هلت نسايم أكتوبر وفاح عبيرها فى كل ربوع الوطن ..فى مثل هذه الأيام ومنذ خمسين عاماً ، لم يكن أحد يصدق أن مصر ستثأر لذاتها وستنتصر ، وأن المشروع التعبوى الذى كان ضمن الخداع الاستراتيجى وكان على مرأى أعين القادة والجنود الاسرئيليين على الجانب الآخر من القناة ، سيتحول إلى مشروع حرب وعبور وجحيم عليهم.
دائما أشعر بفخر وسعادة وأنا أتحدث عن ذكريات أكتوبر ورجاله الأبطال وانتهز أية فرصة للحديث عنهم أو مقابلة بعضهم ممن على قيد الحياة.
والواقع أننى -تقريبا -على مدار العام استنشق هذا العطر من الذكريات كلما اتيحت لى لقاءاتهم أو قراءة تاريخ الوطن ولا ارتبط بذكرى النصر أو المناسبة فقط لأتذكرهم وكم أشعر بالحزن كل يوم عندما أسمع سقوط ورقة جديدة من أشجار أكتوبر ورحيل مقاتل أو بطل أكتوبرى.
منذ أيام قليلة وفى أحد أروقة العلم بمدرجات أكاديمية ناصر العسكرية سابقا ..الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية.إلتقيت بأحد الزملاء من جنوب مصر العظيم..زميل شهم خدوم متفان مخلص متواضع بسيط رغم عمله المتميز “مدير مكتب رئيس مركز ومدينة ساحل سليم/ اسيوط”
إنه بلا مبالغة عنوان لكل صور الاحترام والرقى والرجولة وبالتأكيد يعود ذلك لنشأته وبيئته التى صنعته ..جمعنا حديث عن أكتوبر وسعيى لمعرفة شخصيات جديدة من أبطال وجنود مجهولة لم تذكر ذكرياتهم وأعمالهم للحديث عنهم أو التسجيل معهم فى وسائل الإعلام من خلال إدارة الشئون المعنوية التى تساعدهم فى ذلك لإظهارها للنور بمعرفة فرع الإعلام العسكرى . وإذا بهذا الزميل يحدثنى عن والده ويرسل لى بيناته ووحدته أثناء حرب أكتوبر وقبل أن أتفوه بلفظ طلبت رقم هاتفه للتواصل المباشر مع هذا البطل أجده يقول : رحمه الله ،رحل عنا العام الماضى
شعرت بالحزن ولكن فى ذات الوقت طلبت منه بأن يرسل لى ما يعرفه عن والده وما قام به وووعدته بأنى سأسعى للكتابة عنه وعلى الفور يرسل لى بعض الكلمات المقتضبة مرفقا بها شهادة أداء الخدمة العسكرية لوالده لتأكيد كلامه ..وعلى الفور أجدنى أفكر فى موقع ومنصة إندكس: وكالة الأنباء المصرية ورئيس تحريرها الوطنى المحترم أستاذ إسلام كمال، الذى ساعدنى منذ سنوات طويلة على إظهار بطولات كثيرة لرجال من أكتوبر وحروبنا مع الإرهاب فى مجلة روزاليوسف، فله منى كل الشكر والتقدير.
أعود إلى بطلنا الأكتوبرى.
من رحم المعاناة تولد الرجولة .شاب مصرى معجون بجينات الصعيد من أسرة بسيطة منذ أن بدأت تظهر علامات الرجولة عليه وبمجرد بلوغ سنه السن القانونية ١٩ عاما يقدم نفسه لأداء الواجب الوطنى فى أصعب فترات مر عليها الوطن وتم قبوله وأصبح جنديا من صعيد مصر بمحافظة أسيوط بمركز ومدينة ساحل سليم بقرية جزيرة ساحل سليم .كان أميا لا يقرأ ولا يكتب لكنه يمتلك شجاعة وفراسة ووطنية لا تضاهيها أعتى كليات العالم.
كان أخ لأربعة اخوة ذكور وبنتين إلتحق بالقوات المسلحة في مايو١٩٧٣، في الوقت الذي كان يخشي بعض الشباب الالتحاق لصعوبة وغموض الموقف إلا أن شهامته ووطنيته دفعته للإقبال بنفس راضية ملبيا نداء الوطن حفاظا علي أرضه وعرضه بمفهوم الصعيد وبدأت الحرب علي حد قوله ( دون أن يدري) وأخذ مكانه في سلاح المشاه بالجيش الثالث وعاش مع زملاءه فترات فى غاية الصعوبة وتلقى تدريبات عنيفة قاسية وعاش حياة فى غاية الصعوبة على الجبهة معهم حتى أتت اللحظة الحاسمة وقاتل مع رفاقه بكل شجاعة وبسالة وتذوق فرحه النصر فى الساعات الأولى من انتصار أكتوبر المجيد هو وزملاؤه وشعر بالفخر وهو يعيد للوطن كرامته وعرضه الذى انتزع منه عنوة ذات يوم
و بعد أيام من القتال ومساعدة الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل حدثت ثغرة الدفرسوار و تم حصار عدد من رجال القوات المسلحة المصرية وظلوا أياما دون طعام أو شراب حتي تم تحريرهم من رفقائهم وتم تصفية الثغرة ورغم صعوبة ما قابلوه فى تلك الفترة إلا أنهم ضربوا المثل بالصمود والشجاعة والبسالة ولم يستسلموا أو يفقدوا شجاعتهم أو يتسلل روح اليأس فى قلوبهم وبطلنا عامر أحدهم الذي خدم قرابة الثلاثة أعوام ونصف .
وبعد انتهاء الحرب بالنصر وانتهاء واجبه الوطنى بقدوة حسنة وهو في الثانية وعشرين من عمره بدأ يفكر فى الاستقرار و تزوج بفتاة صالحة تليق أن تكون أماً لأبناءه تشبهه فى الأخلاق والتدين وبدأ رحلة كفاحه فسافر إلي الأردن والسعودية والعراق والكويت وليبيا منذ ١٩٧٧ حتي ٢٠١٠ ورزق بثلاثة أولاد ( ليسانس ألسن جامعة عين شمس قسم إنجليزي/ إيطالي وهو زميلى الذى تشرفت بمعرفته أستاذ ممدوح ثم شقيقين آخرين حصلا على / دبلوم صنايع/ دبلوم زراعة) وأربع بنات ( ٢ دبلوم زراعة / ١ بكالوريوس تربية نوعية / ١ دبلوم تمريض) كانوا ثروته وكنزه فى الحياة وعلى قدر ما قدم للوطن كانت مكافأة المولى عز وجل له فيهم ..وخلال تلك الرحلة الطويلة لم ينسى أجمل سنوات عمره وهو بالزى العسكرى يقاتل مع زملاءه ويتذكر من استشهد منهم ولا ينساه وينتهز أية فرصة للحديث عن تلك الفترة مع أبناءه فذكراتها تنبض فى عروقه ودماءه إلى أن أتى الأجل وأراد الله استرداد وديعته .
وتوفي في أبريل ٢٠٢٢ في شهر رمضان بعد صراع مع المرض وبعد أن أدى رسالته على أكمل وجه وحج بيت الله و زرع في أولاده حب الوطن والقوات المسلحة وقد خدم أولاده الذكور جميعا بالقوات المسلحة .رحم الله المقاتل الإنسان عامر عبد الرحمن علام عمير ابن سلاح المشاة .