا» لاستكمال دراسته، فحصل على الدبلوم العالي في الصناعات الغذائية عام 1973م، من أكاديمية أورميا الزراعية (جامعة أورميا الآن) ثم أنهى خدمته العسكرية بمنطقة «زابل» التابعة لمحافظة سيستان وبلوشستان بأقصى جنوب شرق إيران عام 1975م.
ثم حصل بعدها على دبلوم آخر في العلوم الطبيعية؛ أهله للالتحاق بجامعة تبريز للعلوم الطبية، عام 1977م، والحصول على بكالوريوس الطب، عام 1985م، ثم نال دبلوم التخصص في الجراحة العامة منها، عام 1991م، ثم دكتوراه جراحة القلب والأوعية الدموية من جامعة أخرى هي إيران للعلوم الطبية، عام 1994م، ليعمل بعدها استشاريا بمستشفى «شهيد مدني» للقلب بمدينة تبريز، ثم رئيسًا له بعد ذلك.
تزوج مسعود بزشكيان مبكرا، وهو لا يزال طالبا، بزميلة له بكلية الطب، تخصصت بعد تخرجها في أمراض النساء والولادة، وأنجب منها أربعة أبناء (ثلاثة أولاد وبنت) غير أنها توفيت بحادث سير ومعها أحد أبنائها، عام 1994م.
وعلى الرغم من ذلك، آثر ألا يتزوج بعدها، كي يتفرغ لرعاية أبنائه (يوسف ومهدي وزهرة) حتى حصل أحد أبنائه على دكتوراه الفيزياء من «جامعة شريف للعلوم والرياضيات وتكنولوجيا الهندسة» بطهران، ويعمل أستاذا بجامعة «سهند» ونالت ابنته درجة الماجستير في الكيمياء من نفس الجامعة وتعمل بشركة «جم» للبتروكيماويات. بينما تخصص ابنه الثاني في الهندسة الكهربائية.
- خبرته الشخصية: لا تعدو خبرة بزشكيان كونه وزيرا تكنوقراطيا مدة أربع سنوات في عهد الرئيس الأسبق «محمد خاتمي» وبرلمانيا ضمن الكتلة الإصلاحية بمجلس الشورى الإسلامي مدة ستة عشر عاما. بدأ وعيه السياسي يتكون أثناء دراسته بجامعة تبريز للعلوم الطبية، عندما أسس أقوى اتحاد طلابي بالجامعة، هو الاتحاد الإسلامي لطلاب كلية الطب، وكان له نشاط ثقافي قوي ترافق مع عنفوان الثورة الإسلامية تمثل في عقد حلقات النقاش والمناظرات والندوات الثقافية ومحاجة المناهضين للثورة. وعندما منع الطلبة اليساريين «هاشمي رفسنجاني» من اكمال كلمته التي كان يلقيها في طلاب الجامعة، عام 1980م، اشتبك معهم أعضاء الاتحاد الإسلامي اشتباكا عنيفا أدى إلى إغلاق سلطات الثورة لجميع الجامعات، والبدء في إعادة هيكلتها وإخضاعها لسيادة النظام الإسلامي وقيم الحوزة العلمية، في إطار ما يعرف بالثورة الثقافية.
وعندما نشبت الحرب العراقية الإيرانية (1980 -1988م) أُلحق بزشكيان بسلاح الخدمات الطبية، طبيبا ميدانيا، ومشاركا في إدارة عمليات معالجة ونقل الجرحى والمصابين من جبهات القتال. وعندما انتهت الحرب واصل عمله بدأب حتى اختيررئيسًا لجامعة تبريز للعلوم الطبية، عام 1997م، وبما أنه كان نموذجا يحتذى بين نظرائه من رؤساء الجامعات؛ عين نائبا لوزير الصحة، ثم وزيرا ناجحا للصحة فيما بين عامي 2001 و2005م، أثناء ولاية «خاتمي» الرئاسية الثانية، فأنشأ نظام التأمين الريفي، وطبق الرعاية الطبية المتكامل بمدينة تبريز. وأنشأ أكثر من 550 مستوصفا طبيا ومركزًا للرعاية الصحية بمحافظة أذربيجان الشرقية.
واستثمارا لهذه الإنجازات خاض بزشكيان بنجاح المنافسات الانتخابية فشغل مقعد مدينة تبريز بمجلس الشورى الإسلامي، لأربع دورات متتالية على مدى ست عشرة سنة، بدءا من الدورة الثامنة (2008م) التي انتقد خلالها قمع سلطات الأمن والحرس الثوري للاحتجاجات الشعبية الواسعة، التي اندلعت عقب الإعلان عن فوز «محمود أحمدي نجاد» بولاية رئاسية ثانية، على حساب منافسه الإصلاحي المعارض «مير حسين موسوي» وصولا للدورة الحادية عشرة (2020م) مرورا بالدورة التاسعة (2012م) التي ألقى فيها كلمة قال فيها إنه «يشكر الله أن خلقه تركيا، ولا يحق لأحد أن يسخر من لغة الأتراك ولا من ثقافتهم، ولابد لهم والمجموعات العرقية الأخرى بإيران، أن يكونوا قادرين على الكتابة والتحدث والتعلم بلغتهم الخاصة وفقًا للمادة 15 من الدستور. ثم الدورة العاشرة (2016م) التي أصبح فيها نائبا لرئيس المجلس «محمد باقر قاليباف»
وبناء على هذا، يمكن أن نستنبط بعضا من سمات بزشكيان الشخصية، التي قد يكون لها دور في تكوين اتجاهاته وتحديد مواقفه المختلفة. فيبدو أنه يتميز بالحيوية والذكاء، ولديه القدرة على أداء المهام، وتجاوز المواقف الصعبة، وحل الخلافات، والحرص على تحقيق الأهداف. فضلا عن الطموح وروح التحدي والشغف باكتشاف كل ما هو جديد، والإخلاص والتسامح والإيثار والعواطف الجياشة. كما يبدو أنه متأن في إصدار الأحكام، محب للحرية، لبق وصاحب شخصية مرنة.
ثانيا: أسباب فوزه بالرئاسة
يذكر المراقبون الإيرانيون أن بزشكيان سعى لخوض الانتخابات الرئاسية أول مرة، عام 2013م، التي فاز فيها «حسن روحاني» ولكنه انسحب لصالح «هاشمي رفسنجاني» وتقدم مرة أخرى عام 2021م غير أن مجلس صيانة الدستور لم يمنحه الصلاحية المطلوبة لخوض الانتخابات، التي فاز فيها «إبراهيم رئيسي» الذي لقي مصرعه فجأة، يوم 19 مايو 2024م، على نحو أصاب الأصوليين بصدمة هائلة وأربك حساباتهم الداخلية والخارجية، ودعا لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة كان بزشكيان أحد مرشحيها، والتغلب على منافسه الأصولي «سعيد جليلي» في جولة الإعادة. وذلك لعدة أسباب، منها:
- الاحتقان الداخلي: لقد عبر فوز بزشكيان عن تيار جماهيري متنامي يرفض مصادرة حرياته وحقوقه باسم الدين، كما كشف عن أن لعبة المنافسة الصورية بين تيار إصلاحي وآخر أصولي، مجرد أداة استدعاء مؤقت يلجأ إليها النظام لهندسة العملية الانتخابية؛ في وقت تنحسر فيه نسب المشاركة. بدليل أن الانتخابات المتكررة على مدى العقود الأربع الماضية لم تؤد أي تغيير دينامياته، أو تعديل ممارساته أو تطوير سياساته وقيمه.
