فى الأيام القادمة تكون حرب السادس من أكتوبر 1973، العاشر من رمضان قد أكملت51 عاماً من عمرها. وبحساب الأرقام فإنه فى السادس من أكتوبر 2023 يكون نصف القرن قد اكتمل. لست فى حاجة لما يمكن أن يُذكرنى بحرب السادس من أكتوبر. قامت وحققت أهدافها عندما كنتُ مجنداً ثم مُستبقياً بالخدمة بسلاح الخدمات الطبية بقواتنا المسلحة العظيمة والباسلة.
الأمر تعدى المعايشة والتجربة الإنسانية الفريدة للكتابة نفسها. فكتبت قصتى الطويلة: فى الأسبوع سبعة أيام، ثم روايتى: الحرب فى بر مصر، وهى رواية أصوات يحكى كل بطل فيها فصلاً من فصول الرواية.
وعندما قام اتحاد الأدباء والكُتَّاب العرب فى دمشق بعمل دراسته التاريخية المهمة عن أهم مائة رواية صدرت فى القرن العشرين كانت الحرب فى بر مصر إحداها. ويومها تأكدت أن ما يُكتب بصدق يصل إلى النفوس جميعاً ويؤثر فيها ويترُك معانى باقية تدومُ فى نفس الإنسان طالما كان على قيد الحياة.
خمسون عاماً فترة ليست قصيرة لا فى عمر الوطن ولا فى تجربة جيشنا الباسلة وغير العادية ولا فى حياتى الشخصية. ومع هذا فالحدث يستحق التوقف أمامه طويلاً وأن نقرأ دلالاته وأن نتفهم دروسه وعبره وعظاته حتى يُصبح أحد دروس العُمر المهمة والتى قد لا تتكرر مرة أخرى. ومن المؤكد أنها تجربة وطنية وقومية وعالمية غير قابلة للحدوث مرة أخرى.
أكتوبر: 50 عاماً
أهدانى الدكتور أحمد بهى الدين رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب، دار النشر الأولى مصرياً وعربياً وعلى مستوى العالم الثالث. السجل الوثائقى المهم الذى صدر عن حرب السادس من أكتوبر 1973.
وهو سجل وثائقى مُصور للانتصار العظيم ومراحل الإعداد له. ورغم أن هذا السجل لا يحتاج لمناسبة لكى يصدر. إلا أنه وصل لقلبى فى توقيتٍ كُنا فى أمس الحاجة إليه. فلو لم يصدر مثل هذا المجلد العظيم لاخترعناه. فهيئة الكتاب هى دار النشر الوطنية التى تُسهم فى تعريف أجيال الشباب بقصة الكفاح الوطنى التى بذل فيها الوطن الغالى والنفيس من أجل استعادة أرضنا.
وهكذا فإن هذا السجل الوثائقى لأشهر المعارك وأهمها يقدم رؤية للتاريخ قبل وأثناء وبعد المعركة المجيدة التى سجَّل فيها جيشنا الباسل أروع البطولات.
الرئيس عبد الفتاح السيسى
كتب الرئيس عبد الفتاح السيسى القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية كلمةً مُختصرة وبليغة، قال فيها:
– سوف نحقق بإذن الله مُعجزة العبور الآمن والثابت، إنها الجمهورية الجديدة التى تهدف إلى تحقيق تطلعات هذا الجيل والأجيال القادمة، وإلى الانطلاق على طريق التقدم وامتلاك القدرة بجميع المجالات، وحيث تُصبح مصر بإذن الله دولة حديثة متطورة ينعم فيها المصريون بمستوياتٍ معيشية كريمة.
فكما شاء القدر لجيل أكتوبر أن يُعاصر مراحل تاريخية ذات أعباءٍ جِسام. فإن الأجيال الحالية كانت على موعد أيضاً مع القدر لتعيش مرحلة غير مسبوقة فى تاريخ مصر المُمتد. ولتُعاصر أحداثاً وتداعياتٍ هائلة أمنية وسياسية واقتصادية يشهدها العالم بأسره.
هكذا تحدَّث الرئيس السيسى قائد جيش مصر الأعلى أمام الندوة التثقيفية التى عُقِدت بمناسبة الذكرى الـ 49 لنصر أكتوبر المجيد. وهى كلمة دالة ومُعبِّرة ومختصرة قالت وتقول وسوف تستمر فى قول الحقيقة المؤكدة عن هذه الحرب العظيمة.
لولا أكتوبر ما كانت الجمهورية الجديدة..
