سوف أبدأ مقالى هذا بسؤالين يشغلان إهتمامى منذ فترة أولهما , هل وصل المجتمع الدولى بقياداته ومؤسساته إلى مرحلة العجز الكامل عن إيقاف حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة؟
وثانيهما هل سوف تظل الدولة المصرية تتحمل العبء الأكبر من أجل حل الأزمة فى مواجهة عالم يراقب ويشجب؟
وأرجو ألا تكون تلك المقدمة محرجة لأى طرف حيث أن مادفعنى إليها عمق الكارثة الإنسانية غير المسبوقة ، التى يعانى منها أكثر من مليونى مواطن يقعون بين شقى الرحى التى لاترحمهم وللأسف هذا هو واقع أزمة تتفاقم دون وجود أفق متى وكيف ستنتهى .
من واجبى أن أقف بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على الحرب لأقوم بعملية تقييم للفترة السابقة، وهنا أشير فقط إلى بعض الحقائق :
- مصر هى أكثر دولة تأثرت بهذه الحرب ورغم ذلك فإنها أكثر دولة فى العالم بذلت كل الجهود الممكنة ، بل المستحيلة لحل الأزمة سواء بطرحها الرؤية الرئيسية المتدرجة ، التى شكلت قاعدة التفاوض لكافة الأطراف المعنية، وكذا تحملها إدخال أكبر قدر من المساعدات الإنسانية إلى القطاع بنسبة تفوق 75% من إجمالى المساعدات.
- مصر حرصت على أن تصل المفاوضات المكثفة التى تمت فى القاهرة مؤخراً إلى هدنة إنسانية تفتح الطريق أمام الحل الشامل سواء إنجاز صفقة الأسرى أو إنهاء العمليات العسكرية أو إعادة الإعمار ثم التمهيد لإستئناف عملية السلام .
- مواقف الأطراف المتفاوضة عكست عدم توافر الإرادة الكافية للخروج من مستنقع الأزمة، وفى رأيى الشخصى أن الأجندات الضيقة كانت العامل الرئيسى فى تعثر التوصل إلى الهدنة المنشودة .
- ناتانياهو يتحرك فى إطار حكومة متطرفة لاتهتم سوى ببقائها حتى لو كان الثمن هو تدمير القطاع تدميراً كاملاً أما إعادة مختطفيها فليس فى أولوياتها .
- سكان غزة هم أكثر الأطراف تضرراً من نتائج هذه الحرب حيث يتعرضون إلى أقصى أنواع العقاب الجماعى من تهجير وتدمير وقتل ومجاعة.
- كافة الضغوط الأمريكية لم تنجح فى إيقاف الحرب ولايزال ناتانياهو قادراً على مواجهة الرئيس بايدن من منطلق قناعته بأن واشنطن لن تتمادى فى ممارسة الضغوط فى ظل عام الإنتخابات الرئاسية .
- مصر هى حائط الصد الأول ضد محاولات تصفية القضية الفلسطينية من خلال رفضها فصل القطاع عن الضفة الغربية فى مرحلة اليوم التالى للحرب خلافاً للعديد من الأفكار المطروحة، حيث تتمسك بضرورة أن يكون للسلطة الفلسطينية الشرعية الدور الرئيسى فى إدارة وحكم القطاع لاسيما مع موافقة حماس والفصائل على أن تكون الحكومة الفلسطينية المتوافق عليها هى التى سوف تحكم غزة وليس حماس .
من الواضح تماماً أن ناتانياهو أصبح الرجل الأوحد فى تل أبيب الذى يتحكم فى القرار ويوجهه كيفما يشاء ولايعبأ بالضغوط الداخلية والخارجية مع تمسكه بمواصلة العمليات حتى نهايتها ،التى إمتدت مؤخراً إلى شرق مدينة رفح الفلسطينية ثم أتمت السيطرة على معبر رفح الفلسطينى وتحريك بعض قواته الجيش داخل جزء من محور فيلاديلفيا الذى يقع كاملاً داخل الأراضى الفلسطينية .
ومن الواضح أن تحرك إسرائيل إلى منطقة شرق رفح يعد جزءاً من خطة شاملة تعتزم تنفيذها فى مدينة رفح الفلسطينية للقضاء على ماتبقى من قدرات حماس العسكرية – كما تدعى – ولكنها سوف تنفذ تلك الخطة كاملة فى الوقت الذى تراه مناسباً ولاسيما فى أعقاب إخلاء السكان من هذه المنطقة الذين بدأوا بالفعل فى إخلائها تدريجياً فى إتجاه الوسط هرباً من جحيم الموت والجوع .
هناك نقطتان رئيسيتان من الضرورى أن أشير إليهما ونحن نتحدث التطورات الأخيرة وتواجد الجيش الإسرائيلى فى منطقة رفح القريبة من الحدود المصرية.
الأولى أن إسرائيل تعلم تماماً أن مصر لن تتهاون فى حماية أمنها القومى وأن أى تجاوز تجاه الأراضى المصرية سوف يواجه بالرد المناسب.
والنقطة الثانية أن مصر لاتزال ملتزمة بكافة بنود معاهدة السلام الموقعة منذ 45 عاماً ،والتى أنجزناها بعد إنتصار أكتوبر 73 بإعتبارها تحقق مصالح الطرفين، ومن هنا فإننا نطالب إسرائيل ،فى المقابل أن تحترم كافة إلتزاماتها الواردة فى المعاهدة وتتجنب إنتهاك أى من بنودها .
أما السؤال المشروع الذى يشغل العالم ويجب أن أطرحه هنا يتمثل فى كيف ومتى تتوقف الحرب، وبالرغم من صعوبة الإجابة على هذا السؤال، إلا أننى أرى – نظراً لعامل الوقت – أن هناك إمكانية لتحقيق إختراق ولو نسبياً فى الوضع الراهن وذلك إرتباطاً بمسئوليات الأطراف الأربعة التالية :
- بالنسبة لمصر : ضرورة عدم السماح بأن تفشل هذه الجهود المضنية وعلينا إستئنافها خلال الأيام المقبلة حيث أن التعثر فى المفاوضات أمر طبيعى، ومن المؤكد أنه بدون مصر فلن تنجح أية جهود مع كل التقدير والإحترام لجهود الأطراف الأخرى، ولامانع من طرح مقترحات جديدة تسمح بتحريك الموقف المتوتر الحالى من بينها على سبيل المثال التوافق مبدئياً على وقف إطلاق النار لفترة محدودة ونبدأ تنفيذه على الأرض ثم نستكمل المفاوضات فى ظل هذا الوقف المؤقت .
- بالنسبة لإسرائيل : أهمية التوقف عن إستكمال عملية رفح وحرب الإبادة وإعطاء فرصة لإنجاز صفقة مقبولة والتنازل عن بعض المواقف المتشددة فهذا هو السبيل الوحيد لإسترجاع المختطفين.
- بالنسبة لحماس : حتمية اتخاذ قرارات شجاعة تؤدى لوقف المجازر اليومية التى يتعرض لها أكثر من 2 مليون مواطن أعزل يعانون من كارثة إنسانية مدمرة فمثل هذه القرارات تعلى شأن المقاومة ولاتقلل منها .
- بالنسبة للولايات المتحدة : ضرورة إستمرار الضغوط على ناتانياهو وعدم التخلى عن هذا الدور أملاً فى أن يثمر عن نتائج مستقبلاً