- كما لم تؤد إلى تحقيق طموحات الأجيال الجديدة، التي لم تعد معنية بإسلامية الدولة، أو جمهورية النظام. بقدر ما يعنيها الحق في الحرية والتمتع بمقدرات بلادهم، التي يهدرها النظام على المليشيات والجماعات المسلحة بالمنطقة. في وقت يعيش فيه أكثر من 60% من الشعب تحت خط الفقر
وقد كشفت الاحتجاجات الشعبية المتكررة ضد النظام وسياساته، مدى الافتراق الأيديولوجي وعمق التباين بينه وبين المجتمع، على نحو باتت تمثل تحديا خطيرا لشرعية بقائه ومشروعية استمراره. خاصة في ظل عجزه عن معالجة الأسباب التي تدفع الجماهير إلى دائرة الاحتجاج والإحجام عن المشاركة السياسية، حتى بدا أنه أمام أزمة بنيوية، تتجلى شواهدها في:
- ضعف سلطات الدولة وازدواج مؤسساتها، وعدم قدرتها على ترتيب الأولويات بين الوفاء بأعباء الخارج وضرورات الداخل.
- تفاقم الأزمة الاقتصادية، على نحو عمق التفكك الاجتماعي وصرف القواعد الجماهيرية المؤيدة للنظام بالجامعات والنقابات الفئوية والعمالية وأرباب المهن البسيطة، التي أخذت تعبر عن عدم رضاها بالاحتجاج والامتناع عن التصويت في الانتخابات.
- العجز عن حل معضلة الأقليات القومية بالأهواز وأذربيجان وبلوشستان وكردستان، وبالتالي تفاقم التوتر بينها وبين النظام.
- انعدام حرية التعبير، وتدهور وحقوق الإنسان، والاعتقال التعسفي والتعذيب بالسجون، والإعدام بحق المعارضين، ومصادرة حرية المرأة، واستشراء الفساد في نظام الحكم، وارتفاع الأسعار وتافم نسب البطالة والفقر بالمجتمع، وتدهور البينة التحية بالمناطق التي تقطنها القوميات التركية والكردية والعربية والبلوشية، وإهدار ثرورات الدولة في تمويل محور المقاومة
- تزايد اللامبالاة بين الشباب (يمثلون 60% من السكان) وخاصة الفئة العمرية من 15 إلى 29 سنة؛ على اعتبار أن مشاركتهم السياسية ليس لها أي تأثير على حياتهم، أو يمكن أن تمنحهم الأمل في بناء مجتمع حداثي ينعمون فيه بعدالة التوزيع والمساواة والحق في حياة كريمة، أو تتمتع فيه المرأة بالحرية دون قيد أو تعسف.
- تآكل مصداقية التيارات والأحزاب السياسية، ومن ثم فشلها في استقطاب القاعدة الجماهير حول النظام؛ خاصة أنها حولت ممارساتها إلى مجرد وسيلة لتحقيق المكاسب الفردية والتكسب السياسي والاجتماعي على حساب المصلحة العامة للدولة.
- الانقسام الحاد بين التيارات السياسية، وتبني كل تيار منها خطابا راديكاليا يستهدف الحفاظ على استمرار تأييد قواعده من ناحية، وإثارة مخاوف أنصاره من التيار المنافس من ناحية أخرى. الأمر الذي عزز ثقافة إلغاء الآخر وكدر الحياة السياسية.
- انفراد التيار الأصولي المتشدد بجميع سلطات الدولة الثلاث، خاصةبعد فوز «إبراهيم رئيسي» برئاسة السلطة التنفيذية، 18 يونيو 2021م، وتولي «محسني اژه اى» السلطة القضائية، ثم السلطة التشريعية، في مارس 2024م.
- فاعلية الخط الثالث: ذكرتُ في دراسة سابقة، أن ثمة تيار سياسي ظهر داخل المجتمع الإيراني، منذ فوز الرئيس خاتمي 1997م، وأنه تيار منقلب على مبادئ الثورة الإسلامية وقيمها، داعيا إلى التمسك بالقيم الإنسانية والثوابت الاجتماعية والهوية الوطنية، يمكن أن نطلق عليه «الخط الثالث» لا ينتمي لأي تيار سواء أصولي أو محافظ أو حتى إصلاحي، بقدر ما يعنيه العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية. كما أكدت «أن جميع الاحتمالات واردة بشان الوضع في إيران، والتي باتت مقبلة على تحول دراماتيكي حتمي تتغير فيه الإحداثيات السياسية بالدولة في ظل الانسداد السياسي، والذي ستكون له تبعاته الإقليمية والدولية. ولكن يظل التوقيت رهنا بمدى قدرة المعاضة على دفع النظام في الاتجاه المطلوب، وقدرة النظام على التعامل مع الشارع المحتج».
