بايدن بعث في الأسبوعيْن الماضيَيْن موفدين إلى سلطنة عُمان حيثُ عُقِدَ لقاءان مع وفدٍ إيرانيّ بحثَا في “خفض التصعيد” و”صفقة التبادل” بين إسرائيل وحركة حماس. وكذلك عُقِدَ لقاءٌ آخر في أروقة الأمم المُتحدة في نيويورك بين الأميركيين ومندوب إيران لدى الأمم المُتحدة سعيد إيرواني للهدف نفسه.

سمِعَ الأميركيّون من الإيرانيين في مسقط ونيويورك أنّ أولويّتهم هي ترسيخ وقفٍ لإطلاق النّار في غزّة، وأنّ طهران “لن تُفاوض عن حركة حماس، وستقبل بما تقبل به الحركة”. كما لم يُجِب الإيرانيّون صراحةً عن إمكان أن يوقف إطلاق النّار في غزّة أيّ عمل انتقاميّ تنوي طهران وحارة حريك القيام به. لكنّهم قالوا للأميركيين إنّ وقف إطلاق النّار سيُساهم في وقف التصعيد على الجبهات الأخرى، من جنوب لبنان إلى البحر الأحمر.

في المُقابل حذّر الأميركيّون الإيرانيين من أنّ أيّ ضربة أو خطأ في الحسابات مع إسرائيل سيدفع الأخيرة للرّدّ بقوّة في عمق إيران. وهذا من شأنه أن يستجلِبَ ضربةً إيرانيّة أخرى تُقابلها ضربة إسرائيليّة جديدة، وهو ما يُعطي نتنياهو سبباً للقول إنّ “اليهود يتعرّضون لهولوكوست جديدة” على يدِ إيران وأذرعها في وقتٍ حسّاسٍ يقترب فيه موعد الانتخابات الأميركيّة.

بين مسقط ونيويورك، كانَت الدّوحة وأنقرة تنشطان أيضاً على خطّ واشنطن – طهران. أنّ رئيس جهاز أمن الدّولة القطريّ عبدالله الخليفي زارَ إيران في الأيّام القليلة الماضية والتقى رئيس مكتب الأمن القومي علي أكبر أحمديان. كذلكَ تمّ رصد زيارة بعيدة عن الإعلام قام بها رئيس الاستخبارات في تركيا إبراهيم قالن لطهران، بعد طلب الرّئيس الأميركيّ جو بايدن من نظيره التّركيّ رجب طيّب إردوغان نقل رسائل أميركيّة إلى إيران عن ضرورة “خفض التّوتّر في المنطقة”، وذلك بحسب ما نقل مصدر دبلوماسي إقليمي

تعتبر إيران أنّ اغتيال إسماعيل هنيّة في قلب عاصمتها ضربةً موجعة. وهي تتعامل من هذا المُنطلق. لكنّ المصادر تشير إلى أنّ إيران لم تُغلق باب الدّبلوماسيّة. وتُحاول كالعادة استغلال الموقف لتحصيل ما أمكن من مكاسب سياسيّة. كما أنّ إيران تعمّدَت الإطالة في تأخير ردّها على إسرائيل في انتظار اكتمال الدّفاعات الأميركيّة – الغربيّة، وذلك لئلّا تُلحق الصّواريخ والمُسيّرات ضرراً كبيراً في العُمق الإسرائيليّ.

تحبكُ طهران ردّها بهدوء في إطار سياسة “الذّبح بالقطنة”، كما وصفها الأمين العام للحزب خلال كلمته التي ألقاها في ذكرى أسبوع القائد العسكريّ فؤاد شُكر الذي اغتالته إسرائيل في ضاحية بيروت الجنوبيّة أواخر تمّوز الماضي.

الأوّل: أن تتوسّع الحرب وتتلقّى ضربةً إسرائيليّة مُدمّرة لمشروعها النّوويّ.

الثّاني: أن تفقدَ دورها الذي فوّضته إليها الولايات المُتحدة ضمناً بعد الاتفاق النّوويّ 2015، ويتمثّل في أن تكون شرطيّ المنطقة.

من هذا المُنطلق يُمكنُ استخلاص إصرار إيران على “المشاغبة” في البحر الأحمر، وفي اتجاه القواعد الأميركيّة في سوريا والعراق.

المشاغبة الإيرانيّة قابلتها رسالة أميركيّة ميدانيّة تُعتبر الأكثر خطورة والأكثر أهميّة وتجلّت في السّاحة السّوريّة، حيثُ عبرت قبل أيّام مجموعات صغيرة من ميليشيات “قسد” من شرق الفرات إلى غربه بمواكبةٍ جويّة أميركيّة من طائرات F22، ثمّ عادت إلى قواعدها.

المهمّ في هذه الرّسالة الميدانيّة أنّ واشنطن تقول لطهران إنّ توسّع الحرب في المنطقة سيُقابله فوراً قطع طريق طهران – بيروت عبر نقطة البوكمال على الحدود العراقيّة – السّوريّة.

المجريات الميدانيّة كانت تُقابلها جولات مكّوكيّة أميركيّة. يصلُ بريت ماكغورك إلى العاصمة المصريّة القاهرة للقاء رئيس هيئة الاستخبارات العامّة اللواء عبّاس كامل ومسؤول الملفّ الفلسطيني اللواء أحمد عبد الخالق.

عودة الزّخم الأميركيّ إلى خطّ وقف إطلاق النّار مردّه إلى استطلاعات الرأي التي تُظهر أنّ الدّيمقراطيين استطاعوا تحسين وضعهم الانتخابيّ في وجه المرشّح الجمهوريّ دونالد ترامب بعد ترشيح كامالا هاريس. وتُعتبر أزمة الشّرق الأوسط مفتاحاً أساسيّاً للديمقراطيين لاستقطاب أصوات العرب والمسلمين والنّاخبين اليهود على حدٍّ سواء. إذ كانَت الجهود الأميركيّة خفّت بعد حالة عدم اليقين التي مرّ بها الدّيمقراطيّون قبل وبعد انسحاب بايدن من السّباق الانتخابيّ.

تهدفُ زيارة ماكغورك إلى محاولة تقليص الخلافات بين حماس وإسرائيل قبل “جلسة 15 آب” التي ستُعقد في الدّوحة. يقول مصدر دبلوماسيّ عربي إنّ حركة حماس لا تُشاركُ أساساً في الاجتماعات الرّباعيّة التي عُقِدَت في باريس والدّوحة في أوقات سابقة، ذلكَ أنّ الحركة تُفاوض الإسرائيليين والأميركيين بشكلٍ غير مباشر.

يعتبر المصدر أنّ الأجواء “ليست سلبيّة ولا إيجابيّة”. فالجانبان “الحمساويّ” و”الإسرائيليّ” يقومان بخطوات يعتقدان أنّها تُحسّن شروط التفاوض. إذ كانت حماس قد أصدرت بياناً طلب أن يكونَ المُقترح على الطّاولة، وهو ما أعلنَ عنه الرّئيس الأميركيّ جو بايدن ونالَ موافقة مجلس الأمن الدّوليّ.

أمّا الجانب الإسرائيليّ فمارس الضّغوط أيضاً بزيادة المجازر ضدّ المدنيين في غزّة. كما أنّ نتنياهو لم يقبل أن يوسِّعَ صلاحيات الوفد المفاوض، في محاولة منه للقول إنّه ليسَ مستعجلاً ما دامت حماس كذلك.

يدخل في هذا الإطار أيضاً ما كشفه النّاطق باسم كتائب القسّام “أبو عبيدة” عن مقتل أسيرٍ وجرح 2 بعد إطلاق نارٍ عليهم من قبل مُجنّدين موكلين بحمايتهم. تُريد حماس أن تضغط في هذا الموضوع على الدّاخل الإسرائيلي عبر الإيحاء أنّ إطالة الحرب قد تدفع عناصرها لفقد الانضباط والانصياع للقيادة، وهو ما يُهدّد حياة الأسرى.

لا تُبنى الكثير من الآمال على جلسة اليوم. لكنّ الأكيد أنّ رئيس حركة “حماس” يحيى السّنوار يُريد وقفاً لإطلاق النّار بشروطه. ونتنياهو هو الآخر يُريد الأمر نفسه لكن بشروطه. وبين انتظار ردّ إيران والحزب الذي تستعمله حماس في التّفاوض أيضاً، ومماطلة نتنياهو وصراعه مع الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة ووفده المفاوض، قد تنفجر طاولة الدوحة ومعها المنطقة برمّتها.