السبب الذي يجعل من الصعب على الأجانب فهم الحرب بين حماس وإسرائيل هو أنّ ثلاث حروب تجري في الوقت نفسه:
1- حرب بين اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين تتفاقم بسبب جماعة ” إرهابية”.
2- وحرب داخل المجتمعَين الإسرائيلي والفلسطيني على المستقبل.
3- حرب بين إيران ووكلائها وبين أميركا وحلفائها.
هناك صيغة واحدة تعزّز فرص انتصار قوى الاعتدال والتعايش في الحروب الثلاث، وهي: هزيمة حماس، طرد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وحلفائه المتطرّفين، ردع إيران، وإعادة تنشيط السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بالشراكة مع الدول العربية المعتدلة، وإحياء خيار الدولتين.
السلطة الفلسطينية بعد تجديدها تشكّل قبل كلّ شيء حجر الأساس لانتصار قوى الاعتدال والتعايش في الحروب الثلاث، ولإحياء حلّ الدولتين وإرساء أساس مستقرّ لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية والعالم العربي والإسلامي الأوسع، وإنشاء تحالف بين إسرائيل والعرب المعتدلين والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي قادر على إضعاف إيران ووكلائها حماس والحزب والحوثيين الذين لا يطمحون إلى تحقيق أيّ خير.
المعضلة المتمثّلة بوجود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وشركائه السياسيين من اليمين المتطرّف والمستوطنين المتشدّدين الذين يرفضون أيّ نقاش في هذا الخيار خوفاً من أن تستغلّ الولايات المتحدة والسعودية مثل هذه الخطوة لاستئناف العملية السياسية والدفع باتجاه حلّ الدولتين بطريقة تجبر إسرائيل على تقديم تنازلات في الضفة الغربية.
إذا كان نتانياهو أسيراً لخطّه السياسي، فيجب أن يكون الرئيس الأميركي جو بايدن حذراً للغاية حتى لا يصبح أسيراً له. فهذه ليست الطريقة لكسب هذه الحروب الثلاث دفعة واحدة.
الحروب الثلاث
الحروب الثلاث التي تجري في الوقت نفسه:
– الحرب الأولى، الجولة الأخيرة من الصراع بين شعبين أصليَّين، اليهود والفلسطينيين، على الأرض نفسها، لكن مع تطوّر إضافي يتمثّل في أنّ من يقود الجانب الفلسطيني هذه المرّة ليس السلطة الفلسطينية، التي التزمت منذ أوسلو بالتوصّل إلى حلّ الدولتين على أساس حدود ما قبل حرب 1967، بل حركة حماس التي تكرّس نفسها للقضاء على أية دولة يهودية، وأطلقت في السابع من تشرين الأول حرب إفناء لهذه الدولة دون أيّ خرائط عن حلّ الدولتين. إنّ إنهاء حكم حماس في غزة، الذي تؤيّده كلّ الأنظمة العربية السنّية باستثناء قطر، ضروري لإعطاء كلّ من سكّان غزة والإسرائيليين الأمل في مستقبل أفضل، غير أنّ الجهد الحربي الإسرائيلي برمّته يفقد شرعيّته ويصبح غير مستدام ما لم تتمكّن إسرائيل من فعل ذلك مع المزيد من الاهتمام بالمدنيين الفلسطينيين، حيث أدّى غزو حماس والغزو الإسرائيلي المضادّ المتسرّع إلى كارثة إنسانية في غزة، الأمر الذي يؤكّد مدى حاجة إسرائيل إلى شريك فلسطيني شرعي لمساعدتها في حكم غزة في اليوم التالي.
– الحرب الثانية، الصراع بين رؤى المجتمعَين الفلسطيني والإسرائيلي الطويلة الأجل. بالنسبة لحماس هذه حرب عرقية/دينية هدفها إقامة دولة إسلامية في كلّ فلسطين من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط. من جهتهم، يعتبر المستوطنون اليهود العنصريون الممثَّلون في حكومة نتانياهو جميع الفلسطينيين أحفاد العماليق المعاصرين، غزاة الصحراء الذين يعيشون من الغزو والنهب. لذلك يتمسّكون بإعادة بناء المستوطنات في غزة ويريدون إسرائيل الكبرى من النهر إلى البحر.
ولقد احتضن نتانياهو هذه الأحزاب اليمينية المتطرّفة وأجندتها، ولم يعد بإمكانه إبعادها دون أن يفقد قبضته على السلطة. أمّا دعاة الدولتين في كلّ من المجتمعَين فهم الآن في موقف دفاعي في صراعهما مع دعاة الدولة الواحدة، ومن مصلحة الولايات المتحدة والإمارات والسعودية وجميع المعتدلين إعادة خيار الدولتين من خلال إقامة سلطة فلسطينية شرعية ذات مصداقية تثق بها إسرائيل لحكم غزة والضفة الغربية في مرحلة ما بعد حماس. وهو ما يتطلّب توحيد الفلسطينيين لجهودهم وتطهير السلطة الفلسطينية من الفساد والتحريض المعادي للسامية في كتبها المدرسية، وتجهيزها بقوات حكومية وأمنيّة موثوقة.
– الحرب الثالثة التي يستحيل الانتصار فيها بدون وجود سلطة فلسطينية شرعية هي بين إيران ووكلائها حماس والحزب والحوثيين والميليشيات الشيعية في العراق وبين أميركا وإسرائيل والدول العربية المعتدلة مثل مصر والسعودية والأردن والإمارات والبحرين. فهذه الحرب لا تتعلّق بالهيمنة والقوّة الخام ومصادر الطاقة فحسب، بل أيضاً بالقيم والمفاهيم الإنسانية.
وفي حين أنّ الحلفاء العرب لأميركا وإسرائيل ليسوا ديمقراطيين، ولا يطمحون إلى أن يكونوا كذلك، إلّا أنّ قادتهم يبتعدون عن النموذج القديم لبناء الشرعية من خلال مقاومة إسرائيل وأميركا ويتّجهون نحو بناء شرعيّتهم وتوفير القدرات لجميع شعوبهم من خلال التعليم والمهارات وزيادة الوعي البيئي حتى يتمكّنوا من تحقيق إمكاناتهم الكاملة.
هذه ليست أجندة إيران، بل مسألة من سيكون المهيمن في المنطقة: إيران الشيعية المرتبطة بروسيا والتي يمتدّ نفوذها إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن، أو السعودية التي يهيمن عليها العرب السّنّة ولها تحالف ضمني مع البحرين والإمارات والأردن ومصر وإسرائيل، وكلّها مدعومة من أميركا. فهدف إيران، هو إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، وتدمير إسرائيل، وترهيب حلفاء أميركا من العرب السُّنّة وإخضاعهم لإرادتها. وفي هذه الحرب، تستعرض أميركا قوّتها من خلال مجموعتها من حاملات الطائرات المتمركزة الآن في الشرق الأوسط، وتواجهها إيران بما سمّته “حاملات الطائرات البرّية”، وهي شبكة من الوكلاء في لبنان وسوريا وغزّة والضفة الغربية واليمن والعراق تعمل كمنصات لشنّ هجمات صاروخية على القوات الأميركية وإسرائيل تماماً مثل تلك التي تنطلق من حاملات طائراتنا.
نموّ التطرّف
أنّ الخناق الذي يفرضه النظام الديني الإيراني الكاره لليهود على إسرائيل من الغرب والشمال والجنوب يمثّل تهديداً وجودياً لإسرائيل، وأنّ كلّ ما تحتاج إليه إيران هو أن تجعل حماس والحزب والحوثيين يطلقون صاروخاً واحداً يومياً على إسرائيل، وسيرفض عشرات الآلاف من الإسرائيليين العودة إلى منازلهم على طول تلك المناطق الحدودية التي تتعرّض لإطلاق النار. سوف تتقلّص البلاد، إن لم يكن أسوأ من ذلك.
والأسوأ، من خلال بحث أجراه الاقتصادي الإسرائيلي دان بن ديفيد، رئيس معهد شوريش للبحوث الاجتماعية والاقتصادية في جامعة تل أبيب، يُظهر أنّ في بلد من تسعة ملايين نسمة 21% من طلاب السنة الأولى الإسرائيليين هم من اليهود المتشدّدين، وتكبر الغالبية العظمى منهم من دون أيّ تعليم علماني تقريباً، بينما 23% آخرون من عرب إسرائيل يذهبون إلى مدارس عامّة ضعيفة التمويل والتجهيز.
وبالتالي هناك “أقلّ من 400 ألف فرد مسؤولون عن إبقاء إسرائيل في العالم المتقدّم. هم أفضل الباحثين والعلماء والفنّيين والمتخصّصين في الإنترنت والمبتكرين الإسرائيليين الذين يقودون الاقتصاد الدفاعي والصناعة في الدولة الشابّة. هؤلاء يدعمون حكومتهم، لكنّ بعضهم سيهاجر إذا لم تتمكّن من الحفاظ على حدود مستقرّة أو ممرّات ملاحية. وستكون العواقب كارثية على إسرائيل”.
إسرائيل، تحتاج، من أجل كسر القبضة الإيرانية الخانقة، إلى حلفاء الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والدول العربية المعتدلة. ومثل هذا التحالف لن يتحقّق إذا تمسّك نتانياهو بسياسته الرامية إلى تقويض السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وضمان سيطرة إسرائيل ويهودها السبعة ملايين إلى أجل غير مسمّى على خمسة ملايين فلسطيني في غزة والضفة الغربية. والقوى الموالية لأميركا في المنطقة وبايدن نفسه لا يمكنهما ولن يكونا طرفاً في ذلك.
تحقيق النصر في الحروب الثلاث يتطلّب قيام سلطة فلسطينية معتدلة وفعّالة وشرعية تحلّ محلّ حماس في غزة، وتكون شريكاً موثوقاً لحلّ الدولتين مع إسرائيل، وتمكين السعودية والدول العربية الإسلامية الأخرى من تطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية وعزل إيران ووكلائها، وأنّه لا يمكن لإسرائيل والولايات المتحدة إنشاء تحالف إقليمي مستدام في مرحلة ما بعد حماس أو تحقيق الاستقرار الدائم في غزة ما دام بنيامين نتانياهو هو رئيس وزراء إسرائيل