المستوطنات الصهيونية كيانات عسكرية ليست لها حصانة…
تحدثنا فى التحليلات السابقة عن الفكر العسكرى الصهيونى من خلال الإرث والجهد العلمى والبحثى، الذى تركه لنا أباء الفكر العسكرى العربى ، والذى أظهر إنحراف تام فى مساحات التعامل السياسى والإعلامى والصحفى فى كل الصراعات والأزمات مع دولة الاحتلال الإسرائيلى مع هذا الإرث وهو ما أدى إلى سيادة وقوة وربما طغيان السردية والرواية و المصطلحات والتفسيرات والمبررات الإٍسرائيلية..
وفى هذا التحليل سأحاول التركيز على خدعة أن المستعمرات “المستوطنات” لها حصانة وأن المستوطنين مدنيين لهم حصانة والتى تمنح دولة الإحتلال حق ليس من حقها بالدفاع عن النفس؛ وكيف أن المستعمرات “المستوطنات” كيانات أمنية وعسكرية تتسق مع الفكر الصهيونى؟ وكيف أن المقاومة المسلحة لتلك الكيانات تفرضها التحديات والضرورة والمصلحة رغم ما يدفعه الشعب المقاوم من تضحيات وما تتسبب فيه لدول الجوار من أزمات هى بالمعايير الإستراتيجية أقل ثمن يمكن دفعه من وجود تلك المستعمرات “المستوطنات” على حدوده المباشرة…
- قام الفكر العسكرى بالدور الأول والمهم فى رسم السياسة الصهيونية الهادفة إلى خلق وتطوير الوجود الصهيونى بفلسطين، فترك بصماته واضحة مذ البداية على كافة المخططات والمناهج التى وضعت لإنشاء “الدولة اليهودية”. واستتبع ذلك أن تبوأت القوة المسلحة مركز الصدارة فى تحقيق هذا المخطط، وصار للمنظمات العسكرية الكلمة المسموعة منذ بداية الأمر. ولعل فى ذلك ما يفسر إلى حد كبير، تلك الظاهرة التى صاحبت اقامة الدولة؛ وهو ما سبق انشاء وتنظيم المؤسسة العسكرية على اقامة الدولة ذاتها. فعندما أعلن عن قيام الدولة وأصبح لزاما تكوين الجيش النظامى لم يتطلب الأمر سوى تغيير أسم المنظمة العسكرية السرية “هاجاناه” من “منظمة الدفاع” إلى “جيش الدفاع”… “تسهال” التى هى اختصار للكلمات العبرية “تسفا هاجانا ليسرائيل” اى: “جيش الدفاع الإسرائيلى”… وكانت عبارة “الدفاع والحراسة” التى استخدمت فى العام الذى قررت فيه المنظمة الصهيونية “1907م” البدء فى ممارسة الاستعمار الصهيونى لفلسطين على أوسع نطاق لم تكن تعنى فى حقيقتها سوى “العنف والاغتصاب”…
- وقد كانت أفكار ديفيد بن جوريون المعروف لديهم بـ “النبى المسلح” كفيلة بشرح أسباب إنشاء القوة العسكرية المرتبطة ببناء وتوسيع المستوطنات بفلسطين فى الوقت المبكر للصراع الذى سبق عام 1948 وغلفها حينذاك بكلمات ومصطلحات خادعة مثل: “الدفاع” و “الأمن والحراسة” و “حماية الأرواح” وصولا إلى عامنا الحالى 2023 بمصطلح “حق الدفاع عن النفس”… وكلها ألفاظ ومصطلحات لا تمثل الحقيقة ولا تشكل سندا أو حقا للوجود الصهيونى من أساسه؛ لأنه وجود قائم على الاغتصاب والقهر؛ ويقول بن جوريون فى إنشاء منظمة هاشومير: ” كان من السخف أن يعتمد المستوطنون اليهود على الآخرين فى حراسة محاصيلهم وحماية أرواحهم، فإذا استمر الحال على هذا المنوال فلن يتمتعوا بحريتهم قط ولن يشعروا بأنهم فى أمان على الاطلاق، وإذا كان عليهم ان يدافعوا عن أنفسهم، ولابد من استئجار الحراس لهذا الغرض، فينبغى أن يكون هؤلاء الحراس من اليهود، وعلى ذلك أنشئت منظمة “هاشومير” من رجال الحراسة، كانت فى الواقع طليعة الهاجاناه قوة الدفاع اليهودية السرية التى شكلناها بعد الحرب العالمية الأولى، والتى لعبت دورا عنيفا فى الدفاع عن اليهود بصفة مستمرة حتى اعلان الاستقلال فى سنة 1948″.
Ben-Gurion Looks Back; In Talks with MoshePearlman; New York, Simon & Schuster, 1965, P.24.
- وقد كانت مستوطنة “الشجرة” أول مستعمرة صهيونية تكون قوة مسلحة كنواة لمنظمة “هاشومير”. واستمر بن جوريون وبن تزفى فى سعيهما نحو تحقيق “المجتمع الصهيونى المسلح”، وتعميم نظام القوة المسلحة بين المستوطنات. وبذلك تكونت منظمة هاشومير من أعضاء حزب “عمال صهيون وبعض الأعضاء القدامى من وحدات الحراسة بالخارج “دياسبورا” على نمط جماعات الدفاع الذاتى فى روسيا… ولم يكن شعارها “الحراسة والدفاع”.. بل كان شعارها الذى نادى به “النبى المسلح” بن جوريون هو: “بالدم والنار سقطت اليهودية، وبالدم والنار سوف تعود من جديد”…
- المشروع القومى اليهودى الذى واكب بداية التسلل إلى فلسطين ومن بعدها مرحلة إغتصاب الأرض وتقنين الوجود اليهودى وما تلاها من مراحل التوسع كان يواجه مقاومة من مشروع مقابل وتحدى من حركة التحرر العربى النامية التى تمثلت قمتها فى الثورة المصرية عام 1952 وهو ما تجسد فى الدخول فى صراع مسلح مع كل ما كانت تمثله تلك الفكرة القومية العربية وامتدادها فى أفكار التحرر فى المنطقة والعالم النامى وبدأت الجولات مع عداون 1956 وما تلاه من تطوير لفكرة التوسع إستعدادا لاندفاع عدوانى جديد تحت ستار الحصول على “حدود آمنة”” وتمكينا للقوات الإٍسرائيلية المسلحة من تحقيق مهام طموحه فى أكثر من جبهة عربية وفوق أنواع عديدة من مسارح العمليات.
- وكانت الجولة العربية الإسرائيلية الثالثة فى صيف عام 1967 ختاما مثيرا لهذه الحقبة التى انتهت بابتلاع أرض فلسطين كاملة؛ بل واحتلال مزيد من الأراضى العربية المجاورة… حتى واجهت عقبة كبيرة فى 6 أكتوبر 1973 التى أصابت مشروع التوسع والحدود الآمنة فى مقتل أجبرت تل أبيب على القبول ببعض اتفاقيات السلام مع الدولة الأكبر فى المنطقة وعدد من دول الجوار بهدف تحييدها وإخراجها من دائرة الصراع العسكرى المباشر وفقا للمفهوم والفكر الصهيونى القديم والحديث والمعاصر واعتمدت فكر أن الحروب تخاض بعدة وسائل وأسلحة ليست كلها عسكرية وأن هناك أوجه عديدة للصراع والمواجهة والتسلل والتمكين والتوسع WAR BY OTHER MEANS وتعدد الأوجه والأسلحة يشمل: السياسى والاقتصاد والإعلامى والثقافى والأمنى والمعلوماتى.. وذلك ارتباطا بالتحالف وتضافر الجهود مع القوى الاستعمارية الفاعلة وفق كل حقبة زمنية ومعطاياتها وموازين القوة التى تحكمها… وهو ما يعنى أن الصراع مع إسرائيل وجودى ويمثل تحدى حضارى وتفوق نوعى مصحوب بمصالح وخطط واستراتيجيات لتفتيت الجبهات المضادة على مستوى الدول والمؤسسات والجماعات البشرية…
- نأتى إذا إلى خدعة مستعمرات “مستوطنات” غلاف غزة؛ وخصوصية مستعمرات “مستوطنات” مثل زكيم وسديروت ونتيفوت وكيسوفيم واشكول؛… عندما نتحدث عن الغلاف فإننا نتحدث عن مساحة من الأراضى ممتدة لـ 700 كم متر مربع و 50 مستوطنة حيوية ومهمة فى الفكر الأمنى والعسكرى الصهيونى لدرجة اعتبرها بعض المحللين الإٍسرائيليين – وللأسف ليس العرب – أن سقوط الغلاف بتلك الطريقة يعنى سقوط إسرائيل ضمنيا بعيد عن السقوط الاستخباراتى والمعلوماتى والمعنوى وانهيار نظرية الأمن والردع؛ لأن الغلاف فكرته الأمنية والعسكرية هى إقامة حاجز بشرى ممتد بين الضفة الغربية وقطاع غزة بواسطة المهاجرين اليهود المقتنعين بالفكرة الصهيونية وتمنع التواصل جغرافيا بين أراضى الدولة الفلسطينية المنصوص عليها فى القرارات الأممية؛ ولكن الأهم أنها تمنع التواصل والتنسيق والحشد الأمنى والعسكرى حال إشتعال الموقف من قبل المقاومة فى القطاع والضفة…
- فضلا عن أن فكرة “الغلاف” هى ضمان عدم قطع التواصل بين مناطق بئر سبع والنقب عن الساحل البحرى أو بالتعبير الصهيونى قطع المنطقة الصحراوية عن المنطقة الخضراء والمزروعة شمالا وتصل النقب وبئر سبع بتل أبيب؛ هذا إضافة إلى الإستفادة الإقتصادية من تلك المستعمرات رغم محدودية أعداد المستوطنين البالغة 40 ألف لأنها تمد الداخل والسوق الإٍسرائيلى بـ 70% من احتياجات دولة الإحتلال من الخضار والفاكهة وهو أمر بمفهوم الأمن الغذائى يضرب المحتل فى مقتل ويمنح تلك المستعمرات قيمة استراتيجية وتجعل منها هدفا استراتيجيا عنما يستهدف من عدو او مقاومة… لذا يعد زوال مستعمرات “غلاف غزة” بفعل أعمال المقاومة والاستهداف أمر خطير بالنسبة لصانع القرار الإٍسرائيلى الذى يعانى حاليا من نزوح المستوطنين نتيجة لحالة الهلع والرعب بعد هجوم 7 أكتوبر وقراراهم بعدم العودة إلا بعد القضاء على مصدر الخطر الذى تمثله المقاومة المسلحة داخل القطاع التى تقدر المصادر الإٍسرائيلية أنها قادرة على تجهيز 150 الف مقاتل من كافة الفصائل داخل القطاع الذى يقدر عدد سكانه بـ 2.3 مليون غزاوى معظمهم فى سن الشباب والمراهقة وهو ما يعنى ديمومة واستمرارية التجنيد وتجهيز البديل لما يتم تصفيته او اعتقاله من المقاومة…
- لذا كان المخطط الصهيونى الأمنى والعسكرى هو السعى لإحداث توازن بين هذا التهديد القادم من القطاع وبين أعداد المهاجرين “المغتصبين” الذين يستوطنون تلك المستعمرات وتكثيف موجات الهجرة والمزايا التى تمنح لهم واستمرار تأهيل البنية العسكرية لتأمين المستوطنات والمستوطنين الذين يتم تدريبهم وتسليحهم، وإلى أن يتم ذلك وتكتمل البنية والتوازن والتدريب والتسليح المتقدم للمستوطنين فيجب وفقا للعقيدة الصهيوينة القضاء على أية مقاومة داخل القطاع لأن الأمور لو تركت هكذا ستكون العملية القادمة تستهدف التواصل والتنسيق بين الضفة والقطاع جغرافيا وأمنيا…
- وتتركز حملات تشجيع اليهود فى الغرب وخاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية إلى منطقة “الغلاف” وغيرها من المستوطنات على منح رخصة إقامة مستوطنات خاصة تصل إلى 50 منزل محاطة بالمساحات الخضراء المفتوحة وآبار المياه والبنية الالكترونية ونموذج قانونى خاص بين الحكومة فى تل أبيب وبين المستوطنين يمنحهم مساحات حركة كبيرة ومزايا فى ظل حماية “فرقة غزة” العسكرية البالغ عددها 12 ألف جندى وضابط يطلقون عليها مسمى “ثعالب النار”؛ والتى يروج لها على أنها تضم نخبة من أفضل الرياضيين الإسرائيليين فى ألعاب القتال وكمال الأجسام والرماية والأعلى تجهيزا وتدريبا بين وحدات جيش الاحتلال؛ وذلك خدمة للنموذج الدعائى الذى يشجع على الهجرة والإستيطان “الرفاه والرخاء والأمن”؛ ثم جاءت عملية 7 أكتوبر لتضرب هذا النموذج الدعائى فى مقتل وتهين