من شدة تاريخية العلاقة بين المصرى ورغيف الخبز، في كل العصور، أسماه “عيش” ، فهو بالفعل الحياة بالنسبة له، ولذلك أى مساس برغيف الخبز، يزعج المصري نفسيا واقتصاديا واجتماعيا، وبالتالى أدركت كل الأنظمة ذلك، وكانت حريصة جدا في مساسه أو التعرض له، لكن المرة الأخيرة، كانت أطول مرة لا يتم التعرض للخبز فيها، فهو منذ ثلاثين عاما لم يتغير سعره.
والآن حدث بالفعل ما يقلق الكثير من الحكومات، حيث أعلن رئيس الوزراء د. مصطفي مدبولى، الذي يبدو أنه مستمر في منصبه عن زيادة أربعة أضعاف في سعر الخبز المدعم، من خمسة قروش إلى عشرين قرشا، وليس معروفا لماذا لم يتم رفعه لربع جنيه مثلا، وكل هذه العملات لم تعد موجودة أساسا، وبالتالى الأكثر طبيعية أن نقول أن الزيادة أصبحت من العشرين رغيفا بجنيه لتصبح الخمسة أرغفة بجنيه.
والأمر ليس واضحا حتى الآن، هل فاتورة الدعم الكبيرة فقط، هى السبب في التحريك في هذا الوقت بالذات، خاصة أنها ستقل من ١٢٥ مليار جنيه سنويا، إلى ١٠٥ مليار سنويا، أم أن الأمر مرتبط بوجود بعثة صندوق النقد الدولى بالقاهرة للمراجعة الثالثة قبل الدفعة الجديدة من القرض ، وهذا شرط من شروطها، أم أن توتر الرأى العام بسبب الحادث الحدودى في رفح، ومتطلبات توجيهه لجهة أخرى، أهم من أى شئ آخر؟!
رغيف “عيش” إسم مشتق من العيش أو المعيشة، وهو ما يؤكد ارتباط وأهمية الخبز بحياة المصريين، ومنذ أقدم العصور التاريخية كان الخبز طعامًا أساسيًا تقوم عليه حياة المصري القديم، بل وكان أحد القرابين التي تقدم للآلهة، لأن المصريين من الشعوب مختلطة الاعتماد على الخبز والنشويات من مكرونة ومعجنات وأرز معا، عكس شعوب أخرى تتخصص في الخبز أو النشويات او جزء منها فقط.
ومازال الخبز هو العنصر الأساسي في غذاء المصريين، ويعد الخبز البلدي من أهم السلع التي تدعمها الحكومة المصرية، وقد حافظت الدولة على استقرار سعر الخبز البلدي المدعم حتى يونيو/حزيران 1980 عند سعر نصف قرش للرغيف، ليرتفع بعد ذلك إلى قرش واستقر عند هذا السعر حتى سبتمبر/أيلول 1984، ليرتفع مرة أخرى إلى قرشين واستقر سعره حتى عام 1988، إلى ان ارتفع إلى 5 قروش وظل سعره ثابتا حتى الآن، مع الزيادة الجديدة المعلنة قبل قليل، وتنفذ مع بداية يوينو ٢٠٢٤.
وبحسب تقرير لمركز المعلومات واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، فإن 90% من الأسر المصرية يستهلكون الخبز البلدي المدعم في غذائهم بشكل عام، و60% يعتمدون عليه بشكل أساسي وذلك وفقا لنتائج مرصد أحوال الأسرة المصرية.
وتتقارب نسب الأسر التي تستهلك الخبز البدلي المدعم في الحضر 90% وفي الريف 89%، وترتفع نسبة الأسر التي تستهلك الخبز البلدي المدعم في محافظات الوجه البحري لتبلغ 93% مقارنة بالمحافظات الحضرية ومحافظات الوجه القبلي 87%.
ووفقا للتقرير متوسط استهلاك المصريين للخبز البلدي هو 4 أرغفة للفرد يوميا، ما يعني 1360 رغيفا سنويا.
وتشير إحدى إحصاءات وزارة الزراعة المصرية إلى أن متوسط استهلاك الفرد المصري من القمح والذرة يبلغ أكثر من نصف كيلو من الدقيق يوميًا، وهو من أعلى المعدلات استهلاكًا في العالم.
وهناك العديد من أنواع الخبز في مصر فنجد في الصعيد الخبز “الشمسي” والذي يصنع من دقيق القمح ويمر بست مراحل، حيث يتم عمل عجينة الخميرة في الليلة السابقة للخبيز، وفي الصباح تتم مرحلة العجين وبعدها يتم ‘تقريص’ العجين أي تقطيعه الي قرص صغيرة وترص تحت أشعة الشمس حتي يتم التخمير، ثم تأتي عملية التجريح بواسطة ‘شوكة نخيل’،والتجريح هو عمل خط دائري حول قرص العجين وفي المنتصف يتم عمل الرقم 11 والخط الدائري هو معتقد فرعوني يرمز إلى الإله ‘رع’ رمز قرص الشمس.
كما يوجد خبز “البتاو” وهو خبز رقيق جدا ويوجد منه الناشف والطري وهو مفضل لدى اهل الصعيد، ويتم تصنيعه عن طريق خلط دقيق الذرة مع الدقيق الأبيض والملح والخميرة والماء لتحضير العجين، ثم تركه ليخمر، وخبزه في الأفران.
ويحتوي الخبز على مواد كربوهيدراتية تمد الإنسان بطاقة حرارية والعناصر الغذائية المرافقة لتلك المواد تزود الإنسان ببعض احتياجاته من المتطلبات الغذائية الأخرى.
ويبلغ متوسط المحتوى البروتيني فيه7% إلى 15% كما يحتوي على نسبة مرتفعة من السكريات وحوالي 1% دهون ودقيق الحبوب عموماً يحتوي على البوتاسيوم والماغنيسيوم والفسفور والحديد والكالسيوم كما يحتوي أيضا على بعض الفيتامينات مثل (ب) المركب و(ج) و(د).
ويوجد الجزء الأعظم من الحديد والفسفور ومركب فيتامين (ب) في قشور الحبوب التي يذهب معظمها عند الطحن الجيد للحبوب ولذلك يؤكد خبراء التغذية أن القيمة الغذائية للخبز الأسمر تفوق سائر أنواع الخبز الأخرى وذلك لاحتوائه على الردة الغنية بمحتواها البروتيني ونسبة كبيرة من الألياف الغذائية.
وتزخر الأمثال الشعبية المصرية بالكثير عن الخبز أو “العيش” ما يؤكد تأثير الخبز في المصري في كل العصور، منها : “اللي ياكل رغيف السلطان يحارب بسيفه” و”الجعان يحلم بسوق العيش” و”العيش الحاف يربي الكتاف” و”إدي العيش لخبازه ولو ياكل نصفه” و”رجع قفاه يقمّر عيش” و”وشه يقطع الخميرة من البيت” و”ده ما بيضحكش للرغيف السخن” وغيرها الكثيروالذي يدل على تأثير الخبز في حياة المصريين بشكل خاص.
دائما ما يكون رغيف العيش شريكا في كل الشائعات والمؤشرات المرتبطة بالحالة الاقتصادية في مصر، وهناك قائمة طويلة من الأخبار في ذلك الصدد ، وكانت الأزمة خلال الأيام الأخيرة في الخبز الحر الذي يستخدمه حوالى أربعين مليون مصري، وخلال الساعات الأخيرة انتقلنا للخبز المدعم الذى يستخدمه سبعين مليون مصري.