لن أقف عند مصادفة التزامن، فإثارة الجدل من جديد حول تفاصيل وأسرار كواليس عمود نيوتن الشهير، الذي كان يكتبه المفكر الكبير الراحل أستاذ عبد الله كمال، ومرور ذكرى رحيله العاشرة هذه الأيام، ليست بالأمر الذي نتوقف عنده كثيرا، مقارنة بالأقاويل غير الصحيحة بالمرة التى لايزال يرددها رجل الأعمال صلاح دياب، أحد ملاك صحيفة المصري اليوم، حول نيوتن وأسراره، والتى تصل في بعض تناولاته للرخص والتطاول وعدم احترام غيبة الرحيل، لأن الراحل لن يرد عن هذه الأكاذيب.
لا يحترم هذا الدياب بالمرة أنه يتحدث عن حقوق “راحل” لن يستطيع الرد على افتراءاته وترويجاته ، لكننى سأكسر قاعدة من القواعد المهنية والأخلاقية والإنسانية التى ربانى عليها الأخ الأكبر والأستاذ الأمهر، حيث الفصل بين الأسمين، أسمه وأسمى، في قضايا مهنية وشخصية مثل هذه، لكنه ليس موجودا للأسف، منذ أكثر من عشر سنوات، وأنا لها، بعد إذنه في عالمه الآخر، وهو بالطبع باق بيننا.
أحاول بكل الطرق، أن أسيطر على قلمى وعباراتى، حتى لا أنقل لها استفزازاتى واستثاراتى من هذه الأقاويل غير الصحيحة بالمرة، ولن أقول الأكاذيب والتى تشمل تطاولات لا يمكن تمريرها ويجب الاعتذار عنها.
وعد صلاح دياب الذي لم يف به
لا أعرف صلاح دياب عن قرب، إلا في موقف وحيد، عندما جاء لتقديم العزاء في رحيل الأستاذ، وشكرته على القدوم رغم كبر سنه وانشغالاته، وواجهته مباشرة في حوار جانبي، متى وكيف سوف تعلن أن عبد الله كمال هو نيوتن؟! .. وشددت على أنى لا أتحدث عن حقوق مادية بل أدبية، ليعرف الجميع مدى تميز وتفرد هذا المفكر الكبير، في مساحة غير اعتيادية على الكثيرين في كل أزمنة الصحافة المصرية والعربية والعالمية، حيث الكتابة على الوتر من حيث المكان والزمن، فبالفعل كان المكان والزمان ضده، ورغم ذلك استطاع أن ينجح مرة أخرى، وبتفوق كالعادة، وكان يعتصره الألم لأنه لا يستطيع الاحتفال بنجاحه الجديد إلا بين عدد قليل جدا من محبيه، وممن يثق بهم.
ووعدنى صلاح دياب أن يعترف بأن عبد الله هو نيوتن، ولكن طلب منى ترك الوقت المناسب له، حتى لا تتضرر صحيفته المصري اليوم، ورغم تحفظى وافقت بشرط أن يكون الأمر سريعا، مع استدراك فورى بأن هذا الأمر يضيف للمصري اليوم ولا يقلل منها، عكس تقديره المقلق، الذي صدره لى.
وانتهى النقاش السريع، وقبل أن يبعد خطوات ما قلت له، مع الاحتفاظ بحقي في التعامل لو طال الأمر، ولدى أدواتى..ولا أنكر أنى وقتها كنت لاأزال تحت وطئة الصدمة، ولا أملك أي أدوات، لكنى حرصت على تأكيد هذا الموقف، ولو لم ينفذ وعده ستكون بالطبع هناك أدوات، خاصة أننى لم أرتاح لكلام دياب المطاط بالمرة.
كتاب نيوتن .. الحل البديل الناجح
بالفعل، تحقق ما توقعته، ولم ينفذ العجوز الذي من المفروض أن يحترم كلمته في حق راحل، والأمر أدبي ولن يكلفه أكثر من مساحة عمود نيوتن يؤكد فيها حق عبدالله كمال في العمود من الفكرة وحتى المحتوى، الذي تنوع خلال حوالى ثلاثة أعوام..اتصلت كثيرا بدياب، مرة جدد وعده الباهت، ثم تهرب ولم يعد يرد، لأنه كان يريد أن يسرق حق عبدالله كمال في نيوتن، ويستفيد من البريق الذي صنعه عبدالله كمال لصالحه الخاص، وكأنها صفقة من طرف واحد.
وقررت اللجوء للحل البديل، بإصدار كتاب جامع لمقالات الأستاذ في نيوتن، خاصة أن الأستاذ رحمه الله كان منظما جدا، وكان يجمع المقالات في ملف خاص، وموكل مساعدة من مساعدتيه بالأمر، وكانت المساعدة الأحدث لا الأقدم، لكن الاثنتان كانتا يعلمان بالأمر، وكان هناك إيميل خاص للمقالات يتم استخدامه بين مساعدة الأستاذ ومساعدة دياب.
وكان سهلا جدا العثور على دار نشر، لطباعة كتاب مقالات نيوتن عبدالله كمال، ولا أتذكر لماذا لم أتواصل مع أستاذة نشوى الحوفي، القيادية بدار نهضة مصر، رغم أن الأستاذ كان ينشر معها، أنهى كتابا بالفعل، وكان هناك كتابا آخر يعمل عليه، من المقرر نشره في نهضة مصر، وكانت الاتفاق وقتها سيكون أوقع لأن الحوفي هى أول من نشرت مقالا عن حق عبد الله كمال في نيوتن، بعنوان .. ورحل نيوتن، فيما رثته زوجة السيد أحمد أبو الغيط بإسم نيوتن، لكن كانت المبادرة لشقيقتاى د.رشا ود.شيماء بالتواصل مع الناشر الكبير عادل المصري، رئيس اتحاد الناشرين وقتها، ورئيس دار أطلس للنشر، الذي رحب فورا مشكورا، حينما كنت مشغولا بإنهاء الكتاب ، وتبويبه الذي كان صعبا للغاية لتنوع المقالات وطول فترة زمنها، ووفق متابعتى الأخيرة مع دار النشر، فالكتاب كان قد اقترب من الطبعة الثانية عشر ، ومن المتوقع أن نجرى عليه بعض التعديلات قبلها، ومن الممكن أن نضيف هذه المقالة في مقدمة الطبعة الجديدة للكتاب.
الطبعة الثانية عشر كتاب نيوتن عبدالله كمال
وعموما، هذا الجدل مفيد للطبعة الجديدة، من أجل الحق الأدبي والتفرد المميز في الكتاب، فهو التأريخ الوحيد تقريبا لحقبة غير تقليدية في تاريخ مصر، وبأسلوب خاص جدا، من يناير والأخوان ويوينو وتوابعها، وكان أمرا من الأمور المهمة بالنسبة لى أن تعرف ابنتا الأستاذ زينة المتألقة على طريقه، وعالية المتميزة على فكره، أن أبيهما لن يرحل بإبداعاته أبدا، وسيبقي بين محبيه دائما بإنتاجاته المتفردة.
والكتاب الذي اعتبرته هديتنا الخاصة للأستاذ، في عالمه الآخر، والذي صدر بعد عام ونصف من رحيله، يضم 500 مقال في 6 فصول، ويتحدث عن يناير ويونيو، والفعل الثوري، والإخوان، ومعارك الجيش ورموزه ، بل وكان يعتبر تأريخا لما مرت به مصر، بداية من قيام 25 يناير وحتى يونيو وتوابعها.
الكتاب يضم في فصل خاص، تحليلاً شاملا لظاهرة جماعة الإخوان، خصوصاً خلال عام حكمها الأسود، الذي اقتنصت خلاله مصر، وتداعياته، ويجيب على تساؤل مُلح علينا الآن: «كيف نتعامل معهم حتى لا يعودوا للمشهد المصري من جديد؟».
كما يقدم مجموعة من المصطلحات الجديدة، التي يحمل براءة اختراعها عبدالله كمال، منها مصطلح «دولنة الرئيس».
محتويات كتاب نيوتن
يحوي الكتاب، دراسة شاملة للمجتمع المصري، واستعراضا بالتحليل لأزمات مر بها المصريون من بعد يناير، حتى الآن، ويكشف بمنتهى المباشرة السلبيات التي احترفها المصريون، وكيف يمكن التغلب عليها… والتغييرات المحورية التي طرأت على مجتمعنا خلال السنوات الأخيرة.
وفي أحد فصول الكتاب، يحلل الراحل، الدور المهم للمؤسسة العسكرية، وتجاوزها فترات عصيبة من يناير إلى يوينو وتوابعها، بدعم الشعب لها، ودعمها للشعب، ويكشف الراحل الفارق بين مشيري الجيش من عبدالحكيم عامر حتى عبدالفتاح السيسي وبينهما أبوغزالة ومحمد حسين طنطاوي.
وما دفعنى للعودة للكتابة في هذا الأمر ، هو المحتوى المستفز الذي يصل لحد التطاول من قبل صلاح دياب وفريقه على الأستاذ عبدالله كمال، خلال احتفالاتهم بالذكرى العشرين تقريبا لصحيفة المصري اليوم، حيث كانت زاوية التناول مليئة بالمكايدات غير المبررة والأقاويل غير الصحيحة، وسبق وقلت أننى لن أصفها بالأكاذيب تقديرا للسن فقط، رغم أنه لم يحترم حرمة الرحيل، وأن الأستاذ لن يستطع الرد علي تطاولاته، حيث يصورون وكأنه منحة ودعم مالى لعبدالله كمال في ظروفه الصعبة، وفق ترويجهم، والذي شمل إدعاء كذوب، حول أن صلاح كان يفكر وعبدالله يصيغ، وكأنه الديسك مان الخاص به!..وكأنهم يتحدثون عن عبدالله كمال آخر، ولقد استحضرت دليلا بعيد عنى، ومنهم ، للتدليل على كذبهم.. وهذا في حد ذاتها فضيحة لهم، لو يهتمون بصورتهم أمام الزملاء والرأى العام، وبالمناسبة الحكم المذكور في روايتهم ليس ضد عبدالله كمال فقط، فلماذا لم يذكروا الإسم الآخر؟!
روايتاهم المستفزة المليئة بالتطاول والرخص
يقولون في رواياتهم عن كيف ظهر عمود نيوتن، أنه كلما حققت «المصرى اليوم» صعودًا تزايدت الشائعات وطالت الافتراءات والأكاذيب جميع مشروعات صلاح ولم تستثن هذه الشائعات بيته وأسرته ، وكانت أطول هذه الحملات وأعنفها للكاتب الصحفى الراحل، عبدالله كمال فى روزاليوسف، حتى صار الموضوع الرئيسى فى «روزاليوسف» مكرسًا لاستهداف صلاح.
ويكملون : فى البداية عمد صلاح لتجاهل كتابات من يهاجمونه، والذين لم يتركوا له نشاطًا إلا وتناولوه بالتشكيك والتشويه، ففى مجال الزراعة قالوا إنه يقوم بمؤامرة لإنتاج الفواكه المسرطنة للقضاء على المصريين رغم أن كل ما كان صلاح ينتجه يتم تصديره للدول الأوروبية، وفى مجال البترول قالوا إنه عميل لأمريكا، وفى لابوار قالوا إنه يقوم بتخزين المواد التموينية كالسكر للاتجار بها فى السوق السوداء.
ويضيفون في تناولاتهم غير الصحيحة المستفزة التى لا تحترم حرمة الرحيل ولا حتى التواصل الذى كان بين الاثنين “دياب وكمال” حتى الرحيل بإدعاءهم : .. وكان أصدقاء صلاح يرون أنه من الضرورى التصدى لهذه الحملات، فلجأ صلاح إلى القضاء، وبعد سنوات، وتحديدًا فى 2011 حصل صلاح على حكم نهائى ضد عبدالله كمال، يقضى بتغريمه 100 ألف جنيه فى قضية السب والقذف ضد صلاح، وجاء توقيت صدور الحكم بعد أن ترك عبدالله كمال موقعه فى روزاليوسف بعد “انتفاضة” يناير، كما فقد أعمالًا أخرى فى التلفزيون ثم توقف دوره فى مكتب جريدة عربية كان يديره فى القاهرة. وإذا بعبدالله كمال يذهب إلى صلاح دياب فى مكتبه بالزمالك شاكيًا مطاردات موظفى تنفيذ الأحكام القضائية لكى يحصلوا منه أموال الغرامة ويطلب منه تقسيط المبلغ ليتمكن من سداده، وتعجب صلاح دياب من أن رئيس تحرير فى حجمه لا يملك هذا المبلغ، فأدرك أنه لم يتربح من عمله، ولم يكتف بالاستجابة لطلب كمال فقط، وإنما تنازل له عن المبلغ تمامًا، متعاطفًا معه.
يواصلون أسلوبهم المقزز الرخيص بقولهم : .. وبدأ صلاح فى البحث عن طريقة يهون بها على كمال محنته، وحاول مساعدته لكنه لم يستطع أن يعرض عليه الكتابة فى «المصرى اليوم» بعد “انتفاضة” يناير، لأن ذلك من شأنه أن يضر بالجريدة وسيساء تفسيره، حيث كان يعتبره البعض آنذاك من “فلول” النظام السابق.
وقال صلاح لعبد الله كمال وفق إدعاء روايتهم: إن «المصرى اليوم» فقدت فى الفترة الأخيرة كتّابًا بقامات كبيرة بوفاة مجدى مهنا، وتوقف حمدى رزق بعد اختياره رئيسًا لتحرير «المصور»، وسليمان جودة صار رئيسًا لتحرير الوفد، فأصبحت «المصرى اليوم» فى حاجة لعمود صحفى تعوض به بعض ما فقدته ليكون عمودًا ليبرالى الطابع واشتباكيًّا ومعلوماته دقيقة ومحكمًا فى صياغته وعباراته قصيرة وجذابة ومحددة، واتفق صلاح مع عبدالله أن يكون المقال نتاج شريكين مثل الثنائى مصطفى حسين وأحمد رجب، وأن يكون صلاح صاحب الفكرة والرؤية والقضية ، وأن يكون كمال صاحب الصياغة التى لم يكن يجيدها صلاح بعد.
ويكملون روايتهم غير الصحيحة: .. فى سبتمبر 2012 اتفق صلاح مع عبدالله كمال على كل شىء واختار صلاح أن يكون المقال بتوقيع «نيوتن» حتى لا ينسب لأحد وحقق العمود نجاحًا لافتًا، وفى تلك الفترة اقترب صلاح من عبد الله كمال وكان يجرى بينهما اتصال تليفونى بشكل يومى، ويشرح صلاح الفكرة ويتناقشان فيها وأحيانًا كان يرسل لكمال بعض العبارات تقريرية الطابع حول فكرة المقال، وبعد أن يقوم كمال بصياغتها يعيد إرسالها لصلاح ثم يتناقشان مجددًا ويطلب منه صلاح أن يضيف أو يحذف شيئًا إلى أن يخرج المقال إلى النور؛ فصار العدو شريكًا، وكان صلاح قد اتفق معه على كتمان أمر نيوتن حتى عن أقرب الناس إليهما.
ولاتزال الرواية لهم بتكليف من صلاح دياب: .. وحاول المنافسون التقليل من نجاح «نيوتن» وقد وجدوا ضالتهم بعد الوفاة المفاجئة لعبد الله كمال، وحافظ صلاح على السر، حتى إنه لم يبح به لأى من رؤساء التحرير الذين تعاقبوا على «المصرى اليوم» لكن يبدو أن كمال باح بأمر نيوتن لحلقة ضيقة ممن حوله، وبعد وفاة كمال، وجد صلاح شماتة مكتومة من البعض وعلنية من آخرين مفادها أن نيوتن مات وقلمه انكسر بوفاة عبد الله كمال فى 13 يونيو 2014.
وأضافوا : .. وفوجئ صلاح دياب بمقال فى جريدة «الوطن»، لـ «نشوى الحوفى» عنوانه «وداعًا نيوتن»، وقرأه وقرر ألا يموت «نيوتن»، وأن يصوغ أفكاره بنفسه وليكن ما يكون واستمر «نيوتن» وزاد التفاعل معه وحاول ألا يغضب أحدًا ثم أورد فى سيرته مجتزآت من أهم مقالاته فى عموده «نيوتن»، ومنها «محافظة سنغافورة» و«الفيدرالية.. خيال مشروع»، و«استحداث وظيفة» والذى عرّضه لهجوم شديد.
وأردفوا في تفاصيل تقريرية حول فضيحة مقال الحكم الفيدرالي لسيناء: .. تم استدعاء دياب، للتحقيق معه فى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وذهب مطمئنًا بعد تصريحات مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام، فى مداخلة مع الإعلامى محمد على خير، وقال فيها إن استدعاء صلاح بغرض التحقق لا التحقيق، وإن مقال نيوتن يؤخذ منه ويُرد عليه، إلا أن صلاح فوجئ بقرارات المجلس والتى كانت ترجمة للاتهامات التى تعرض لها، فاستقطعوا جملًا وكلمات وعبارات مثل «حاكم» و«إقليم» وصدر بيان للمجلس- أو حكمه- فى 26 إبريل 2020 (رقم 16 لسنة 2020) بإلزام الصحيفة بكتابة اعتذار وإزالة المحتوى المخالف من الموقع الإلكترونى للصحيفة وغرامة 250 ألف جنيه وحجب العمود لثلاثة أشهر وإحالة رئيس تحرير «المصرى اليوم» للمساءلة التأديبية بنقابة الصحفيين مع إجراء تدبيرى بمنع الصحف ووسائل الإعلام من ظهوره لحين انتهاء المساءلة.
حملتى الإعلامية لنصرة أخى وأستاذى وحقه في نيوتن
ويواصلون الجزء التقريرى الذي أورده فقط لإكمال الصورة، خاصة أننى استفدت من هذه الأزمة وشنيت حملة صحفية وإعلامية ، تبرأت فيها من كاتب عمود نيوتن وقتها، وشددت على أنى أخى وأستاذى هو كاتب العمود الحقيقي، ومن تلاه دمر فكرة وهوية العامود، وهذا في حد ذاته يؤكد أن رواية دياب غير صحيحة، في أنه صاحب أفكار وهوية ومحتوى وكتابة العامود وقت كتابة عبدالله كمال له كما يروج كذبا.
شهادة أ/محمد السيد صالح الرصينة الحقيقية
ويكفينى في الرد على هذه الرواية غير الصحيحة المستفزة الرخيصة لأنها تصل في بعض التفاصيل للتطاول ، الاستشهاد ببعض فقرات من شهادة رئيس التحرير الأسبق للمصري اليوم أ/محمد السيد صالح حول كواليس الاتفاق على عامود نيوتن، لأن روايته تنطق بالمصداقية والاحترام.. والمقارنة كفيلة بكشف الحقيقة بين الروايتين، وبالصدفة إنهما من نفس الجريدة..
يقول صالح : .. أريد أن أخصص باقى المساحة من الحكايات عن موضوع محدد وهو عمود «نيوتن» الذى أتمنى عودته. لقد افتقدته الصحافة المصرية.
ويضيف صالح : .. كان غنيا بالأفكار والمعلومات. أعرف مسؤولين كبارا كانوا يبدأون يومهم بقراءته. يشتبكون معه، ويحرصون على الرد أو التعقيب. كل الرموز الذين علقوا على مقال حمدى رزق تمنوا عودة نيوتن.. وأنا أضم صوتى لأصواتهم. لا توجد موانع عملية لذلك. فإنه إن لم يكن أكثر الأعمدة الصحفية أهمية، فعلى الأقل كان أكثرها اختلافًا. خلقته الصدفة والإنسانية وحسن النية.
ويكمل صالح : .. ومن هنا أصل لشهادتى حول ميلاد «نيوتن» ورحلته من المقال الأول فى ١٩سبتمبر ٢٠١٢ وحتى توقفه. ودوافعى لهذه الشهادة أننى كنت قريبا جدا من الكواليس التى قادت إلى هذا العمود. ولسبب آخر مهم، حيث إننى بحكم «زمالة الدفعة» وصداقة قديمة مع الكاتب الصحفى الراحل عبدالله كمال، الذى اقترن اسمه بـ«نيوتن» لنحو عامين تقريبا، عرفت الوجه الآخر للحكاية، كما سأكشفها هنا. فقد علمت فى حينها أكثر مما يعرف باقى الزملاء فى المصرى اليوم عن صناعة هذه الفكرة.
يقول صالح : .. حين ظهر نيوتن، كنت مديرا للتحرير، وكان رئيس التحرير الصديق مجدى الجلاد، قبل أن يتركنا ليؤسس الزميلة «الوطن». وكان عندما يُسأل عن هوية كاتب «نيوتن» ينفى علمه به، ويقول: لا يشغلنى الأمر.. فقط هو مقال يومى يُعبر عن الإدارة.
وأضاف صالح : .. والراحل عبدالله كمال، خريج إعلام القاهرة قسم صحافة دفعة ١٩٨٧، كان طالبا نجيبا وصحفيا لامعا، منذ بدأ المهنة كمتدرب فى مجلة روزاليوسف منتصف الثمانينيات. عمل أيضا إلى جوار الراحل العظيم «محمود عوض» فى بعض المكاتب الصحفية العربية. وحين عملت فى مكتب القبس الكويتية نهاية التسعينيات، كنت أسمع من المخضرمين فى المكان، عن ذكريات التأسيس على يد عوض وتلميذه كمال.
وأكمل صالح : .. لمع «عبدالله» فى روزاليوسف، وتدرج فى المناصب إلى أن رُشح لرئاسة التحرير فى ٢٠٠٥. كانت المصرى اليوم قد انطلقت وتألقت، وكنت أراجع معه وأنا رئيس قسم الأخبار بالصحيفة، بورصة الترشيحات لمؤسسته ولباقى المؤسسات القومية. كنت واثقا من وصوله للمنصب. عندما كتب أول مقالاته فى المجلة، وكان مغموسا بالمهنية والأفكار والأخبار الحصرية، اتصلت به لأهنئه وأبارك له هذا الخط الذى هو امتداد لمنهج موسى صبرى ومكرم محمد أحمد.
وأضاف صالح : .. بعد ذلك، انطلق الإصدار اليومى لروزاليوسف برئاسة عبدالله كمال أيضا، صانعا لنفسه خطًا مختلفًا تمامًا. اشتبك مع المعارضين للحزب الوطنى، ومع الصحافة المستقلة أو المعارضة. وكان أبرز المستهدفين، صحيفة «المصرى اليوم» ومؤسسها صلاح دياب. أخذت الأمور منحى خطيرا بوصول الأمر للقضاء. كنت أعلم أن هناك محاولات عديدة للصلح جرت فى الخفاء، ونجحت فى ترطيب الأجواء. لكن إحدى الدعاوى القضائية المرفوعة بالسب والقذف من المصرى اليوم ضد عبدالله قد عبرت هذه المصالحات، بل عبرت ثورة يناير أيضا.
وأردف صالح : فى ٢٠١٢ حصل المهندس صلاح دياب على حكم نهائى مشفوع بصيغة التنفيذ بتغريم عبدالله كمال مبلغ ١٠٠ ألف جنيه. كان عبدالله قد ترك «روزا» فى الظروف المعروفة. لم يغير موقفه، ولم يهادن أو ينافق القوى الثورية أو الإخوان مثلما فعل آخرون. خرج صامتا مرفوع الرأس، وبدون أية مخالفات مالية. فهو لم يتربح ولم يستغل وظيفته. أيضا لم يمنح أحدا هدايا سخية من أموال عامة. لم يكسب سوى راتبه الشهرى من المؤسسة القومية أو من عمله كرئيس لمكتب «الرأى» الكويتية.
وحكى صالح : .. اتصل عبدالله بالمهندس صلاح دياب، ودار حوار هادئ حول تسديد المبلغ المطلوب فى صيغة الحكم. علمت من الطرفين أنه قد دارت أحاديث ودية وممتدة، تجاوزت الحكم إلى اتفاق بالصلح.. وتنازل دياب عن المائة ألف، ولم يخل الحوار من عتاب عابر. وأبدى دياب إعجابه بأسلوب عبدالله، وثبات موقفه.. كما تطرق الأمر إلى ذكريات وأسرار لم تنشر عن السياسة ومبارك والثورة.
وفى جلسة تالية بمكتب صلاح دياب بالزمالك، تولدت فكرة نيوتن.
وأكمل صالح روايته الرصينة المحترمة الواضح جدا الفارق بينها وبين الرواية المستفزة الأخرى : .. قال دياب لكمال «إننى رغم حدة الهجوم فى مقالاتك وتقاريرك السابقة تجاهى، فإننى كنت دائما حريصا على قراءة كل ما تكتب. ولأنك موهوب وتركت روزاليوسف، فكان من الطبيعى أن نقدم لك عرضا للكتابة فى المصرى اليوم، ولكن أنت تعلم أننا لا نستطيع فى هذه الظروف أن نقدم على استكتابك.. لن يكون الوضع مريحا لك أو لنا. من الممكن أن نبتكر عمودا يوميا مشتبكا تحت اسم مستعار». وجرى مناقشة عدة أسماء إلى أن استقر الأمر على «نيوتن».
وعلق صالح .. والأسماء المستعارة منتشرة فى الصحافة العالمية، وكذلك المصرية. لا ننسى «أبونظارة» وهو الرائد العظيم «يعقوب صنوع» الذى أعاد الكاتب الراحل نبيل عصمت إحياء اسمه فى «الأخبار». كان لزاوية «أنور وجدى» التى يكتبها إبراهيم سعدة أسبوعيا مذاقا خاصا، أطيب من كل مقالاته السياسية. وكذلك داوم الكاتب الصحفى مفيد فوزى لسنوات طويلة على تحرير زاوية نقدية قصيرة يوقعها باسم «نادية عابد».
وواصل صالح : .. تم الاتفاق بين دياب وكمال على الأسلوب وصيغة العمل. مؤسس المصرى اليوم تبهره الصحافة الغربية، والإيقاع السريع لكتابات الرأى فيها، يعشق الجُمل التقريرية القصيرة جدا. كان هناك اتصال يومى يجرى بين الرجلين. يتحدث دياب عن فكرته، وأحيانا يكتبها فى سطور أو نقاط، ويتولى كمال صياغتها بأسلوبه الرائع. وعندما يستقر الرأى على الشكل الأخير للمقال تتولى السيدة ماجدة الأنصارى، مديرة مكتب المهندس صلاح دياب، إرساله لمشرف الرأى بالصحيفة.
استقرت الأمور على هذا المنوال، وتألق نيوتن، وحقق مقروئية عظيمة، وحافظ الجميع على سره، حتى رحيل عبدالله كمال فى يونيو ٢٠١٤.
وقال صالح : .. مرة واحدة، وقع كمال باسمه، ولم يلحظ كثيرون الأمر، وكان صلاح دياب حينها يجرى عملية خطيرة فى مركز مجدى يعقوب للقلب بأسوان، وهو بالمناسبة نفس المركز الذى قضى فيه عبدالله كمال أيامه الأخيرة.
وأضاف صالح : .. كان الكاتب الراحل، قد أفضى بسر «نيوتن» لعدد محدود من المقربين منه. أتذكر أن زوجته ريهام الحداد قالت لى إن أول من نعى زوجها، بوصفه نيوتن، على السوشيال ميديا كانت قرينة السيد أحمد أبوالغيط، أمين عام الجامعة العربية. وأبوالغيط كان صديقا لكمال. وهو قارئ عظيم ومثقف متابع لكل الإنتاج الصحفى والثقافى. أما الزميلة نشوى الحوفى فقد كتبت مقالا فى الوطن عقب وفاة عبدالله كمال عنوانه: «وداعا نيوتن».
