منذ بداية العدوان الإسرائيلي المستعر على غزة، والتطاولات والهجمات والانتقادات الإسرائيلية لا تتوقف على مصر بكل الأشكال وكل الطرق، لكن الهجمات والحملات المتصاعدة خلال الأيام الأخيرة، لها طابع خاص، ولا يمكن تمريرها، لأن القصة محورية هذه المرة، وتؤكد على أن إسرائيل لن تترك مصر إلا مع تنفيذ مخططها للترانسفير، ومصر من ناحيتها واقفة بقوة لكل المخططات الإسرائيلية للتهجير وأيضا رافضة توريطها في غزة بأية طريقة، إن كان بإدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر محتل، أو إدارة القطاع في اليوم التالي، أو حتى المشاركة في إدارته مع دول أخرى، كما كان العرض الأخير المرفوض.
أكثر ما يغضب إسرائيل من مصر
وهذا أكثر ما يغضب إسرائيل من مصر، فرغم التحديات الاقتصادية المصرية التى تعانى منها ويحاول البعض استغلالها في مواقف ما، ترفض مصر أية محاولة لإجبارها على تنازلات من أى نوع مهما كان السبب وتحت أى صغوط، وهذا كان واضحا في مواقف عدة منذ بداية الحرب وحتى الآن، ورفض التنسيق الأمنى المصري الإسرائيلي كانت رسالة واضحة من القاهرة لتل أبيب وداعميها، وتوطيد العلاقات مع إيران أيضا من الأمور المحيرة لإسرائيل، فالجميع في تل أبيب كان يرقب مشاركة وزير الخارجية المصري سامح شكرى في مراسم جنازة وعزاء الرئيس الإيرانى ورفاقه، واعتبروها علامة فارقة.
إتهام تل أبيب للقاهرة
تل أبيب تتهم مصر بالخيانة، وتطالبها بدعمها في حربها ضد “الإرهاب في غزة” ،كما دعمت تل أبيب مصر في حرب ضد الإرهاب في سيناء..وبالطبع إسرائيل نفسها تعرف أن الإسقاط خارج المنطق، فالمقاومة الفلسطينية ليست إرهابا، والفلسطينيون يدافعون عن أرضهم من محتل، بينما في المقابل كانت مصر صاحبة الأرض تدافع عن أرضها وشعبها من قوى إرهابية ممولة، كانت متواجدة على الحدود المصرية الإسرائيلية، وبالتالى كما تتهم إسرائيل مصر بدعم المقاومة أو السكوت على تهريب الأموال والأسلحة لها، من حق مصر بالتالى أن تتهم إسرائيل بدعم داعش سيناء، أو السكوت عن تهريب الأموال والأسلحة لهم، رغم التأكيد على فكرة أن المقاومة الفلسطينية ليست إرهابا.
“الجميل” الإسرائيلي المزعوم
وإسرائيل تطلب رغم ذلك برد ما اعتبرته الجميل، حينما كانت توافق إسرائيل على انتهاك الترتيبات الأمنية بمعاهدة السلام وإدخال القطع العسكرية الثقيلة والمقاتلات لدفاع مصر عن أرضها وشعبها من الإرهاب، حيث تطالب إسرائيل مصر بالتنسيق الأمنى ومشاركة في إدارة معبر رفح وإدخال المساعدات الإنسانية عبره، بل واتهام مصر بأنها سبب تفاقم الأزمة لأنها ترفض إدخال المساعدات عبر معبر رفح، رغم أن هناك ست معابر بين إسرائيل وغزة، من الممكن استخدام أحدها في ذلك.
التمرير المصري للموقف للتركيز على الأهم
ومصر تريد تمرير الموقف على إسرائيل، ولا تركز فى حملات إسرائيل الهجومية ضدها، بعد الرد عليها، لأن هدفها واضح افتعال الأزمات معها تارة ومع قطر قبلها تارة أخرى، والقصة الآن فقط في إعادة مفاوضات الهدنة، وهذا أمر في حد ذاته سيكون مربكا ومقلقا لنتنياهو نفسه، وهو تصرف مصري ذكى وكاشف لنوايا إسرائيل، فإن كنتم تتهمون مصر بأنها غيرت شروط الصفقة، وعرضت مقترحا عليكم بخلاف المقترح على حماس، إذا لنجلس على مائدة واحدة لاستعراض المقترح المتفق عليه، وتعرضه مصر وقطر على حماس لإنهاء الأمر، بدلا من افتعال الأزمات لاستمرار الحرب.
نتنياهو وقع بلسانه
ونتنياهو نفسه وقع بلسانه حينما قال في حواره الأخير للسي إن إن، أنه على مصر أن تتفهم أنه لا وقف إطلاق نار مرة أخرى، ثم تدعى الحملات أن مصر تختلق الخلافات لوقف مفاوضات الهدنة، في صراع مزعوم لقيادة الوساطة إما هى أو قطر!
وكانت مصر ردت خلال الساعات الأخيرة الماضية بعدة بيانات وتصريحات من مصادر مختلفة علنية ومجهلة، ضد إسرائيل في كل مناحى حملاتها المفضوحة، وكشفت المخطط الإسرائيلي لافتعال الأزمات للتحجج والتهرب من مسئولية استمرار العدوان وتعطيل الهدنة، إن كان تهرب داخلى أو خارجى، ورفض تحمل مسئولية جرائم الإبادة المتواصلة.
إسرائيل تواصل عملياتها
فيما تركز إسرائيل على تواصل عملياتها العسكرية في محور فيلادلفيا التى سيطرت على أغلبه وسط احتشاد عسكري مصري غير اعتيادى على الحدود المصرية الإسرائيلية، لكن لا أحد من الطرفين يريد أن يصل لمربع المواجهة العسكرية، ولا تجرؤ إسرائيل على مجرد التفكير في ذلك، رغم المناوشات المستمرة ضد مصر، المسيطرة على أعصابها حتى آخر لحظة.
مصر لن تنجر كما تريد إسرائيل
ولن تمنح القاهرة تل أبيب الفرصة لجرها لمربع لا تريده، بل بالعكس بعد الرد على كل الهجمات والحملات مفضوحة الهدف الإسرائيلية، تركز الآن القاهرة على إعادة مفاوضات الهدنة وإلا التهديد برفع يدها عن الوساطة غير المجدية، رغم الموقف الأمريكي الباهت، والذي تركز في كلمات سوليفان مستشار الأمن القومى، الذي إدعى أن الإسرائيليين أطلعوه على خطط عملية رفح، ولم يجد فيها ما يقلق المدنيين الذين تم ترحيل حول مليون منهم لمناطق قاحلة لا حياة فيها، وبالتالى ستتزايد أجواء المعاناة، وسط تعتيم إعلامى متعمد، ظهر في مواجهة وسائل الإعلام وتضييق الخناق عليها.
عصابات تجارة الأعضاء
وبخلاف جرائم الحرب الدموية المباشرة، والتى ستكون من الأدلة البارزة للجنائية الدولية على نتنياهو ورفاقه، أيضا هناك تجارة أعضاء بشعة تقوم بها عصابات رسمية وغير رسمية تابعة لإسرائيل بكل مؤسساتها، وتسرق كل أعضاء الفلسطينيين، والذين تقتلهم لهذا السبب، ثم تلقيهم في مقابر جماعية لإخفاء جرائمهم، لكن مع الوقت تتكشف، وبعض مرضاهم الساديين يتفاخرون بهذه الجرائم المريضة..
نتنياهو في وضع أفضل مما سبق
وعودة للمشهد الإسرائيلي فلم يعد لدى نتنياهو ما يقلقه في الساحة الداخلية، بعد تنفيذ حليفه اللدود بينى جانتس تهديده بالانسحاب من الائتلاف، حيث ستبقي حكومة نتنياهو متماسكة بقوة، وهى لديها قوة أغلبية ٦٤ مقعد، وبالتالى لن يخرج أحد ولم تنهار، بل بالعكس من أن تكون هناك مفاجآت وينضم له أشخاص انتهازيين من نوعية جدعون سعار أو حتى أفيجدور ليبرمان بل وحزب الاخوان بقيادة د. منصور عباس، رغم صعوبة السيناريوهات المتعلقة بكل واحد منهم، لكن الأمور لن تكون مستبعدة وقتها بسبب المصالح..
ملاحقة الجنائية الدولية
والقصة في ملاحقة الجنائية الدولية فقط الآن، والذي انضمت أمريكا للهجوم عليها بشكل غريب، والمسيطر على وقت نتنياهو لمواجهة سيناريوهاته خاصة بعد تفاعل عدة دول مع قرارات الجنائية ، معلنة عدم استقبال نتنياهو، بل والقبض عليه لو فدم لها، لكن عموما نتنياهو بذلك في موقف أقوى مما كان، وليس مهددا بالسقوط كما كان، ويتعالى في استطلاعات الرأى، خاصة أن المظاهرات الشعبية لم تعد تشغله بالمرة، ولم يعد عابئا بلقاء أهالى المختطفين، وعلينا أن نعى ذلك ونحن نواجهه الآن.