هذه هي المرة الثانية التي يُرفع فيها الحد الأدنى لأجور العاملين بالحكومة المصرية خلال أقل من ستة أشهر، لتصل تكلفة الحزمتين معاً إلى 240 مليار جنيه (7.75 مليار دولار) خلال السنة المالية الحالية، أي ما يفوق بأكثر من ملياري دولار قيمة ما باعته مصر من أصول وحصص بشركات حكومية خلال العامين الماضيين.

ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب اعتبر أن “الحزمة الجديدة سيكون لها تأثير للمدى المتوسط على التضخم والعجز الكلي للموازنة، لكنها ستلعب دوراً إيجابياً في تسريع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي”.

وزير المالية محمد معيط قال على هامش مؤتمر صحفي، يوم الخميس، أن “زيادة الأجور التي تم الإعلان عنها ستمول بالكامل من الموازنة العامة”

“القرار جاء في توقيت جيد، لمحاولة الحفاظ على السلم الاجتماعي ضد الموجة التضخمية التي تشهدها البلاد”، بحسب أحمد غنيم أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة منبهاً بأن “شريحة كبيرة من المواطنين كانت بحاجة للمساعدة بسبب الأوضاع المالية التي يمرون بها حالياً، لكن في الوقت نفسه لا يمكن إغفال أن الزيادات ستساهم في ارتفاع معدلات التضخم.

خلال الأسبوعين الأخيرين، سادت العشوائية تسعير السلع بالأسواق المصرية في ظل عدم توفر العملة الصعبة للمستوردين، ما دفع بعض القطاعات لتسعير وبيع منتجاتها بالدولار كالحديد والأسمدة والأعلاف.

وبعد ارتفاع الجنيه بالسوق الموازية، أعلنت بعض الشركات عن تراجع أسعار منتجاتها بالأسواق، لكن مواطنين يؤكدون عدم توافر تلك السلع أساساً.

مصير عمال وموظفي القطاع الخاص

سيستفيد من قرار السيسي ما يصل إلى 5 ملايين موظف يعملون بالقطاع الحكومي، بينما يعمل في القطاع الخاص بالدولة ما يصل إلى 30 مليون موظف غير خاضعين لتلك الزيادة.

مسؤول في وزارة التخطيط المصرية قال، مشترطاً عدم نشر اسمه، إنه سيكون “من الصعب على المجلس القومي للأجور مجاراة الحكومة في زيادة الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص لنفس المستويات، خاصة أن الحكومة قامت بالزيادة مرتين خلال ستة أشهر فقط.. والقطاع الخاص يواجه صعوبات وتحديات اقتصادية خلال الفترة الأخيرة أبرزها سعر الصرف”.

تفاقم العجز وإجراءات تقشفية 

يشير غنيم إلى أنه “عادةً ما تحتاج الإصلاحات الاقتصادية كتحريك سعر الصرف، ورفع أسعار المرافق، واتخاذ إجراءات تقشفية، إلى حزمة حماية اجتماعية كما شهدنا. ومع أن الإجراءات الجديدة ستؤدي إلى ارتفاع عجز الموازنة، لكن في الجانب الآخر أعلنت الحكومة مؤخراً عن ترشيد نفقاتها وبالتالي ستنخفض المصروفات، وقد يُحدث ذلك حالةً من التوازن إلى حدٍّ ما”.

عملت الحكومة المصرية خلال الشهرين الماضيين على تقليص مصروفاتها من خلال تأجيل بعض المشروعات التي لم تبدأ فيها بعد خلال السنة المالية الحالية، وعدم التعاقد على أي تمويل خارجي، أو البدء في أي مشروع حتى من خلال مكوّن محلي يترتب عليه قرض أو مكون أجنبي إضافي.

تفاقم العجز الكلي بميزانية مصر خلال أول 7 أشهر من العام المالي الحالي إلى 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية يناير الماضي، مقابل 4.37% قبل عام، وفقاً لوزير المالية.

بلغ عجز ميزانية مصر في السنة المالية السابقة 2022-2023 نحو 6%. ويتوقع أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان أن يزيد العجز الكلي لأكثر من 7% في السنة المالية الحالية.

لكن هاني جنينة، كبير الاقتصاديين ومحللي استراتيجيات الاستثمار في “كايرو كابيتال”، يرى أن قرار رفع الرواتب الحكومية “لن يزيد التضخم لأنه سيمول من الموازنة وليس بطباعة أموال جديدة أو بإصدار ديون، كما أن هناك إجراءات تقشفية قامت بها الحكومة قد تغطي تكلفة الحزمة وتزيد، وبالتالي لن ترفع أيضاً عجز الموازنة لأن هناك اتفاقاً مع صندوق النقد على ذلك”.

دور صندوق النقد ورد فعل التضخم 

برأي سارة سعادة، محللة الاقتصاد الكلي في “سي آي كابيتال”، فإن حزم الحماية الاجتماعية “تُعدُّ بمثابة رد فعل تجاه التضخم، من خلال مساعدتها المستفيدين لمجابهة الأسعار المرتفعة بالأسواق”.

وأضافت: “لا نعلم هل الحزم الاجتماعية كانت بتنسيق مع صندوق النقد أو بطلب منه، لكنها خطوة مهمة على مسار الإصلاح الاقتصادي”.

شهد الأسبوع الماضي مؤشرات إيجابية حول تقدّم مباحثات الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي حول زيادة برنامج الدعم للبلد العربي الأكبر من حيث عدد السكان، البالغ قيمته 3 مليارات دولار ولم يتم صرف سوى القليل منه حتى الآن، حيث تُشير التوقعات إلى أن الاتفاق مع الصندوق قد يجلب شركاء وتمويلات تتجاوز 10 مليارات دولار.

نهاية المفاوضات مع النقد الدولى

وبحسب بيان صادر عن بعثة الصندوق إلى القاهرة في مطلع فبراير، فقد “تمّ الاتفاق مع السلطات المصرية على الأهمية الحاسمة لتعزيز الإنفاق الاجتماعي لحماية الفئات الضعيفة. وهذا أمر مهم لضمان ظروف معيشية مناسبة للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط ​​التي تضررت بشدة من ارتفاع الأسعار”.

ويؤكد الخبير الاقتصادي حسام الغايش أن حزمة الدعم الاجتماعي “ستساعد مصر في مفاوضاتها مع صندوق النقد، حيث إنه يشترط دائماً عند تحريك سعر الصرف وجود حماية اجتماعية للطبقات الأقل دخلاً”.

وتوقّع أن تسهم الحزمة الجديدة للمدى القريب والمتوسط بزيادة المعروض النقدي؛ “وبالتالي زيادة التضخم، وهو ما قد يدفع البنك المركزي مجدداً لرفع أسعار الفائدة لامتصاص السيولة من الأسواق”.

رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة في أول اجتماعاته للعام الحالي 200 نقطة أساس لامتصاص آثار توحش التضخم في ظل استمرار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول صفقة محتملة قد تضاعف تمويلات برنامج الدعم إلى حوالي 10 مليارات دولار.

توابع قرارات لجنة التيعير

قررت لجنة السياسة النقديـة للبنك المركزي المصري، الخميس الماضي، رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي إلى أعلى معدلاتها على الإطلاق عند مستويات 21.25%، و22.25% و21.75% على التوالي. كما رفع سعر الائتمان والخصم إلى مستوى 21.75%.

بذلك يكون البنك المركزي رفع أسعار الفائدة منذ مارس 2022 بإجمالي 1300 نقطة أساس لاستيعاب التضخم الذي بلغ أعلى معدلاته على الإطلاق. رغم ذلك، يبلغ معدل الفائدة الحقيقية- أي معدل الفائدة الاسمي مطروحاً منه معدل التضخم- في مصر سالب 12.45%