فريق التحليل الاقتصادي
بالطبع كثير منكم سمع مصطلح “الأموال الساخنة” كثيرا بالذات خلال الساعات الأخيرة التى أعقبت قرارات التعويم التام ورفع الفائدة وغيرها من شروط صندوق النقد الدولى لحصول مصر على قرض ال٨ مليار دولار وتوابعه.
ومعروف للمختصين أن مصر عانت خلال السنوات الأخيرة من خروج ٢٠ مليار دولار، كانوا أموال ساخنة، بعدما تعرضت مصر لضربة الشح الدولار وتوحش الدولار الأسود في عدة أسواق موازية، وصل سعره في أحداها حتى أكثر من مئة جنيها.
لكن الآن وبعد حزمة القرارات الأخيرة التى تقلق البعض باعتبارها الفرصة الأخيرة، وتحتاج فريق من الخبراء المهرة لتنفيذها ، تتأهب الأموال الساخنة لدخول مصر من جديد مع عودة جاذبية سنداتها المحلية، حيث تقدم مصر الآن ثالث أعلى عائد على السندات بالجنيه بين 23 من الاقتصادات النامية، فيصل متوسط العائد على السندات المقومة بالدولار دون 10% للمرة الأولى منذ عامين.
سيجد مديرو الاستثمار الذين سحبوا حوالي 20 مليار دولار من مصر في غضون أشهر قبل عامين، الآن أماكن قليلة جاذبة للاستثمار في الأسواق الناشئة.
لكن لم يحسم المستثمرون موقفهم بعد إزاء مصر، بعد يوم شهد خفض قيمة عملتها بأكثر من 66% في أعقاب رفع قياسي لأسعار الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس.
وأصبح الجنيه ثالث أسوأ عملة حول العالم في مواجهة الدولار، لكن هذا في النهاية سيكون دافعا للأموال الساخنة للقدوم، خاصة أن الفائدة العالية الآن تقارب نسبة التضخم المعلنة، وبالتالى ستكون هذه أجواء إيجابية للعمل.
لكن دعم قرض صندوق النقد الدولي الموسع بقيمة 8 مليارات دولار- والتزام دولة الإمارات العربية المتحدة بأكثر من أربعة أضعاف هذا المبلغ- قد قلب السيناريو لبعض أكبر الأسماء في مجال التمويل مثل “أفيفا إنفستورز” (Aviva Investors) و”فانغارد أسيت سيرفيسز” (Vanguard Asset Services).
تقدم مصر الآن ثالث أعلى عائد على السندات بالعملة المحلية بين 23 من الاقتصادات النامية تتبعها “بلومبرغ”، بمتوسط عائد يقترب من 30%. عوض الجنيه المصري اليوم الخميس بعض خسائره الفادحة، وحقق مكاسب تصل إلى 1.5% مقابل الدولار.
كان المستثمرون يتجنبون في السابق الاستثمار في أدوات الدين المحلي بمصر مع مقاومة البنك المركزي تخفيض قيمة الجنيه الذي يديره بإحكام، وكانت قيمة العملة مبالغاً فيها في نظر المتعاملين الأجانب، مما ساهم في نقص العملة الصعبة الذي تسبب في ارتفاع التضخم.
تعليق الخبراء الدوليين
قال نافذ ذوق، محلل الديون السيادية للأسواق الناشئة لدى “أفيفا إنفستورز” في لندن: “ما تحتاجه مصر منذ فترة هو الحصول على ثقة إيجابية مفاجئة”. أمس الأربعاء، “لم تكن هذه محاولة لتقديم ذلك (الثقة المفاجئة) فحسب، بل كانت مدعومة بأموال فعلية”.
من شأن عودة تدفقات المحافظ الاستثمارية أن تنهي الجزء الأخير من معضلة التمويل لمصر بعد أن استبعدها بنك “جيه بي مورغان تشيس” مؤخراً من مؤشراته للسندات بالعملة المحلية التي تتبعها صناديق تستثمر مليارات الدولارات.
خسرت السندات المحلية المصرية أكثر من 10% العام الماضي، وهي الفترة التي حقق خلالها الدين المحلي في الأسواق الناشئة عوائد بنسبة 6%، وفقاً لمؤشر “بلومبرغ”.
أدى الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وبالتالي صعود أسعار واردات مصر من القمح والوقود، ودفع هذا مستثمري السندات إلى الهروب من الديون المحلية للبلاد.
لكن فئة الأصول تبرز بشكل متزايد بالنسبة لتجارة الفائدة، إذ يقترض المتعاملون مقابل أسعار فائدة منخفضة، ويعيدون استثمار الأموال مقابل عوائد مرتفعة. في حين ارتفعت السندات الدولية التي أصدرتها مصر، وتم تداولها عند مستويات متعثرة حتى ديسمبر، أمس الأربعاء، فإن السندات الحكومية المحلية جذبت انتباه المستثمرين.
السندات المحلية المصرية
قال نيك إيسينجر، الرئيس المشارك لقسم الدخل الثابت الذي يدار بطريقة نشطة في الأسواق الناشئة لدى “فانغارد آسيت سيرفيسز” (Vanguard Asset Services): “الخطوة المحتملة المقبلة للاستثمار هي السندات المحلية المصرية”.
أضاف: “الآن بعد أن أصبح سعر صرف الجنيه أرخص، وارتفعت معدلات الفائدة وأصبحت آفاق التمويل قوية، ولم يعد كثير من المستثمرين يملكون السندات المحلية، وبالتالي يشكل الوضع فرصة لمن يريد الاستثمار في الأدوات المحلية”.
في تغيير لقواعد اللعبة بالنسبة للمعنويات، تفتح مصر طريقاً أمام عوائد مرتفعة من خلال رفع أسعار الفائدة وإزالة القيود على العملة. حصلت مصر على دعم صندوق النقد الدولي بعد أيام من إبرام صفقة استثمارية بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات، يقصد بالطبع رأس الحكمة.
بعد روسيا وأوكرانيا .. الآن إسرائيل وفلسطين
كان من المرجح أن تتفاقم الصعوبات على المدى القريب بالنسبة للاقتصاد المصري الذي يتعرض أيضاً للضغوط الناجمة عن الحرب بين إسرائيل وحماس. من المرجح أن يشعر الأفراد بمتاعب خفض قيمة الجنيه في صورة أسعار المستهلكين المرتفعة، مع اقتراب معدل التضخم بالفعل من 30%.
لكن السلطات تعول على الإصلاحات التي تجتذب المستثمرين الأجانب مرة أخرى إلى الدولة التي يبلغ عدد سكانها 105 ملايين نسمة وتنهي أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها منذ عقود.
الأسبوع المقبل حاكم
ستصبح حالة الاستثمار في مصر أكثر وضوحاً خلال الأسبوع المقبل مع استقرار السوق، وفقاً لجوردون باورز، المحلل المقيم في لندن ويعمل لدى “كولومبيا ثريد نيدل إنفستمنتس” (Columbia Threadneedle Investments). سيكون عطاء أذون الخزانة يوم الخميس هو أول اختبار للطلب، حيث يقترب متوسط العائد لأدوات الدين لأجل 12 شهراً من 30%.
“أدوات الدين الجاذبة للمستثمرين”
قال باورز: “إن تجارة الفائدة في أدوات الدين المحلية أصبحت جذابة.. أتوقع أن يختبر (المصريون) سعر الصرف الجديد في الأيام المقبلة، لكن بمجرد أن تتلاشى المخاوف بشأن توافر العملات الأجنبية، يمكننا أن نشهد موجة من التخلي عن حيازة الدولار”.
مع قيام مصر بزيادة الاحتياطيات وتحقيق استقرار في ماليتها العامة، فقد يكون الأمر مسألة وقت قبل أن تتمكن الحكومة من دخول الأسواق المالية العالمية مرة أخرى.
واجهت مصر صعوبات لدخول أسواق السندات الدولية، إذ كان أحدث طرح لأدوات دين مقومة بالدولار قبل أكثر من عام.
انخفض متوسط العائد على السندات المصرية المقومة بالدولار الآن إلى أقل من 10%، للمرة الأولى منذ عامين تقريباً.
مصر ستعود لأسواق كانت مغلقة أمامها فعليا
قال ديميتريس إفستاثيو، كبير مسؤولي الاستثمار في “بلو دياجونال كابيتال” (Blue Diagonal Capital) ” إن إبرام اتفاق مع صندوق النقد، من شأنه مساعدة مصر على دخول أسواق رأس المال التي كانت مغلقة فعلياً أمامها حتى الآن”.
“إنها فرصة لمصر لكي تقدم لأسواق رأس المال العالمية حالة إيجابية بشأن توقعاتها والتقدم الذي تم إحرازه، بعد فترة صعبة للغاية للحصول على تمويل”.