واختتم صالح شهادته المشكور عليها في مصداقيتها ورقيها : .. أصل باختصار هنا لمعلوماتى حول مصير نيوتن بعد ذلك. والذى أعلمه جيدا أن المهندس صلاح دياب، هو من كان يكتبه يوميا. بل إن لديه فائضا من الأفكار يُخزّنها حال سفره أو مرضه. وفى بعض الأحيان يتولى أحد الزملاء من مسؤولى الرأى صياغة فكرته إن كان هناك مانع ما يحول دون توليه صياغة فكرته بنفسه…هذه شهادتى كاملة عن نيوتن. وأكرر ما كتبته هنا حول أمنيتى لعودته للصحافة المصرية، ولـ«المصرى اليوم» بالتحديد. سيكون إضافة مهمة نحتاجها، وإشارة على جودة المناخ الذى نعيش فيه.
انتهت إلى شهادة أ محمد السيد صالح، وواضح جدا الفارق بين الرقي في السرد، والرخص في التناول، والروايتان منشورتان في المصري اليوم، وبالتالى الأمر يتعلق بصلاح دياب نفسه، خاصة أنه كرر نفس الرواية المستفزة الأولى في تصريحاته لبرنامج سوشيالى.
دور المناوى الوظيفي في أزمة مقال سيناء
كان لعبد اللطيف الميناوي، العضو المنتدب ورئيس تحرير جريدة المصري السابق مساحة ما في روايات تفاصيل كاتب عمود نيوتن على هامش أزمة مقال سيناء، حيث قال أن فكرة “عمود نيوتن”، منذ 7 أو 8 سنوات، واتبطت بشخصين في البداية، المهندس صلاح دياب مؤسس المصري اليوم، والكاتب الصحفي الراحل عبد الله كمال، وكانت عبارة عن حوارت بينهما تترجم في شكل مقالات، مشيرًا إلى أن الصحفي عبد الله كمال حينما انتقل إلى رحمة الله، تقرر استمرار العمود.
رد إسلام كمال في موقع الحرة حول نيوتن كمال ونيوتن دياب
وأفاد موقع الحرة الأمريكى بالعربية: يعرف بعض الكتاب أن الكاتب الصحفي الراحل عبد الله كمال رئيس تحرير روز اليوسف السابق، كان هو الكاتب الأصلي لمقال نيوتن قبل وفاته ثم بعد ذلك تولي المهندس صلاح دياب كتابة المقال كحوار بينه وبين أصدقائه.
ويقول الموقع الأمريكي : تواصلت الحرة مع إسلام كمال الكاتب الصحفي في روز اليوسف وشقيق الكاتب الصحفي الراحل عبد الله كمال، وأكد أن أخاه كان هو الكاتب الوحيد لمقال نيوتن قبل وفاته وكان يطرح أفكارا جيدة لا تتلامس مع أطروحات جماعة الاخوان المسلمين الذين كانوا يفكرون بتكوين هيئة مستقلة لتنمية سيناء كإقليم منفصل ، ولم يفكر عبد الله كمال في انشاء أقاليم مستقلة في مصر كحكومات فيدرالية بين الأقاليم المصرية كما يفكر فيها كاتب نيوتن الآن، وكانت أجندة أفكار عبدالله كمال كتاريخه كله وطنية، ورغم إبداعاته وابتكاراته الفكرية، إلا أنها كانت في الإطار الوطنى فقط، وليس كما ورد في مقال الحكم الفيدرالي لسيناء.
واتهم إسلام كمال كاتب مقال نيوتن بأنه ينفذ أجندة خارجية في ظل اتجاه العالم لطرح نظام جديد بعد أزمة كورونا، خاصة أن كثير من الكتاب الغربيين يرون أن كورونا هي ربيع عربي جديد سيسفر عن نظم سياسية بديلة في المنطقة العربية.
…
فهل يعتذر صلاح دياب ؟! .. وفق خبرات المواقف، لا طبعا ، وهدفى هو فضح مواقفه المتعددة ضد عبدالله كمال، بدلا من شكره على نجاح عمود نيوتن، الذي أضاعه بأجندته، بعد رحيل عبدالله كمال عنه وعن الدنيا كلها، رحمه الله.