وحدة الشئون النيلية “المجموعة السودانية”
في أجواء مجاعات ودماء وتربحات سياسية دولية، تنطلق، اليوم السبت، في العاصمة المصرية القاهرة، أول مؤتمر كبير للقوى السياسية المدنية السودانية في محاولة مصرية جديدة لإنهاء حرب السودان المتواصلة منذ 15 إبريل/نيسان 2023، وهي محاولة يرى متابعون أنها قد تضع أسساً لحوار أوسع، فيما يقلّل آخرون من أهمية الاختراقات التي قد تحققها.
وكانت مصر أعلنت في نهاية شهر مايو/أيار الماضي، عزمها عقد المؤتمر، وحدّدت موعداً له في نهاية يونيو/حزيران الماضي، لكنها أجلته، ليعقد خلال يومي السادس والسابع من يوليو/تموز الحالي (اليوم وغداً الأحد).
يقدر عدد المشاركين في المؤتمر بنحو 18 حزباً وحركة مسلحة
وقالت الخارجية المصرية، في وقت سابق، إن استضافة القاهرة للقوى السياسية السودانية، تأتي في إطار حرصها على بذل كافة الجهود الممكنة لمساعدة السودان على تجاوز الأزمة التي يمر بها، ومعالجة تداعياتها الخطيرة على الشعب السوداني، وأمن واستقرار المنطقة، لا سيما دول جوار السودان.
وأشارت إلى أن المؤتمر سيضم كافة القوى السياسية المدنية السودانية، بحضور الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين، وذلك بهدف التوصل إلى توافق بين مختلف القوى السياسية المدنية السودانية حول سبل إنهاء حرب السودان وبناء السلام الشامل والدائم في هذا البلد، عبر حوار وطني سوداني – سوداني، يتأسس على رؤية سودانية خالصة.
كما أكد وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري، قبل أيام، أن أي حلّ سياسي حقيقي في السودان يجب أن يرتكز على رؤية سودانية بحتة تنبثق من السودانيين أنفسهم، ودون إملاءات أو ضغوط من أي أطراف خارجية.
ووجدت الدعوة المصرية لعقد المؤتمر ترحيباً من معظم القوى السياسية السودانية. كما رحبت بها وزارة الخارجية السودانية التي قالت في بيان، إن مصر هي الأكثر حرصاً على أمن وسلام واستقرار السودان، والأقدر على المساعدة للوصول إلى توافق وطني جامع بين السودانيين لحلّ الأزمة الراهنة.
حرب السودان على طاولة مؤتمر القاهرة
ومنذ تفجر القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، في إبريل/نيسان 2023، حاولت مصر، رغم اتهامها بدعم الجيش، التدخل لإيقاف حرب السودان عبر سلسلة من الخطوات. ففي يوليو 2023، استضافت مؤتمر قمة دول جوار السودان، الذي ناقش سبل إنهاء الصراع وآثاره السلبية على دول الجوار. واستضافت بعده اجتماعات لتحالف الحرية والتغيير، وأخرى للكتلة الديمقراطية.
كما شاركت نهاية العام الماضي، في مفاوضات سرّية بين طرفي الصراع بالعاصمة البحرينية المنامة، ضمن أربع دول رعت المفاوضات. كما كانت القاهرة محطة دبلوماسية مهمة لعدد من الوسطاء والمبعوثين الدوليين، والذين سيشاركون في مؤتمر اليوم.
وبدأت أحزاب وقوى سياسية، قبلت الدعوة المصرية، في التوافد خلال الأيام الماضية إلى القاهرة للمشاركة في المؤتمر. ويقدر عدد المشاركين فيه بنحو 18 حزباً وحركة مسلحة، منها أحزاب فاعلة في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، مثل حزب الأمة القومي، والتجمع الاتحادي، والمؤتمر السوداني، وحركة تحرير السودان المجلس الانتقالي، وتجمع قوى التحرير.
كما توافدت أحزاب نشطة في تحالف الكتلة الديمقراطية، مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل – فصيل جعفر الميرغني، وحركة العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان – فصيل مني أركو مناوي. كما يشارك حزب الأمة بقيادة مبارك الفاضل، وتحالف الحراك الوطني بزعامة التجاني السيسي.
كذلك ضمّت قائمة المشاركين مؤتمر البجا، وحزب البعث العربي الاشتراكي، والمؤتمر الشعبي، والمجلس الأعلى للبجا، ونقابات وتجمعات مهنية ولجان مقاومة.
ماهر أبو الجوخ: أبرز قضايا الخلاف التي قد لا تحسم دور الجيش في المستقبل
في المقابل، اعتذرت عن عدم المشاركة في المؤتمر، الحركة الشعبية – شمال فصيل عبد العزيز الحلو، والحركة الشعبية – التيار الثوري بقيادة ياسر عرمان، وهي واحدة من أحزاب تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، فيما لم توجه دعوة إلى حزب المؤتمر الوطني المنحل، حزب النظام السابق.
واستبعد ماهر أبو الجوخ، القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، نجاح المؤتمر في حلحلة كل التباينات والخلافات بين القوى السياسية المدنية المشاركة في المؤتمر، مؤكداً أن المؤتمر سيكون أول لقاء مباشر بين الأطراف المتباينة منذ أجواء ما قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 (تاريخ انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على الحكومة المدنية). رغم ذلك، عدّ أبو الجوخ ذلك اختراقاً كبيراً يساعد في تغيير الأوضاع مستقبلاً.
وأوضح، أن المؤتمر لن يستطيع التوصل إلى حلّ لكل القضايا المختلف حولها، لكنه سيضع اللبنة الأولى لإمكانية استكمال الحوار في جولات أخرى لبحث القضايا المتبقية. كما توقع خروج المؤتمر بتصورات سياسية للحلّ وفي إطار دستوري قد يتطور إلى اتفاق شامل حول عملية سياسية، تنهي الحرب.
وأشار إلى أن أبرز قضايا الخلاف التي قد لا تحسم دور الجيش في المستقبل، ذلك لأن قوى سياسية ترى ضرورة أن يكون للجيش دور في عملية التحول الديمقراطي، وأن يكون جزءاً من مؤسسات الانتقال، كما أن مسألة مشاركة القوى السياسية في أجهزة الحكم في الفترة الانتقالية أمر يجد قبولاً واعتراضاً.
كما تختلف الرؤى حول مسألة الدمج والتسريح وصولاً إلى جيش واحد، وكذلك هناك خلاف حول مستقبل قيادة الجيش، وكلها أمور رأى أبو الجوخ أنها تحتاج إلى نقاش عميق.
من جهته، رأى السفير السوداني السابق علي يوسف، أن ما يجري في السودان يؤثر على مصر في كل الجوانب، بما فيها الأمنية والإنسانية. وأكد أن “مصر هي الأكثر تأثراً بما يجري في السودان، وبالتالي يجب فهم الدور المصري في إطار مصلحتها من الاستقرار في السودان، ولا ينبغي تفسيره في إطار مصالح سياسية للقاهرة”.
وأضاف يوسف أن “الغرض الأساسي لمؤتمر السبت والأحد، هو انعقاد حوار سوداني سوداني من دون إقصاء، تشارك فيه كل الأطراف السودانية بعد هذه الحرب المدمرة، ومحاولة مليشيا الدعم السريع السيطرة على السلطة، وما وجدته من دعم من أطراف سودانية”، وفق رأيه.
وأشار إلى أن “الجهود المصرية جادة ومهمة، خصوصاً أن المؤتمر يمثل أول حوار بين الأطراف السودانية المختلفة”، مبيناً أن “هناك ملاحظات معينة على المؤتمر، مثل المواقف من بعض الأطراف وربما يؤثر ذلك على الحوار”.
وشدّد يوسف على ضرورة وضع المؤتمر لخريطة طريق لسودان ما بعد الحرب، وما الذي سيحدث والخطوات اللازمة، بما يساعد في إنهاء الحرب، مثل شكل الدولة السودانية وطريقة حكمها ودستورها. لكنه توقع عدم خروج المؤتمر بنتائج كبيرة لضيق وقته والملفات الشائكة، معتبراً أن “ذلك يمكن تداركه بإكمال المرحلة الثانية من الحوار السوداني السوداني عبر دعوة الاتحاد الأفريقي لذات القوى للمشاركة في اجتماع بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا”.
في المقابل، تخشى تنظيمات مناطقية ومنظمات حقوقية ألا يهتم المشاركون في المؤتمر بمبدأ المحاسبة عن الجرائم المرتكبة أثناء حرب السودان المتواصلة، خصوصاً انتهاكات قوات الدعم السريع بحق المدنيين بقتلهم ونهبهم وطردهم من منازلهم.
وقال المُبر الريح الشريف، عضو اللجنة التنفيذية لمؤتمر الجزيرة، وهو تنظيم حديث تأسس في ولاية الجزيرة لرصد الانتهاكات بالولاية وملاحقة المنتهكين ودعم المتضررين، إن مؤتمرهم “يرحب بأي جهود مصرية لتحقيق السلام ومعالجة الأزمة السودانية وإيقاف الحرب ورأب الصدع وجمع الفرقاء السودانيين”.
وأوضح الشريف، أن “مؤتمر ولاية الجزيرة يرى بموجب ما تعرض له المواطنون في الولاية من مجازر ونهب وتهجير قسري، أن أية معالجة للحرب في الإطار السياسي فقط دون التطرق للجانب الحقوقي، هو تأجيل للحرب وليس إيقافاً لها، لأن المعالجات الحقوقية لا تُنصف الضحايا فقط، وإنما أيضاً تحصن المستقبل من مثل تلك الجرائم والانتهاكات، وتضع المحاسبة والتعويض أساساً حقيقياً لأي عملية سياسية وسلام دائم”.