جاءنا الآن
الرئيسية » التحليل اللحظي » د.شيماء كمال تسطر:خففوا الحكى..ما وراء العلاقات الإنسانية والعملية

د.شيماء كمال تسطر:خففوا الحكى..ما وراء العلاقات الإنسانية والعملية


أفاق أهل الدار وقد وضعت ورقة بحجم كبير علي باب غرفتي “هلا خففت حكي

” تعمدت أن أبدأ جملتي بشكل لين وأقدم اقتراحا ومطلبا ،اخترت الفعل خفف لأنه مرحلي ،

إذ تخفف من عادة سيئة حتي تتخلص منها ، مرحلة تمر بها، دائما هي مرحلة إيجابية إذ تنفض عن نفسك عادة سيئة

عمدت أن أرفق بجملتي وجها مبتسما ووجها يوجه تحية لهذا الذي سيخفف حكي

،مفعول الجملة نكرة ،خفف أي حكي ،لا أعيب حكيك ،فقط خفف حكي ، أنهيت جملتي بعلامة تعجب ،تعجبا من كثرة الحكي ،تمنيت أن يمنحوني ردود فعل عاقلة ، ألا يزيدوا ويسرفوا بالسخرية

لكن هل يمكن أن يحدث هذا في بيت مصري !

لامتني أمي وقالت جنة بدون ناس ما تنداس . أمي لم أقتل الناس وليس بي نية لقتلهم ولم أسعي لإنهاء نسلهم، فقط أريد أن يخففوا من حكيهم 

هزت رأسها معترضة وانشغلت بنزع ورقتي دون سؤالي واستمرت تلومني وتتسأل هل أضر اللاصق بالدهان !!!

لم يحكي أبي ،ضممته وسألته هل تساند دعوتي؟بداية الضمة ضمني بهدوء ولكنه انتفض إذ أنهيت جملتي “دعوة” ،أليست رغبة فقط؟! ماذا فعلت؟ أي أمر دبرت ؟ بينما يحكي بانفعال ، طالع زملائي بالعمل هناك بشركتي بتلك الضاحية الارستقراطية غير القريبة من منزلي دعوتي لهم بتخفيف الحكي ، وإرسال كافة طلباتهم وردودهم علي البريد الإلكتروني

طلبت إسقاط الدباجات ،فلا داعي لتحية لا ترغب أن تقدمها ولا داعي لمقدمة تجهل معناها،توجه إلي المتن مباشرة ،وأنهي حكيك بجملة قصيرة خاتمة شافية.

انزعج أبي ولكنه لم يلومني، لكن الأمر ظاهر في كل حركاته ، حتي حين قدمت له فنجان القهوة وقلت “اتفضل يا حبيبي” سألني ألن تخففي حكي ؟!

عاجلته بردي :طلبت أن نخفف حكي ، لا أن نعفه. . خفض رأسه تجاهي وخفض صوته وسألني أي رجل قد أذاكي حتي تعلني مثل هذه الرغبة ؟!

اممم لقد توقعت هذا ، أن تفكر أن رجلا قد أذاني ، صدقني لا يمكنني أن أسمي شخصا بعينه ،لكن بامكاني أن أسمي كُثر ، و الأمر ليس كما تظن.

تفكيرك محصور بأن أحدهم قد أسرف في تدليلي و مدحي ليفوز بي وأن بالأمر خدعة ، أنا لا امنحهم هذا المتعة . فحين يبدأ أحدهم بتدليلي ومدحي بإسراف ، أنظر إليه مطولا ، يتفهم ان حيلته صبيانية فيبتعد و يرغب عني

صدقني الجملة البكر تفضح نفسها و تلك الجمل المستهلكة المهداة لكثيرات تفضح نفسها ، اطمئن لا يستمروا في تدليلهم لي لأني أفض عشهم العنكبوتي.