فى مقدمته لهذا المجلد المهم كتب المرحوم ياسر رزق «٧ نوفمبر 1965 – 26 يناير 2022»:
– «لولا حرب أكتوبر المجيدة ما كانت إسرائيل انسحبت من سيناء. لولا أنها هُزِمتْ فى حرب أكتوبر العظيمة ما كان لمصر أن تُحرر باقى أراضيها فى سيناء بالسلام، إلا إذا كانت تستطيع أن تُحررها بالحرب.
لولا حرب أكتوبر ما كنا نتحدث عن تنمية ومشروع وطنى ودولة حديثة وجمهورية جديدة.
لولا حرب أكتوبر لظلت مدن القناة مهجورة وسيناء مأسورة، ولظل اقتصادنا هو اقتصاد حرب، وكل إمكاناتنا موجهة لمعركة لا تأتى.
والأهم لولا حرب أكتوبر ما كانت هاماتُنا عالية وكبرياؤنا شامخاً، ولولا حرب أكتوبر ما كُنا نتنسم عطر الكرامة فى كل أرجاء المحروسة.
تحيةً للرئيس السادات صاحب قرار العبور، والرجال الذين خططوا وعبروا وقاتلوا، والشهداء الذين ضحوا من أجل حرية كل ذرة رمل فى تُرابنا الوطنى».
وكما هو مُدون فى هذا السجل التاريخى فإن ياسر رزق كتب هذه المقدمة الخاصة لأول مرة قبل نشر الكتاب بعامين.
صاحب العمل يكتب عنه
كتب شريف عارف الكاتب الصحفى والمُحقِّق فى التوثيق والتُراث:
– قبل ثلاثة عقودٍ من الآن تشرفتُ بالعمل مُحرراً عسكرياً لأُقدم للقُراء نوعاً فريداً من الكتابة المتخصصة – لكنها فى الوقت ذاته – تحمل عُمقاً إنسانياً للعسكرية من أقدم وأعرق وأشرف العسكريات على مستوى العالم. وهى العسكرية المصرية الأصيلة بتاريخها المُشرِّف عبر العصور.
خلال السنوات التى تشرفت فيها بالعمل مُحرراً عسكرياً شاء لىَّ القدر أن ألتقى عدداً كبيراً من قادة النصر وصُنَّاعه فى حواراتٍ مطولة وعميقة. استطعت خلالها أن أُسجِّل شهادات وثائقية صوتية ومكتوبة. نقلت غالبيتها للقارئ فى مؤلفاتٍ وكتاباتٍ صحفية.
ولكن فى السنوات التى سجلت فيها هذه الشهادات كنت أحرص دوماً على الاستئذان من القادة فى أخذ نسخ من صور ألبوماتهم الخاصة عن ذكريات حرب أكتوبر المجيدة ومراحل الإعداد لها. وهى صور نادرة تُمثِّل محطاتٍ مهمة ليس فى تاريخ وأمجاد القوات المسلحة. بل فى تاريخ مصر كله.
بعد سنوات وجدت نفسى أمام كمٍ هائل من اللقطات النادرة التقطتها عدسات مصورين عسكريين داخل مختلف القطاعات والوحدات العسكرية. وهو ما دفعنى إلى التخطيط لإعداد هذا السجل المُصور الذى لا يمثل تاريخاً كاملاً للحرب ومراحل الإعداد لها، بقدر ما هو توثيق لأحداث الحرب المجيدة من خلال عدسات فريدة تتحدث بآلاف الكلمات.
ويكتب فى مقدمته:
– قبل عامين تحدثت مع الكاتب الكبير الراحل ياسر رزق عن فكرة إعداد سجل مُصور لحرب أكتوبر المجيدة فى اليوبيل الذهبى لها. فرد علىّ بنظرة لا أنساها قائلاً:
– تفتكر أنا حعيش للعيد الـ 50؟
ويكتب:
– أن كتابه هذا تحية لعبقرية المصريين فى كل زمان ومكان.
شهادة نجيب محفوظ
تحت عنوان: ثورة لا معركة. يكتب نجيب محفوظ عن هذه الحرب العظيمة والخالدة:
– إن 6 أكتوبر ثورة وليست معركة وحسب. فالمعركة صراع قد ينتهى بالنصر أو بغيره. ولكن الثورة وثبة روحية تمتد فى المكان والزمان حتى تُحقق الحضارة. إنها رمزٌ لثورة الإنسان على نفسه، وتجاوزه لواقعه وتحديده لمخاوفه، ومواجهةً لأشد قوى الشر عُنفاً وتسلُطاً. إن روح أكتوبر لا تنطفئ، فقد فتحت لنا طريقاً إلى نهاية ليس العبور سوى أول قبضة فى تيار تحدياته.
وما أصدق نجيب محفوظ فيما قاله وكتبه لأن الأيام التى جاءت أكدت صدق ودقة هذا الكلام.
شهادة عبد المنعم رياض
وتحت عنوان المقاومة هى المكان الصحيح، نشر الكاتب صورة على صفحتين للزعيم جمال عبد الناصر وهو يستمع إلى أحد الجنود فى الخطوط الأمامية خلال مشروعٍ تدريبى. ويستمع معه لما يُقال الفريق أول محمد فوزى، والفريق عبد المنعم رياض. وقد كانا معه خلال جولته المهمة.
أما كلمة الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية خلال الحرب العظيمة فكانت قصيرة ومُركَّزة ودالَّة ومُعبِّرة:
– إذا حاربنا حرب القادة فى المكاتب بالقاهرة فالهزيمة تُصبح لنا مُحقَّقة. إن مكان القادة الصحيح هو وسط جنودهم وفى مقدمة الصفوف الأمامية.. ولم يكن هذا رأياً يقوله القائد المُهم. لكنه كان سلوكاً وسط المُقاتلين الحقيقيين الذين استردوا لنا سيناء.
عبد الناصر والمعركة
يكتُب اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثانى الميدانى خلال حربى الاستنزاف و6 أكتوبر:
– كان عبد الناصر مؤمناً بأن المعركة الحقيقية يُحدِّد مصيرها الجندى البسيط. ولذلك كانت التعليمات الصادرة لها واضحة وصريحة بضرورة توفير الرعاية للجنود وفقاً للإمكانات الخاصة بكل وحدة.
كانت هذه القضية – على وجه التحديد – هى شُغلى الشاغل عند تسلُم مهام عملى كقائد للجيش الميدانى خلال حرب الاستنزاف. وقد حصل صاحب الكتاب على هذه الشهادة من صاحبها.
وفى مواجهتها صورة تجمع الرئيس عبد الناصر والزعيم الفلسطينى ياسر عرفات وبينهما العاهل السعودى الملك فيصل بن عبد العزيز فى اجتماع القمة العربية بالقاهرة. والذى عُقِد سبتمبر 1970.
الأشقاء والأصدقاء
فى الساعة 1400 يوم 21 أغسطس 1973 دخلت ميناء الإسكندرية باخرة رُكَّاب سوفيتية وعليها 6 رجال سوريين. توقف على قرارهم مصير الحرب والسلام فى منطقة الشرق الأوسط. كان هؤلاء هم: اللواء طلاس وزير الدفاع، واللواء يوسف شكّور، واللواء ناجى جميل قائد القوات الجوية والدفاع الجوى، واللواء حكمت الشهابى مدير المخابرات الحربية، واللواء عبد الرزاق الدرديرى رئيس هيئة العمليات، والعميد فضل حسين قائد القوات البحرية كانوا بملابسهم المدنية ولم تُخطر وسائل الإعلام فى مصر أو فى سوريا بأى شيء عن هذا الموضوع سواء قبل وصول الوفد أو بعده.
كان سعد الشاذلى فى استقبالهم على رصيف الميناء، وخرجوا دون أى مراسم إلى نادى الضُباط حيث نزلوا خلال فترة إقامتهم بالإسكندرية. كان الهدف من اجتماع المجلس هو الاتفاق على ميعاد الحرب.
الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة أكتوبر 1973.
طبعة شعبية
هذا النداء أوجهه لصاحب العمل ولدار النشر الكُبرى التى نشرته. صاحب العمل هو شريف عارف، ورئيس مجلس الهيئة المصرية العامة للكتاب، والدكتور أحمد بهى الدين. مثل هذا المجلد النادر والمُهم والخطير. ألا يستحق أن تكون هناك طبعة شعبية منه تصدُر فى مكتبة الأسرة أو ككتابٍ خاص بسعرٍ يكون فى متناول المواطن العادى؟.
فهذا العمل الذى بين يدىَّ ثمنه 230 جنيهاً. وهو مبلغ كبير جداً بالنسبة لقارئ الكتاب. والكتاب لابد أن يكون فى مكتبة كل مصرى، وكل عربى، وكل فلسطينى، من أجل أن تقرأه الأجيال القادمة وليس جيلنا فقط.
إنه وثيقة تاريخية يجب أن تكون متاحة للجميع
*نشر لأول مرة في يوميات الأخبار بعنوان آخر