وحدة السياحة والآثار
مشاهد هدم مبانٍ ومقابر تراثية في القاهرة ، أدت إلى جدل حول مدى تأثير ذلك في حظوظ العناني في الفوز بالمنصب خلال الانتخابات التي ستجرى في مارس (آذار) 2025، ودخلت مصر تحدياً دولياً كبيراً بإعلان ترشيح وزير السياحة والآثار السابق خالد العناني لمنصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للثقافة للتربية والعلوم والثقافة اليونيسكو.
واستناداً إلى إنجازاته الأكاديمية والتنفيذية الملموسة، والإنجازات القيمة التي حققها في مجال العلوم والتربية والثقافة، وخبراته الممتدة لأكثر من 30 عاماً في التدريس وعلوم المصريات والمتاحف والسياحة”.بدأت القاهرة باكراً سباق رئاسة أكبر منظمة ثقافية في العالم، إذ أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي ترشيح العناني في أبريل (نيسان) 2023.
ونجحت الدبلوماسية المصرية لاحقاً في الحصول على تأييد الدول العربية والأفريقية للمرشح المصري، كما تواصل وزارة الخارجية اللقاءات للترويج للعناني.
وفور نشر تلك الصور ثار جدل على مواقع التواصل الاجتماعي، وطالب عدد من المتخصصين في مجال الآثار والتراث بوقف عمليات الهدم، كما استنكرت أحزاب معارضة تلك الأعمال.
دعت فيها مصر إلى أن “تثبت للعالم أولاً أنها تحافظ على تراثها” في وقت تتقدم “بمرشح ليتبوأ مركز مدير أكبر مؤسسة عالمية راعية للثقافة والتراث”، وطالبت بإلغاء مشروع المحاور المرورية ووقف هدم الجبانات (المدافن) التاريخية.
وبموازاة ذلك كانت الأزمات تدور حول صورة مصر كدولة تحمي تراثها العريق، إذ تسببت عمليات تطوير للطرق في منطقة الإمام الشافعي (شرق القاهرة) في هدم قبة تراثية تعود لقبر مستولدة محمد علي باشا (جارية أنجبت له ولداً) الذي حكم مصر بين عامي 1805 و1848.
ومنذ الـ 25 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وقع أكثر من 1900 من المثقفين وخبراء الآثار والمواطنين، فضلاً عن أحزاب معارضة، عريضة نشرتها مجموعة “إنقاذ جبانات القاهرة التاريخية”.
واستجابت الحكومة لتلك الاعتراضات، وأعلن وزير الثقافة أحمد هنو في تصريحات صحافية وقف أعمال هدم مقابر الإمام الشافعى (بشكل موقت)، وبحث الإبقاء عليها أو نقلها إلى مكان آخر لاستكمال مشروع المحور المروري الجاري إنشاؤه.
كذلك قال رئيس الحكومة خلال مؤتمر صحافي إنه جرى التكليف الفوري بالتوقف عن هدم مقابر الإمام الشافعي، وأن الدولة تحترم المباني ذات القيمة التاريخية.
وأكد أن “أي إجراء حدث فيه نوع من سوء الفهم أو التجاوز في هذا الموضوع نعمل عليه ونتحرك فيه، وما نؤكده أنه لن يتكرر مرة أخرى خلال الفترة المقبلة”.
وكان من بين أبرز المعترضين على واقعة هدم المقابر التي يتخطى عمرها 150 عاماً الإعلامية الشهيرة لميس الحديدي، التي تساءلت عبر صفحتها على “فيسبوك” كيف ستبرر مصر موقفها أمام “اليونيسكو” التي وضعت القاهرة التاريخية بالكامل في قائمة التراث العالمي؟ وماذا عن مرشح مصر لمنصب مدير المنظمة؟ مستنكرة “هل يوجد بلد يهدم التاريخ والتراث، ويكون منه مدير اليونيسكو؟”.
وشغل خالد العناني منصب وزير الآثار بين عامي 2016 و2019 بعد تولي حقيبة السياحة والآثار حتى أغسطس (آب) عام 2022، وكان ملف المخاوف حول هدم مبان أثرية قد أثير خلال وجوده في الحكومة، إذ نفى أمام مجلس النواب عام 2021 هدم أي مبنى أثري، مؤكداً أن من يفعل ذلك مصيره السجن، وأنه يجري إيقاف “مشاريع قومية حين يُكتشف تعديها على حرم الآثار”.
والعام الماضي أيضاً كانت مقابر شرق القاهرة في مناطق السيدة نفيسة والإمام الشافعي محل جدل بما تضمه من مقابر تعود لشخصيات تاريخية، وكذلك لطرازها المعماري الفريد.
