جاءنا الآن
الرئيسية » مركز دراسات » بالحزام والطريق:بحث عربي يكشف الاستراتيجيات الصينية لتطوير العلاقات مع مصر والعرب

بالحزام والطريق:بحث عربي يكشف الاستراتيجيات الصينية لتطوير العلاقات مع مصر والعرب

د. جنان خليفه يوسف – كلية العلوم السياسية / جامعة دمشق

د.فراس عباس هاشم – باحث في الشؤن الإقليمية والاستراتيجية

المقدمة : 

منطقة الخليج العربي تتمتع بميزة فريدة جعلتها موضع للتنافس والصراع ما بين القوى الإقليمية والدولية بفعل التحولات العالمية بأشكالها الزمانية والتاريخية، وهذا يأتي من اعتبارات أهميتها الجيوسياسية والجيواسترايجية والجيوطاقوية ، التي أصبحت مسرح للتفاعل والتأثير الدولي على المستويات المختلفة الاقتصادية والأمنية والجيوسياسية والعسكرية.. ألخ، ومحاولة الأطراف الدولية تقديم رؤى للمجالات الجيوسياسية مبنية على أولويات استراتيجية أساسها توسيع مجالات تأثيرها في إقليم الشرق الأوسط بما فيها منطقة الخليج العربي.

وعليه جاءت التحركات الاستراتيجية الصينية مدفوعة بتطلعات جيوسياسية تجاه منطقة الخليج العربي، والتي تهدف إلى تحقيق غايات وأهداف استراتيجية من خلال توظيف التطورات التي تشهدها المنطقة لصالحها، ومد نطاق نفوذها وتامين مصالحها الاستراتيجية في المجالات الجغرافية الحيوية ومنها منطقة الخليج العربي، والعمل على تقوية علاقاتها بدول منطقة الخليج العربي على مختلف المستويات والمجالات والقطاعات الخدمية والاستثمارية، على نحو أفضى إلى شراكات استراتيجية بين الصين ودول المنطقة.

 

وبالتالي من خلال وقائع الإشارات التي تتعلق بعضها باهتمام القوى الكبرى الرامية للتحكم في ميزان القوة في المنطقة تجلت ردة الفعل من قبلها، انطلاقا من منطق الأولويات والحسابات الاستراتيجية ، بهذا المقومات جاءت تحركاتها المعاكسة للتحرك الصيني محدداً لتقييد سلوك الصين في منطقة الخليج العربي وإضعاف فاعلية دورها الإقليمي، فضلاً عن ذلك تنطوي محاولاتها في إعادة إنتاج خرائط نفوذها الجيوسياسية في المنطقة، جعلت المجال الجغرافي لمنطقة الخليج العربي مسرحاً للتجاذبات والاستقطابات للقوى الإقليمية والدولية .

أولاً: دور الجغرافيا في إنتاج فضاءات معادلة القوة الصينية وتفاعلاتها

مما لاشك فيه أسهمت تطورات الأحداث والوقائع الجيوسياسية في الفضاءات المكانية بما تنطوي عليه من خاصيه العمق الاستراتيجي، أن تظهر إلى حيز الوجود محورية العامل الجغرافي ومساهماته في اعادة صياغة التصورات للقوى الدولية تجاه النطاقات الجغرافية من حيث أهميتها وتأثيرها في التفاعلات الدولية. ومن هنا وجدت الصين في منطقة الخليج العربي كمجال جغرافي تنطوي دلالاتها منفذاً حيوياً جعلها نقطة ارتكاز استراتيجي في تحقيق طموحاتها الاستراتيجية كقوة صاعدة في النظام الدولي .

 

وعليه يمكننا القول إن للجغرافيا دوراً في أنتاج المجالات الحيوية للدول وصياغة التاريخ، خاصة حيث ترتسم الحدود لتحقيق المصلحة الوطنية في منظومة تعزيز توجهاتها الاستراتيجية وتحقيق الدفاع عن مصالحها وتعميق الوعي بها ضمن إعادة تحديد موقعها الجيوسياسي في الإقليم وتفاعلها معه تأثيراً وتأثراً وفي مواجهة متغيرات البيئة المحيطة بالدولة، وعلى هذا الأساس تزدهر معها مشاريع الإدراك بتشكل وابتكار مجالات حيوية جديدة بما يحقق الحاجة للارتكاز في تفسير أداء سياساتها الخارجية تبعاً لما تقدمه طموحاتها في توسيع مناطق هيمنتها([1]). إضافة إلى ذلك تكشف ديناميات التحول في الفضاءات الجيوسياسية عن تنامي توظيف بعض المفاهيم التي تعبر عن مركزية حتميات الجغرافيا وتأثيرها على التفاعلات الدولية ويتمثل أهمها في “الجغرافيا الوظيفية” التي تركز على الممرات الاقتصادية ومشروعات البنية التحتية وطرق النقل العابرة للحدود وشبكات الموانئ والتي ستخلق مراكز إقليمية للتجارة والخدمات وخرائط جديدة للقوة الاقتصادية.

 

وفي هذا الإطار عززت التصورات الجيوسياسية من حيث صياغتها في بناء العمق الاستراتيجي للدول لتتجاوز بأبعادها الجيوسياسية محورها الجغرافي القريب باتجاهات أرضية مختلفة، حيث تتخذ تجاربها التاريخية محوراً لها، إذ تعمل على تشكل البنية التحتية التي تؤثر على توجهاتها وتشكل سياستها خارج المجال الجغرافي المحيط، والتي تمثل الإطار المؤسسي الذي تتحرك من خلاله الدولة لا سيما تلك المجالات التي تسيطر عليها هذه الدولة أو تلك، أو التي يبسطون نفوذهم عليها على حد سواء ([3]).

وبناء عليه تحظى منطقة الخليج العربي بأهمية إستراتيجية نظرا لموقعها، فهي تتوسط العالم ونقطة اتصال بين ثلاث قارات أسيا وأوروبا شمالا وإفريقيا جنوبا بسواحلها الشرقية والجنوبية الشرقية اذ يتصف الخليج العربي بخصائص تكاد تكون منفردة من حيث الاعتبارات الجغرافية وأهميتها في ظل متغيرات الصراع الدولي بكل ما تعنيه من قابلية التوظيف الاستراتيجي وقدرة على الاستقطاب الدولي. وقد اكتسبت منطقة الخليج العربي وسواحلها أهمية جيوستراتيجية بعد اكتشاف النفط والغاز الطبيعي بكميات هائلة في مطلع القرن العشرين، ومن هذا المنطلق فلدى الصين علاقات تاريخية مهمة مع دول منطقة الخليج العربي بحكم القرب الجغرافي، وحركة التجارة بين الصين ودول الإقليم، ومع الصعود الصيني حظي الإقليم بعلاقاتٍ اقتصادية وتكنولوجية وتنموية يمكن وصفها بالمثالية مع الصين، وتعتمد الصين على إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط بما لا يقل عن 60% لتحريك عجلة إنتاجِها الفائقة، كما أن منطقة الخليج العربي هو ركيزة جغرافية وقيمة سوقية مهمة لمشروعات الربط الاقتصادي الصيني العملاقة على المستوى الدولي، وتحديدًا مبادرة “الحزام والطريق”.

وبموازه ذلك تدرج الصين منطقة الخليج العربي ضمن استراتيجيتها الكبرى مبادرة ” الحزام والطريق” ، الذي يستهدف المشروع زيادة ترابط الصين اقتصادياً مع أوروبا وإفريقيا وآسيا، عبر شبكة واسعة من ممرات النقل البرية والبحرية. وفي عام (2015) ، تم طرح “مبادرة الحزام والطريق” في منطقة الخليج العربي، وغدت الركيزة الرئيسية للسياسة الصينية تجاه المنطقة، والمحور الرئيسي للعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين. ومنذئذ، هناك تصاعد ملحوظ للسياسة الصينية في المنطقة عبر تواتر زيارات المسؤولين الصينيين لدولها بهدف تعزيز التنسيق والتشاور معها بشأن المشروع، توجت بزيارة الرئيس الصيني(شي جين بينغ- Xi Jinping) للمنطقة في يناير/كانون الثاني في العام (2016) . ومن ناحيتها، أعلنت دول الخليج مشاركتها في “مشروع الحزام والطريق” بتوقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي؛ بل وتأسيس شراكات استراتيجية شاملة، مع الصين ومن هنا ندرك طبيعة الانطباعات الاستراتيجية التي تجلت في ذهنية صانع القرار الصيني في رؤيتهم لأهمية علاقاتها مع دول منطقة الخليج العربي، أمام حجم الفرص التي تقدمها آليه التحرك الصيني نحو المنطقة، والتي ستكون مدخلاً لتحقيق شركات استراتيجية صينية مع دول المنطقة.

وهكذا كانت الصين تنظر إلى علاقاتها  بمنطقة الخليج العربي بثرواتها وموقعها الاستراتيجي بعدها منطقة تشابك في الصراع بين القوى الدولية المتنافسة، كما تعد امتداداً استراتيجياً لمناطق مهمة محيطة بالصين، ومن ناحية أخرى تتميز المنطقة بوجود الممرات المهمة ذات التأثير في حركة النقل البحري الدولي، وعلى وجه الخصوص ممر (باب المندب ومضيق هرمز فضلا عن قناة السويس) ، بذلك أدركت الصين أن تأمين الملاحة في هذه الممرات يضمن لها استمرارية النفوذ، والوصول إلى الأسواق العالمية ومنها الاتحاد الأوروبي وشمالي أفريقيا وبلدان شرق المتوسط لذلك تتمتع المنطقة من المنظور الجيوسياسي أو الاستراتيجي الصيني بميزتين مهمتين، الأولى: من حيث قرب هذه الأسواق من الأسواق الصينية قياساً بالأسواق الأمريكية أو الأوروبية أو الإفريقية، والثانية: توفر القدرة الشرائية لاسيما في الدول النفطية، وهو أمر قد يدفع الشركات الأمريكية لمزيد من الضغط على حكومتها للضغط على الأسواق الشرق أوسطية من ناحية، وعلى الصين من ناحية أخرى لتحسين حصتها في أسواق المنطقة .

مما تقدم يتبين لنا أن التحركات الصينية تجاه منطقة الخليج العربي تأتي في ضوء تنامي أهميتها الجيوسياسية، نتيجة المستجدات والمعطيات الجديدة التي فرضتها التطورات في منطقة الشرق الاوسط،  وبالتالي دفعت سيرورة تلك التحولات الصين إلى تبني سياسات استراتيجية لممارسة النفوذ والتأثير الخارجي بهدف تغيير الوضع الجيوسياسي في منطقة الخليج العربي بما يخدم مصالحها، لا سيما في ظل مساعيها نحو تعظيم مكانتها الإقليمية والدولية وتوسعة نطاقات نفوذها الجغرافية من خلال توظيف بعض الأدوات الاستراتيجية كالاقتصاد على سبيل المثال في علاقاتها مع دول المنطقة .

ثانياً: الصين وصياغة الممارسات السياسية كدينامية للتحول الاستراتيجي

يعتقد العديد من الباحثين إلى أنه مع وجود هواجس من تراجع الولايات المتحدة عن دورها في منطقة الشرق الأوسط ، ومحاولة نقل تركيزها نحو آسيا، أن الفرصة تهيأت للصين إلى بناء علاقات شراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي واندماج الصين في العديد من النشاطات الاستثمارية في هذا المجال الحيوي كمحاولة لملء الفراغ أو جزء منه وإيجاد موطئ قدم لنفوذها في المنطقة، ضمن استراتيجية أشمل في إنشاء تحالفات أو شراكات إقليمية ضمن مناطق النفوذ التقليدي لواشنطن تاريخياً، ومن هنا تغدو منطقة الخليج العربي المجال الأهم في اتجاهات الاستراتيجية الصينية الجديدة، وهو الأمر الذي يمكن ترجمته في الاتفاقيات التعاقدية التي وقعتها الصين أخيرا مع دول المنطقة وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي والعمل على إيضاح أهدافها الاستراتيجية لضمان مصالحها، من شأنها أن تساعدها على حماية نفسها من الآثار السلبية، لاحتمالات امتداد الحرب الباردة إلى الشرق الأوسط، بما يهدد أمن الطاقة وأمن الملاحة البحرية ومبادرة الحزام والطريق والمصالح التجارية والاستثمارية للصين في المنطقة.

ومما يزيد من أهمية المنطقة في السياسات الاستراتيجية الصينية أنها لا تتوقف عند حدود التعاون في مجال الطاقة فحسب، فهناك خطوات تراعي المصالح الصينية الآخذة في الاتساع إقليمياً ودولياً في مقدمها، الحوار حول منطقة التجارة الحرة، ومن ثم مواءمة استراتيجيات التنمية مع دول المنطقة، والتي ستخلق آفاقاً واسعة للتنمية في العلاقات الصينية الخليجية، وزيادة حضور الدور الصيني ونشاطه في العديد من المجالات في المنطقة، وهذا ما تجسد في القمة الصينية – العربية الأولى في السعودية في  العام(2022)، والتي تكتسب أهمية خاصة في ظل التطورات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة

والتغيرات المتسارعة سياسياً واقتصادياً ووفقاً لذلك يتبين لنا أن الصين انتهجت “استراتيجية ذكية” في توجهاتها الاستراتيجية من أجل زيادة دورها ومركزها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط ، وعلاقاتها تجاه دول الخليج العربي من خلال إعادة تعريف مصالحها الاقتصادية وفي مقدمتها الاستثمارات التي كانت المحدد الرئيسي لصوغ علاقاتها مع دول المنطقة ثم توسعت لاحقاً نحو مستوى محدود من الانخراط العسكري، سواء لجهة التعاون العسكري مع بعض دول المنطقة، أو بيع المعدات والأنظمة العسكرية لها والتي مثلت منطلقاً أساسياً في صوغ المبادئ الاستراتيجية الصينية في علاقاتها في المنطقة.

إضافة إلى ذلك يلاحظ أن العلاقات الخليجية – الصينية ولا تقتصر على الجوانب الاقتصادية فحسب، بل تعدتها إلى جوانب استراتيجية؛ ففي كانون الأول/ ديسمبر عام (2021) ، تدخلت الولايات المتحدة لوقف بناء ميناء (خليفة التجاري)، والذي يبعد (50 كم ) عن مركز مدينة أبوظبي من جانب شركات صينية ، وفي نيسان/ أبريل عام ( 2022) ، تدخلت لوقف صفقة كبيرة تشتري بموجبها السعودية أسلحة صينية . بالإضافة ونجحت الصين في إقناع السعودية، في العام (2021)، لتصبح “شريكًا في الحوار في “منظمة شنغهاي للتعاون.

وعليه يلاحظ أن الصين تحاول رسم ملامح علاقاتها مع دول المنطقة وإيجاد حقائق جيوسياسية تجسد تنامي الدور المحوري للصين وقدرتها في تعزيز دائرة عمقها الاستراتيجي في المنطقة، عبر تشييد جسور التعاون والشراكات الاستراتيجية باختلاف طبيعتها وأبعداها المختلفة، في سياق إعادة توجيه مواردها الاستراتيجية وخبراتها باتجاه تحقيق مصالحة القومية.

وفي هذا الصدد يرى (جونثان فولتون- Jonathan Fulton) في معرض تقييمه عن السياسة الصينية تجاه دول منطقة الخليج العربي خلال السنوات العشرين الماضية، تحت عنوان “الصين تحاول دق إسفين بين أميركا والخليج”، قائلا:” إن “بكين تبنّت نهجاً استراتيجياً للتحوط، وهو خيار القوى العالمية من الدرجة الثانية، بحسب نظرية العلاقات الدولية، من خلال الرغبة في مواصلة جني الفوائد من نظام إقليمي يناسب طموحاتها وتعميق علاقاتها مع مختلف دول المنطقة من دون استثناء أحد، وعدم استعداء أميركا، الدولة الأقوى في التوازن الإقليمي. وعادة ما يبدأ ذلك بعلاقات اقتصادية متدرجة نحو علاقات

سياسية أعمق، مع تعزيز النفوذ والسلطة ببطء في المنطقة”. من جانب آخر، يتبين لنا أن التحركات الصينية  تجاه الفضاءات الجيوسياسية الحيوية ومنها منطقة الخليج العربي عكست تحولات استراتيجية بمنطق الفعل الاستراتيجي الصيني في تقوية قدراتها الاستراتيجية على مواجهة الولايات المتحدة في المجالات الجغرافية الحيوية، حيث تسعى الصين الى تشكيل تحالف عسكري مع إيران من خلال بناء قواعد عسكرية على ميناء “تشابهار” الإيراني( انظر الخارطة رقم (2)، الذي يقع  جنوب شرق إيران في محافظة سيستان وبلوشستان. ويسهل الميناء الوصول إلى المحيط الهندي وكذلك بحر عمان والخليج العربي، وذلك من أجل تعزيز موقفها التنافسي مع إعلان الولايات المتحدة استراتيجيتها تجاه منطقة المحيطين الهادي والهندي، وبالتالي تمثل تطورًا يهدد المصالح الأمريكية في الإقليم، وعليه سيكون لأي توسع في النشاط العسكري لكل من إيران والصين في المنطقة تأثير على القاعدة العسكرية الأمريكية في جزيرة “دييغو غارسيا”). وفي هذا الإطار أن التحركات الصينية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي، عكست تحولات استراتيجية يشهدها منطق الفعل السياسي الصيني في تقوية قدراتها الاستراتيجية في ساحات التنافس الجيوسياسية ومنها منطقة الخليج العربي التي تعد منطقة نفوذ أمريكي تاريخياً، فضلا ًعن ذلك تسعى الصين إلى دعم توجهاتها في تامين مصادر الطاقة، وأيضاً ترك انطباعاً بانها قوى دولية عظمى لا يمكن تجاهل مصالحها.

وفي ضوء ما تقدم يمكننا القول من أبرز الأبعاد الاستراتيجية التي من الممكن أن تنتج عن تطور العلاقات الصينية مع دول مجلس التعاون الخليجي من اجل تعظيم مصالحها وأجندتها على المستوى الإقليمي والعالمي الآتي:

أولا: تطور العلاقات الصينية-بدول مجلس التعاون الخليجي قد يدفع دولا إقليمية أخرى للتفاعل إيجابا مع الدبلوماسية الصينية، وذلك نظرا لثقل دور دول الخليج في المنطقة، وبالتالي قد تتمكن الصين من زيادة نفوذها السياسي في المنطقة العربية.

ثانيا : زيادة التواجد الصيني في الملاحة البحرية الدولية القريبة من المياه الخليجية يهدف لحماية سفنها التجارية من القرصنة والتوترات الإقليمية، وهو ما قد يؤثر سلبا على الملاحة الدولية هناك، نظرا لاشتداد التنافس الدولي على تلك المنطقة.

ثالثا: تطور النفوذ الصيني على المستوى العالمي عبر الدول التي تقع على خط “مبادرة الحزام والحرير، بحيث تكون دول مجلس التعاون الخليجي حلقة اتصال بين الصين ودول قارة أوروبا وأفريقيا نظرا لموقعها الاستراتيجي الرابط بين القارات الثلاث.

رابعا: الطموحات التجارية العالمية للصين وزيادة حاجتها للنفط قد يزيد من إنعاش السوق النفطي لدول مجلس التعاون الخليجي ومن بعده السوق العالمي، على الرغم من الاتجاه العالمي للاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة

ثالثاً: تعارض الإدراكات الاستراتيجية الإقليمية وأثرها على التحرك الصيني

مما لا شك فيه يؤكد العديد من المفكرون الاستراتيجيون بالشؤون الصينية علي اختلاف اتجاهاتهم علي حقيقة مؤداها, أن الصين في مرحلة الصعود للوصول إلي مرتبة القوة العظمي, حيث تتوافر لها كافة المقومات التي تؤهلها للوصول إلي هذه المرتبة، وفى هذا الإطار تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى ترويض التوجه الصيني بشأن تعزيز موقفها كقوة إقليمية أو دولية، خاصة مع تصاعد القوة العسكرية والنووية للصين، وعليه يرى الأمريكان أن الصين قد تمثل التحدي الأعظم للولايات المتحدة الأمريكية,

ولكل المصالح القومية الأمنية الأمريكية في آسيا

وإزاء ذلك، فأن الولايات المتحدة تبذل قصارى جهدها لتطويق النفوذ الصيني في منطقة الخليج العربي ، للحيلولة دون ظهور قوة أسيوية تتحدى مكانتها ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط، ولكن الصين جاءت الآن لتكسر هذه القاعدة فقد صارت قوة صاعدة محورية في النظام الدولي سياسياً وعسكرياً واقتصاديا بالشكل الذي يمكنها من  أن تهدد المصالح والنفوذ الأمريكي ليس فقط في آسيا وحدها, ولكن أيضا على المساحة العالمية

وهذا ما جعل  تشكل توجهات الولايات المتحدة في إعادة الانخراط المتجدد في منطقة الشرق الأوسط خاصة في منطقة الخليج العربي تحدياً للحضور الصيني وفقاً للحسابات الجيوسياسية، وهذا ما يؤدي على مستوى التفاعل إلى تطويقها واحتوائها استراتيجيا، بالإضافة إلى ذلك تزايد الضغوط على فعالية تحركاتها الاستراتيجية مهددة بذلك تحقيق أهدافها ومصالحها في المنطقة .

وهنا لابد أن نشير إلى أنه ثمة سياقات دولية وأخرى إقليمية أسهمت في دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة النظر في سياستها الخارجية، خصوصاً أن ابتعادها عن المنطقة، منذ تولي (جو بايدن- Joe Biden ) للرئاسة، أسهم في حدوث اختلالات أمنية دفعت دول المنطقة إلى البحث عن بدائل أمنية، وهو ما دفع دول المنطقة إلى التقارب مع الصين وروسيا وتركيا من أجل تغطية الفراغ الأمني الذي خلفه غياب الدور الأمريكي عن المنطقة. غير أن التطورات الأمنية والاقتصادية التي فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية من جهة، واستمرار حالة الفوضى الأمنية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط، من جهة أخرى، وصلت بمختلف الأطراف في المنطقة إلى تبني قناعة بضرورة إعادة تفعيل العلاقات السياسية والتنسيق الأمني بينها، وهو ما دفعها لاتخاذ خطوات تقارب بينها

وجود سياسة “احتواء أمريكية جديدة” للصين في الإقليم إن تأكيد واشنطن على الشراكة الاستراتيجية مع دول الإقليم، سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي، وترجمة ذلك في مبادرات تتعلق بأزمات الطاقة وتغير المناخ والغذاء، أو الاستثمار في البنية التحتية في الدول مُنخفضة ومُتوسطة الدخل؛ يكشف عن سياسة احتواء جديدة تنتهجها واشنطن في مواجهة بكين بالشرق الأوسط. وهذه السياسة ترتكز على العودة وتكثيف الانخراط في الإقليم، خاصةً على المستوى الدبلوماسي، وذلك بمبادرات جديدة تجاوز فكرة التركيز على الدور العسكري الأمريكي في المنطقة

وعليه من المؤكد أن الأسلوب الذي انتهجته كلاً من الصين والولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع مصالحها المشتركة في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة الآسيوية التي تؤدى إليه جغرافياً لن تكون مؤشراً هاماً على كيفية ارتباطهما الواحدة بالأخرى على مستوى العالم فحسب, بل ستؤثر أيضاً بشكل كبير على علاقاتهما الأوسع انتشاراً ونطاقاً، فلقد حرصت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها أن يبقى الخليج السوق الأساسي للسلاح وهو أكثر الوسائل فاعلية وسرعة للعائدات النفطية, كل هذا قد أكسب دول مجلس التعاون الخليجي عامة الخاصية الاستراتيجية الفريدة

وبناءاً على ذلك يشير العديد من المختصين إلى أنه على الرغم من سعي الولايات المتحدة والهند إلى ربط التحالفات الآسيوية بتحالف “الشرق الأوسط I2U2” بين( الولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل والهند)، حتى يساهم في تحجيم نفوذ الصين في المنطقة على غرار تحالف “كواد” بين (الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان)، لمواجهة توسع نفوذ الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإنه من غير المتوقع أن يكون له نفس الفاعلية؛ حيث إن دول الشرق الأوسط تدرك تماماً أنه يجب عليها تنويع تحالفاتها في ظل توجه الاهتمام الأمريكي بآسيا وتركيز أصولها العسكرية هناك 

مما تقدم نعتقد إن الصين لا تمتلك استراتيجية متكاملة، لكن لديها أولويات استراتيجية متعددة في علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، تتناسب مع مصالحها وعلاقاتها بدوله والقوى الفاعلة فيه على حد سواء؛ كمواصلة التنمية الاقتصادية، ولا سيما ضمان استمرار الطاقة، في سعيها إلى الحفاظ على التوازن الاستراتيجي العالمي للطاقة وتحقيق أمنها الطاقوي، وتحديث جيشها، في الوقت الذي تركّز على استثمار جوانب ضعف النفوذ الأمريكي نتيجة الحرب في العراق وأفغانستان، والفشل في إيجاد تسوية للصراع العربي – الإسرائيلي، والموقف الشعبي المعادي للولايات المتحدة في أغلبية  دول منطقة الشرق الأوسط ، للحد من النفوذ الأمريكي وتوسيع النفوذ الصيني فيه.

وهذا يقودنا إلى استنتاج ثمة بعض العوامل التي لها ارتداداتها وتأثيراتها المتعددة على الحسابات الاستراتيجية الصينية، لاسيما إزاء مواقفها من بعض القضايا في منطقة الخليج العربي في ظل الأزمات التي تعاني منها المنطقة، وهذا يظهر في: أولاً: عامل أمن الطاقة وارتباط هذا الأمن بالمنطقة. ثانياً يتمثل في التجارة والاستثمار، حيث تطورت التجارة وتضاعفت مشروعات الاستثمار بشكل كبير يتناسب طردًا مع ازدياد الحاجة الصينية إلى دول الخليج العربي عامة، ودول مجلس التعاون الخليجي على نحو الخصوص وحاجة الأخيرة إلى الاستثمارات الصينية وتجارتها. ثالثاً: هو دور العامل الأميركي في سياسة الصين الشرق الأوسطية وتأثيره الفعلي في المواقف الصينية من أهم القضايا التي شهدتها المنطقة العربية. رابعاً: تأثير العوامل الداخلية في الصين والمنطقة في تلك المواقف. خامساً: الطموحات الجيوسياسية الصينية في فتح مجالات واسعة للتحرك وتفعيل دورها في مسرح التنافس على النفوذ  في المنطقة. سادساً: عامل العلاقات المتداخلة والمعقدة بين الصين والقوى الفاعلة الأساسية الثلاث في المنطقة (السعودية وإيران وإسرائيل)، ومدى تأثير هذه العلاقات في توجهات الصين وسياستها تجاه دول مجلس التعاون الخليجي وقضاياها المهمة وهنا تبدو الصين إنها تدرك أن التطورات التي تشهدها جغرافية منطقة الخليج العربي سيكون لها انعكاساتها الإقليمية، وبالتالي ستواجه حالات الفوضى جراء محاولات إعادة تشكيل المشهد السياسي من قبل بعض الأطراف الفاعلة في المنطقة، وما ينتج عنه من فراغ أمني وغياب في التوزان الإقليمي، وبذلك ستعيق هذه التطورات من تحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة .

الخاتمة :

وفي ضوء ما تقدم يمكننا القول شهدت السياسة الصينية متغيرات واسعة في صياغة وتوجيه تحركاتها تجاه المجالات الجغرافية الحيوية في العالم، كدعائم بناء ذاتية من أولويات استراتيجيتها في تنشيط دورها العالمي على المستويات المختلفة، لا سيما في ظل التحولات والتطورات التي تشهدها البيئة الدولية. ومن هنا جاء الاندفاع الصيني تجاه منطقة الخليج العربي ومصر وشمال أفريقيا لتحقيق أهداف ذات طابع اقتصادي إلى جانب أهداف أخرى أمنية وسياسية تتناسب وطبيعة المعطيات التي تشهدها المنطقة، وهذا ما يلقي بظلاله على خيارتها في ضرورة إقامة علاقات جيوسياسية لكي تتمكن من استدامة الأداء الاستراتيجي مع دول المنطقة، وفي سياق متصل يتزامن هذا الحضور المتصاعد للصين في منطقة الخليج العربي مع الإخفاق الأمريكي في العديد من القضايا الإقليمية، فضلاً عن الانسحاب النسبي من المنطقة والتركيز مجالات حيوية أخرى، انطلاقاً من مصالحها وأولوياتها الاستراتيجية، ومن ناحية أخرى أن السلوك الصيني يواجه العديد من التحديات في علاقاته مع دول المنطقة تعكسها حالة التنافس والصراع في جغرافية المنطقة.

*الورقة عن المركز العربي الديموقراطي 

 

عن الكاتب

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *