من وحدة الشئون النيلية فرع السودان
توقعت الأغلبية المراقبة للمشهد السودانى أن الأجواء متجهة لانهيارات جديدة بعد إعلان أديس الذي يخرج عن ثوابت إعلان جدة، والرد الحاسم من رئيس المجلس السودانى عليه برفض التفاوض والسلام مع ميلشيا الدعامة بدون الانسحاب من الأراضي التى احتلتها.
تغييب الدور المصري
لكن تراجعت خلال الساعات الأخيرة حدة معارك الخرطوم وسط تصاعد وتيرة التسلح في الولايات، وفتحت الحكومة السودانية تفتح باباً مشروطاً للتفاوض و”تقدم” تواصل تحركاتها، وهناك محاولات واضحة من أطراف عدة داخل وخارج السودان لتغييب الدور المصري، رغم الجهود المصرية للتهدئة، بحجة أن مصر تدعم طرف الجيش ضد الدعم، لكن القاهرة يهمهم الشعب السودانى ووحدة السودان أكثر من أى شئ آخر.
وشدد بيان للخارجية السودانية على أن الدخول في أية مفاوضات جديدة مع “الدعم السريع” مرهون بتنفيذ كامل التزامات منبر جدة
وخففت الحكومة السودانية من الحدة التي قطع بها رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش عبدالفتاح البرهان باللا تفاوض أو اللاإتفاق مع ميلشيا “الدعم السريع” إلا بالعودة لإعلان رهن استئناف التفاوض بالتنفيذ الكامل لالتزامات اتفاق جدة الأول. ةيأتي ذلك في وقت شهدت فيه حدة المعارك والمواجهات بين الجيش و”الدعم السريع” تراجعاً نسبياً في الخرطوم عما كانت عليه خلال الأسبوع الماضي في مقابل تصاعد وتيرة الاستنفار والتعبئة وتسليح المقاومة الشعبية بالولايات..
وجدد البيان التزام الحكومة بتحقيق السلام وفق ما أكده رئيس مجلس السيادة الانتقالي في حديثه بقاعدة جبيت العسكرية، مشدداً على أن “إعلان جدة يمثل إطاراً قانونياً وسياسياً ملزماً لمعالجة المسائل الإنسانية ووقف إطلاق النار وبدء عملية السلام”. وأضاف بيان الخارجية أن “رئيس مجلس السيادة وتجسيداً لالتزامه الحوار، وافق على لقاء قائد الميليشيات بتسهيل من منظمة (إيغاد)، في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لكن المنظمة أجلت اللقاء لأسباب غير معروفة تتعلق بقائد التمرد”.
وتابع البيان “إن الميليشيات وداعميها روجوا الأيام الماضية لحملة دعائية داخل وخارج أفريقيا لإعادة تسويق قيادتها الإرهابية بأحاديث له (قائد “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو) عن استعداده لإقرار وقف إطلاق نار وبدء مفاوضات سلام، وتوقيع اتفاق مع مجموعة سياسية سودانية مؤيدة له، من شأنه أن يمهد لتقسيم البلاد”.
ونوهت الخارجية إلى أن “الميليشيات ما زالت منهمكة في ارتكاب فظائع التطهير العرقي والمجازر والعنف الجنسي وتفرض حصاراً على مناطق سكنية كاملة في العاصمة وتمنع وصول الأغذية والحاجات الإنسانية للمدنيين في انتهاك صريح لالتزامات اتفاق جدة في شأن المساعدات الإنسانية”.
تقدم تصل جنوب السودان
في الموازاة تواصل تنسيقية القوى المدنية (تقدم) بقيادة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك تحركاتها واتصالاتها الداخلية والخارجية بزيارة مرتقبة لوفد بقيادة رئيسها خلال الأيام المقبلة لدولة جنوب السودان ولقاء الرئيس سلفاكير ميارديت لبحث وقف الحرب في السودان..
وأكد رئيس حزب المؤتمر السوداني القيادي في تنسيقية “تقدم” عمر الدقير الاستعداد “للقاء الفريق البرهان بأسرع ما يمكن من أجل المصلحة الوطنية التي تبدأ بوقف إطلاق النار وإنهاء المعاناة والتشريد وبشاعة الانتهاكات وكارثة التدمير، ومن ثم اعتماد الخيار السلمي لمخاطبة قضايا الأزمة الوطنية المتراكمة”.
