نرقب كل جديد في مشهد الانتخابات الرئاسية الإيرانية ، حيث أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية واللجنة المشرفة على الانتخابات تمديدا العملية التصويتية حتى منتصف ليل الجمعة (20:30 ت غ) في انتخابات رئاسية مبكرة تبدو نتيجتها غير محسومة في ظل انقسام معسكر المحافظين وتعويل مرشح إصلاحي على تعدد منافسيه لتحقيق اختراق.
والتمديد أمر مألوف بالنسبة إلى الانتخابات في إيران، ولم تدل السلطات بأية معلومات حول نسبة المشاركة، علماً بأن حوالى 61 مليون ناخب تمت دعوتهم إلى صناديق الاقتراع الموزعة على 58 ألفاً و640 مركزاً انتخابياً تنتشر في سائر أنحاء البلد الشاسع الممتد من بحر قزوين شمالاً إلى الخليج جنوباً.
وأظهرت لقطات بثتها وسائل الإعلام الرسمية طوابير منفصلة للرجال والنساء وهم ينتظرون، حاملين هوياتهم، قبل الإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع في المساجد أو المدارس.
وأدلى المرشد الأعلى علي خامنئي بصوته بعد وقت قصير على فتح مراكز الاقتراع وحضّ الإيرانيين على المشاركة. وقال في خطاب متلفز “يوم الانتخابات يوم سعيد بالنسبة لنا كإيرانيين. ندعو شعبنا العزيز إلى أخذ مسألة التصويت على محمل الجد والمشاركة”.
وقال وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي للتلفزيون الرسمي إن الإيرانيين بدأوا اليوم الجمعة الإدلاء بأصواتهم لاختيار رئيس جديد بعد وفاة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي في حادث تحطم هليكوبتر، وسط تزايد حالة السخط الشعبي.
تخريب الاتصالات
أعلن وزير الاتصالات الإيراني عيسى زارع بور عن رصد “سبع حالات من التخريب المتعمد” في خطوط الاتصال مشيرا إلى أن المتورطين بهذه العمليات “حفروا الأرض أكثر من مترين لكن الفرق الفنية تمكنت من إعادة الاتصالات على الفور”.
وتحظى هذه الانتخابات بمتابعة دقيقة في الخارج، إذ إن إيران، القوة الوازنة في الشرق الأوسط، هي في قلب كثير من الأزمات الجيوسياسية، من الحرب المستعرة في غزة إلى الملف النووي الذي يشكّل منذ سنوات عدة مصدر خلاف بين طهران والغرب.
ويتنافس في هذه الانتخابات أربعة مرشحين، جميعهم رجال في الخمسينيات أو الستينيات من العمر.
وإذا لم يحصل أي من هؤلاء المرشحين على الغالبية المطلقة من الأصوات، تُجرى جولة ثانية في الخامس من يوليو (تموز)، وهو أمر لم يحدث إلا مرة واحدة في 2005، منذ قيام “الجمهورية الإسلامية” قبل 45 عاماً.
ويُتوقع صدور أول التقديرات لنتيجة التصويت السبت، على أن تصدر النتائج الرسمية في موعد أقصاه الأحد.
فلتة الشوط
ويأمل المرشح الإصلاحي الوحيد مسعود بيزشكيان في أن يكون فلتة الشوط في هذا السباق الانتخابي. وهذا النائب البالغ 69 سنة كان شبه مغمور عندما سُمح له بالترشح من قبل مجلس صيانة الدستور، السلطة المولجة الإشراف على الانتخابات.
وبيزشكيان، الطبيب المتحدّر من أصول أذرية والمتحفّظ في مظهره والصريح في كلامه، أعطى الأمل للمعسكرين الإصلاحي والمعتدل اللذين همّشا بالكامل في السنوات الأخيرة من قبل المحافظين والمحافظين المتشددين.
وقال الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي (1997-2005) إن بيزشكيان “نزيه وعادل ونبيه”، داعياً الناخبين إلى التصويت له، وكذلك فعل الرئيس السابق المعتدل حسن روحاني (2013 -2021).
أنصار السلطة
وفي مواجهته، ينقسم أنصار السلطة الحالية بين المرشح المحافظ محمد باقر قاليباف الذي يرأس حالياً البرلمان، والمرشح المحافظ المتشدد سعيد جليلي، المفاوض السابق في الملف النووي والمعادي للتقارب مع الغرب.
وتشكّل نسبة الإقبال على التصويت رافعة أساسية لحظوظ بيزشكيان في الفوز.
ويأمل المرشح الإصلاحي في أن تشهد نسبة التصويت ارتفاعاً كبيراً مقارنة بالانتخابات الأخيرة التي قاطعها نحو نصف الناخبين.
وفي الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 2021 بلغت نسبة المشاركة في التصويت 49 في المئة فقط، لكن يومها لم يُسمح لأي شخصية بارزة من المعسكرين الإصلاحي أو المعتدل بالترشح.
مقاطعة الانتخابات
ويومئذ أطلق معارضون، ولا سيما أولئك المقيمون في الخارج، دعوات لمقاطعة الانتخابات.
وأياً تكن نتيجة الانتخابات فإن تأثيراتها ستظل محدودة نظراً لأن صلاحيات الرئيس هي أساساً محدودة.
وفي إيران تقع المسؤولية الأولى في الحكم على عاتق المرشد الأعلى الذي يعتبر رأس الدولة، أما الرئيس فهو مسؤول على رأس حكومته عن تطبيق الخطوط السياسية العريضة التي يضعها المرشد الأعلى.
وبالنسبة للمرشد الأعلى علي خامنئي فإن “المرشح الأكثر أهلاً” لمنصب الرئيس هو “الشخص الذي يؤمن حقاً بمبادئ الثورة الإسلامية”، ويسمح لإيران “بالتقدم من دون الاعتماد” على الدول الأجنبية. لكنّ خامنئي شدّد في الوقت نفسه على أنه لا ينبغي لبلاده أن “تقطع علاقاتها مع العالم”.
وخلال المناظرات، انتقد سعيد جليلي، المحافظ المتشدد، المعتدلين لتوقيعهم الاتفاق النووي مع القوى العظمى في عام 2015، والذي “لم يفِد إيران إطلاقاً”.
وردّاً عليه سأل بيزشكيان “هل يُفترض أن نكون معادين لأميركا إلى الأبد أم أننا نطمح إلى حلّ مشكلاتنا مع هذا البلد؟”، داعياً إلى إحياء الاتفاق النووي من أجل رفع العقوبات الصارمة التي ينوء تحتها الاقتصاد الإيراني.
قضية حساسة
علاوة على ذلك، برزت في الحملة الانتخابية قضية حساسة جداً هي مسألة فرض الحجاب على النساء وطريقة تعامل الشرطة مع النساء اللواتي يرفضن التزام قواعد اللباس الصارمة. وزادت حساسية هذه المسألة منذ اندلعت، قبل عامين تقريباً، حركة احتجاج واسعة عقب وفاة مهسا أميني على إثر توقيفها بتهمة انتهاك قواعد اللباس.
وفي المناظرات المتلفزة، نأى المرشحون بأنفسهم عن اعتقالات الشرطة، القاسية أحياناً، للنساء اللاتي يرفضن وضع الحجاب في الأماكن العامة.
وقال مصطفى بور محمدي، رجل الدين الوحيد بين سائر المرشحين، إنه “لا ينبغي لنا في أي ظرف من الظروف أن نعامل النساء الإيرانيات بهذه القسوة”.
وفي هذا السياق، أعلن عدد من الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي عن منع عدد من النساء من التصويت في الانتخابات بسبب عدم التزامهن بالحجاب الرسمي.
وكتب الناشط الإصلاحي رحمة الله بيكدلي على حسابه على “إكس” منتقدا هذه التصرفات: “واجهوا عددا من النساء بسبب ظهور جزء من شعر الرأس من وراء الحجاب، المواجهة كانت غير ملائمة في حين كان يروج النظام لضرورة مشاركة غير الملتزمات بالحجاب في التصويت”.
احتجاجات في الخارج
إلى ذلك، شهدت عدة مراكز الاقتراع خارج إيران تجمعات لمعارضين أطلقوا شعارات ضد النظام ودعوا إلى مقاطعة الانتخابات.
في مدينة سيدني في أستراليا حضر عدد من المعارضين أمام مركز إسلامي عائد للسفارة الإيرانية حوله القائمون الى مركز انتخابي وأطلقوا شعارات مثل “الموت ضد النظام بأكمله” و”نقسم بأرواح رفاقنا أننا صامدون حتى النهاية”.
وفي هامبورغ في ألمانيا شهدت القنصلية الإيرانية تجمعا لمعارضين رددوا شعارات تدعوا إلى مقاطعة الانتخابات. وحضر في التجمع عدد من المحتجين الذين فقدوا أعينهم بإطلاق رصاص مطاطي خلال الاحتجاجات السابقة.
کما حضر عدد من المعارضين أمام القنصلية الإيرانية في لندن وأطلقوا شعارات ضد النظام وطالبوا بمقاطعة الانتخابات.
مير حسين موسوي يرفض التصويت
من جانبها، أعلنت زهراء موسوي ابنة الزعيم الإصلاحي المعارض مير حسين موسوي عن رفض والديها المشاركة في الانتخابات. وكتبت على حسابها في “إنستغرام”: “أتوا بصندوق للتصويت في مكان احتجازهما وقال لهم والداي لن نشارك ولن نصوت في الانتخابات”.
ويقبع مير حسين موسوي وزوجته زهراء رهنورد في الإقامة الجبرية منذ 15 عاما، بعدما قادا “الانتفاضة الخضراء” التي أعقبت الانتخابات الرئاسية عام 2009.
واتهم موسوي وقتها السلطات بتزوير نتائج الانتخابات لصالح الرئيس الأسبق محمود أحمد نجاد الأمر الذي رفضته السلطات وأقدمت على قمع الحركة وقتل عدد من المحتجين كما سجنت المئات منهم.
كروبي يدعم الاصلاحي بيزشكيان
على صعيد آخر، أدلى الزعيم الإصلاحي مهدي كروبي الذي يخضع في الإقامة الجبرية بصوته في الانتخابات الرئاسية الإيرانية طبقا لما أوردته وسائل الإعلام الإيرانية.
وكان كروبي قد أعلن دعمه ترشيح الإصلاحي مسعود بيزشكيان ودعا الناخبين إلى التصويت له.
وفي بيان قال كروبي: “أطلب من الشعب العزيز منح ثقته للدكتور بزشكيان. أعرف أن أمامه طريق صعب إذا ما فاز في الانتخابات، لكنني متأكد أنه حاسم في مكافحة الفقر والفساد والتمييز”.
ويقبع كروبي في الإقامة الجبرية منذ انطلاق “الحركة الخضراء” على خلفية الانتخابات الرئاسية التي شابها عمليات تزوير واسعة عام 2009.
وذكرت قناة “إيران إنترناشيونال” التي تبث من لندن أن 67 سجينة سياسية في معتقل “إيفين” سيء الصيت رفضن التصويت في الانتخابات.