فريق إنسانيات
قصة مؤثرة تلك التى رواها اللواء دكتور سمير فرج عن حالة لا تتكرر كثيرا في ندالة الأبناء مع الأم لدرجة لا يمكن تصديقها.
يقول فرج، في يوم وأنا مدير الشئون المعنوية في القوات المُسلحة كلموني قالولي في سيدة عاوزه تقابلني، قابلتها وكان ليها طلب غريب شوية، واكتشفت إن وراها قصة عجيبة مش قادر أنساها أو استوعبها لحد دلوقتي.
كانت مُقتدرة ماديا فكانت عاوزه تساعد أُسر الشهداء من الجنود فقط.
. . الست دي كانت ثرية جدا، ورثت ثروة ضخمة من زوجها وكانت ساكنه في قصر كبير علي شارع صلاح سالم في مصر الجديده،
. . في الأول حضرت حفل احتفال العاشر من رمضان ودخلت في علاقة مع أسر شهداء الجنود، وبقت تحب تتكفل بالآلاف منهم وكانت تُنفق إنفاق شديد مشفتوش في حياتي وكانوا مسمينها “أم الشهداء”، وفضِلت على الحال ده 6 سنين.
.. كان عندها 3 أبناء، ولدين 2 دكاترة في دبي وأمريكا، وبنت عايشه في الاسكندريه، لكن التلاتة مبيسألوش عليها خالص، ولا بيشوفوها!
.. دارت الأيام وأنا تركت الشئون المعنوية، واتعيّنت محافظ الأقصر، انقطعت صلتي بها، وفي يوم لقيتها بتتصل بيا، كان فات حوالي 10 سنين، عِرفتها علي طول، وسألتها عن أحوالها، قالتلي: “أنا عايشة في دار مسنين” .. اتصدمت!
سألتها: إزاي؟ أومال فين قصرك والفيلل وعقاراتك ؟
قالتلي إن أولادها هجروها تماما، متعرفش عنهم حاجة ومحدش بيسأل عليها .. فدخلت دار المسنين!
. . اتضح إنها انعزلت عن الدنيا تماما، حزنت وخدت أرقام أولادها وقعدت أكلمهم واحد واحد، لكن كلهم رفضوا يسألوا عليها ، كان عندهم قسوة غريبة لدرجة إني كل ما أكلم واحد فيهم يقولي حاضر هأسأل عليها .. وميتصلش!
.. أنا كنت بتواصل يوميا مع الدار وأروح من وقت للتاني أسأل وأطمن عليها، وكنت آخد لها أحيانا أولاد أسر الشهداء نزورها،
وكانت بتبقي فرحانه جدا إن في ناس بيسألوا عليها!
وفي يوم كلموني من الدار وقالولي: ” البقية في حياتك ..الست ماتت وهندفنها في مقابر الصدقة”
جريت علي ولادها بلغتهم بوفاة أمهم ، إبنها اللي في دبي لقيته بيقولي: “قول للدار بلاش يدفنوها في مقابر الصدقة .. عندنا مقبرة في ترب الغفير”،
قلتله: “إنت مش هتيجي تدفن أمك”؟
قاللي: “صعب .. مش هقدر علشان عندي شغل”!
واتصلت بإبنها التاني قاللي نفس الكلام ، وكلمت بنتها اللي عايشة في اسكندرية قالتلي: ” بنتي عندها مباراة مهمة فمش هينفع، والحي أبقي م الميت”؟
.. فورا رحت دار المُسنين علشان أنا اللي أدفنها وآخد عزاها وأكرمها زي ما كانت كريمة مع أولاد الشهداء.
دفنتها وكانت المفاحأة : مشيت في جنازتها وحيدا!
.. قصة الست دي أنا وقفت عندها كتير، موقف أبناءها خلاّني أشوف انعدام القيم في الحياة، أولادها اللي إدتهم عمرها والملايين والثروة ثم تموت لوحدها .. وتندفن لوحدها!
أنا كنت ساعتها محافظ الأقصر، وده ملوش غير معني واحد وهو إن ربنا سخرّني كـوزير ومسئول في الحكومة أنها تندفن مكرومة في مقابر أسرتها، مش في مقابر الصدقة،
ربنا أراد أنها تموت عزيزة ومتتبهدلش، ودي كرامة علي إنها سيدة صالحة ، لأنها كانت ست معطاءة ومُتصدقة، فكان يستحيل علي الله أن لا يُكرمها في موتها!
.. وأنا بدفنها بكيت وكلمت ربنا وقولتله “هيا رايحة عندك .. وأنت الكريم الذي لا يُضام أحد عنده” !
من حين لآخر بزور قبر هذه السيدة العظيمة، بسلّم عليها وادعيلها، وبقرأ لها الفاتحة كل ما أعدي علي مقبرتها في صلاح سالم .. عاشت حزينة وماتت كريمة!