شكّلت مشاركة الحزب في الحرب السورية كجيش نظامي نقطة تحوّل في مسيرته انتقل بعدها من كونه مجموعة مسلّحة في لبنان تقوم أحياناً بعمليات “إرهابية” خارج الحدود لدعم مشروعها ومصالح راعيها الأساسي إيران، إلى “لاعب غير حكومي” (Non State Actor) يمتلك كلّ ميزات الدول المستقلّة لكن من دون التزامات الدول. فهو يفاوض ويهدّد ويستورد ويصنع الأسلحة، لكن من دون الخضوع لمعايير النظام الدولي، لعدم انضمامه إلى المنظّمات الدولية أو توقيعه معاهدات تحكم تصرّفات الدول وتلزمها بسلوكيات معيّنة.

نصر الله على طريق فاجنر: مقال لبنانى يكشف مدى دعم معارضة الداخل لإسرائيل نكاية في حزب الله

قد يكون التحرّر من الالتزامات وضوابط القانون الدولي قد دفع إيران إلى الاستمرار بدعمها السخيّ للحزب، كما فعلت روسيا سابقاً حين أسّست مجموعة فاغنر، التي كانت تخدم المصالح الروسية لكن خارج المعايير والضوابط الدولية، إلى أن راح “جيش المرتزقة” الروسيّ يشكّل تحدّياً لسياسة موسكو، فتمّ حلّه وقتل قائده في ظروف غامضة، وهو ما يجعل من الحزب المجموعة الوحيدة المشابهة على الساحة الدولية التي تمتلك ترسانة عسكرية وقدرات استخبارية على الساحة الدولية وتُستخدم في الصراعات الإقليمية والدولية.

قبرص.. وما بعد قبرص

التهديدات التي وجّهها الأمين العام للحزب حسن نصرالله إلى قبرص محذّراً الدولة الأوروبية القريبة من لبنان من السماح لإسرائيل باستعمال موانئها ومطاراتها في أيّ عمليات عسكرية في المستقبل، وجّهت رسالة واضحة إلى الدول الأوروبية، وتحديداً الدول التي تتواجه مع إيران دبلوماسياً حتى الآن في ما يخصّ نشاطاتها النووية. ومفاد الرسالة أنّ الحزب يستطيع أن يهدّد أمنها ومصالحها في البحر أو من خلال المسيّرات التي يمتلكها وأثبت أخيراً أنّه يُحسن استخدامها في المواجهات مع إسرائيل.

الدول الغربية والولايات المتحدة وعدد من الدول العربية صنّفت الحزب منظمة إرهابية ووجدت فيه تهديداً لمصالحها في المنطقة، كما حظرت نشاطاته في دولها. لكنّ التطوّرات الأخيرة تشكّل تحدّياً جديداً يضع الحزب في مواجهة مباشرة مع المنظومة الغربية.

تاريخياً العواصم الغربية وواشنطن لا يمانعون التفاوض مع المنظّمات التي يصنّفونها إرهابية على الرغم من مواجهتها، رغبة منها في احتواء تهديداتها وأملاً في تدجينها وتغيير سلوكها. لكن على عكس الحوثيين وحتى طالبان، فإنّ الحزب الذي يعمل انطلاقاً من لبنان هو جزء من دولة مستقلّة لها علاقات دبلوماسية ومصالح دولية، وهو ما يشكّل سابقة ويعطي الحزب مظلّة يعمل عبرها ويزيد من تعقيدات مواجهته.

إعادة النّظر في أساليب مواجهته

أربعون عاماً من المواجهات والعقوبات والاغتيالات لم تمنع الحزب من أن يصبح على ما هو عليه. وهو ما سيحتّم على الدول المعنيّة بمواجهة الحزب وتعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة والعالم أن تعيد النظر في استراتيجيّتها.

لا شكّ أنّ انخراط الحزب في حرب مساندة لجبهة غزة وظهور زعيمه على أنّه يقود جبهات متعدّدة من اليمن مروراً بالعراق وسوريا، سمحا له بتخطٍّ جزئيّ للعقبة المذهبية لما للقضية الفلسطينية من وجود في الوجدان الإسلامي السنّي. وذلك بعدما بلغ التقاتل المذهبي السنّي الشيعي أوجه في العراق وسوريا.

لكنّ الواقع الجديد يشكّل تحدّياً ليس فقط للدول الغربية، إنّما للأمن القومي العربي الذي يخوض مواجهة مع إيران ومع الإسلام السياسي.

يبقى أنّ نزع فتيل التوتر بين إيران ودول الخليج العربي والاكتفاء بعلاقات ديبلوماسية باردة غير كافٍ. وهناك ضرورة للانخراط في حوار جدّي مع طهران حول نشاطات حزب الله قبل أن يبدأ حوار كهذا مع الدول الغربية وتكون نتائجه على حساب المصالح العربية كما حصل مع إيران أثناء رئاسة أوباما والاتفاق النووي مع طهران.