وحدة الشئون النيلية “المجموعة السودانية”
وسط استمرار المعارك في عدة مواقع حول السودان من دارفور للجزيرة والخرطوم بحري بين ميلشيات الدعامة والجيش والقوى الداعمة له ، تكشفت أزمة رصدها العديد من المراقبين من شأنها أن تعيد القوة للدعامة من جديد أو ما هو أفدح من ذلك
تعالت حدة الخلافات بين قادة الجيش السوداني على خلفية التباين في المواقف حيال ما يسمونه بـ”المقاومة الشعبية”، وتأثير الكيزان أو الإخوان السودانيين عليها، وتكرار لتجربة الدعامة من جديد، فهل تعيد “ميلشيات البشير نظامه للحكم، أم تقسم السودان لدويلات؟؟
وتفجرت الخلافات بين جنرالات قيادة الجيش السوداني بشكل واضح وعلنى في أجواء غير اعتيادية ، عقب تصريحات نائب القائد العام للجيش السوداني، الفريق أول شمس الدين كباشي، التي وجه فيها بوقف التسليح العشوائي للمواطنين وسحب السلاح من “المستنفرين”.
خلاف الكباشي والعطا
وبعد ساعات من خطاب كباشي في ولاية القضارف شرقي البلاد، وجه مساعد القائد العام، الفريق ياسر العطا، انتقادات عنيفة حملت تشكيكاً في مواقف نائب القائد العام، بحسب مراقبين، راجعنا خلفياتهم السياسية ، واتضح في النهاية بروز الأمر فعلا على الأرض ، وتكسب الإخوان من وراء ذلك ، وعموما المشهد لو تطور في هذا المنحى سيكون لصالح الدعامة .
وجدد العطا، لدى مخاطبته حضورا في مأدبة إفطار رمضاني، في ولاية الخرطوم، دعوته بـ” عدم السماع لأي أقوال سلبية عن المقاومة الشعبية” على حد تعبيره.
وأردف: “إنها كلمات تذروها الرياح”، في إشارة اعتبرها مراقبون ذات صلة بحديث “كباشي” بشأن التسليح العشوائي للمواطنين.
دستور ٢٠٠٥
وطالب العطا بالعودة إلى دستور 2005، معلناً عدم اعترافه بالوثيقة الدستورية التي حكمت الفترة الانتقالية عقب سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
ويشير مراقبون إلى أن الخلافات تعصف بقيادة الجيش السوداني بشأن مشاركة أنصار النظام السابق في القتال إلى جانب الجيش.
وتُكمل الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عامها الأول، فيما لا تزال الآفاق مسدودة بشأن الوصول إلى حل يوقف الحرب، التي أودت بحياة 13 ألفا، ونزوح ولجوء ما يزيد على 8 ملايين سوداني، وسط أزمة إنسانية طاحنة، ونذر سيناريوهات تقسيم سوداء غير مستبعدة.
البرهان هو من دعا الدعوة للتجنيد
والتعبير من قبل بعض أركان القوات المسلحة السودانية عن المخاوف من تداعيات تسليح “المقاومة الشعبية”، إن لم تكن هناك ضوابط حاكمة وحاسمة، حتى لا يتكرر سيناريو “الدعم السريع” وتدخل البلاد في فوضى عارمة يصعب السيطرة عليها..يتحول لظاهرة مع الوقت.
يذكر أن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، كان قد أمر بتسليح المواطنين في بداية العام بعد تراجع القوات المسلحة أمام الدعم السريع واستيلاء الأخيرة على أهم الولايات (الجزيرة)، بعد اختفاء قوات الولاية الرسمية منها فى أجواء مريبة يتم التحقيق فيها دون نتيجة معلنة حتى الآن، لكن كان يدور الحديث فيها عن خيانة ، وفي الأسابيع الأخيرة تأرجحت كفة الميزان لصالح الجيش بعد هزيمة الدعم السريع في عدة مواقع لأسباب عدة .
قوى عقائدية
ويرى مراقبون أن قادة الجيش يدركون جيدا أن هناك قوى عقائدية استغلت فتح الباب لتسليح المواطنين ودخلت بكل قوة إلى المشهد وكانت أكثر تنظيما وتدريبا وحققت نتائج جيدة ضد الدعم السريع، لكن مع تألق نجم بعض تلك الكتائب بدأت المخاوف تدب في البلد الذي مزقته الصراعات، من أن تشكل تلك المقاومة وما تحمله من سلاح خطرا قادما على السودان.
تصريحات الفريق شمس الدين كباشي، نائب رئيس مجلس السيادة، حول ضبط المقاومة الشعبية وصياغة قانون منظم لها جاءت متأخرة جدا، حيث أن السلاح انتشر بصورة كبيرة بالفعل وتكونت كتائب قتالية من المستنفرين، ومن غير الممكن تقنينها وحصرها في ظل الحرب الدائرة”.
رسائل تطمين للغرب
هذه التصريحات هي رسائل تطمين للمجتمع الدولي بأن تجربة الدفاع الشعبي والدعم السريع لن تتكرر، ولكن للأسف سوف تكون تجربة المقاومة الشعبية أكثر عنفا من التجارب التي انتهجها الجيش السوداني في تسليح الفئات السياسية سابقا (عناصر الحركة الإسلامية تحت مسمى المجاهدين) وتسليح القبائل الرعوية (قبائل عرب دارفور وكردفان)، وذلك لأن التسليح هذه المرة هو تسليح لسكان المدن نفسها مما يعني المزيد من العنف والموت داخل المدن الرئيسية والكبيرة في السودان”.
ويبدو أن كباشي سوف يواجه معارضة كبيرة بسببها وربما تكون هذه المعارضة بداية الانقسامات داخل الجيش السوداني الذي قد يتحول لمجموعة من الحركات المسلحة ما لم تتوقف الحرب الأهلية الحالية”.
انقسامات في الدعامة
“الدعم السريع وهو الطرف الثاني في الصراع الحالي مرشح للانقسامات، ونخشى أن يتحول السودان لبلد متعدد الجيوش ويحكمه أمراء حرب، ما قد يعيد للأذهان ما يعرف بعهد ملوك الطوائف في الأندلس الذي سبق انهيار دولة العرب والمسلمين في إسبانيا في القرن الخامس عشر الميلادي”.
تباين التفسيرات
تباينت التفسيرات بخصوص حديث نائب القائد العام للجيش كما موضح، بين من يرى أنها محاولة لإظهار حياد الجيش تجاه المنظومات السياسية، وبين من يرى أنه رسالة موجهة إلى عناصر نظام الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، الذين تتهمهم قوى الحرية والتغيير بالسيطرة على المقاومة الشعبية.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، مرتضى نورين، أن “حديث كباشي رسالة واضحة إلى عناصر النظام السابق، لرفع أيديهم عن معسكرات المتطوعين”.
عناصر نظام البشير
وقال نورين ، إن “عناصر نظام البشير سيطروا كليا على معسكرات وقيادة المقاومة الشعبية، ضمن مشروعهم للعودة إلى السلطة مجددا، لأن كتائب المقاومة الشعبية باتت لاعبا أساسيا في معادلة القتال، وصناعة القرار العسكري”.
ولفت إلى أن “عددا من ولاة الولايات السودانية أصدروا قرارات بحظر نشاط عضوية تحالف الحرية والتغيير الذي كان يقود الاحتجاجات ضد نظام البشير.
تقزيم حزب الثوار
وسمحوا لحزب البشير الذي تم حله عقب الثورة السودانية بالعمل مجددا، مما يؤكد على أن معسكرات المقاومة الشعبية أُنشئت لأغراض سياسية وليست عسكرية”.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن “ما يدلل على أن الرسالة موجهة لعناصر النظام السابق، هو الهجوم الكثيف الذي صوبه ناشطون وصحفيون موالون للبشير على كباشي في مواقع التواصل الاجتماعي، عقب انتقاده المقاومة الشعبية”.
تفجير مفاوضات البحرين
بعد نحو شهرين من توقف المحادثات التي جرت بين الجيش وقوات الدعم السريع، في البحرين، قال المبعوث الأميركي للسودان، توم بيرييلو، إن “الولايات المتحدة تتطلع إلى استئناف محادثات السلام بشأن السودان في السعودية في 18 أبريل المقبل”، ما أعاد النقاش مجدداً عن فرص نجاح التفاوض بين الطرفين، بعد سلسلة من الجولات الفاشلة.
في المقابل يشير المحلل السياسي، عز الدين المنصور، إلى أن “كباشي سعى لتوجيه رسائل إلى الخارج، تحديدا إلى الدول التي ترعى المفاوضات بين الجيش والدعم السريع، أكثر من كونه يريد فعلا إصلاح المقاومة الشعبية، وضبط عمليات التسليح”.
ولاء قادة الجيش
وقال المنصور، إن “قادة الجيش متهمون بالوقوع تحت سيطرة قادة نظام البشير، وأن قرار الجيش ليس بيدهم وإنما بيد عناصر النظام السابق، ولذلك سعى كباشي لنفي هذه التهمة، قبل جولة المفاوضات المرتقبة في 18 أبريل المقبل”.
وأشار إلى أن “كباشي رحب خلال خطابه بالتفاوض مع الدعم السريع، وفق شروط محددة، بينها الخروج من الأعيان المدنية وتعويض المواطنين، مما يدلل على أن موقفه الناقد للمقاومة الشعبية يهدف لتطمين رعاة التفاوض بأن الجيش ليس رهينة لقادة نظام البشير”..
مفاوضات كباشي وحميدتى
وسبق أن أجرى كباشي مفاوضات غير معلنة مع نائب قائد قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، في العاصمة البحرينية، المنامة، في يناير الماضي، لكن المفاوضات توقفت عقب تسريب معلومات عنها.
واتهمت قوى الحرية والتغيير عناصر نظام البشير “بتدبير حملة انتقادات وتخوين ممنهجة ضد كباشي، لقطع الطريق على مساعيه لإتمام التفاوض مع الدعم السريع”، بينما ينفي قادة بالنظام السابق التهمة.
“سيناريو الحرب الأهلية”
أبرز الانتقادات التي وجهها نائب القائد العام للجيش إلى المقاومة الشعبية، تمثلت في التحذير من أن تتحول إلى خطر يصعب السيطرة عليه، “حال لم يتم وضع ضوابط مشددة لعمليات توزيع السلاح على المتطوعين”، مما اعتبره مختصون “محاولة لتفادي سيناريو تأسيس الدعم السريع كقوة مساندة للجيش”.
ويرى نورين أن “نظام البشير ظل يعتمد على الحشد الشعبي والمقاتلين المتطوعين لمواجهة حركات التمرد في جنوب السودان وكذلك في دارفور، مما أدى إلى ظهور كتائب الدفاع الشعبي ومليشيا الجنجويد ومليشيا الدعم السريع وغيرها، كقوات موازية للجيش”.
تجارب الميليشيات المريرة
ولفت إلى أن “تلك المليشيات أسهمت في إضعاف الجيش، لأن نظام البشير كان يطورها ويغذيها بالأسلحة مقابل إهمال الجيش، ولذلك تحولت إلى أزمة على نحو ما حدث مع قوات الدعم السريع، التي رفضت شروط الجيش لإدماج مقاتليها في صفوفه، مما أدى لنشوب الحرب في 15 أبريل الماضي”.
كان نظام البشير أسس في تسعينيات القرن الماضي قوة باسم الدفاع الشعبي للقتال إلى جانب الجيش، كما أنشأ قوة باسم حرس الحدود يقودها الزعيم الأهلي في غرب السودان، موسى هلال، قبل أن تنبثق منها قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”.
تكرار الخطأ
وأضاف المتحدث ذاته “من غير المعقول أن يكرر الجيش ذات الخطأ ويسمح بتسليح كتائب المقاومة الشعبية دون رقيب أو ضابط، وربما لذلك أعلن الكباشي عن قانون لتنظيم المقاومة الشعبية”.
بدوره، يرى المنصور، أن “كتائب المقاومة الشعبية يمكن أن تقود السودان إلى مربع الحرب الأهلية، لأن المعسكرات جرى إنشاؤها على أساس قبلي ومناطقي، إذ أقيمت في ولايات تقع وسط وشمالي وشرقي السودان، لمواجهة قوات الدعم السريع التي ينحدر قائدها ومعظم مقاتليها من غرب السودان”.
الخطاب السائد في معسكرات المقاومة الشعبية
وأشار إلى أن “أغلب الخطاب السائد في معسكرات المقاومة الشعبية ينطلق من أسس قبلية ومناطقية، ويهاجم قبائل الرزيقات والمسيرية والحوزامة، التي تعد الحاضنة الاجتماعية والقبلية لقوات الدعم السريع، مما ينذر بخطر التحشيد القبلي، كأحد أسباب الحرب الأهلية”.
ولفت إلى أن “أكبر المخاطر تتمثل في أن تستغل الجماعات المتطرفة والإرهابية فكرة المقاومة الشعبية للتسلل إلى المعسكرات وإلى ميادين القتال لتنفيذ أنشطة إرهابية، تحت ستار المقاومة الشعبية”.
ميلشيا البشير
وأضاف المتحدث ذاته أن “كتائب المقاومة الشعبية، إن لم تضع السودان أمام سيناريو الحرب الأهلية، فإنها ستتحول إلى مليشيا تابعة لنظام الرئيس السابق عمر البشير، مما يصعّب مهمة إنهاء الحرب والوصول إلى سلام، ما لم تمنح المفاوضات حزب البشير الذي تم حله الحق في ممارسة العمل السياسي”.