قالت أمي بحزم شديد : ولهذا أكملتي عامك الثالث والثلاثين دون خاتم . تحسر أبي علي حديث أمي وقال لها :مالها ! ست البنات.

لم أنزعج ، أسمع جملتها هذه بطرق عدة ،بالمطبخ،بغرفتي ،بالهاتف ، بداخل الدار ،بخارج الدار، حديث فرديا ، حديثا جماعيا، شاركتها زوجة إخي دوما حديثها فهم معشر المتزوجات ، وأنا حزب لحالي حزب ثلاثينية دون خاتم.

ربما طلبت تخفيف الحكي حتي لا اسمع هذه الجمل.فكروا بالأمر اذا خففنا حكي سيقل الكذب ، سيقل النفاق، ستقل النميمة ،ستقل الغيبة، أليس انتصارا؟!

سألني أبي ليصرف ذهني عن حديث أمي : كيف ستمارسين عملك ؟! ردت أمي بالإشارة ، قالتها وقد رفعت أصابعها بحركات غير مفهومة لكنها حركات تدل علي عصبية ورفض كامن ومعلن.

لن أمتنع عن الحكي، طلبت تخفيفه فقط ، ربما بداخلي وجع ، أذي ، تعب ، إنهاك ، ألم ،ضجر،صداع ، مضض ،عدم راحة ،ضيق ، حزن ،عدم ارتياح ،عدم أمان ،عدم سكينة، فهلا خففتم حكي!

ارتفعت نبرة صوتي ، نظر لي أبي و ردد مندهشا ربما !!! ابنتي بك أذي ،أذي ضخم ،اذي عميق، أري هذا واضحا صريحا .أن هذا حصاد سنوات .

أجبته نعم أصبت ، جائزة أفضل توصيف لأبي ، ابتسمت ،لم يبادلني الابتسام . لكنه قال لترضيتي :لنخفف حكي . زادت ابتسامتي وقد غمرني رضا دافىء.
خرجت إلي عملي ، استمع إلي أغاني صاخبة ،أتساءل هل سأقوي علي مواجهة أرباب الشركة وسادة الشركة و صعاليك الشركة ؟!!

لكني محملة بطاقة وقوة لقد استطعت أن انتصر بمعسكر المنزل ، لدي باب الشركة أفراد الأمن يضحكوا ، الإجتماعات عجت بتمليحات عدة ، بحركات كثيرة .

كلما أجبت علي سؤال ،أشار لي أحدهم بأن ألتزم الصمت و ضحك ساخرا ، رفعوا جميعا أصابعهم السبابة في وجهي ، بعضهم رفع الوسطي عمدا ، لقد تحملت كثيرا ، ورغم كل شيء قاومتهم .

ازعجني أن لا أحد .. لا أحد اهتم بإجراء نقاش معي حول دعوتي ، استسلموا وأرسلوا الإيميلات كما طلبت

خففوا حكي معي ،خففوا حكي لدي تواجدي ،ربما خوفا من منصبي ،لكن همسهم بالطرقات يكاد يصلني،ولكن لماذا أشعر بداخلي أننا نكاد نصل لنقطة توزان ما ، هل حدسي صائب أم أن آمالي عريضة لا تتماشى مع واقعي؟!

مع مرور الأيام وتمسكي بدعوتي أشعر أن الحكي قد قل إلي حد كبير ،أمنحهم عادة وأطرق علي أعصابهم ،ستصل حتما إلي هدفك .
خلال اجتماع قد عج بحركات الأصابع ، زاد الأمر وصار أقرب إلي مهرجان أصابع لدي قيامي بعرض تقديمي ، فهذا يرفع السبابة وذاك يرفع الوسطي و تلك ترفع الإبهام، حتي أن بعض الموظفين المارين بجوار غرفة الإجتماعات الزجاجية قد شاركوا بعرض الأصابع هذا . بالنهاية توقفت وأخبرتهم أن منظمات عديدة للصم والبكم من حقها تحريك قضايا ضد أفعالهم وإني فقط طلبت تخفيف حكي ، لم أطلب طلب غير قانوني أو غير شرعي، انتهي الإجتماع بصراخ من أحد أرباب الشركة يطلب أن نصمت ،أن نتوقف جميعا عن ألعاب القرود والانتباه إلي أعمالنا ، ثم وجه لي نظرة مشتعلة و جملة بائسة: لم أتوقع أن يخيب ظني بك !

