تُعتبر الخارجية المصرية مدرسة للدبلوماسية العربية والإفريقية. فهي تأسّست بشكل عصري عام 1922 في عهد الوزير أحمد حشمت باشا. ومنذ عهد محمد علي باشا كان يقتصر دورها على متابعة شؤون المبيعات والتجارة الأجنبية وكانت تسمّى “ديوان الأمور الإفرنجية”، إلى أن قام الوزير أحمد حشمت بوضع الشكل التنظيمي والسلك القنصلي.

أفرزت هذه المدرسة العريقة مجموعة من كبار الدبلوماسيين على المستوى الدولي والعربي والإفريقي من أمثال الدكتور محمود فوزي وإسماعيل فهمي ومحمود رياض وعبد الله العريان وعمرو موسى وأحمد ماهر وأحمد أبو الغيط وأشرف غربال ومحمد كامل عمرو ونبيل العربي…

وعشرات غيرهم نحتاج إلى موسوعات كاملة لسرد سيَرهم وأسمائهم ومساهماتهم في صناعة السياسة الخارجية والدفاع عن المصالح المصرية والحقوق العربية في المنظمات الدولية والإقليمية. بالطبع لا ننسى هنا رجلين هما الدكتور بطرس بطرس غالي والوزير محمد إبراهيم كامل، اللذان حملا على عاتقهما أصعب مفاوضات في كامب ديفيد.

يأتي وزير الخارجية الجديد بدر عبد العاطي بعد 10 سنوات من مرحلة الإدارة الصابرة للوزير سامح شكري الذي عاصر مرحلة شديدة الصعوبة في السياسة الخارجية المصرية وأزمة مياه النيل والصراعات الإقليمية، من فلسطين وإسرائيل إلى ليبيا والسودان والعلاقات مع واشنطن والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي.

كلّ هذه الأحداث عاصرها وشارك فيها الوزير الجديد.

سيرته ومسيرته

الوزير بدر هو أمين مخلص لمدرسة الخارجية المصرية. فقد نشأ فيها منذ بداية تاريخه العمليّ ولديه خلفيّة دبلوماسية تزيد على 30 عاماً.

درس الرجل في كلّية الاقتصاد والعلوم السياسية في مصر وحصل على الماجستير والدكتوراه.

بدأ حياته العمليّة باحثاً في مركز الأهرام للدراسات السياسية عام 1989.

تدرّج في كلّ المناصب داخل الخارجية المصرية فكان سكرتيراً ثالثاً وسكرتيراً ثانياً وسكرتيراً أوّل ومستشاراً ومدير إدارة ونائب رئيس بعثة ونائب مساعد وزير الخارجية وسفيراً ومتحدّثاً باسم وزارة الخارجية.

هناك عدّة محطّات لافتة ومهمّة جداً في حياته ومجال عمله أبرزها:

1- العمل الأكاديمي حول نظرية الأمن القومي المصري في المنطقة، التي درّسها حين كان محاضراً في الأكاديميات العسكرية.

2- عمله سكرتيراً ثالثاً في السفارة المصرية في تل أبيب مسؤولاً عن ملفّ الشؤون الداخلية الإسرائيلية.

3- لديه مسؤوليّات عن السلام في الشرق الأوسط والعلاقة مع إيران والعلاقات المصرية الإفريقية.

4- عمله دبلوماسياً في واشنطن مسؤولاً عن ملفَّي الكونغرس والشؤون الإفريقية.

5- تولّيه مسؤوليات رفيعة في بروكسل تتعلّق بعلاقات مصر بالاتحاد الأوروبي، ولها أبعاد مهمّة في مستقبل الاتّفاقات الاقتصادية المقبلة والضخمة بين مصر والاتحاد الأوروبي.

6- عمله سفيراً لمصر في ألمانيا من 2015 حتى 2019.

الخبرات والمراحل

بالطبع كانت هذه الخبرات المتراكمة تؤهّله للاستعانه به في ملفّات إفريقيا والاتحاد الأوروبي وفلسطين وإسرائيل. كما كانت تؤهّله معرفيّاً لشرح وتوضيح عشرات الملفّات حين كان متحدّثاً باسم الخارجية المصرية، خاصة في السنوات التي بدأت في 30 حزيران 2013. وهي فترة دقيقة وصعبة في مجال الشرح والتفسير السياسي والإعلامي للرأي العام العالمي.

 

يأتي الرجل ضمن فريق يمثّل مرحلة الجيل الأوسط في مجال الخارجية المصرية، التي يبلغ عمرها أكثر من 102 عام. وهم يمثّلون شريحة ذات خبرات متراكمة.

بدأت هذه الشريحة في عقد التسعينيات مع الوزير عمرو موسى (أيّار 1991) ثمّ أحمد ماهر (2004) فأحمد أبو الغيط (2004) ثمّ كلّ من نبيل العربي وأحمد العرابي ومحمد كامل ثم جيل ما بعد 30 حزيران 2013 الذي ضمّ نبيل فهمي وأخيراً سامح شكري.

ما هي التّحدّيات التي تواجهه؟

يواجه بدر عبد العاطي وفريقه في الخارجية المصرية مجموعة ملفّات هي في الحقيقة تحدّيات ضخمة في مجال الأمن القومي المصري  وفي السياسة الخارجية.

أخطر ما في الصورة السياسية لهذه التحدّيات أنّها كلّها صعبة ومعقّدة ومتفجّرة مجتمعة في آن واحد. وكلّها آنيّة زمنياً لا يمكن تأجيلها أو وضعها في جدول متتابع. بل كلّها وجميعها تحتلّ مرتبة الأولويات الضاغطة.

إنّها المرّة الأولى في تاريخ مصر منذ عهد محمد علي باشا حتى الآن التي تصبح فيها كلّ حدود مصر الدولية، البرّية والبحريّة، مناطق صراع وخطر، وبالتالي تشكّل تهديداً للأمن القومي المصري.

أنظروا ذلك الخطر الآتي من الجنوب في السودان، حيث حرب طاحنة مدمرة صدّرت لمصر أكثر من 4 مليون شقيق لاجئ. وهي تقيم في بلد متلقّي ومصيري لمياه النيل.

أنظروا الحرب الأهلية بين الشرق والغرب الليبي، ما يهدّد الحدود الغربية المصرية ويعتبر من المعابر الخطرة للهجرة غير الشرعية  وميليشيات الإرهاب الديني.

أنظروا إلى ما يحدث في غزة التي تعتبر استراتيجياً بوابة تأثير استراتيجي على أمن سيناء وتضع التزامات مصر العربية من ناحية، ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية من ناحية أخرى، في حالة ضغوط.

أنظروا أمن البحر الأحمر والأبيض، المتأثّرّين بصواريخ الحوثي، ومطامع غاز شرق المتوسط في حالة خطر.

أنظروا تأثير هذا التوتّر البحري على حركة النقل البحري العالمي وعلى انخفاض مداخيل قناة السويس.

ما هي المعالجات الممكنة؟

كلّها ملفّات قديمة متجدّدة بأشكال مختلفة قابلة للحلّ أو للتدحرج والانفلات إلى كوارث أمنيّة، لا قدّر الله.

من هنا تحتاج مسألة معالجة هذه الملفّات إلى الآتي:

1- صبر استراتيجي.

2- رؤية استراتيجية.

3- حلول إبداعية خارج الصندوق.

من هنا ومن هنا فقط تصبح مهامّ الخارجية المصرية صعبة ودقيقة جداً.