وأن هذا التيار يرفض تماما الصيغة الحالية لولاية الفقيه، وينادي بتولي الكوادر والكفاءات المتخصصة المناصب، وتعديل الدستور لمواكبة احتياجات المجتمع ومطالبه، ويساعد إيران على تكييف علاقاتها الخارجية في ظل المتغيرات المتسارعة. وأنه يؤيد المجتمع المدني، وإطلاق الحريات الشخصية والاجتماعية، بما في ذلك حرية التعبير، ويرفض هيمنة طبقة اجتماعية على باقي الطبقات باسم الدين.
كما يرفض أساليب تعامل النظام مع القوميات العرقية، أو مصادرة حرية المرأة والتضييق عليها باسـم الإسلام. ناهيك عن أنه يرفض الاعتقالات السياسية والإعدامات التي تنفذ بحق المعارضين السياسيين والأقليات العرقية والدينية، ويعترض على الأوضاع اللاإنسانية بالسجون، ومعاملة السجناء والمعتقلين فيها.
شعارات الخط الثالث
وإذا طالعنا الشعارات التي يرفعها الخط الثالث لأدكنا مدى وعيه بجميع قضايا إيران، وقدرته على صياغة قيمه بواقعية، وتحديد أهدافه بطريقة جعلت المجتمع يدرك أهمية الحداثة والحرية مقارنة برجعية النظام واستبداده. ولكن ما يعنينا هنا هو أننا إذا قارنا هذه الشعارات بسرديات خطاب بزشكيان الانتخابي سنكتشف مدى التطابق بينهما على نحو يؤكد أن الإرادة الشعبية كانت أقوى في هذه الانتخابات من إرادة النظام، وأن مناورات بزشكيان بتخفيف القيود الاجتماعية تماهت تمام مع تكتيكات الخط الثالث ونجحت في إقناع أبناء القوميات الإيرانية والأغلبية الصامتة المتضررة من سياسات النظام الاجتماعية والاقتصادية، بالتوجه لصناديق الاقتراع والتصويت لصالحه، كنوع من التصويت الاحتجاجي على هذه السياسات والتأكيد على ضرورة الإصلاح والانفتاح على العالم.
دعم الإصلاحيين
وفي هذا الإطار، حظي بزشكيان بدعم واسع من الأحزاب والتكتلات الإصلاحية، مثل الحزب الديمقراطي «حزب مردمسالاری» وحزب الاعتدال والتنمية «حزب اعتدال وتوسعه» حزب الحرية «حزب آزادي» حزب تحالف الشعب «اتحاد ملت» وحزب العمل الإسلامي «حزب اسلامی کار» وتجمع قوى خط الإمام «مجمع نیروهای خط امام» والرابطة الإسلامية لأساتذة الجامعات «انجمن اسلامی مدرسین دانشگاهها» والرابطة الإسلامية لمعلمي إيران «نجمن اسلامی معلمان ایران» إضافة إلى رموز إصلاحية ذات وزن مثل «محمد جواد ظريف» وزير الخارجية الأسبق و«محسن هاشمي رفسنجاني» و«حسن عبدي جعفري» وزير التجارة المخضرم بحكومة مير حسين موسوي، و«عباس أخوندي» وزير الطرق والتنمية الحضرية الأسبق و«حسين مرعشي» الأمين العام لحزب كوادر البناء (حزب كارگزاران) فضلا عن عدد أكثر من 120 من أصل 290 عضوا بمجلس الشورى الإسلامي.
- الوعود الانتخابية: على الرغم من أن بزشكيان لم يكن شخصية سياسية بارزة، أو متحزبة لتيار سياسي بعينه، نظرا لطبيعة تكوينه الشخصي والعلمي، إلا أنه قدم وعودا انتخابية تكشف عن كثير من نواياه وملامح برنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي بشأن حل أزمات إيران السياسية والاقتصادية المزمنة وتخفيف الاحتقان الداخلي واستعادة التماسك لمكونات الدولة ومؤسساتها؛ وخلق إجماع وطني حول مستقبل إيران. ومن هذه
- الامتثال لولي الأمر، فقد أكد أنه ملتزم تماما باستراتيجية النظام والخط العام للدولة وتوجيهات المرشد، التي وصفها بالضرورية والحتمية؛ لتحقيق مكانة إقليمية متفوقة لإيران وتحسين الوضع الداخلي. مؤكدا أنه لن يحدث إلا بالتوافق الوطني والبعد عن أي نظرة حزبية ضيقة أو اتجاهات متناقضة.
- تحسين الوضع الاقتصادي: أكد بزشكيان أنه سوف يتبنى برنامجا مكون من عدة نقاط لتحسين الوضع الاقتصادي:
- بناء الثقة مع المجتمع الدولي، والدخول في مفاوضات جادة لرفع العقوبات، وضمان الإفراج التدريجي عن الأصول المجمدة.
- الانضمام لمجموعة العمل المالي «FATF» (Financial Action Task Force) والقبول بالمعايير الدولية التي اعتمدتها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، لفتح المجال أمام إيران للاستفادة من التجارة العالمية.
- الاستعانة بالخبراء الاقتصاديين والكفاءات الوطنية والمديرين ذوي الخبرة العالية، للتخطيط الاقتصادي وتحديد الأولويات.
- اتخاذ حزمة من الإجراءات العاجلة، منها ما يلي:
- تثبيت أسعار الوقود، وهو أمر يحظى بقبول شعبي كبير.
- تخفيف القيود المفروضة على الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر، التي تمثل مطلبا شعبيا واسعا
- ضمان استقرار سوق الأوراق المالية، ومنع تدخل الحكومة فيها، خاصة أنها كانت تمول عجز ميزانية الدولة منها.
- خفض معدلات التضخم، الذي قضى مدخرات الإيرانيين، وقلص قدرتهم الشرائية، وأفقر أسرهم، وزاد الفروق الاجتماعية.
- توحيد سعر صرف العملة والقضاء على ارتفاع أسعار العقارات، وفتح الباب أمام حرية الأفراد في استيراد سيارتهم من الخارج لأن ذلك سوف يؤدي إلى أن يعدل السوق أسعاره بنفسه، وينتظم تلقائيا دون تدخل من الدولة
- توسيع مظلة الحماية الاجتماعية: وعد بزشكيان بتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية ودعم محدودي الدخل، وفقا للمادة 29 من الدستور التي تؤكد مسئولية الدولة عن رعاية الحقوق العامة لجميع المواطنين، وتوفير الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والعلاجية لجميع المستحقين في حالات التقاعد والبطالة والشيخوخة والعجز عن العمل وفقدان العائل. وذلك من خلال:
- دعم صناديق المعاشات التقاعدية وسداد المديونية الحكومية لها، وزيادة مخصصاتها المالية.
- حماية الأسرة تأكيدا لمسئولية الدولة، وفقا للمادة 21 من الدستور، عن دعم الأمهات الحوامل والحاضنات، وتوفير تأمين خاص للأرامل والعجائز والمطلقات، ورعاية الأيتام.
- زيادة دعم السلع الأساسية، من خلال التحديث المستمر لقاعدة البيانات ضمانا لتوزيعه العادل على مستحقيه.
- العمل على التناسب بين الأجور والمعاشات التقاعدية حفاظا على القوة الشرائية للفقراء وتحسينها.
- إنشاء منظومة متكاملة للتأمين ضد البطالة والبطالة مع إعطاء الأولوية للطلبة والخريجين المتزوجين.
- خلق فرص العمل واستقطاب المواهب وتدريبها وتمكينها من وظائف تتناسب مع مهاراتهم المكتسبة.
- توفير الرعاية الصحية المتكاملة وزيادة مخصصات الرعاية الطبية، وتقديم الخدمة الصحية والنفسية والتأهيلية المجانية لمحدودي الدخل، وتغطية تكاليف العقم.
- العمل على خلق إجماع وطني، يدرك بزشكيان أن أمامه مهمة صعبة لخلق هذا الإجماع عبر مجموعة من الإجراءات، منها:
- إجراء حوار وطني، إذ قال «علينا أن نكون قادرين على إجراء حوار مع العالم، وأن نجري حواراً مع الشباب. وإذا لم نتمكن من ذلك فسوف نفشل» «الشعب غير مبال بالانتخابات، وهو ما ينعكس بشكل واضح في انخفاض نسبة إقبال الناخبين»
- رفض الفرض القسري للحجاب، فقال «إنه يجرنا إلى الظلام» وكان بزشكيان قد وجه انتقادات لاذعة للسلطات، أثناء اندلاع الاحتجاجات الشعبية، بعد وفاة الفتاة الكردية «مهسا أميني» عقب توقيفها بتهمة انتهاكها المزعوم لضوابط ارتداء الحجاب، عام 2022م، ودعا لإجراء تحقيق شفاف في هذا الشأن. وقد أيده في ذلك «عبد الواحد موسوي لاري» وزير الداخلية بحكومة خاتمي، بقوله إنه «ينشئ لدى بناتنا ضغينة ضد الدين والتعامل معها لا يكون بالضرب» ومن ثم فمن المحتمل أن يدعو بزشكيان إلى إعادة النظر بالممارسات المتعلقة بضوابط الحجاب الإلزامي التي تقوم دوريات الأخلاق
- تحسين وضع القوميات المختلفة بالدولة، ومنحهم حقهم الدستوري في الدراسة باللغة الكردية والأذربيجانية والبلوشية، والسماح للكفاءات والخبرات منهم لشغل المناصب المختلفة لخلق التضامن بين مكونات الدولة الديموغرافية.
- الدعوة إلى إلغاء الرقابة على الإنترنت، على الرغم من أنها ليست ضمن صلاحيات حكومته.
رابعا: التحديات الداخلية المحتملة
يدرك بيزشكيان جيدا حدود صلاحياته الرئاسية في هيكل النظام خاضعة لسلطة المرشد الأعلى، كما أنه لابد من موافقته على من يرشحهم لتولي الوزارات السيادية (الخارجية والداخلية والاستخبارات) وأنه مقيد بمراقبة السلطة التشريعية التي يهيمن الأصوليون على غرفتيها: مجلس الشورى الإسلامي الذي يمنح الثقة لكل مرشح في حكومته قبل تشكيلها، ومجلس صيانة الدستور الذي تجب موافقته على أي مشاريع قانونية جديدة، أو إدخال تعديل على أي من القوانين يمكن أن يتقدم بها.
ويضع في حساباته أيضا مكانة الحرس الثوري وقدراته السياسية والاقتصادية، وقدرة التيار الأصولي المهيمن على جميع مؤسسات وأجهزة الدولة. ولهذا فمن المحتمل أن يحرص، خلال فترة ولايته الأولى على أقل تقدير، على تنفيذ توجيهات المرشد، وعدم الدخول معه في خلافات، وتجنب الصدام مع الأجهزة والمؤسسات المختلفة بالدولة، ضمانا لإنجاح مهامه الرئاسية وتنفيذ وعوده، على نحو يضمن له استمرار تأييد القاعدة الجماهيرية التي صوتت له، ولا تتكرر معه تجربة الرئيس الأسبق «حسن روحاني» الذي دخل في خلافات مع آية الله خامنئي بشأن الصلاحيات والاختصاصات الدستورية.
كما يدرك أن فوزه لا يعني إلا نقل السلطة التنفيذية فقط للتيار الإصلاحي الذي يدعوا تقليدياً إلى الحوار مع الغرب والتفاوض مع الأطراف الدولية بشأن برنامج إيران النووي، ويدعو لتخفيف القبضة الأمنية على المجتمع وإدانة القمع بكل صوره وأشكاله. وأن هذا ربما يكون مدعاة لسعي الأصوليين لعرقلة تنفيذ برنامجه. خاصة أنهم يمتلكون العديد من الوسائل يجيدون استخدام التكتيكات المؤثرة ضد منافسيهم، فإمكانهم بناء صورة ذهنية لبزشكيان لدى الرأي العام بوصفه عنصرا مناوئا للثورة الإسلامية ومنحرف عن مبادئها التي أرساها الإمام الخميني، عبر المنصات الإعلامية المختلفة والكتائب الاليكترونية ومنابر صلاة الجمعة.
إضافة إلى تقديمه للمجتمع على أنه ضعيف، استنادا إلى عدم وجود تاريخ سياسي بارز له. الأمر الذي قد يدفعه لمحاولة استرضائهم، ومن ثم استدراجه للوقوع في فخ الصراع مع التيارات الأخرى، بعيدا عن تحقيق وعوده الانتخابية. ومن ثم تقليص فرص فوزه في المنافسات الانتخابية القادمة، 2028م لصالح المرشح الأصولي.
وربما يجد بزشكيان نفسه في مواجه مع الفساد المستشري في الجهاز البيروقراطي للدولة والفساد العائلي وكبار قادة الحرس الثوري والمتنفذين بالدولية، الذين استفادوا من العقوبات، وكونوا ثروات هائلة وتربحوا من وراء استمرارها، ويتمتعون بنفوذ خارج عن سيطرة الحكومة. بل لديهم القدرة على التحريض وإثارة الاحتجاجات ضد الحكومة في جميع أنحاء البلاد.كما أن عليه مواجه العقبات التي قد تخلقها الجماعات المتشدد أمامه مثل أنصار حزب الله والباسيج والزينبيات المحجبات وراكبي الدراجات النارية، الذين كانوا يشعلون الاحتجاجات المنظمة ضد محمد خاتمي.
والأهم من كل ذلك، أنه أمام معضلة اقتصادية لن يستطيع أن يجد لها حلا بسهولة، في ظل العقوبات والأزمة البنيوية والهيكلية المزمنة، والتي أفضت في مجملها إلى تفاقم الاحتقان الداخلي، خاصة أن معدلات التضخم تجاوزت40% للعام الثالث على التوالي بدءا من عام 2021 حتى العام المالي الجاري 2024م، كما تضاعفت أسعار السلع الأساسية، وفقا للبيانات الرسمية الصادرة عن مركز الإحصاء، بنسب تراوحت بين 125 و340%، منها أسعار اللحوم الحمراء التي زادت بنسبة 338% والعقارات بنسبة 175%.
خامسا: توجهاته الخارجية المحتملة:
بداية لقي فوز بزشكيان أصداء دولية عكست خريطة تفاعلات إيران الخارجية، فقد علقت الخارجية الأميركية، على ذلك بقولها: «ليس لدينا أي توقعات بأن تؤدي هذه الانتخابات إلى تغيير جوهري في مسار إيران أو احترام أكبر لحقوق الإنسان للمواطنين. وكما قال المرشحون أنفسهم فإن سياسة إيران يحددها المرشد الأعلى للثورة» وأضافت لن يكون لهذه الانتخابات «تأثير كبير» على نهج واشنطن تجاه إيران وأن «مخاوفنا بشأن سلوك إيران لم تتغير» وعلى الرغم من هذا، أكدت «عندما تعمل الدبلوماسية على تعزيز المصالح الأمريكية، فإننا نظل ملتزمين بالدبلوماسية»
أما روسيا فقد بعث الرئيس بوتين برقية تهنئة إلى بيزشكيان، تمنى فيها أن تسهم سياسته في تعزيز جميع أوجه التعاون الثنائي البناء لصالح الشعبين بما يخدم الأمن والاستقرار الإقليمي. وسبق أن هنأته الصين، كما بادر زعماء الدول المجاورة بذلك. أما الدول الأوربية، فقد تابعت بحذر نتائج الانتخابات، وذكرت وسائل إعلام فرنسية أن التغييرات بعد الانتخابات ستكون «محدودة»
وعلى الرغم من أن فوز بزشكيان قد يؤدي إلى تغيير في الأولويات والتكتيكات، إلا أنه ليس مرجحا أن يحدث أي تغيير جوهري في سياسة إيران الخارجية؛ نظرا لأن القرارات الاستراتيجية تخضع لسلطة المرشد الأعلى والحرس الثوري والأجهزة المعنية، فيمكنه مثلا خلق أجواء دبلوماسية جديدة لمحادثات جادة مع واشنطن والتواصل مع الغرب لضمان رفع العقوبات.
قد يختلف بزشكيان تكتيكيا بحكم تكوينه الشخصي وانتمائه السياسي، مع الأصوليين من حيث أنهم يرون أن العالم ليس مقتصرا على مجرد خمس دول فقط، دون أن يدركوا حقيقة أن هذه الدول الخمس هي المؤثرة في العالم؛ وعولوا فقط على روسيا والصين، في إطار استراتيجية الاتجاه شرقا. الأمر الذي تسبب في أن تشتري الصين نفط إيران دون أن تصل أمواله إلى بنوكها بسبب العقوبات
وبالتالي، فمن من المحتمل أن يتبني دبلوماسية متوازنة للاقتراب من الولايات المتحدة التي تفرض عقوبات قاسية على إيران وتمارس ضغوطا شديدة عليها، منذ انهيار الاتفاق النووي. خاصة أن إيران أصبحت تمتلك فعليا القدرة على تخصيب اليورانيوم.
ولكن من المرجح ألا يحقق ذلك إذا أعيد انتخاب ترامب، لأنه ربما يمارس ضغوطًا أكبر على إيران، إذ استمر التوتر المتفاقم بمنطقة الشرق الأوسط الناجم عن الصراع الدائر بين بين إسرائيل ومرتكزات محور المقاومة، والتقدم الذي أحرزته على نحو قربها من العتبة النووية.
وعلى الرغم من هذا، سوف يعمل بزشكيان جاهدًا، كما وعد، على إحياء أو تحديث الاتفاق النووي واتخاذ خطوات للتهدئة مع الولايات المتحدة، وتحسين علاقات إيران الأوربية والإقليمية وتعزيز وجودها في الجنوب العالمي، انطلاقا من إدراكه أنه إذا أرادت إيران أن يكون لها مكان في الهيكل المستقبلي متعدد الأقطاب، ولهذا سوف يعمل على رفع التعاون مع روسيا للمستوى الاستراتيجي ويعقد اتفاقية التعاون الاستراتيجي الشاملة مع روسيا، أسوة بالاتفاق المماثل الذي أبرمته إيران مع الصين.
بوصفها خيارا استراتيجيا يحقق لإيران مصالحها على المدى الطويل. إضافة إلى إعطاء أولوية للتعاون الثنائي والمتعدد الأطراف معها ضمن البريكس والاتحاد الأوراسي ومنظمة شنغهاي للتعاون.
كما صرح بأنه يولي أهمية كبيرة لصداقة إيران مع الصين، خاصة أن توقيع اتفاقية التعاون معها يعد علامة فارقة في تاريخ العلاقات بين البلدين. وذكر أن الصين لعبت دورًا رئيسيًا في المصالحة التاريخية بين إيران السعودية. في إشارة واضحة إلى أنه سيواصل تعزيز العلاقات الإيرانية السعودية استنادا إلى الأساس الذي أرسته الصين.
أما على مستوى علاقات إيران الإقليمية، فمن المرجح ألا يتمكن بزشكيان من إحداث تغيير في سياسة إيران الإقليمية أو وقف دعم مرتكزات محور المقاومة: حماس وحزب الله والحشد الشعبي وأنصار الله وزينبيون وفاطميون، ولن يستطيع طرد جماعة حسينيون المناهضة لجمهورية أذربيجان من إيران أو وقف أنشطتها.
كما لن يتمكن من إلغاء شعاراته الموت لإسرائيل الموت لأمريكا، على الرغم من أنه يؤيد المفاوضات مع الغرب؛ نظرا لأن دعم محور المقاومة من استراتيجية إيران الإقليمية.