ونفى الدقير أن يكون “إعلان أديس أبابا” يمثل “وثيقة وساطة أو اصطفافاً ثنائياً بقدر ما هو بداية تواصل مع أطراف أخرى للبحث عن مخرج لإيقاف نزف الدم بالبلاد”.
مسودة مشروع جديد لوقف الحرب
إلى ذلك طرحت “الآلية الوطنية لدعم التحول الديمقراطي” أمس الأحد مسودة مشروع لوقف الحرب وإدارة البلاد ينتظر تسليمها لكل من قيادة الجيش و”الدعم السريع” والقوى المدنية للتداول وإبداء الملاحظات توطئة للاتفاق عليها. وكشف عضو المكتب التنفيذي للآلية منتصر الطيب عن تواصل سابق للآلية مع “الدعم السريع” وترتيبات للقاء مع قياداته، لكنها تعثرت بسبب توسع انتهاكاته بعد دخوله إلى ولاية الجزيرة.
حكومة طوارئ
وتنص المسودة بحسب الطيب على قيام حكومة طوارئ مؤقتة وحل جميع هياكل سلطة الأمر الواقع الحالية، بداية من مجلس السيادة وحكومات الأقاليم وتشكيل حكومة فترة انتقالية من خبراء لمدة عام وتكوين مجلس للأمن والدفاع لدمج “الدعم السريع” بالجيش، إضافة إلى الحركات الموقعة وغير الموقعة على السلام من دون المساواة بين الجيش وأية مؤسسة أخرى في السودان.
تسليح شعبي .. أمر خطير لكنه ضرورى
في الأثناء تتصاعد عمليات الاستنفار والتسليح الشعبي في ولايات الشمالية ونهر النيل وكسلا والنيل الأبيض والقضارف، تحسباً لأية هجمات تشنها قوات “الدعم السريع” على تلك الولايات، بعد دخولها ولاية الجزيرة ووصولها إلى تخوم ولاية سنار، حيث تدور اشتباكات متقطعة بمنطقة ود الحداد وقرى مصنع سكر سنار.
وأعلن والي القضارف المكلف محمد عبدالرحمن محجوب عن تسليح كافة مواطني الولاية “من أجل التصدي لميليشيات “الدعم السريع”.
ودعا محجوب خلال مخاطبته “النفرة الشعبية” بمحلية الفاو المواطنين “إلى استخراج أسلحتهم ومركباتهم الخاصة المقننة وغير المقننة ذات الدفع الرباعي لحماية الأرض والعرض والقتال حتى آخر جندي ومستنفر”، مشدداً على “ألا تفاوض مع (الدعم السريع) أو أعوانه”، محذراً مما سماهم “المتربصين والمرتزقة والخلايا النائمة”.”.
أخطار التجييش مع التأليب الإخوانى
في المقابل اعتبر مستشار قائد “الدعم السريع” هارون مديخير أن “تبني قائد الجيش وتعهده تسليح المواطنين للمشاركة في الصراع، سيدخل البلاد وجيشها في مأزق لأن أي شخص يتسلح ويساند الجيش سيصبح هدفاً مشروعاً لقوات (الدعم السريع)”.
وحذر السياسي السوداني عبدالرحيم عبدالغفار من أن “تأخير وقف إطلاق نار وإنهاء الحرب في ظل التحشيد والتسليح الشعبي القبلي والجهوي ينذر بشدة بالانزلاق نحو حرب أهلية وشيكة وشاملة ستؤدي تلقائياً إلى تقسيم البلاد، ومن ثم فتح باب التدخلات الخارجية بكل ما تحمله من أجندات”، بالذات مع موجات التأليب الإخوانى التى تبحث عن دور في المشهد السودانى من جديد، وترفض كل محاولات التهدئة.
ولفت عبدالغفار إلى أن “حملة التجييش الجارية تمضي نحو تحويل القبائل من كيانات اجتماعية مدنية ترعى التمازج والسلم الاجتماعي إلى كيانات عسكرية مسلحة مما يضر بالتعايش في المجتمعات المحلية ويهدد بإشعال فتن قبلية وسباقاً للتسلح القبلي ستكون له عواقبه الوخيمة مستقبلاً”. وأشار إلى أن “التمادي في التسليح الجهوي والقبلي من شأنه أن يقود إلى تكرار ذات تجربة نشأة قوات (الدعم السريع) التي هي في الأصل ميليشيات قبلية تبنتها حكومة (الرئيس السابق عمر البشير السابقة استعانت بها لردع حركات التمرد بدارفور، ولكن هذه المرة ستكون على نطاق أوسع بكل أنحاء البلاد”.