التوقيت الحالي للعقوبة الشديدة ليس من قبيل الصدفة. وانتظرت مصر تحسن العلاقات مع هذين البلدين حتى تنفذه. وقبل بضعة أسابيع فقط، قام الرئيس التركي رجب أردوغان بزيارة مصالحة تاريخية إلى القاهرة والتقى بالسيسي. كما تصالحت قطر في العامين الماضيين مع مصر والآن تجري الدولتان توأمة سياسية متواصلة كوسطاء بين إسرائيل وحماس في قضية المختطفين.
والآن، وبعد أكثر من عقد من الزمان، يمكن للرئيس السيسي، الذي يتمتع نظامه بالاستقرار الكافي، وعندما تعترف تركيا وقطر بحكمه، أن يتخذ الخطوة القاتلة التي خطط لها منذ فترة طويلة ضد الإخوان.
ملاحقة حركة المرور في المنطقة بأكملها
ولا شك أن الحكم المشدد يوجه ضربة أخرى لحركة الإخوان المسلمين، التي وصلت الآن إلى أدنى مستوياتها في تاريخها، منذ تأسيسها عام 1928. وهي حركة حاولت من خلال “الدعوة” (التعليم والدعاية) غرس القيم الإسلامية في المجتمع العربي الذي ابتعد عن التقاليد.
لكن مع مرور الوقت، أنشأت فروع الإخوان في الدول العربية أذرعًا عسكرية سرية وقوضت الأنظمة. بدأ اضطهاد الحركة في مصر في الستينيات في عهد جمال عبد الناصر، واستمر في ظل حكم الرئيس حافظ الأسد في سوريا في الثمانينيات.
وفي السنوات الأخيرة، تلقت الحركة ضربات إضافية، أبرزها بعد أحداث “الربيع العربي” عام 2011. وفي بعض الدول العربية، سيطرت جماعة الإخوان المسلمين على الاحتجاجات في الشارع العربي، بل وتمكنت من الاستيلاء على السلطة في الانتخابات في مصر (الحرية والعدالة) وتونس (حزب النهضة).
وأدى الخوف من الحركة إلى إعلان السعودية والإمارات وحلفائها أن جماعة الإخوان المسلمين حركة غير قانونية يعاقب عليها بالإعدام.
وبضغط من مصر والإمارات والسعودية، اتخذت المملكة الأردنية أيضًا إجراءات قانونية ضد الحركة في عام 2020. وبعد مرور عام، قام الرئيس التونسي قيس سعيد بانقلاب هادئ وحل البرلمان الذي كان يسيطر عليه حزب النهضة الإسلامي، وتم حظر نشطاء الحركة، بمن فيهم الزعيم راشد الغنوشي.
وبعد حوالي عام، في 2022، توفي المرشد الروحي لجماعة الإخوان المسلمين في قطر الشيخ يوسف، القرضاوي ومن بعده بقليل المرشد العام للحركة في الإمارات، ومنذ نحو أسبوعين، وبعد زيارة أردوغان للقاهرة، سخبت الجنسية التركية من محمود حسين مرشد الإخوان في تركيا .
حماس التالية في الصف؟
لا شك أن قيادات حماس تتابع بفارغ الصبر تشديد الخناق (حرفياً) على رقاب قيادات الحركة الأم. يذكر أن حماس ولدت خلال الانتفاضة الأولى عام 1987 من فرع جماعة الإخوان المسلمين في غزة. ولا يزال السيفان المتقاطعان، رمز الإخوان، منقوشين على علم حماس.
وكما هو الحال مع جماعة الإخوان المسلمين، يبدو أن احتمالات بقاء نشطاء حماس في دول المنطقة تتضاءل أكثر فأكثر. وقد غادر بعض نشطاء حماس، ومن بينهم صالح العاروري، الذي تمت تصفيته منذ وقت ليس ببعيد، لتركيا ثم إلى لبنان.
العلاقات بين مصر وحماس هي مصالح ذاتية بحتة. وكان الجيش المصري بحاجة إلى علاقات مع التنظيم للحفاظ على الاستقرار في سيناء.
لكن في اليوم التالي، عندما لم تعد حماس تسيطر على غزة، لن يكون لدى مصر أي سبب للحفاظ على العلاقات مع المنظمة الإرهابية، وسيتم اعتبار حماس بموجب القانون تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، كما كان الحال بعد “انقلاب” السيسي في عام . 2013.
ويمكن الافتراض أن قطر لن تكون مهتمة بمواصلة رعاية المنظمة، إذا فقدت قبضتها على غزة. وكانت ذريعة قطر لرعاية حماس هي دعم الإمارة للقضية الفلسطينية، وخاصة للسكان الفلسطينيين في غزة.
وقريباً سوف تتحول حماس إلى منظمة إرهابية هاربة ليس لها أية سيطرة على الأرض (باستثناء عدد قليل من مخيمات اللاجئين في لبنان)، وتشكل عبئاً أمنياً على أية دولة تستضيف نشطاءها.
وليس من قبيل الصدفة أن تأتي الأزمة الخطيرة التي يعيشها الإخوان مع زوال حماس الواضح.
يتبين أن إسرائيل ليست وحدها في الحرب ضد حماس. خلف الكواليس، تخوض أغلب دول الشرق الأوسط حرب استنزاف ضد الإسلام السياسي.
*الدكتور يارون فريدمان هو باحث ومحاضر ومدرس اللغة العربية في قسم الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية في جامعة حيفا
***بالطبع المقال الإسرائيلي يحتوى على مواقف ومصطلحات وتعبيرات ضد مواقف ورؤي موقع ومنصة وكالة الأنباء المصرية:إندكس، ومنها لفظة الانقلاب واستخدام إسم الجيش المصري والرئيس السيسي، لكننا تركناها دون تدخل حتى يعرف الجميع ما يروج له الإسرائيليون في إعلامهم وصحافتهم***