3 دقائق أو 180 ثانية بالضبط، هي الحدّ الفاصل للإنسان ما بين أن يحيا أو يموت أو يعيش معطوباً إثر عدم وصول الأوكسيجين للدماغ!
في كلّ الاحتمالات، إذا أصابتك، لا قدّر الله، أزمة قلبيّة وحدث انسداد كامل في شريان القلب وتوقّف تماماً عن الضخّ الطبيعي للدماء فهناك 3 احتمالات لا رابع لها:
1- أن يتمّ إنقاذك فوراً في غضون الـ60 ثانية.
2- أن يتأخّر الإنقاذ ثواني معدودات فينفذ أمر الله ويوافي الإنسانَ الأجلُ.
3- أن يأتي الإنقاذ متأخّراً بعد أن يكون عطب ما قد شمل الدماغ أو الأعصاب الطرفية فيعيش الإنسان متأثّراً به حتى يلقى ربّه.
.. يوم 3 كانون الثاني 2024 زرت الموت أو بالأصحّ زارني ثمّ عدت بإرادة الله سبحانه وتعالى إلى الحياة.
توقّف القلب 60 ثانية وتدخّلت يد الله ومهارة الأطبّاء بأمر من الخالق لتعيدني مرّة أخرى إلى هذه الحياة. بعد الإفاقة من الجراحة علمت أنّ القلب قد توقّف كليّاً عن النبض والضخّ والحياة.
على الرغم من إيماني المطلق والكامل الذي لا يتزعزع بأنّ حياتي وموتي، سعادتي وشقائي، فقري وثرائي، كلّ تفاصيل حياتي من قبل القبل وبعد البعد، هي مرهونة بخيط واحد وحيد في يد الله ربّي الذي لا إله إلّا هو، إلا أنّني سألت نفسي ذلك السؤال العظيم: لماذا لم يتحمّل القلب؟؟؟ واكتشفت أنّ هناك مليون سبب وسبب لعدم تحمّله!
..لا يتحمّل القلب صعوبة الحياة وكذب البشر وقسوة الناس وظلم الأصدقاء وخيانة المنافقين وجحيم الأعداء.
هنا يأتي السؤال: ما هو الموت؟ هل هو التوقّف عن التنفّس أم التوقّف عن الإصلاح؟
..لم يتحمّل القلب عمليّات الاغتيال المعنوي ممّن باعوا ضمائرهم بمال أو سلطة أو طغيان.
..لم يتحمّل القلب من تاجروا بالحقيقة وعرضوها ليل نهار في سوق نخاسة الرأي العامّ.
..لم يتحمّل القلب وهو يرى كلّ يوم على نشرات الأخبار عدوّاً يهزمنا بإرادتنا الكاملة.
..لم يتحمّل القلب وهو يبتلع الإحباط مع الوجبات اليومية وقبل وبعد الصلوات الخمس.
..لم يتحمّل القلب الموت البطيء للأحلام الوطنية لأمّة معتدلة عاقلة وسطيّة كفوءة مستنيرة تدرك مصالحها العليا.
..لم يتحمّل القلب استمرار الصمت المطبق عن نصرة المظلومين والدفاع عن أصحاب الحقوق الضائعة ممّن لا صوت لهم ولا نصير يأخذهم من تحت ركام المظالم.
..لم يتحمّل القلب مشاهدة نشرات الأخبار وهي تذيع يومياً أرقاماً وإحصاءات بورصة الشهداء والجرحى والمشرّدين من أهلي.
..لم يتحمّل القلب أن يستمرّ في الصمت وأنا أسمع الكذب البواح للمسؤولين وخداع الخادع وتأجيل الحلول وتسويف الحقائق وتزوير الأرقام وإلصاق مسؤولية الكوارث التي عانيناها بالمؤامرة الدولية كعذر كاذب لإخفاقاتنا في إصلاح البشر والحجر.
..لم يتحمّل القلب أن يشارك أكثر من ذلك في كلّ هذه الجرائم.
تحمّل قلبي أكثر من قدرته كذب الكاذبين ونفاق المنافقين وجهل الجهلاء وظلم الظالمين.
تحمّل وتحمّل وتحمّل ثمّ حانت اللحظة الحاسمة. إنّها لحظة عدم القدرة على التحمّل، لحظة أن يرفع القلب الراية البيضاء ويستسلم تماماً لقضاء الله وقدره.
أيّها السادة، لم يعِش قلبي على الدورة الدموية لكن على أحداث الحياة، على نبض الأخبار، على آلام الناس، على أحلام البسطاء.
عشت معهم كلّ هذه التجارب، لكنّني خذلتهم. لم أكن على مستوى أحلامهم!
ما بين الشعور بالإحباط لمآسي الناس وما بين الشعور بالإحباط لفشلي الكامل في أن أفعل أيّ شيء من أجل الناس قتلني اليأس!
نعم قتلني اليأس وأصبحت أبتلعه صباح مساء مع فنجان القهوة. مذاقه يمزّقني مثل شفرات الحلاقة.
قتلني اليأس لأنّني أدركت أنّ أيّ إصلاح لأيّ شيء أكبر منّي وأنا أصغر منه!
قتلني اليأس لأنّ سلاح قتلة الأحلام في عالمنا العربي يملك ترسانة لا نهائية من الأسلحة المضادّة للأحلام!
ها هو خالقي يرسل لي رسالة صريحة مباركة كريمة ليقول لي:” أعطيتك فرصة ثانية للحياة فأرني ماذا أنت فاعل يا عبدي”.
أحمدك وأشكرك ربّي على عفو وعطاء ورحمة لا حدود لها.
“لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين