نيڤين أبو حمده
استمرارا للحملة الإسرائيلية ضد مصر، رغم للتواصلات المستمرة بين القاهرة وتل أبيب مع كل التصعيد الإسرائيلي في المنطقة، وصف الكاتب “تسفي بارئيل” في مقاله اليوم على موقع “هآرتس” العبرية، المرحلة الحالية في قطاع غزة بأنها الأقل حدة منذ بداية الحرب، أو أنها مرحلة الغارات المُركزة رغم عدم شعور أو سمع أهلها بهذه المُسميات، أو أي مُسمى آخر يختاره لها الإعلام الإسرائيلي إذا أراد أن يصف طبيعة الحرب الخادعة التي لايزالون يُقتلون فيها رغم انتقال المرحلة الحالية إلى لبنان.
– فالحرب لم تتوقف بالنسبة لهم لحظة واحدة في جنوب القطاع وفي شماله كذلك حيث يحاول الجيش الإسرائيلي إجلاء نحو 300 ألف نسمة (باقين) منه.
– منذ إغلاق معبر رفح في مايو الماضي تقلص إطار المساعدات الإنسانية بشكل كبير على مدار الشهرين الماضيين. كما لا يستطيع آلاف المرضى الذين يحتاجون إلى علاج عاجل الذهاب إلى مصر، ولا توجد محاولات أو ضغوط حقيقية لوضع خطة منظمة لتوزيع المساعدات التي تصل إلى هناك.
– و ترددت أنباء عن قيام رئيس الشاباك “رونين بار” بزيارة مصر والتقى برئيس المخابرات المصرية “عباس كامل” لبحث إمكانية إحياء المفاوضات بشأن صفقة الرهائن، والوقوف على موقف مصر من مسألة فتح معبر رفح، والترتيبات بخصوص محور صلاح الدين(فلادلفيا). وذلك بعد وصول وفد من “حماس” برئاسة “خليل الحية” نائب “يحيى السنوار” ووفد من مسؤولي فتح برئاسة “محمود العالول” إلى مصر يوم الأربعاء الماضي.
ولا تزال مصر تحاول إيجاد صيغة تسمح لهيئة فلسطينية متفق عليها بإدارة الجانب الفلسطيني (الصحف العبرية تطلق عليه الغزاوي) من معبر رفح على الأقل ومسألة توزيع المساعدات الإنسانية أيضاً. وقد اقترحت “مصر” في هذا الشأن تشكيل لجنة فلسطينية خاصة منفصلة عن السلطة الفلسطينية بسبب رفض “إسرائيل” تدخل السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع لأنها من سيتولى هذه المهمة.
بينما تُطالب حماس بتشكيل حكومة فلسطينية موحدة تُسمى “حكومة خبراء” تتولى إدارة القطاع وتضم أعضاء تعينهم حماس حتى لو لم يكن ضمنها نشطاء ينتمون للحركة.
ويذكر الكاتب الإسرائيلي أن الطرح المصري ليس بجديد وقد سبق أن نوقش في عدة جولات سابقة من المباحثات مع الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن الرئيس “محمود عباس” يعارض هذه الفكرة لأنها شرعنة لوضع “حماس” السياسي وتجريد سلطته من مضمونها، وقد عادت الوفود الفلسطينية من مصر من دون أي نتيجة حقيقية ومن دون حل لمسألة معبر رفح ومحور صلاح الدين (فيلادلفيا)، الذي تراجعت أهميته ولم يعد صخرة الوجود بالنسبة لإسرائيل.
ويؤكد الكاتب الإسرائيلي على أن عدم وجود خطة سياسية لإنهاء الحرب على قطاع غزة، أو على الأقل موعد لوقف إطلاق النار وانتظار الرد الإسرائيلي على “إيران” والذي قد يؤدي إلى حرب إقليمية يقلق “القاهرة” التي تخشى التصعيد والنتائج الاقتصادية المتوقعة من هذه الحرب.
ويسلط خبراء اقتصاديون مصريون في الفترة الأخيرة الضوء على سيناريو يمكن بموجبه أن يتسبب الصراع بين إسرائيل وإيران واستمرار الصراع مع “حزب الله” في أضرار جسيمة بحقول الغاز الإسرائيلية، مما قد يؤثر على الفور على كميات الغاز التي تشتريها مصر.
ويقدر بعض الخبراء أنه حتى لو لم تتأثر حقول الغاز بضربة مباشرة، فإن “إسرائيل” قد توقف نشاط منشآت الغاز أو تجمد تصدير الغاز إلى مصر التي تزودها بنحو 15% من استهلاكها.
وقد أفادت وسائل إعلام مصرية وفق الرصد الإسرائيلي أن “القاهرة” قد بدأت بالفعل في إعداد خطط بديلة لشراء الغاز من مصادر أخرى، للتغلب على النقص الموجود بالفعل والذي تسبب مؤخرًا في انقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر. لكن أي شراء للغاز خارج المصدر الإسرائيلي سيكون مكلفا بنحو 150 مليون دولار شهريا،
وستضطر مصر إلى توسيع إطار الموازنة العامة ورفع أسعار الوقود، بعد أن رفعت سعره بالفعل بنسبة 15% مرتين متتاليتين هذا العام. كما خسرت نحو 60% (نحو ستة مليارات دولار) من دخلها من قناة السويس مقارنة بالعام الماضي حتى الآن بسبب هجمات الحوثيين على حركة الملاحة في البحر الأحمر.
كما أن السياحة تنزف وتتكبد خسائر فادحة كل يوم، بعد أن كانت قد بدأت بدأت بالتعافي قبل الحرب، ويؤدي ذلك إلى تسريح آلاف العاملين، وقد حذر رئيس الوزراء “مصطفى مدبولي” الأسبوع الماضي أنه بسبب التطورات الأخيرة قد تتبنى مصر “اقتصاد الحرب” وهو ما يعني شد الحزام “المؤلم” مرة أخرى، وزيادة الأسعار وتقليص كبير في خطط التنمية الحكومية،
وقد يؤدي كل ذلك إلى زيادة الاضطرابات في الشوارع. ولن يقتصر الأمر على اتجاه المصري نحو الخطر ولكن قد يزحف الخطر نحو النظام المصري، وفق الترويج الإسرائيلي.
ويثير تمركز القوات الإسرائيلية على الحدود المصرية قضية سياسية وعسكرية أخرى تتعلق بما تعتبره مصر وتفسره على أنه انتهاكات لاتفاقيات كامب ديفيد والمعابر(2005)، حيث تحدد اتفاقية “كامب ديفيد” المناطق منزوعة السلاح على الجانبين ولا يسمح بنشر قوات مدرعة وأسلحة ثقيلة على طول الحدود وإلى بضعة عمق كيلومترات.
وسمحت “اتفاقية المعابر” التي تم توقيعها عقب فك ارتباط “إسرائيل” عن “غزة” وتقضي بنشر 750 فرداً من حرس الحدود المصري على طول محور صلاح الدين من الجانب المصري وتركيب أجهزة مراقبة وتصوير في نقاط ثابتة على طول المحور
وبالنسبة لمصر أن حرب إسرائيل على غزة وسلوكها ينتهك هاتين الاتفاقيتين.
ويكمن الخوف المصري في أن يؤدي احتلال القطاع والاستجابة إلى الخطاب الإسرائيلي الذي يشجع على إعادة بناء المستوطنات في شمال القطاع بمرور الوقت إلى خلق واقع عسكري جديد يجبر مصر على إعادة الاستعداد له.
وتدرس مصر في المرحلة الأولى إمكانية إدخال تعديل على صياغة هذه الاتفاقيات، بحيث تسمح قانوناً بتواجد قوات مصرية “ضخمة” على طول الحدود.
وقد سبق توجه إسرائيل في الماضي إلى مصر مباشرة بطلب لتعزيز قواتها في سيناء وتفعيل قوتها الجوية خلال حربها ضد التنظيمات الإسلامية. ولكن نظراً للحساسية والتوتر الكبيرين بين البلدين فإن زيادة عدد القوات المصرية على طول الحدود حاليًا يمكن تفسيره على أنه خطوة نحو المواجهة المباشرة وخلق أجواء الحرب التي يمكن أن تزيد من تدهور العلاقة الهشة بالفعل بين البلدين.