سيدي لقد طلبت منا الصمت من فورك !!! أنا طلبت تخفيف الحكي فقط . فما كان منه إلا أن جذبني من معصمي غاضبا وأخرجني من القاعة الزجاجية ، ترك معصمي فجأة فارتطمت بأحدي الجدران الزجاجية . صوت ارتطامي أصابه بالخوف ، كل من بالقاعة انتصبوا لدي سماعهم الصوت ، هذه الجدران الزجاجية سخيفة ، رأهم وهم يحملقوا بنا .

أراد أن يتشجار أن يصرخ عليي لكن الجدران الزجاجية لم تمنحه أية مساحة خصوصية ، اقترب مني وقال أنهي الأمر اليوم ،لا يهمني كيف ،فقط تعاطي مع وجعك بعيدا عن الشركة ، أوقفي عاداتك الجديدة ،مارسيها خارج شركتي .

ترجل مغادرا ، فقلت له وأنا ألمس معصمي الموجوع :لم أرتكب خطأ ، تهرب إلي الجيم حتي لا تستمع للمزيد من حكي زوجتك وتضع السماعة بأذنك وتبتسم لمنع شركاء الجيم من فتح محادثة مكررة سخيفة ، تركب سيارتك فتستمر بوضع السماعات حتي لا تسمع جملة من سائقك ، تطلب منك الصغيرة أن تسمع حكاياتها بالمدرسة فتخبرها أن القليل من الحكي لن يضر وأنك ستمنحها دمية لتلهيها عن المزيد من الحكي ، نحضر الاجتماعات فتستغيث بي لأنهي جمل البعض وعروض تقديمية لأخرين ، طلبت مني أن أعلم الجميع أنه إذا طرقت علي فنجانك عدة مرات فأنها إشارة للضجر وعلينا فض الاجتماع خلال دقائق ، طلبت مني أن أحضر اجتماعات مدرسة صغيرتك ،لم تتحمل حكيهم.

أنه نفس مطلبي وأن اختلفت الأسباب .لهثت لدي إنتهاء حديثي ، وقف ينظر إلي ، لا يمكنه نفي حديثي ، قال منفعلا اطلبي أجازة . لكني لا أرغب، أريده أسلوب حياة .

صرخ قائلا :ما خصني أنا ،الأمر ليس سهلا ، ستظهر تبعات ذلك خلال الإجتماعات . أجبته:صدقني ، أن نقيصتهم التعود و النسيان، سيتعودوا ثم ينسون عادتهم القديمة ،يحتاج الأمر إلي تهذيب فقط . صمت وعاد إلي غرفة الإجتماعات ، نظر إليهم ,حاول أن يبحث عن كلمات مناسبة ،لم يجد ،عادة ما أجلس بجانبه أقدم له ملحوظات قصيرة ليتابع حديثه أثناء الاجتماعات ،نظر لي لأقدم له جملة كنجدة ،لم أفعل ،فقال مستسلما :هلا خففنا حكي لبعض الوقت . سندت ظهري علي الجدار الزجاجي . ابتسمت منتصرة.
هل تدري أن بي الكثير والكثير من الحكي ، لكني أحيانا لا أميل إلي إرهاق أحد بحكي روح متعبة مثلي وأحيانا لا أشعر أن هناك شخص بالجوار يستحق أن أخبره هذا الحكي .

تخيل الأمر إيميلات قصيرة ، رسائل واتس وتليجرام وويتشات قصيرة ، فويس نووت قصيرة ،ملحوظات قصيرة تُركت علي منضدة أو طاولة تزيين .

تلك القصيرة واضحة ، كذب قليل ، تزلف قليل ، تملق قليل ،مدح قليل ،ذم قليل ، نميمة قليلة ،أحكام أقل ، نقد أقل ،أذي أقل .

أعترف أن أذي اللفظة كأذي الطلقة ،أعترف أن هذا سبب رواج حال أطباء الأمراض النفسية ،تخيل أن يصير حكي الأقارب أقل فتقل المشاحنات و يقل الأذى، حين تخفف حكي تقل سيطرة شيطانك عليك فلا تميل لطاعته في أفعاله التي يلح عليك بفعلها ، حتي الصغار صار حكيهم في المدارس والفصول تعب ووجع ، حتي عرفوه حكيهم وفعلهم كظاهرة فصار تنمر و تأسد و تفهد .

جرائم لفظية مصدرها الحكي ، هذا الحبيب او الخطيب الذي يمليء حياة حبيبته ورأسها بالكثير من التدليل وحكي غرام مبالغ فيه ، ليلا ونهارا ، تعتاد الفتاة عليه وتهوس به وترغب فيه ثم فجأة تظهر في أيامه فتاة أجمل منها فينتهي دوام الحكي،كيف لها أن تتحمل هذا الوجع ؟!

أخطأت ، كان عليها ألا تتقبل أطنان الحكي ، ربما القبول ببعض جرامات من الحكي أكثر أمانا وأقل أذي، تخيل لو حكيه أقل لصار أذاه أقل .

لو خفف رجل الدين من حكيه وعمد لتقديم موعظته في حديث قصير بسيط فكان ضيف خفيف لطيف ولم يميل لاستخدام أدوات الممثل والمذيع ليسيطير علي مجموعة من الناس لنظر له الجميع علي أنه رجل دين ،ما كانوا ليغرموا به و يبجلوه ويرفعوه درجات فإن اعترضت علي حكيه الكثير الذي أسرف فيه.

لاحقتك لعنات مريديه وتسلط لسانهم وحكيهم ،سيسرفوا في السباب و اللعن والاعتراض ، لما لا يخففوا حكي ؟! وهذا العالم العميق الذي اختفت خصلات شعره عن مقدمة رأسه،ينطق راء خفيفة تكاد تحسبها لثغة ،يرتدي نفس رابطة العنق دوما كأنه لا يملك سواها ، يحكي طالما أراد و يصوم عن الحكي طالما أراد فكأنما يمنع ويمنح وقتما أراد واذا حكي حكي جمل عميقة تُحير رأسي لنهار ، أطلب منه عدة مرات أن يشرح لي فينفي عن نفسه جريمة العمق ويسعي فيقدم حكي جديد ، جمل كلغز او كحزورة جديدة وهكذا ،أي حكي هذا !! لماذا لا يخفف حكي ؟!
ربما رحبت بدعوتي أو كفرت بها ،لكن بداخلك تعرف أن حكي هذا العالم خواء ، وأنه لو قل ولو قليلا ، قد ترتاح روح متعبة .أليس هذا انتصار ؟!!!! هلا لاحظت أنه لأقنعك بأن تخفف حكي جعلتني أقدم الكثير من الحكي، فلحاظر هذا الحكي ،هلا خففت حكي !
صدقني أن من وصف الأنسان بأنه حيوان ناطق قد ظلمه ، وأن من أسرف ورسمه حيوان حكاء قد أتعبه ، قد همهم هذا الحيوان منذ ملايين السنين ، أي إنجاز صنعه بهمهمته وصراخه!؟ فلتهدأ الهمهمات وليهدأ الكلام والقول ، إذا خففت حكي لربما يوما تعف الحكي ، هلا خففت حكي🫡 ؟!
#شيماء_كمال
#حكي

عن الكاتب

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *