تحتفل مصر وقواتها المسلحة بأغلى أعيادها، وهو عيد قوات الدفاع الجوي وهو اليوم الذي سطر فيه رجال الدفاع الجوي المصري واحدة من أعرق المعارك العسكرية المصرية .
بدأت القصة عام 1970، حين قام رجال الدفاع الجوي بإنشاء حائط الصواريخ الحصين، الذي حمى السماء المصرية من هجمات سلاح الطيران الإسرائيلي المتكررة بعد حرب 67 ، التي أسفرت عن خسائر في أرواح الجنود والمدنيين، ومنها مذبحة بحر البقر التي راح ضحيتها 30 طفل خلال قصف لطائرات الفانتوم الإسرائيلية فوق قرية بحر البقر بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية.
عقب حرب 1967 بعدها اتخذت مصر قراراً بإعادة تنظيم وتطوير قواتها المسلحة، واشتملت تلك القرارات على القرار الجمهوري رقم 199 الصادر في 1 فبراير 1968 بإنشاء قوات الدفاع الجوي المصري كفرع رئيسي وقوة مستقلة قائمة بذاتها
وفي 23 يونيو 1969 عين الفريق / محمد علي فهمي كأول قائد للقوات حديثة النشأة، والذي تحمل على عاتقه مهمة إعادة تنظيم القوات وتدبير الكوادر وتدريب الأفراد والارتفاع بمستواهم التعبوي والتكتيكي والفني، لذلك يعتبر الفريق محمد على فهمي هو الأب الروحي لقوات الدفاع الجوي المصري بدأت القيادة العامة للقوات المسلحة في دعم قيادة الدفاع الجوي بأنواع حديثة من الأسلحة والمعدات الإلكترونية والصواريخ المضادة للطائرات التي تطير على ارتفاعات منخفضة.
وتابع رجال الدفاع الجوي إنشاء المواقع الحصينة على اتساع رقعة الدولة من أسوان إلى الإسكندرية ومن بورسعيد إلى مطروح، قامت قوات الدفاع الجوي بالتحرك لإدخال الصواريخ المضادة للطائرات إلى منطقة القناة، وإنشاء حائط الصواريخ المضادة للطائرات باستخدام أسلوب الزحف البطيء على وثبات وذلك بإنشاء تحصينات كل نطاق واحتلاله
وفي صباح 30 يونيو 1970 فوجئت الطائرات الإسرائيلية المغيرة بالصواريخ المصرية التي كبدت سلاح الجو الإسرائيلي خسائر كبيرة، ليصبح حائط الصواريخ حقيقة واقعة، وصرحت رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير “أن كتائب الصواريخ المصرية كعش الغراب، كلما دمرنا أحدها نبتت بدلها أخرى”.
ومقابل تلك الخسائر الكبيرة التي وقعت سعت إسرائيل وراء وقف إطلاق النار، إلا أن قوات الدفاع الجوي تمكنت في الساعات القليلة التي سبقت يوم تنفيذ وقف إطلاق النار في 8 أغسطس 1970 من استكمال حائط الصواريخ على الصورة النهائية له عقب إنشاء حائط الصواريخ واعتبارا من 30 يونيو 1970 وخلال الأسبوع الأول من شهر يوليو تمكنت صواريخ الدفاع الجوي المصري من إسقاط العديد من الطائرات طراز فانتوم، وسكاي هوك، وأسر 7 من الطيارين الإسرائيليين وكانت هذه أول مرة تسقط فيها طائرة فانتوم، فأطلقت وسائل الإعلام المصرية على ذلك الأسبوع “أسبوع تساقط الفانتوم حيث تم اسقاط 14 طائرة إسرائيلية وبعدها بدأت قوات الدفاع الجوي في التخطيط لمعركة العبور والتحرير .
وقابل إعداد تلك الخطة مشكلة خطيرة تتمثل في أن معظم قواعد الصواريخ التي تمتلكها مصر مصممة للدفاع عن أهداف حيوية ثابتة وبالتالي تستغرق وقتاً طويلاً لإعدادها للتحرك وتجهيزها للاشتباك، كما أنها تتميز بضخامة الحجم وبالتالي يسهل تعرضها للإصابة مما يتطلب ضرورة إقامتها في مواقع حصينة لتوفير الوقاية اللازمة لها، ولمواجهة تلك الحقيقة كان على القيادة العامة للقوات المسلحة التخطيط لإحراز المفاجأة وحرمان إسرائيل من التمتع بمزايا الضربة الأولى.
وكان على الدفاع الجوي أن يحرم إسرائيل من المعلومات التي يحصل عليها بواسطة طلعات الاستطلاع الجوي التي تطير شرق القناة لالتقاط الصور عن أوضاع وتحركات القوات المصرية على الضفة الغربية، فمد الدفاع الجوي سيطرته على المجال الجوي من غرب القناة إلى شرقها، وكبدت إسرائيل خسائر متلاحقة في طائرات استطلاعه، فيما تمثل الدور الرئيسي للدفاع الجوي المصري في خطة معركة العبور في تأمين تدفق هجوم القوات المصرية على طول خط القناة ومده إلى جنوب قناة السويس حتى مسافة 130 كم على امتداد الساحل الشرقي لخليج السويس ودفعه في عمق سيناء حتى مسافة 50 كم شرقاً، لإرغام إسرائيل على توزيع ضرباته الجوية الموجهة ضد القوات المصرية بما يضمن إضعاف تأثيرها،
في يوم السبت الموافق السادس من أكتوبر 1973 والعاشر من رمضان أصدر قائد قوات الدفاع الجوي الأمر الكودي “جبار” لكي يفتح قادة التشكيلات المظاريف السرية التي سلمت إليهم في اليوم السابق، والتي احتوت على خريطة للقطاع الذي يعمل فيه كل تشكيل موضحاً عليها البيانات والتوقيعات الخاصة بالضربة الجوية الأولى للقوات الجوية المصرية، وشرع قادة التشكيلات في اتخاذ الإجراءات والوسائل التي طالما تدربوا عليها. وفي تمام الساعة الثانية وخمس دقائق ظهراً عبرت الطائرات المصرية قناة السويس متجهة إلى أهدافها المحددة.
فيما قامت في نفس الوقت الآلاف من مدافع الميدان بقصف مركز على خط بارليف ونقطه الحصينة، وفي تمام الساعة الثانية وعشرين دقيقة بدأت الموجات الأولى من جنود المشاة تعبر قناة السويس على امتدادها من بورسعيد شمالاً إلى السويس جنوباً، بينما كانت الطائرات المقاتلة المصرية في طريق عودتها إلى قواعدها بعد تنفيذ الضربة الجوية الناجحة التي أثرت بإسرائيل في اللحظات الأولى من المعركة، في حين كان الصمت والسكون يسيطر على مواقع الدفاع الجوي المصري في انتظار الهجوم المضاد من قبل الطيران الإسرائيلي، الذي بدأت تظهر بوادره على شاشات الرادار المصري اعتباراً من الساعة الثانية وأربعين دقيقة، فقامت الصواريخ المضادة للطائرات بإسقاط الطائرات الإسرائيلية الواحدة تلو الأخرى، واستمر الحال خلال الساعات التالية التي كان تدفع بها إسرائيل بطائراتها على طول الجبهة لتحاول ضرب وإعاقة تقدم القوات المصرية وتدمير جسورها ومعابرها، وقوات الدفاع الجوي المصري تواجه هجمات إسرائيل وتوقع بطائراته وطياريه، وفي تمام الساعة الخامسة مساءً أصدر قائد القوات الجوية الإسرائيلية أوامره لطياريه بتفادي الاقتراب من القناة لمسافة تقل عن 15 كم شرقاً.
ولتجنب حائط الصواريخ على جبهة القناة اقتربت الطائرات الإسرائيلية على ارتفاعات منخفضة فوق البحر المتوسط لتهاجم المطارات المصرية بشمال الدلتا ووسطها وفوق البحر الأحمر لتهاجم المطارات المصرية بالصحراء الشرقية، بهدف التملص من شبكة الرادار المصرية وتحقيق عنصر المفاجأة، إلا أن قوات الدفاع الجوي المصري توقعت شن إسرائيل لهجمات مماثلة ووفرت الغطاء الجوي الملائم لكل هدف حيوي على الأرض المصرية رغم اتساعها، فوجدت الطائرات الإسرائيلية المقاتلات الاعتراضية المصرية في انتظارها ومن نجح بالإفلات وحاول التسلل على ارتفاع منخفض واجهته نيران المدفعية المضادة للطائرات والصواريخ المحمولة كتفاً، فإذا ما حاول الارتفاع تلقته صواريخ سام بضربة قاتلة، فآثر من تبقى من الطيارين الإسرائيليين الانسحاب وألقوا بحمولاتهم أينما كانت وعادوا إلى قواعدهم، وظلت المطارات المصرية سليمة تواصل دورها في معركة العبور
وعندما نرى اليوم قوات الدفاع الجوي المصري وهي في اعلى الدرجات استعدادها فالجميع قادة وجنودا على شاشات الرادار لمدة أربعة وعشرين ساعة يوميا يؤمنون سماء مصر على مدافعها وعلى صواريخها مستعدة للتعامل مع أية طائرة تقترب من سماء مصر لذلك هم عيون مصر الساهرة التي تحرس سمائنا.
ومثلهم أطقم المراقبة الجوية الموجود لمتابعة أي شئ يقترب من الحدود وتحاول تجنب شاشات الرادار لتجد تلك العيون في مناطق لم يطأها إنسان. وموجودة على الأرض تحوم حول حدود مصر بالكامل.