إيمان بخيت
عملية قصف القنصلية إيرانية في دمشق، هي محاولة من إسرائيل لدخول إيران على خط المواجهة بشكل مباشر، وهو أمر لطالما أرادته تل أبيب لأهداف عدة ، خاصة بعد حرب الإبادة على قطاع غزة، في محاولة منها جعل الحرب حربا إقليمية شاملة.
تريد توسيع النطاق الضيق للحرب بينها ، وجعلها حربا تشمل المنطقة بأسرها، وهذا لن يحدث سوى بدخول إيران على خط المواجهة المباشرة، حتى تكون ذريعة لدخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب، ومعها دول الاتحاد اوروبي أي دول حلف الناتو على الأقل، وبهذا تحقق إسرائيل هدفها الأساسي السيطرة على المنطقة تحت غطاء الدفاع عن النفس وتأمين كيان ما يسمى بالدولة الإسرائيلية ومستوطنيها.
وعلى الرغم من تأكيد الجانب الإيراني أنه سيقوم بالانتقام ردا على ضرب القنصلية، وكم سيكون الرد قوي للغاية، وسيؤثر بشكل مباشر على المجتمع الإسرائيلي ، الذى يرتعب من هذا الرد واستعداد الحكومة الإسرائيلية لأي تهديد إيراني، إلا أنه من غير المتوقع أن ترد إيران على ما حدث لقنصليتها وقبلها طيلة السنوات الأخيرة.
وهذا بناءً على أحداث سابقة رغم هول هذه الضربة، قامت فيها إسرائيل باغتيال شخصيات إيرانية بارزة ، وكان من أهمها قاسم سليماني القيادى البارز بالحرس الثورى، فوقت اغتياله أكدت الحكومة إيرانية أنها لن تسكت على مثل هذا الانتهاك وسيكون ردها رادعا، حتى لا تكرر إسرائيل مثل تلك العمليات، إلا ان عملية الاغتيال مرت دون أي رد إيراني، بل زادت الاستفزازات الإسرائيلية لإيران في محاولة منها لجر الدولة إيرانية في حرب مفتوحة على أمل استغلال هذه الحرب في إنهاء الخطر الإيراني عليها بصورة لا رجعة فيها. إلا أن طهران أدركت الهدف من وراء هذه العمليات، وتعرف نقاط ضعفها في مواجهة العدو الإسرائيلي ، فلم تمنح الفرصة لإسرائيل للتورط في الوقت الذي تريده هى، مما جعل الأمور تتعقد أكثر، وإسرائيل تستفحل، وتظهر إيران في صورة الدولة الضعيفة أمام تل أبيب، رغم دورها القوى في عدة نطاقات.
وقد أعلنت إسرائيل عن جاهزية النظم الدفاعية لديها ومن ضمنها سلاح الجو للرد على أية عملية انتقامية إيرانية ، وهو الأمر الذي تريده إسرائيل الآن، حتى يكون هناك سبب مقنع لحرب ليست بين إسرائيل وإيران فقط بل ستكون بين الدول الغربية وأمريكا وبين الدولة الإيرانية ، حتى ينتهي هذا الخطر تماما ، ولا يتبقى أمام إسرائيل سوى إنهاء الحرب في غزة ، وتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي لا رجعة فيه.
لذا ومن وجهة نظري أنه لن يكون هناك ردا إيرانياً قويا ،كما تحاول إسرائيل إيهام الرأي العام الدولي. فما تحاول تل أبيب الوصول له هو التأكيد على أن أية عملية عسكرية تقوم بها ليست سوى دفاعا عن النفس وعن أمنها القومي وهو أمر غير صحيح، البادئ بالهجوم ليست إيران بل إسرائيل هي من تحاول جر المنطقة بأكملها في صراع غير منتهي.
وفي ظل حالة التأهب الإسرائيلية، واستعداد مستوطنيها لما قد يشهده الكيان من هجمات إيرانية غير مستبعدة، وفق بعض التصورات، قد تكون على هيئة طيارات بدون طيار انتحارية تقوم بعمليات في العمق المسمى بالإسرائيلي، وهو ما تخشاه حكومة الحرب برئاسة بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوأف جالانت. حيث أن إسرائيل حاليا تحارب على جبهتين قطاع غزة وعلى الحدود الشمالية ضد قوات حزب الله.
وقد أكد حسن نصرالله في خطاب له بمناسبة يوم القدس، أن إيران سترد ردا قوياً بالتأكيد، لكن حديث نصر الله لا يعني بالضرورة أن هذا ما ستقوم به إيران، ففي نهاية الأمر طهران هي من لها السلطة العليا في تحديد ما ستقوم به خلال أيام القادمة.
وعلينا أن نذكر أن إيران لا تريد الاشتباك المباشر مع إسرائيل وبالتالي مع الولايات المتحدة الامريكية. حتى لا تتوسع المعركة وتزيد العقوبات الدولية على إيران.
بجانب ما سبق، ليس من مصلحة الحكومة إيرانية الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل، لأنها لن تحارب إسرائيل وحدها بل ستدخل في مواجهات مباشرة مع أمريكا وحلف شمال الأطلسي، وهم أكبر داعمين لإسرائيل في حربها على غزة منذ البداية وحتى يومنا هذا، لذلك لن تجازف إيران ولن تنجر وراء الاستفزازات الإسرائيلية في الوقت الراهن.
كذلك علينا التنويه إلى أن أي تصعيد بين كل من اسرائيل وإيران سيدخل المنطقة بالكامل في ويلات حرب أوسع مما هى فيه الآن، وسيهدد استقرار الشرق الأوسط بالكامل، وفي ظل الظروف السياسية والاقتصادية، خاصة في ظل الحرب في غزة ، والحرب الروسية الأوكرانية المستمرة.
سيكون أمرا كارثيا على كافة دول المنطقة بما فيهم مصر، التي تعاني بالفعل من ويلات الحرب على المستوى الاستراتيجي والاقتصادي، وهو أمر لن تحتمله اقتصاديات دول المنطقة.
ختاماً :
– من المتوقع أن تنفذ إيران عمليات محدودة للغاية ضد الجانب الإسرائيلي، لحفظ ماء الوجه أمام الرأي العام الدولي فقط. ولحفظ هيبتها أمام حلفاءها.
-بجانب ذلك سترد إيران من خلال حلفاءها في المنطقة، أي عن طريق حزب الله وحماس والمقاومة العراقية الإسلامية والحوثيين الفاعلين بشكل قوى خلال الشهور الثلاثة الأخيرة ضد العمق في فلسطين التاريخية، حتى أنهم، وبالذات المقاومة العراقية تستهدف البنية التحتية والمرتكزات العسكرية الإسرائيلية بنجاح.
تحليل جيد جدا بالتوفيق دايما وفى انتظار الجديد