الفرقة وجنودها وكل المنظومة الأمنية والمعلوماتية والاستخباراتية والاستعداد القتالى وردة الفعل والإذنار المبكر فى 6 ساعات؛ وذلك من خلال إسقاط 25 نقطة عسكرية وأمنية ومقر قيادة الفرقة وقاعدة ايريتز القوية مع حالة إرباك كاملة للقيادة والقرار من خلال إطلاق 5000 صاروخ تفوق قدرة القبة الصاروخية على المواجهة وقبل كل هذا عرت نتانياهو وحكومته اليمينية وقضت على أسطورته تماما؛ ومع نهاية المعارك ستضعه خلف الأسوار… وهو الأمر الذى حاولت وتحاول الدعاية الإسرائيلية أن تعمى الأبصار عنه وتصرف النظر عنه بالحديث عن استهداف المدنيين وقتل الأطفال واغتصاب النساء وخطف المدنيين وسارت من خلفها خطابات الإدانة الدولية والعربية…
- فكر أن المستوطنة والمستوطن والبنية الأساسية للمستوطنة هو عسكرى وأمنى ربما يفسر أن المعارك الدائرة حاليا بين قوات الاحتلال والمقاومة الفلسطينية تتركز فى غرب غزة وليس شرقها حيث الهجوم التقليدى بدفع المدرعات والمفارز فى شكل إنساق هجومية من قواعد موجود فى شرق غزة وشمالها الشرقى ولكن تحليل العمليات على أرض الواقع يعكس ويقول أنها تنطلق حاليا انطلاقا من تمركزات فى الغرب كانت بالأساس مستعمرات “مستوطنات” لقوات الاحتلال قبل الانسحاب من القطاع فى 2005 وهى نتسريم Netzarim وإيلى سيناى Elei Sinai ودوجيت Dugit حيث توجد أكبر نسبة من الدبابات وناقلات الجنود والآليات بالقرب من ساحل غزة لوجود بنية اساسية وطرق تعرفها جيدا تسمح لها بقليل من المناورة وذلك غير متاح من ناحية الشرق وهو ما ينطبق على مستوطنة نيسانيت Nissanit فى الشمال الشرقى؛ وهو ما يؤكد لنا أن تلك المستوطنات كانت قد شيدت من قبل قوة الاحتلال للقطاع كبنية عسكرية تتحول معها إلى نقاط إرتكاز فى خطط العمليات عند إعادة اقتحام واحتلال القطاع مجددا بدعم من المدفعية البحرية مما يسمح لقوات الاحتلال بالمناورة ودفع بعض القوات فى شوارع مثل صلاح الدين ثم العودة وهو ما يسفر عدم السيطرة الكاملة على القطاع رغم مرور كل هذا الوقت ويفسر أيضا استمرار الهجمات والضربات الجوية التى تعكس أنه لم يسيطر على الأرض … فين بقى الأخوة بتوع سكان المستوطنات المدنيين العزل إلى أخره من الهراء والانبطاح والتبعية والسطحية والجهل إلى أخره من كل المصطلحات التى مكنت جيش الاحتلال من شرعنة كل جرائمه بدعم من هؤلاء الذين يؤمنون ويرددون العبارات والمصطلحات والقناعات الصهيونية؟؟ّ!!! ولن أزيد…
- يا سادة؛ يبدأ السلام عندما تتخلى الدولية الصهيونية عن الأفكار الصهيونية التوسعية وعن الأفكار المؤسسة لعقيدة النار والدم… أنا شخصيا أعانى من غياب هؤلاء الذين عاشوا الصراع منذ بدايته والذين خاضوا حروبا حقيقية ضد هذا العدو واستطاعوا أن يهزموه فى أوج إنطلاقه وتوسعه، ومع قرب رحيل جيل أكتوبر بالكامل تاركا ومنذ زمن مساحات من الفراغ احتلها الغير نرضى عنه أو نرفضه ولكنه أصبح واقعا وهو السلاح الوحيد الذى نملكه لتحجيم تلك الأفكار الصهيونية الدموية بعد أن أصبحت الحلول التقليدية والحروب النظامية ضربا من الخيال وتتسم بعدم الواقعية التى لا تدرك حقيقة الواقع العربى…
ونكمل الدردشة بعدين… وتانى متسلموش دماغكم لحد لأنها أغلى ما تملكون.