وتدخل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في يونيو (حزيران) 2023 بتشكيل لجنة برئاسة رئيس الحكومة تضم جميع الجهات المعنية والأثريين المتخصصين والمكاتب الاستشارية الهندسية، لتقييم الموقف في شأن نقل المقابر بمنطقة السيدة نفيسة والإمام الشافعي، وتحديد كيفية التعامل مع حالات الضرورة التي أفضت إلى مخطط التطوير.
كما وجه الرئيس بإنشاء “مقبرة الخالدين” في موقع مناسب لتكون صرحاً يضم رفات عظماء ورموز مصر من ذوي الإسهامات البارزة في رفعة الوطن، وفق بيان للرئاسة المصرية.
هناك جانب آخر من الصورة يراه مساعد وزير الخارجية المصري السابق السفير رخا أحمد حسن، وهو تأثير العامل السياسي في اختيار من يتبوأ منصب المدير العام لـ “اليونيسكو”، متسائلاً “هل تتوافق الدول الكبرى على أن يكون صاحب هذا المنصب عربياً للمرة الأولى في التاريخ؟”.
وأكد أن هذا “التوافق هو ما سيحسم فوز العناني وليس أية اعتبارات أخرى”، لافتاً إلى انتخابات “اليونيسكو” عام 2017 حين تقدمت فرنسا بمرشحتها أودريه أزولاي قبل ساعتين فقط من غلق باب الترشح، لقطع الطريق أمام المرشحة المصرية مشيرة خطاب.
وقال حسن إن “الانتخاب تكون له اعتبارات سياسية بالأساس، وإذا جرى التوافق على العناني فسيتم التغاضي عن أي وقائع أخرى”، مؤكداً رفضه هدم أماكن تراثية بالطبع.
وأشار إلى أن مصر صاحبة الرصيد الأكبر من حيث التراث والتاريخ في المنطقة، كما أن قرار الهدم “لم يكن صادراً عن العناني كي يتحمل تبعاته، بل إنه قام بعدد من الإنجازات خلال توليه وزارة الآثار مثل إنشاء متحف الحضارة”.
غير أن الدبلوماسي المصري السابق يشير إلى أن “الدول الكبرى إذا أرادت أن تجد ذريعة لعدم انتخاب العناني فقد تلجأ إلى الوقائع الأخيرة لهدم المباني التراثية، وفي جميع الأحوال ستلعب السياسة دورها في الاختيار”.
فيما استبعد خبير التراث اللامادي في “اليونيسكو” والأكاديمي المصري مصطفى جاد أن تتأثر حظوظ العناني في الفوز برئاسة “اليونيسكو”، مؤكداً أنه “لا يمكن تحميله مسؤولية خطأ لم يتخذ قراراً به، وأنه لا بد من معالجة أي أخطاء بشكل رسمي”.
وقال جاد إن “تاريخ مصر حافل بالحفاظ على التراث والآثار، وقد أقرت في دستورها الحفاظ على التراث المادي واللامادي، وهو إجراء غير مسبوق في دساتير العالم، كما أن خالد العناني أسهم في تسجيل مسار العائلة المقدسة في قائمة التراث العالمي ضمن إنجازات أخرى خلال توليه وزارة الآثار”.
وأكد جاد أنه في حال وجود إنصاف وعدم تدخل السياسة فإن مصر تستحق منصب رئيس “اليونيسكو”، مستشهداً بعدم تمكّن وزير الثقافة السابق فاروق حسني من الفوز بالمنصب عام 2009 بسبب “ادعاءات أنه معاد للسامية، على رغم أنه كان متقدماً في المراحل الأولى من السباق”.
ويعد العناني ثالث مرشح تدفع به مصر في تاريخها لحصد رئاسة “اليونيسكو” بعد فاروق حسني الذي خسر أمام البلغارية إيرينا بوكوفا عام 2009 على رغم تقدمه في أربع جولات تصويت من أصل خمس، وفي عام 2017 خسرت المرشحة المصرية مشيرة خطاب في الجولة قبل الأخيرة من الانتخابات التي حسمتها أزولاي على حساب المرشح القطري حمد الكواري.
فيما ترشح المصري إسماعيل سراج الدين عام 1999 لكن الترشيح جاء من دولة بوركينا فاسو، وأبدت القاهرة دعمها للمرشح السعودي غازي القصيبي الذي توافقت عليه الدول العربية قبل ترشيح سراج الدين، وفي النهاية خسر الاثنان لمصلحة الياباني كوشيرو ماتسورا.