جاءنا الآن
الرئيسية » جاءنا الآن » د.شريف حافظ يسطر: .. طروادة مرة أخرى!

د.شريف حافظ يسطر: .. طروادة مرة أخرى!

د. شريف حافظ

 

 

 

 

 

أعلنت إسرائيل مع بداية حربها على غزة، بأن هدفها الأساسي، هو القضاء على حركة حماس، وليس إستهداف المدنيين الفلسطينيين. ثم أصبحنا نقرأ ونسمع لمسئولين إسرائيليين في الحكومة الإسرائيلية والكنيست، كلاماً عن الرغبة في تهجير الفلسطينيين من أراضيهم. فإحترنا بين الأمرين، لأنهما متعارضان، ويبدو معهما أن الصهاينة لم يعلنوا عن هدفهم الحقيقي من تلك الحرب، ولكن مع إستمرار القصف غير المُبرر، فهِم العالم ما يقوم به العبرانيون حقاً.

فلقد أصبح واضحاً، أن الهدف الحقيقي لهؤلاء الوحوش في المرحلة الحالية من الحرب، هو تسوية غزة بالأرض، بحيث تُدمر في أغلبها، ويصبح القطاع كله “أرضاً محروقة” خارج الخدمة، وليس فقط مستشفياته ومدارسه وإمكانيات إعاشة أي مجتمع مدني فيه، بل مُجمل بنيته التحتية. وبذا يمكن تبرير الخطوة التي تلي ذلك، عندما تقصف قوات الإحتلال الصهيوني الغاشم المدنيين، الذين تطالبهم بالتوجه جنوباً بجانب “معبر رفح”، لتدفعهم بالفرار إلى سيناء، وهي خطوة قادمة لا محالة، كما يبدو، وننتظر حلولِها.
فما تقوم به إسرائيل إذاً، ليس رداً على ما قامت به حركة حماس في عملية 7 أكتوبر الماضي، ولكن يتخطى ذلك إلى تنفيذ مشروع مُعد سلفاً، ولطالما فكرت فيه إسرائيل منذ عقودٍ مضت، وكان أحد أهم أسباب الإطاحة بحكم الإخوان في مصر، من قبل شعب مصر الواعي بمساندة جيشه العظيم، عندما كانت الجماعة تنوي تقديم أرضاً مصرية في سيناء إلى إسرائيل، من أجل تهجير فلسطينيى غزة إليها، لتفكيك القضية الفلسطينية حينها.
ولقد كان هذا التهجير، جزء محوريا وأساسيا، ضمن خطة تنفيذ “نكسة يناير 2011″، التي إشترك فيها عدد كبير من الإستخبارات الغربية وبعض الإستخبارات العربية بالإضافة إلى إسرائيل وإيران وتركيا، وحين أفشلت ثورة 30 يونيو هذا المخطط، جُن جنون الغرب وبالذات أمريكا، لأن معنى هذا كان أن أحد الأغراض الأساسية من النكسة قد تم إحباطه، وبهذا فشلت النكسة في جوهرها بالنسبة لمُخططيها.
ولقد فكت حماس إرتباطها بجماعة الإخوان في 1 مايو 2017، بعد أن كانت تعمل كجناح من أجنحتهم منذ نشأتها في العام 1988. وتحولت تبعية حماس منذ وقتها وبشكل علني، إلى إيران، التي أكدت أن العلاقة مع حماس لم تنقطع يوماً. وإيران هي التي تهاجم العرب منذ ثورة الملالي في طهران عام 1979، وقلما رأيناها تضُر بالمصالح الإسرائيلية أو الأمريكية بالمنطقة، إلا من خلال الخطابات الحنجورية فقط. بل إننا شهدنا على إعتداء إيران على حجيج بيت الله بمكة المُكرمة وقتلهم في الثمانينات من القرن المُنصرم، في تخطي لحُرمة الأماكن المقدسة للمسلمين أيضاً، وهي من المُفترض أنها تُدين بنفس دينهم.
فإيران الملالي، تعمل على مشروع “فارسي” واضح المعالم، يعمل على إزاحة القوة العربية من المنطقة، لصالح إسرائيل، ولو جزئياً. ولا يهمها كثيراً زيادة عدد الشُهداء الفلسطينيين، لأن أولوية إيران لمشروعها. وهي لا تُجيد إلا الصياح دفاعاً عن العرب، وفي النهاية تقوم بضربهم هم ذاتهم، كما شهدنا في مساعدتها الولايات المتحدة، للسيطرة على العراق بعد غزوها في عام 2003، ثم إستغلالها للنكسة اليمنية في 2011 وهجومها من خلال وكلاءها الحوثيين على دول الخليج العربية، وتوغلها في لبنان من خلال حزب الشيطان، وتعديها على مصر في مناسبات مُختلفة. فالعدو الأساسي للفُرس في الشرق الأوسط، هم العرب وبلا منازع، ومصيبة بعض القادة العرب، أنهم يتعاونوا مع إيران على حساب العرب، بينما يصفون أنفسهم بـ “قلب العروبة النابض”، في نكتة سوداء لا تُضحك أحد!
وعليه، فإن الإستنتاج البديهي هو أن حماس كانت ولا تزال “حصان طروادة” من خلال عملية السابع من أكتوبر الماضي، والتي فتحت الطريق لإسرائيل ومنحتها الذريعة المناسبة، لتشن الحرب الجارية على غزة والضفة الغربية. فقادة حماس ليسوا بتلك البلاهة، التي نراهم عليها حينما يتحدثون عن النصر المزيف، لأن التجارب السابقة مع إسرائيل، منذ إستيلاء حماس على القطاع في 2007، برعاية إسرائيلية، تؤكد أن رد الفعل الإسرائيلي على “العبث الحمساوي”، سيكون أقسى بكثير من كل رشقات تلك الصواريخ، التي لم تُرجع أرضاً ولم تنقذ روحاً.
لقد قالت إسرائيل بأن هدفها القضاء على حماس، لتحول حركة حماس إلى “أبطال” في نظر السُذج والبسطاء العرب، الذين تعرف يقيناً أنهم يكرهونها دون تفكير، وبهذا يحبون أي طرف يهاجمه نظام الإحتلال. وبهذا يُصبح “عملاء الإحتلال”، أبطال في نظر من لا يفكر في منطق المُجريات منذ بداية الحرب. وأسأل: كيف يختبئ البطل في نفق تحت الأرض، بينما يُقتل بني وطنه فوق الأرض؟!
إن من يريد القضاء على جزء أساسي ومؤثر من حماس، ما عليه إلا أن يعتقل قادة حماس الكبار الذين يتواجدون مع عائلاتهم في الدوحة، في قصور قطر، حيث ينعمون بالملذات، بينما أهلنا في غزة، محرومون من الحد الأدنى من مستلزمات الحياة، في ظل غياب المياه والطعام والأدوية!
إن من يعرف تاريخ نشأة حماس، وكيف تركتها إسرائيل تنعم بالحكم في غزة، حيث “حرية الحركة” في أن تتعاون مع الإخوان في مصر ضد الدولة المصرية ومع الملالي في إيران ضد الشعب الفلسطيني، رُغم أن إسرائيل نفسها، قد ضيقت الحصار مثلاً على مقر حكم ياسر عرفات في منطقة المقاطعة، برام الله بالضفة الغربية، حتى توفاه الله في نوفمبر من العام 2004؛
أقول: إن من يعرف تاريخ حماس في حرية الحركة بغزة ومنها إلى خارج القطاع، منذ تنفيذ “خطة فك الإشتباك الأُحادي الجانب” مع غزة، من قبل رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إريل شارون، ما بين أغسطس وسبتمبر من العام 2005، .. من يعرف ذلك وما قامت به حماس بعدها، من أمور لا علاقة لها بأية مقاومة لإسرائيل، بل تعديت على السلطة الفلسطينية في غزة، ثم على مصر من خلال تفجير ثم إقتحام الحدود مع سيناء، في إطار “بروفة” لصالح دولة الإحتلال، لترى ما سيحدث خلالها من قبل السلطات المصرية، … ثم إقتحام السجون المصرية أثناء نكسة 2011 لصالح الإخوان، … كل هذا يشير إلى أننا نتعامل مع قيادات عميلة، تخدع من يجهل تاريخها بوصف نفسها “بالمقاومة”، … وقد أصبح واضحاً لشعوب العالم كله، أنه لا توجد أدنى مقاومة توقف سيل دماء الأطفال الأبرياء في غزة على الإطلاق.
فإسرائيل نفسها، ومن خلال “توجيه حنابعل” الصادر عن مسئوليها في العام 1986، تقوم بتفجير أي مبنى يوجد فيه جنوداً إسرائيليين مخطوفين من قبل مُسلحي حماس، بحيث يموت كل من في المبنى، بما يعني أن الدولة الصهيونية تفضل جنودها “مقتولين”، عن أن يكونوا “مخطوفين”. أي أن من يُقتل من إسرائيليين في تلك الحرب، لا يموت فقط بأيدي بعض مقاتلي حماس، ولكن بأيدي “جيش الاحتلال الإسرائيلي” ذات نفسه أيضاً!!
فما هي جدوى ما تقوم به جماعة حماس منذ يوم 7 أكتوبر الماضي؟
وهل تلك فعلاً “مقاومة” مؤدية إلى أي نصر، مع تخطي عدد الشهداء الفلسطينيين، وبالذات الأطفال منهم، حاجز الـ11 ألف نفس، وإعتراف العالم بأن ما يُكابده الفلسطينيين في غزة، هو مأساة إنسانية كاملة المعالم والأركان؟!
إن البطل الحقيقي في تلك الحرب، هو الشعب الفلسطيني وبالذات أطفاله، الذي تُشن عليه إسرائيل وحماس مجتمعين، حرباً ضارية، ليستشهد من يستشهد، ويُعاني الأحياء المُتبقيين من تدني الوضع المعيشي ورُعب أيام القصف ولا يجدوا ما يختبئون تحته مع زوال اية مظلة للحماية!!
ألا لعنة الله على النظام الإسرائيلي وحماس معاً،
ورحم الله شهداء غزة ورفع عنهم تلك المُعاناة البائسة،
والله أكبر والعزة لمصر.

عن الكاتب

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *